" " " " " " " " رواية وليتني لم ألتفت كاملة جميع الفصول – بقلم آلاء محمد حجاج
📁 آحدث المقالات

رواية وليتني لم ألتفت كاملة جميع الفصول – بقلم آلاء محمد حجاج

لو سمحتي!

لو سمحتي! 

مهتمّتش… يمكن بيكلم حد ورايا.


ثانيتين… وفجأة:

– لو سمحتي يا آنسه!


هنا بقى…

لفّيت.


ولأول ما  لفيت…

اتجمدت. 

اتصدمت.

اتسمّرت.

اتسمرت حرفيًا من جمال اللحظة دي.


قدّامي…

واقف زين.

زين اللي هو زين…

حب عمري، اللي كنت بدعيله أكتر ما بنام، واللي كنت بحبه من غير ما يعرف، واللي كنت فاكرة إن مجرد شوفته هيمسح همّ سنة.

.

زين بتاعي.

زين اللي قلبي بيرقص كل مرة أتخيله بس.

زين اللي كنت بحبه من ورا الزمن والناس والدنيا…

زين اللي كنت بدعيله من وانا طفلة تقريبًا.


ولوهلة…

افتكرت إن القدَر بيحضّرلي مفاجأة.

إن ربنا افتكر دعوتي اللي كنت بسرقها بين الصلوات.

إن اللحظة اللي بتمناها بقالها سنين وصلت أخيرًا.


كنت واقفة ببصّله وأنا حرفيًا مبقاش فيّ نَفَس.

هو… هنا؟

بينده عليّا؟

عايزني أنا؟

دلوقتي؟

ليه؟

إزاي؟

يا رب يكون اللي في بالي صح… يا رب يارب…


فُقت من خيالي على صوته وهو واقف قدّامي بكل وقار: 

– لو سمحتي… حضرتك إستبرق؟


أول ما سمعت اسمي قلت خلاص…

يا جماعة السعادة ليها صوت، وده كان صوتها.

 وأنا ببتسم، الابتسامة اللي بتطلع لوحدها لما القلب يهيص قبل العقل.


بس أي حضرتك؟

يا نهار أبيض…

ده بيقولّي حضرتك؟!

ده أنا كنت بحلم اليوم اللي يقولِّي فيه يا حبيبتي!


إيه الرسميات دي يا جدعااان؟ ده أنا كنت بقول عليه روحي الثانية وهو بيقول حضرتك؟!


بلعت ريقي وقلت:

– أيوه… أنا.


بص لشارع كده، ورجع بصلي وهو محرج جدًا:

– بصي… أنا آسف إني بكلمك في الشارع وكده… بس هو الموضوع مهم، وما كنتش لاقي غيرك. 


قلبي وقع…

يا رب يا رب يقول اللي أنا عايزاه… يا رب يقول الكلمتين اللي مستنيهم من سنين… يا رب يصدّق قلبي.


قلبي بيرقص…

يا رب يقولها…

يا رب يقول اللي أنا مستنياه…

قول يا زين… متعذبنيش…


كمل بقنبلة ذرية خلّت روحي تطلع:


– أنا… انا بحب رحمة  صحبتك من زمان.

وعايز أجي أتقدم لها.

ومش عارف أوصل لوالدها… فقولت أسألِك يمكن تجيبي لي رقمه. 

بما إنك صحبتها وكده. 


في اللحظة دي…

مفيش حاجة اتسمعت.

ولا حاجة اتفهمت.

ولا حاجة استوعبتها.


أنا حسّيت…

إن روحي اتسحبت من جسمي.

اتكسرت.

اتحدفت من الدور العاشر بدون باراشوت.


يعني إيه؟

يعني إيه زين… حبيب عمري…

عايز رقم أبو صاحبيتي…

عشان يتقدّم لها؟!


وبدأت أتكلم في سرّي بصوت عالي جوا دماغي:

إستبرق… استوعبي…

حبيب عمرك…

اللي بتحبيه من وانتِ طفلة…

اللي بتدعي ربنا يجمعك بيه…

اللي كنتي بتعيطي قدام صورته…

عايز رقم أبو صاحبتك…

عشان يتقدّم لها؟!


والله العظيم حسّه أن روحي بتنسحب مني. 

ليه؟

ليه يا دنيا؟

أنا عملت إيه؟

أنا بدعي غلط؟

ولا بدعي بالمقلوب؟

ولا هوّ كان بيسمعني وأنا بدعي ويضحك؟


وقفت ببصلّه وأنا مش سامعة ولا كلمة…

كنت بس سامعة صريخ قلبي وهو بيتشرخ حته حته. 

--------------------------

كنت واقفة قدّامه، ملامحي بايظة من الصدمة، عقلي فصل، ودنياي وقفت…

لقيته بيشاور قدّامه بإيده وبيقول بصوت متوتر:


– حضرتِك… رُحتي فين؟


صحّاني من الغيبوبة اللي وقعت فيها.

رمشت كذا مرة… وبصوت واطي قوي قلت:

 موجودة…


قرب شوية وقال:

– طب تقدري تجيبيلي الرقم؟


أنا؟

أنا اللي أجيبلّك رقم أبو البنت اللي بتحبّها؟

أنا اللي أحبك وأكون السبب إنك تروح لصاحبتي؟

أنا اللي أبقى الكوبري اللي يوصّلك ليها؟


بلعت ريقي بالعافية… وطلعت كلمة محدش سمع فيها الروح اللي اتكسرت جوايا:

– حاضر… هجيبهولك.

بس… مش معايا دلوقت.


ومستنيتش رد…

مستنيتش أفكّر…

مستنيتش أتنفّس.


لفّيت… ومشيت.

ومشيت وأنا حاسّة إني ماشية على جروح، مش رجلين.

ومش سامعة حاجة… إلا صوت قلبي وهو بيتكسر واحدة واحدة.


كل خطوة كنت باخدها… كانت بتوجع.

كل نفس… كان بيقطع.

كل شارع… كل وش… كل عربية… أنا مش شايفاهم.

أنا شايفة كلمة واحدة:

بحب رحمة


وصلت البيت…

قفلت باب الأوضة…

ولمّا اتأكدت إن مفيش ولا حد سامع…

وقعت على الأرض.


وقعت فعليًا.

ركبي اتخضّوا.

قلبي وقع قبلهم.


وبدأت أعيط…

وأعيط…

وأعيط…

زي طفل اتاخد منه حضنه الوحيد.


مسكت وشي بإيديا وقلت بصوت مكسور:

– يعني إيه؟

يعني إيه زين… بيحبها؟

بيحب رحمة؟

إزاي؟

إزاي؟

إزاي وأنا بحبه من سنين؟

من سنين يا رب…


دموعي كانت نازلة كأن حد فتح حنفية وجع.


– أنا كنت بدعيله… كنت بدعيله يا رب يجمعني بيه…

كنت بفرح لما أشوفه…

وهو… هو بيحب غيري؟

وأكتر واحدة؟

صاحبتي؟

رحمتي؟

بنت قلبي؟

يا رب… ليه؟


كنت بكلم نفسي وانا مش شايفة حاجة قدّامي، كل اللي شايفاه كلمة:

عايز اتقدملها


وأنا كنت فاكرة… إنه لو نادى عليّا مرتين زي النهارده… يبقى دي إشارة…

طلعت الإشارة غلط…

طلعت نداء عشان حد تاني.


وقولتها بصوت مكسور، صوت يوجع اللي ملوش قلب:

– ده حبيب عمري…

حبيب عمري اللي معرفش يعيش في خيالي من غيره…

بيحب صاحبيتي.

بيحبها…

مش  بيحبني. 


وطولت وأنا بعيط…

لحد ما صوتي راح…

وعنيا وجعت…

وجسمي اتخدر…

بس قلبي؟

قلبي كان صاحي…

وبيتنزف.


ولحد ما فقدت الوعي وأنا بعيط…

نمت.


الصبح

صحيت على وجع…

وجع الصداع…

و وجع جسمي…

بس في  حاجة تانية.

حاجة أعمق…

وجع قلبي … بيخبط في كل حتة فيا.


قمت بالعافية…

وأول ما وقفت…

رنّ التليفون.


بصيت…

رحمة.


ردّيت وأنا صوتي مبحوح من البكا:


– أيوه يا رحمة.


قالت بضحكه:

– انتي فين يا جزمة من امبارح؟ اختفيتي ليه؟


إستبرق ضحكت ضحكة مكسورة محدش يسمعها غير ربنا:

– يا حبيبتي… كنت كده كده هكلمِك أول ما أصحى.

عايزاكي…

عايزاكي أقبلك ضروري.


سكتت ثانيتين كأنها حسّت إني مش طبيعية:

– تمام… نتقابل عند الكافيه اللي على البحر… اللي دايمًا بنقعد فيه.


إستبرق قلت بصوت ميت:

– اشطا… هشوفِك هناك.


قفلت…

وقمت بالعافية.

روحت أتوضّى…

ولبست ووقفت قدّام ربنا.


وأول ما قولت:الله أكبر…


انهرت.


دموعي نزلت غصب عني…

ركبتي وجعت…

قلبي كان بيصرخ وأنا ساجدة…

وقولت:


– يا رب…

لو حب زين مش ليا…

شيله من قلبي.

يا رب شيل وجوده من روحي…

شيل تعلقي…

شيل الوجع ده…

خليني أنساه.

أنا… مش قادرة يا رب.


وقعدت تبكي…

وتدعي…

وتتعلق بربنا وهي بتنهار.


خلصت إستبرق من صلاتها وهي مش شايفة قدّامها من الدموع…

المصلية اللي كانت واقفة عليها مبلولة. 

وهي نفسها مش فاهمة ازاي لسه واقفة على رجليها.


مسحت وشها بسرعة…

وخدت شنطتها ونزلت، ماشية من غير ما تشوف، كل خطوة كانت تقيلة…

ومخها عامل دوشة جواها:

حبّ صاحبتي؟

ليه؟

اشمعنى هي؟

هو انا وحشة؟

ولا هو عمره ما شافني أصلا؟


كانت ماشية في الشارع، تايهة…

عينينها محمّرة، ملامحها باينة عليها البكاء…

لحد ما قبل الكافيه بشوية خبطت في ست كبيرة.


وقعت شوية حاجات من يد الست.


إستبرق اتخضت:

– ياااه، أنا آسفة جدًا يا طنط! والله ما كنت واخدة بالي!


نزلت بسرعة تجمع الحاجات اللي وقعت…

الست قالت بابتسامة طيبة:

– عادي يا بنتي، حصل خير… ما تخديش في بالك.


إستبرق رفعت وشها…

وعينيها كانت حمرا قدّ الدم.

وشها شاحب، وروحها باينة إنها مش في الدنيا أصلاً.


بصتلها الست بقلق:

– مالك يا بنتي؟


إستبرق اتنهدت… وروحها وقعت أكتر:

– أنا… أنا ممكن أحضنك يا طنط؟


الست فتحت دراعتها من غير سؤال…

وإستبرق جريت عليها، حضنتها بقوة…

قوة حد اتكسرت روحه وعايز أي صدر يخبّيه من الدنيا.


الست مسكتها تهزّ فيها بلطف:

– مالك يا بنتي… مالك؟


إستبرق انهارت… دموعها نزلت بعنف:

– قلبي… قلبي وجعني… قلبي واجعني قوي يا طنط… قوي.


مسحت الست على ضهرها:

– سلامة قلبك يا بنتي… بس قولي، إيه اللي حصل؟

حبيبك هجرك؟


ضحكت ضحكة موجوعة، ضحكة تكسّر الحجر:

– يا ريت… يااا ريت كان هاجرني… ده ما حبّنيش أصلاً.

ده حَبّ أغلى الناس على قلبي…

حَبّ صاحبتي…

صاحبتي يا طنط… أنا!

أنا اللي كنت شايفاه حلمي، وهو شايف حياتي كلها مجرد وسيلة عشان يوصل لغيري!


هزّت راسها بحزن وقالت:

– عذراك يا بنتي… والله عذراك.

بس اسمعيني…

إنتِ غلطانة من الأول، آه والله غلطانة…

ما ينفعش تخلي قلبِك يتعقل بحد مش ليك.

الحب رزق…

ولو كان ليكي، كان زمانه جه يجري وراكي من غير ما تتعبي ده كله.


 إستبرق مسحت دموعها بصباعها مرتعش:

– وأنا أعمل إيه؟

أنا مقدرتش أمنع نفسي…

حبيته من زمان… غصب عني.


الست هزت راسها بحنان:

– عارفة… عارفة إن مفيش حد ليه سلطان على قلبه.

لكن احنا نقدر نوجّه قلبنا…

ولو غلط… نرجّعه.


– عارفة يا بنتي… ربنا نزل غضّ البصر ليه؟

عشان ما نِبَصّش لحد ونتعلق بيه…

عشان نعرف إن مش كل اللي يلمع ده لينا…

أوقات بنشوف حد، فنتعلّق… وده بيبقاش حب، ده تمني… وتوهان…


إستبرق فضلت ساكتة، بتنهّد، وبتمسح دموعها اللي ما كانتش عايزة تخلص.

وهي كملت بحنية تخوّف:

– ربنا يا بنتي ما بيديش حد حاجة ويمنع عنه حاجة… إلا وهو عارف الخير فين.

ادعي بينا… ادعي إن ربنا ينسيك…

وإنه يرزقك اللي يستاهلك…

واللي يحبّك زي ما قلبك الطيب يستاهل.


نزلت دمعة بطيئة من عين إستبرق:

– طب أنا أعمل إيه دلوقتي؟

حياتي اتقفلت قدّامي…

أنا مش قادرة أشوف صاحبتي…

ولا قادرة أسمع اسمه…

ولا قادرة أصدّق إنه عمره ما حبّني… ولا حسّ بيا…


الست قربتها منها أكتر:

– هتعملي اللي ربنا قال عليه…

هتدعي.

وتقولي: يا رب…

يا رب اشيل حبّه من قلبي زي ما شلت رزقه عني.

يا رب اكتبلي نصيبي اللي يستاهلني…

يا رب قوّيني على فراقه…

وانسيني اللي مش ليّ.


إستبرق عضّت شفايفها من الوجع، ودموعها كانت بتنزل بغزارة:

– هو ليه قلبي بيحبه للدرجة دي يا طنط؟ ليه؟


الست سندت إيديها على خدّ استبرق ومسكتها كأنها بنتها:

– عشان الحب الحقيقي بيدخل من غير استئذان…

بس اللي مش نصيبك…

ربنا هيخلّيه يطلع من قلبك من غير ما يسيب أثر.

ثقّي في ربنا بس…

وقوليله: يا رب…

يا رب اشفيني.

يا رب اهـدّي قلبي…

يا رب بدل وجعي فرح.


حسّيت قلبي بينزف حرفيًا…

حسّيت إني مش قادرة أتنفّس…

بس في وسط ده كله… في وسط الوجع والبُكا والكلام اللي بيكسّر القلب…


مسحت دموعي بإيديا المرتعشة…

وبصيت للست وأنا بتنهد تنهيدة مكسّرة :


– بس أنا…

أنا مش هسيب حبّ عمري يروح من قدّام عيني…

وانا واقفة أتفرّج.

---------------------

مش هقعد كده وأسكت… مش هسيبه يضيع مني.


بصّت لي الست بنظرة أم…

نظرة فيها حنان يكفي يشيل جبل…


وهزّت راسها بأسف وقالت:

 بصي يا حبيبتي… ده مش نصيبِك.

والنصيب لو ما كانش ليكي، والله لو الدنيا كلها قامت… مش هتيجي جنبك.

والقلب ساعات بيعشق الغلط، وربنا بيصرفه عنّك… حماية مش حرمان.


واللي مش نصيبك… مهما جريتي وراه هيفضل بعيد.

اللي مش مكتوبلك… مش هيمسك إيدك، ولا هيشيل عنك وجع، ولا هيكمّل معاك.

ده نصيب غيرك… وربنا حافظلك على نصيبك انتِ.


إستبرق هزّت راسها بوجع، قلبها بيخبط فيها زي طبلة محزّقة:

 طب ليه؟!

ليه يا طنط؟

ليه قلبي حب اللي مش ليّ؟

ليه؟!


الست حضنتها تاني وقالت:

 عشان القلب مالوش سلطان يا بنتي… بس العقل له.

وأكتر غلطه غلطتيها… إنك سلّمت قلبك لحد قبل ما يبقى ليكي.

ما تستسلميش للوجع… بس كمان ما تتمسكيش بحاجة مش ليكي.

أنتِ تستاهلي اللي يحبّك انتي… مش اللي قلبه عند غيرك.


استبرق عضّت شفايفها من الألم… دمعة سخنة نزلت على خدّها وهي بتقول:

 بس… أنا مش قادرة.

مش قادرة أشوفه بيتسرق مني وأنا متكتفة كدا …

مش قادرة أسيبه يحب حد تاني قدام عيني.

أنا… أنا مش جاهزة أخسره.


قربت راسها مني، وقالتلي وهي ماسكة إيدي:

 يا إستبرق… انتي فاهمة غلط.

الخسارة الحقيقية مش إنه يحب حد غيرِك…

الخسارة إنك تضيّعي نفسك في طريق مش بتاعك.


دموعي نزلت تاني… غصب عني.

أنا كنت زي اللي بيتخبط من جوا.


قالتلي بحنان:

 اسمعيني…

اللي قلبك بيعمله ده مش حب…

ده تعلّق.

وده أخطر مليون مرة.


الست حطّت إيديها على كتفها وقرّبت راسها:

وبعدين هتقدري… لما تطلبي من ربنا.

قومي اتوضّي وادعي… وقولي له:

(يا رب، إن كان خير لقلبي… اكتبهولي، وإن كان شر… شيّله مني وشيّلني منه).

وربنا مش بيكسر قلب حد لجأ له.


إستبرق مسحت دموعها وهي بتتنفّس بصعوبة…


الست ابتسمت بطيبة وقالت:

 افتكري… اللي بيتاخد من قدام عينِك وهو مش ليكي… ربنا بيبعده عنك رحمة.

مش قسوة.

ده مش نصيبك يا بنتي…

ما تغيّريش كتب ربنا علشان قلبك موجوع.


إستبرق نزلت راسها…

اتنفست…

وحسّت أول مرة من أول امبارح إن في كلمة دخلت قلبها صح.

 نزلت تاني…

قلبها كان بيطبطب على روحي.


– بس اسمعي نصيحة ست كبيرة…

ادعي ربنا يصرفه من طريقك لو كان شرّ ليكي.

ويسيب في قلبك نور، مش جرح.

وما تتعلقيش بحد مش ليِك… علشان قلبك بينكسر وانتي ماذنبكيش.


قربت الست من ودني وقالت:

 بس…

لو عايزة تفضلي واقفة قدّام حب مش ليكي…

وتتعبي… وتوجعي… وتنسي نفسك…

اعملي كده.

بس خلي بالك…

في الآخر، إما هتتكسري…

يا إما هتعرفي إن ربنا كان شايل لك حد أحسن مليون مرّة


هزّيت راسي وأنا بمسح دموعي…

وشكرتها، وسلمت عليها، وكملت طريقي نحية الكافيه عند البحر، قلبي لسه مضروب، لسه موجوع، لسه مش مستوعب.


أول ما وصلت…

كانت رحمة قاعدة مستنّية…

والوش اللي عمري ما كنت بتوقع أشوفه سبب وجع ليا…

هو سبب الوجع.


قعدت قدامها، بصّت لي بضحكة واسعة وقالت:


– يا بنت الجزمة… اختفيتي من امبارح!

فينك؟


ضحكت ضحكة بهته جدًا… وقلت:

– كنت ناوية أكلمِك أول ما أصحى…

عايزاكي في موضوع مهم.


رحمة قربت بفضول:

– قولي يا قلبي.


مسكت الكوباية قدّامي وأنا بحاول أثبت إيديا: 

هو انتي تعرفي زين اللي معانا في الكلية؟


رحمة بحماس: 

أيوة، 

أنا… بصراحة معجبة بيه جدًا!

شاب أمور، مؤدب، محترم، ومعاه فلوس…

وبصراحة بيني وبينك… شكله يجنن.


كأن حد ضربني على صدري.

نفَسي اتقطع.

وداني صفّرت.


بس حاولت أكتم كل حاجة وقلت:

– مش كل حاجة الفلوس يا رحمة.


ضحكت وقالت:

– يا بنتي ما أنا عارفة… بس بردو ما يضرش.

المهم مالو، 


إستبرق بوجع:

بصي هو…هو


قربت منّي وهي مستغربة:

– قولي يا بنتي خوفتيني.


خدت نفَس طويل… وقلبي وجعني وأنا بقول الجملة اللي دبحِتني:

– رحمة…

زين…

كلّمِني امبارح…

وطلب… رقم باباكي.

علشان…

يجي يتقدّم لك.


رحمة ببرود وبجاحة: 

طب ليه  ما اديتهوش رقمي؟ 


وقتها أنا اتجمدت.

اتجمدت بمعنى الكلمة.


بصيتلها بصدمة وقولت ببطء:

 لو…

لو كان عايز رقمك…

كان جالك.

أو كان أخده…

مني أنا امبارح بس هو عاوز يدخل البيت من بابه. 


رحمة بفرحة: 

مش مشكلة اهم حاجه انو عاوز يخطبني‌. 


خلصت إستبرق وقامت تستأذن…

وتهزر معاها شويّة عشان تغطي دموعها اللي كانت هتقع.

لكن قلبها؟

كان بيقع على الأرض مع كل خطوة.


لكن اول لما وصلت البيت، لقت شنط… وسمعت أصوات.

عرفت أن أهلها رجعوا من السفر.


جريت عليهم:

– ماما! بابا! وحشتوني!

حضنتهم واحد واحد ودموعها كانت بتحاول ما تنزلش.


لكن أبوها…عينه عليها،

 وبان على وشّه إنه واخد باله من كل حاجه.


بعد ما سلّمت عليهم وقعدت معاهم،


_ إستبرق… إتعالي هنا.

ده صوت بابا اللي حافظني أكتر مني.


دخلت أوضته، وقفل الباب ورايا وقال وهو واقف قصادي:

– في إيه؟


هزّيت راسي:

– مفيش يا بابا.


ضاق عينه عليا وقال:

– إستبرق … متحوريش عليا.

أنا حافظك أكتر ما انتي حافظه نفسك

ده أنا بعرف إنك زعلانة من قبل ما تزعلي.

قولي.


فضلت ساكتة…

عينيا دمعت قبل ما صوتي يطلع.


قال بلطف، بصوت يدوّب الحجر:

– ينور عيني… إحكي.


هنا…

خلصت مقاومتي.

وقعدت أحكي…

كل حاجة.

من أول لما ندى عليا

لحد آخر كلمة قالهالي.

لحد ما قلبي اتقفل وأنا بحكي عنه بيطلب رقم أبو رحمة.


وأنا بحكي، بابا ساكت…

لكن عينه كلها وجع علي وجعي. 


ولمّا خلصت… قالت بصوت مكسور وأنا ببص في الأرض:

– ياريتني ما التفتّ له…

ياريتني ما طلعت من البيت يومها…

ياريت…


أبوها مدّ إيده ومسح دموعها وقال بهدوء:

– مفيش كلمة اسمها ياريت يا إستبرق.

ولا كلمة اسمها كان لازم  ولا ماكانش المفروض. 

في كلمة واحدة بس:

قَدَر.

اللي ربنا يكتبه… بيحصل لحكمة.

وإنتي قلّبتي الموضوع حُزن… بس يمكن ربنا بيبعد عنك وجع أكبر.

يمكن بيحبّك وبيحميكي.

يمكن بيجهّز لك راجل تاني… أحسن… وأنضج… وأحنّ…

واحد قلبه يبقى ملكك لوحدك.

فبلاش تقولي ياريت.

قولي:

"اللهم عوّضني خيرًا فيما فقدت… واملأ قلبي صبرًا ورضًا".

ولو كان زين مش نصيبك… هيفضل مش نصيبك مهما عملتي.

ولو كان ليكي… هيرجعلك لحد باب البيت.

فإوعِ تعيّشي في الحسرة.

اللي راح… راح.

واللي ليكي… محفوظ.


أنا كنت بسمعه…

بس الوجع كان أقوى من وداني.

ولاقيت نفسي أقول:


– تعرف يا بابا…

أنا امبارح…

كنت عايزة… أنتحر.

بس خوفت.


بابا اتجمّد.

وشه اتغيّر.

ووقف قدّامي كإنه شايف المصيبة بعينه.


قال بصوت عالي لأول مره:

 عايزة تموتي إيه يا بنتي؟

تموتي كافرة؟!


قرب مني وقال وأنا ببكي:

– اللي يقتل نفسه…

ده بيزوّد وجعه بنفسه.

وبيضيع عمره اللي ربنا ادّاهوله هدية.

إستبرق…

الانتحار مش هروب…

ده كفر بنعمة ربنا…

وتكذيب لرحمته…

وتحدّي لقضاءه.


مسك راسي من الجانبين وقال:

– إنتي أغلى من إنك تضيّعي نفسك.

وأغلى من إنك تتعلقي بحد مش نصيبك.

والنصيب…

ما حدش بياخده.

ولا حد بيهرب منه.

ولا حد بيزوّده ولا ينقصه.

وإنتي…

ربنا كاتبلك اللي أحسن من إنك تبكي عليه.


حضنته…

ولقيت الدنيا كلها بتقع على كتفه.

وبابا مسكني وكأنه خايف أضيع منه.

----------------------------------

عدّى كم يوم…

كم يوم بس؟

لا… الحقيقة إنهم كانوا سنين، حتى لو كانوا تلات أيام على بعض.


أيام كنت بصحى وأنام نفس النوم…

نوم تقيل… بس مش نوم جسم، ده نوم روح.

كنت بصحى من غير ما أصحى…

أقوم من غير ما أقوم…

أعيش اليوم وأنا مطفية…

مفيش في قلبي ولا شرارة واحدة من اللي كانت منورة الدنيا كل ما اسمه زين يعدي في بالي.


وطول الوقت؟

أنا مش بفكر فيه…

لا.

أنا بهرب من التفكير فيه.

والهروب أتعب من التفكير نفسه.


واللي مستغرباه…

إن رحمة ما بتتصلش.

ولا بتسأل.

ولا حتى رنة.

وبصراحة…

أنا كنت مبسوطة إنها مش بتكلمني…

ومكسوفة إني مبسوطة…

لأني كنت خايفة أول ما أسمع صوتها…

يرجع وجع زين يضرب قلبي زي أول يوم.


بس في نفس الوقت…

حاسّة إن في حاجة غلط.

رحمة عمري ما حصل تبعد كده.


لحد ما في يوم…

الموبايل رن فجأة…

سحبت التليفون وأنا قلبي بيدق…

لقيت اسمها منوّر.


ردّيت وقلبي متلخبط:

– ألو؟


صوتها كان متحمّس زيادة:

– تعاليلي البيت حالًا… عندي لك مفاجأة!


مفاجأة؟

أنا أصلاً مش قادرة أستوعب حاجة…

بس قولت ماشي، يمكن ربنا ميسرلي حاجة تفرّحني.


لبست ونزلت…

وأنا في الطريق…

كل خطوة حاسّة إنها تقيلة…

وحاسّة إن في حاجة غريبة مستنّياني.


وصلت…

رحمة فتحت الباب بضحكة كبيرة قوي…

ضحكة مريبة.

ضحكة مش ريّحتني.

ودخلت.


لقيت الشقة منوّرة…

ريحة معطر…

وكركبة ناس…

وضحك.


وأكتر حاجة شدت عيني…

إن في ناس غريبة قاعدين… ووشوش كتير… ولبس خروج شيك.


وقفت… باستغراب، وقلبي بيدق بطريقة مش مريحة.


رحمة قربت مني:

– إستبرق…

فاكرة لما قولتلك عندي مفاجأة؟


قبل ما أرد…

واحدة ست طلعت من جوه الصالون…

ست شكلها شيك… ملامح قوية… وابتسامة هادية.


أول ما شافتني…

ضحكت وقالت:

– إزيك يا إستبرق يا حبيبتي؟ عاملة إيه؟


رحمة اتخضّت وسألتها:

– حضرتك تعرفيها يا طنط؟


هنا…


دمي نشف.

نفَسي اتسحب.

وشي اتسحب من عليه الروح.


والست قالت بكل بساطة:

– أيوه يا حبيبتي… معرفة قديمة…


معرفة قديمة؟

دي…

دي الست اللي خبطت فيها في الشارع!

الست اللي حضنتها وأنا منهارة!

الست اللي مسحت دموعي!

الست اللي قالتلي ما تبصيش لحد وتتعلّقي بيه. 


ورحمة…

وقفت تبتسم…

مش فاهمة المصيبة اللي بتقع فوق دماغي.


وفجأة…

زين ظهر من جوه الصالون.…

لابس شيك…

ومبسوط…

ومشغول…

ومستعدّ.


وكان باين…

وإن دا اليوم اللي هيطلبوا فيه إيد رحمة رسمي.

واليوم اللي أنا اتدعيتله…

عشان أحضر فرحة صاحبيتي…

على جثة قلبي.


كانوا منوّرين…

وكنت أنا قاعدة معاهم… بس مش معاهم.

في وادي تاني.

بعيدة.

تايهة.

مش فاهمة الدنيا بتقلب كده ليه.

مش فاهمة إزاي الست الوحيدة اللي حضنتني…

تطلع أم الشخص الوحيد اللي حبيته.

وأم العريس بتاع صاحبيتي.


بس المفاجأة الحقيقية؟

هي مش إن الست تعرفني.

ولا إن القدر رجعني ليها.

ولا حتى إن الست اللي حضنتني طلعت واقفة قدامي في بيت صاحبتي.


المصيبة بقى…

إن الست دي…

طلعت أم زين. 

القدر كان بيهزق، ولا بيعلّمني؟

مش عارفة…


السهرة كلها عدّت وأنا موجودة…

بس مش "موجودة".

كنت قاعدة معاهم…

بس روحي في وادي تاني…

صدمة…

حيرة…

قهر…

أسئلة كتير…

وأهم سؤال:


إزاي الست الوحيدة اللي حضنتني وأنا منهارة…

طلعت أم الشخص الوحيد اللي حبيته…

ورايحة تخطب صاحبة قلبي؟


ومشيت.


رجلي كانت بتودّيني بالعافية…

ولما وصلت البيت…

بابا كان مستنيني.


رجعت البيت ودماغي بتلف…

لسه ملامح المفاجأة مرسومة على وشي…

ولسه قلبي بيخبط كأنه بيحاول يهرب من صدري.


دخلت البيت…

لقيت بابا واقف في الصالة، ماسك كباية شاي وباصصلي بتركيز يخوّف.


أول ما شافني قال:


– مالِك يا إستبرق؟

ايه اللي حصل؟ 


وقفّت مكاني…

مستغربة إنه كالمعتاد… لاحظ كل حاجة من نظرة واحدة.


قعدت جنبه، ومن غير ما يحاول يكلمني كلمة. 

الدموع نزلت.


– بابا… الست اللي خبطت فيها من أيام... 

اللي حضنتني…

اللي حكيتلها كل حاجة…

طلعت أم زين.


بابا رفع حاجبه بنظرة فيها نص صدمة ونص سخرية أبوّية:

– جميل!

وإيه بقى اللي استفدناه لما نرمي أسرارنا في حضن أول حد يقولّنا يا بنتي؟


مسحت دموعي وأنا بقول بصوت مكسور:

– والله يا بابا مكنتش أعرف…

هي اللي احتوتني… ومن ساعتها… مخي مش مصدق.

طلعت أم زين!

أم الشخص اللي حبيته…

واللي هيخطب صحبتي.


بابا بصلي بتركيز أكبر:

– طيب… الشبكة إمتى؟


بلعت ريقي…

ووشي نزل لوحده:


– يوم الخميس.


– يعني إنتِ أكيد مش هتروحي… صح؟


رفعت راسي بسرعة:


– لا… هاروح.


بابا فتح بُقّه شبر، وبصلي كده النظرة اللي بتقول: إنتي فعلاً بنتي؟ ولا حد بدّلك؟


– هتروّحي؟

إنتي؟

إستبرق؟

هتقدري تحضّري شبكة صاحبة طفولتك…

على حبيب عمرك؟

-----------------------


الكلمات كسرت جواها… لكنها رفعت راسها بالعافية وهي بتسمع دقات قلبها تنط من صدرها:

 أيوه… هروح.

عشان… لما أشوفهم مع بعض… الصورة تفضل لازقة في دماغي…

وأعرف إني مش ليه.

ولما أسيب المكان… وأفتكره... 

أفتكره وهو بيلبس رحمة الشبكة…

وأعرف… وأقتنع…

إنه مش نصيبي.


كانت بتحارب دموعها… لكن الكلمات كانت تقيلة لدرجة إنها ما قدرتش تمنع صوتها من الارتعاش.


– أنا لازم أنسى يا بابا…

ماقدّاميش اختيار تاني…

ولو ما عملتش كده…

قلبي هيفضل معلق بيه لحد ما يدوّبني…


ولما خلصت كلامها…

انهارت.

بكت… 

زي اللي بيغسل وجع عمره كله.


وأبوها… فضل واقف جنبها، مش قادر يمنعها… بس قادر يحتويها.

----------------------------

كان يوم الخميس…

اليوم اللي إستبرق كانت مستنياه بخوف مش بشغف، بقلق مش بفرح.

قامت من النوم وهي بتحاول تثبت لنفسها إنها قدّها، وإنها هتروح وتبقى أقوى من قلبها… حتى لو قلبها نفسه مش معاها.


دخلت الأوضة وبدأت تجهّز.

اختارت فستان واسع، محتشم، لونه هادي…

حاجة تناسب شخصيتها، وتناسب تربيتها، وتناسب اللي هي شايفاه صح.

لبست طرحه شيك بسيطة، وعملت ميكب سمبل جدًا… مجرد حاجة تخلي شكلها مرتب من غير ما تلفت نظر حد.


كانت واقفة قدام المراية، بتتأمل شكلها اللي يبدو ثابت… لكن جواها كانت عاصفة.

كانت بتضحك على نفسها:

هو أنا بجهّز نفسي عشان أشوف اللي بحبه بيلبس الشبكة لصاحبتي؟

هو ده قدر؟ ولا عقاب؟ ولا درس؟ ولا نهايات ربنا بيختارها لنا؟


أخدت نفس طويل…

وشالت شنطتها…

ونزلت.


وصلت بيت رحمة.

أول ما دخلت… اتصدمت.


رحمة كانت واقفة قدام المراية بفستان ضيق جدًا…

ضيق لدرجة غير لائقة، لدرجة ملفتة،

صاك بطريقة ما كانش ليها علاقة لا بالذوق ولا بالاحترام.

ميكبها كان تقيل… أوفر… الألوان فاقعة، وطلعة من الطرحة شعرها نازل على كتافها ورقبتها باينة كلها.


إستبرق وقفت قدامها مش مستوعبة…

ده يوم الشبكة؟ ولا يوم فرح؟ ولا يوم تصوير فيديو كليب؟

كانت مستغربة…و مش مستوعبة.

مش دي رحمة اللي تعرفها…

مش دي اللي طول عمرها بتقول أنا بحب الحشمة!


رحمة أول ما شافتها رفعت حاجبها باستفزاز:

وقالت لها بنبرة فيها شيء مش مفهوم:

– هو في إيه يا إستبرق؟

هو إنتِ لابسة كده… عشان تضغطي عليّا يوم شبكتي؟


إستبرق وقتها استغربت…

هي؟ تضغط؟


لسه هترد…

دخلت أم زين.


كانت داخلة بهيبة… وطيبة… وحدّة في نفس الوقت.

سلمت على رحمة الأول، وسلمت كأنها بتسلم لمجاملات العيلة… والسلام العادي، وتغاضت عن لبسها، وبعدين لفت على استبرق…


وقعدت تتأملها من فوق لتحت، وابتسمت بحنان غريب:

– إيه الجمال ده يا حبيبتي؟

قمر ما شاء الله.


ردت إستبرق بتوتر وابتسامة خفيفة:

– تسلمي يا طنط…

وأكيد مش هكون في جمال رحمة.


وإستبرق حسّت إن قلبها وقع معاها.

خدت نفسها وخرجت من أوضة رحمة… راحت للمعازيم بره، تهرب من الجو اللي مالوش ريحة فرح.


المعازيم كانوا قاعدين… الضحك عالي… الزينة … والناس مستنية.


وبعد دقائق…

رحمة خرجت من الأوضة، ماشية بثقة زايدة، رايحة على الكوشة اللي جنب زين.


إستبرق كانت قريبة…

وشافت النظرة اللي محدش غيرها كان هيفهمها.


زين أول ما شاف رحمة… اتكهرب.

وشه اتغير…

ملامحه شدت…

كان واضح إنه منضايق جدًا.


لما قربت منه…

قال لها بصوت واطي لكن نبرة غضبه كانت باينة جدًا:

– إيه اللي إنتِ لابساه ده يا رحمة؟

ده منظر؟ ده يوم شبكتنا؟


رحمة بصه لإستبرق بنظرة قرف وكأن حد بيحرمها من لحظة انتصار:

– هو في إيه يا زين؟

مش عاجبك؟


إستبرق كانت واقفة بعيد، بتشوف كل حاجة…

استبرق استغربت.

دي أول مرة تشوف رحمة بالشكل ده…

وأول مرة تشوف زين منفعل بالشكل ده.


بعد ثواني…

زين رفع عينه… شاف إستبرق واقفة.

فضل يبصلها ثواني…

وبعدين قال بصوت منخفض بس واصل لها:


– انتي مش شايفة صاحبتك لابسة إزاي؟

طب ما تلبسي زيها!


استبرق الكلمة نزلت على قلبها وجابت وجع زيادة.

كانت واقفة بعيد…

لكن شايفة المشهد كله…

شايفة غضب زين…

شايفة لا مبالاة رحمة…

شايفة بداية حاجة…

ونهاية حاجة تانية.


رحمة بصتله بثبات:

 أنا مليش دعوة بحد.

كل واحد حرّ في نفسه.


وبعدين رحمة قربت، وقالت بدلع مقرف:

 وبعدين يا زين… النهارده شبكتنا.

تقوم تنكد عليا كده.


ضحك… ضحكة مش طالعة من قلبه…

وقعد جنبها، يحاول يهزر ويضحك زي أي عريس.


جِه وقت تلبيس الذهب…

الدنيا زحمة… كاميرات… زغاريط…

وضغط…

قلب استبرق فضل يضرب… يوجع… يحرق.


حسّت إن رجليها مش شايلة جسمها…

قامت بهدوء وسط الزحمة…


وخرجت للبلكونة.

 أول ما بدأوا يلبسوا الدهب…

كانت مش قادرة تتنفس، والزحمة جوا والكوشة والدوشة كلها كانت بتضغط على قلبها.

وقفت تبص قدمها، بتحاول تهدي الوجع اللي جوّاها… بس الوجع كان أقوى، والليلة كلها كانت شكة دبوس في قلبها.


وهي واقفة جوا شرودها…

سمعت صوت راجل وراها، هادي وواثق:

 على فكرة… أنا برضه ما بحبش الدوشة.

شبهِك كده.

وقولت أطلع أشم شوية هوا.


استبرق اتشدّت فجأة…

لفّت ببطء، ولما عينها وقعت عليه…

اتجمّدت.


كان واقف قدّامها…

شاب طويل، وملامحه هادية، احلي من كل الشباب اللي شافتهم في حياتها.

شعره مسرح بسيط، قميصه أبيض، وريحة بارفانه معديّة الهوا.

نضارة… هيبة… جمال مش بصري بس، جمال رايق.


فضلت واقفة قدّامه متنحّة…

مش مستوعبة إنه بيكلمها أصلاً.


قالت بتلجلج:

– بعد إذنك… حضرتك بتكلّمني؟


ابتسم من غير ما يبين ضحكته كلها:

– ما هو مفيش حد واقف هنا غيرك.

مين تاني أكلمه؟ الطوب؟


شهقت إستبرق بخضة:

– هو حضرتك أهبل؟ ولا بتستهبل؟


ضحك… ضحكة قصيرة وواثقة:

– بستهبل، للأمانة.

أنا أصلاً ما أعرفش حد هنا…

طلعت برا أشم هوا، لقيت بنت جميلة واقفة…

قلت أعرّف نفسي، بس حتى في دي فاشل.


إستبرق بصّت له بنظرة ما بين استغراب وكسوف…

ابتسامة صغيرة غصب عنها طلعت…

كأنها أول ابتسامة بجد من أيام.


بصّ لها وقال:

– اسمك إيه؟


استبرق اتوترت…

وبدل ما ترد، خدت شنطتها الصغيرة وقالت بخفة:

– هدخل جوه…


ومشيت.

مشيت قبل ما قلبها يخونها، قبل ما نظراته تشدّها زيادة…

قبل ما تحس إنها لأول مرة من أيام…

اتنفست.


كانت لسه خارجة من البلكونة، بتحاول تلم نفسها، ومسحِت دمعة كانت هتهرب من عينها…

رجعت وسط الناس، بس قلبها كان لسه واقف هناك… عند المنظر اللي هربت منه.

خطوات بطيئة… بتحاول تداري توترها، لحد ما لقت أم زين واقفة جنب المعازيم.


ابتسمت لها الابتسامة اللي بتتعمل بالعافية:

– مساء الخير يا طنط.


قربت أم زين منها بحنان غريب كأنها أمها فعلًا، وابتدت تضحك وتمسك إيدها:

– تعالي… تعالي يا حبيبتي اقفي معايا، انتي دمّك خفيف وانا بحبك أوي.


وقفت استبرق جنبها، حاولت تهزر معاها شوية تهريج خفيف كده، تعوّض بيه وجع القلب اللي واقف جواها زي شوكة.

الحزن كان لسه ظاهر في عيونها… بس بتحاول تخبّيه بالهزار.


أم زين ضحكت وقالت فجأة كده من غير مقدمات:

– على فكرة… إنتي عرفتي ابني زين…

استني بس… أعرّفِك على يعقوب.


استبرق لسه بتلف بوشها بابتسامة صغيرة…

وبمجرد ما بصّت…


اتصدمت.


ده هو.

هو نفس الشخص اللي كان واقف في البلكونة.

نفس الضحكة اللي كسرت شرودها…

نفسه بالظبط.


ضحك بخفّة، ورفع حاجبه وهو بيقول لأمه:

– مكتوبلي أعكسها من الصبح ولا إيه؟!


وبعدين بص لاستبرق، خطوة صغيرة لقدّام…

وصوته بقى دافي، ساخر… بس فيه حاجة لطيفة تخوّف:

– مش تعرفيني يا أمي على القمر ده؟


استبرق وشها احمر، ومش عارفة ترد…

أم زين ضحكت وقالت:

– دي إستبرق… صاحبة رحمة.


ضحك يعقوب ضحكة كاملة… وهز راسه كأنه لسه مصدوم من اللي سامعه:

–  ده إيه؟

بقا الملاك ده صاحبة إبليس وبئس المصير دي؟!


قرب منها شوية…

نظرة فيها هزار بس جوّاها احترام:

– والله حرام…

أخاف عليكي يا قمر تكوني ماشية مع حد قلبه اسود كده.


استبرق اتلجمت…

مش عارفة تضحك ولا تزعّق ولا تمشي.

كان قدامها شخص بيهزر، بس كلامه لمس حتة متكوية جواها…

حتة موجوعة بقالها أيام.


وقفت قصاده… وقلبها لأول مرة من فترة…

ينبض… بس مش وجع.


نبضة مختلفة…

خفيفة، ناعمة…

نبضة لحاجة جديدة…

حاجة مش فاهمة هي إيه.


لكن اللي عارفاه…

إن اللحظة دي هتغيّر كتير.

---------------------------

وأخيرًا…

يوم الشبكة عدى.

عدى… وخلّف وراه وجع يكفي سنة كاملة.


استبرق رجعت بيتها بخطوات تقيلة، كأن كل خطوة كانت بتسحب معاها ذكرى من اللي شافته جوّه.

كانت لسه شايفة قدامها ضحكة رحمة، زين واقف جنبها، الدهب بيتعلق في إيديها، الناس بتزغرط…

وهي؟

هي كانت واقفة وسط الزحمة، بس قلبها واقف لوحده… في وادي تاني خالص.


وقفت قدام مرايتها في الأوضة بعد ما خلعت طرحتها، وبصت لنفسها.

وشّها باين عليه التعب… بس مش تعب جسم.

ده تعب روح.


تمسح دمعة وتحاول تهدي نفسها…

وتقول بينّها وبين نفسها:

أنا لازم أسافر…

لازم أبعد…

لازم أروح عند خوالي شوية…

يمكن الدنيا تروق… يمكن أنسى.


كررت الفكرة كذا مرة…

كأنها بتحاول تقنع نفسها إن الهروب حل، رغم إن قلبها كان عارف إن الزعل بيمشي معاها حتى لو ركبت طيارة.


وهي لسه بتجهز شنطتها…

افتكرت إنها لازم تعدّي على رحمة قبل ما تسافر.

مهما حصل… دي صاحبة طفولتها.

ولازم تودّعها قبل ما تبعد.


لبست طرحها بسرعة، وخدت نفسها ونزلت.

وقفت قدام باب شقتهم، قلبها بيدق…

لسه هتخبط،و إيدها مرفوعة…


وفجأة…سمعت اللي صدمها؟ 

تعرفي يا ماما… إستبرق صاحبتي بتحب زين خطيبي.


الكلمة نزلت على إستبرق زي السكينة.

وقفت مكانها، نفسها اتقطع، و سندت ضهرها على الحيطة من غير ما تحس.


أم رحمة ردّت باستغراب:

— إيه الكلام ده؟ أكيد لا… إستبرق عمرها ما تبص لخطيبك، دي بنت محترمة.


رحمة ضحكت ضحكة خفيفة، ضحكة فيها حاجة غريبة:

— ما أنا عارفة، بس حسّيت يعني…


لسه أمها هترد…

رنّ التليفون.


رحمة قالت بسرعة:

— ده زين، خطيبي… هقوم أرد وأرجع أكملك.


في اللحظة دي…

إستبرق ما استحملتش.

لفّت بهدوء، ونزلت السلم خطوة خطوة، كإن كل درجة كانت بتاخد منها حتة.


خرجت من العمارة ومشيت.

مشيت من غير ما تعرف هي رايحة فين.

مشيت والدموع محبوسة في عينها، والوجع قافل على قلبها بإيده.


فضلت تمشي…

تمشي…

لحد ما لقت نفسها واقفة قدام الكورنيش.


الهوا كان تقيل، والبحر قدامها ساكت، كإنه فاهم.

وقفت تبص قدامها، وشها شاحب، وعينيها مليانة حكايات ما اتقالتش.


حبيب عمرها…

بقى خطيب صاحبتها.

وصاحبتها…

حاسّة، وساكتة، ومكمّلة.


وهي؟

واقفة في النص.

لا عارفة تصرخ، ولا عارفة تنسى، ولا عارفة تمشي من غير ما قلبها يفضل هناك.


فضلت واقفة…

الهدوء ده كان أسوأ من أي دوشة، لأنه سيّب عقلها فاضي… فالأفكار هاجمت.


فضلت باصة قدّامها، بس مش شايفة حاجة.

كانت بتسأل نفسها أسئلة ملهاش إجابات، أو يمكن ليها بس هي مش قادرة تتحملها.


طب هي…

هي لما كانت عارفة إن زين متقدّم لها؟

كانت عارفة؟ ولا حاسة؟ ولا عاملة نفسها مش واخدة بالها؟


سكتت لحظة… وبعدين سؤال تاني ضربها في قلبها.


طب أنا لو كنت مكانها؟

لو عرفت إن صاحبتي بتحب الشخص اللي جاي يتقدملي؟

كنت هوافق؟


الإجابة جت بسرعة، قاسية، من غير تفكير:

لأ.


لأ لو بحبه.

لأ لو مقدّراه.

لأ لو لسه فيها ذرة صاحبة.


طيب…

يمكن هي بتحبه؟

ما هو يتحب فعلًا…

شكله، حضوره، هدوءه…

يمكن أنا مش الوحيدة اللي شافته بعيني.


الفكرة وجعتها أكتر من الغدر نفسه.

إنه ماكنش بتاعها من الأول.

إنه كان اختيار… وهي كانت مجرد متفرّجة.


وقفت فترة مش حاسة بالوقت.

ولا بالناس اللي بتمشي حواليها.

ولا بالعربيات.

ولا بالدنيا.


لحد ما صوت جه من وراها، صوت مألوف على غير توقيته:

على فكرة… أنا مكتوبلي أعكسك والله.


لفّت ببطء، باستغراب.

عينها وقعت عليه… يعقوب.


بصتله بنظرة تعب أكتر من ضيق، وقالت بملل:

— هو أنا ما ورايش غيرك؟


ابتسم، ابتسامة خفيفة كده، وقال:

— حظك ونصيبك يا جميلة.

وبعدين كمل وهو بيبص عليها:

— واقفة شايلة طاجن ستّك كده ليه؟ فيه إيه؟


اتنفست بعصبية، وردّت بنرفزة:

— وإنت مالك؟

وإنت إيه اللي جابك موقفك جنبي وبتنحشر في اللي مالكش فيه؟


ضحك، ضحكة هادية ما استفزّتهاش، بالعكس… لخبطتها.

— خلصتي؟ مالك بقى؟


ردّت بسرعة:

— مالك إيه؟ أنا كويسة أهو.


بصّ لها شوية: 

— مستغربة.


سكتت.

هو كمّل بهدوء:

— وبعدين؟

إنتِ زعلانة ليه قوي كده؟


شدّت نفسها، وقالت بنبرة دفاع:

— وإنت عايز تعرف ليه؟

يعني إنت لاحظت إني مش كويسة إزاي؟


اتنهد وقال بصدق غريب:

— تصدقيني لو قلت لك…

أنا حاسس إني أعرفك كويس أوي.


الكلمة وقعت تقيلة.

مش لأنها حب.

لكن لأنها فهم.


فضلت باصاله شوية، نظرة طويلة، كأنها بتشوفه لأول مرة بجد.

وبعدين قالت بهدوء:

— عن إذنك… عشان اتأخرت.


هز راسه بابتسامة صغيرة:

— إذنك معاكي.


ومشيت.

بس المرّة دي…

ما مشيتش هربانة.

مشيت وهي أول مرة تحس إن في حد شاف وجعها

من غير ما يكون سبب فيه.

-------------------------------

رجعت البيت وقعدت شوية، بتحاول تهرب من التفكير، من الذكريات، من الصورة اللي بقت واضحة زيادة عن اللزوم.

فضلت سرحانة لحد ما صوت الموبايل قطع الصمت.

رنّة واحدة.

وبعدين سكت.

وبعدين رن تاني.


بصّت في الشاشة.

رحمة.


قعدت ثانيتين تبص للاسم.

ضغطت رد.


– ألو؟

– إنتِ فين يا بنت؟ بقالي كام يوم مش سامعة صوتك!


صوت رحمة كان عادي…

عادي زيادة عن اللزوم.


– كنت مشغولة شوية.

– مشغولة؟! ده أنا صاحبتك!

ضحكت بخفة وأضافت:

– ولا عشان بقيت مخطوبة خلاص نسيتيني؟


إستبرق حاولت تضحك…

ما طلعتش.


– لا طبعًا.

– طيب بصي، أنا خارجة بكرة وكنت عايزاكي تيجي معايا نشتري شوية حاجات… ونخرج كده، بقالنا كتير ما خرجناش سوا.


سكتت إستبرق شوية.

– طيب… هأستأذن بابا وأكلمك.


قفلت.

قعدت دقيقة …وبعدين قامت.


باباها كان قاعد، أول ما شافها لاحظ الشحوب اللي في وشها، بس ما علّقش.

قالتله إنها خارجة مع رحمة.

هز راسه بهدوء:


– اطلعي غيري، وما تتأخريش.


—لا انا هروح بكره بس قولت اعرفك دلوقتي؟ 

–تمام. 

دخلت أوضتها ونامت وصحيت تاني يوم صلت، 

لوبست لبس بسيط، لا فيه روح،بس كان ذوق.

كلمت رحمة.


– خلصت.

– قشطة، نتقابل في الكافيه بتاعنا.


قفلت.

وأخدت نفس طويل.


وصلت الكافيه بدري شوية.

قعدت في الركن اللي دايمًا بيقعدوا فيه.

طلبت عصير… وما شربتش.


وفجأة…

الباب اتفتح.


دخلت رحمة.


بس مش لوحدها.


كانت ماسكة إيد زين.


إستبرق حسّت كأن حد خبطها في صدرها بمطرقة.

الصورة اللي كانت بتحاول تهرب منها…

جت لحد عندها.


رحمة كانت بتضحك.

زين كان بيتكلم.

الاتنين شكلهم طبيعي…

طبيعي قوي.


إستبرق قامت تقف من غير ما تحس.

عينيها اتعلّقت بالإيدين الممسوكين.

الإيد اللي كانت بتحلم تمسكها…

بقت ملك غيرها رسمي.


رحمة شافتها، ومسكة ايدو اكتر،وقالت بسرعة:

– إستبرق! إنتي جيتي بدري!


زين بصّ لها.

نفس النظرة…

اللي ما فيهاش حاجة غير احترام بارد.


– إزيك يا أنسة إستبرق؟


هزّت راسها:

– الحمد لله.


قعدوا.

الكلام كان تقيل.

كل كلمة بتيجي بصعوبة.


رحمة كانت بتحاول تبقى لطيفة زيادة.

وزين كان طبيعي…

يمكن طبيعي أكتر من اللازم.


وإستبرق؟

كانت موجودة بجسمها بس.

روحها كانت برّه، في مكان تاني.


وفجأة فهمت.

مش بس إن زين مش نصيبها…

لكن كمان إن الرحلة لسه طويلة.

وإن الوجع…

لسه ما خلصش.


قعدوا شوية،

والوقت بيعد تقيل،

واستبرق ملاحظاهم.


رحمة كل شوية تميل على زين،

تهمس في ودنه،

تضحك،

تلمس إيده.


مش هزار عفوي…

لا.

كان مقصود.

وكان باين.


وفجأة…

كرسي اتسحب جنب آستبرق.


إستبرق من غير ما تلف، قالت وهي شبه مبتسمة:

– أنا عارفة إنك ورايا والله…


ضحكة خفيف جا من وراها.

ورد يعقوب بهزار: 

مش قلت لك يا جميل؟ 


رحمة رفعت عينيها بغيظ:

– هو أنتو  هنفضلوا تضحكوا كده لوحدكوا؟

 ما تضحكوناش معاكم يا جماعة؟ 


يعقوب رد برخامة:

– وانتي مالك؟


استبرق ضحكت،

ضحكة قصيرة، غصب عنها. 


قالت بهدوء:

– يعقوب أنا ما بهزرش.


بص لها:

– والله وأنا كمان ما بهزرش.

وانتي مالك أصلًا؟

أنا بنحشر بينك وبين خطيبك مثلا؟


رحمة بعصبية:

– ده خطيبي!


يعقوب ببرود:

– خلاص خليكي في خطيبك.


زين حاول يهدي الجو:

– اي يا جماعة… وحدوا الله.


يعقوب رد بصوت واطي

بس كل اللي قاعدين سمعوه:

– أيوه وحدوا الله

وقولوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

يمكن رحمة تتحرق وهي قاعدة.


استبرق ضحكت.

ضحكة عالية شوية…

غلط…

بس خرجت لوحدها.


يعقوب بصوت واطي وهدوء: 

–ايوه اضحكي خلي الشمس تطلع. 


رحمة بصتلهم بغِل.

والتوتر زاد.


عدّت خمس دقايق…

واستبرق قامت.


– أنا هأستأذن.


رحمة باستغراب:

– هتمشي ليه؟


– انتي مكلماني عشان نجيب حاجات،

والوقت اتأخر،

مش هنلحق نجيب حاجة.

يوم تاني إن شاء الله.


لمّت شنطتها،

ابتسمت ابتسامة مهذبة،

وقالت:

– يلا… مع السلامة.


ومشيت.


وهي ماشية،

كانت عارفة…

إن الضحك ده

كان آخر حاجة تقدر تقدمها

قبل ما الوجع يكمل سيطرته.

-----------------------------

عدّى شهر.

شهر كامل والدنيا ماشية…

بس مش ماشية جوه إستبرق.


كانت بتصحى، تاكل، تضحك، تخرج…

كل حاجة بتتعمل طبيعي.

طبيعي قوي لدرجة مرعبة.


رحمة كانت دايمًا موجودة.

تعالي يا إستبرق نجيب حاجة للجهاز.

تعالي نشوف فستان.

تعالي معايا مشوار صغير.


وفي كل مرة…

كانت بتتفاجئ.


زين.

دايمًا زين.


في الأول استغربت.

ليه دايمًا معاها؟

وبعدين قالت لنفسها:

ما هو خطيبها… طبيعي.


بس الطبيعي لما بيكرر نفسه بزيادة…

بيبقى وجع.


رحمة كانت بتمسك إيده كتير.

زيادة عن اللزوم.

تهزر معاه بصوت عالي.

تضحك ضحكة طويلة.

وتبص على استبرق من وقت للتاني…

بصّة سريعة،

كأنها بتتأكد إن اللي في قلبها واصل. 


بس الغريب؟

إنها كانت حاسة إن رحمة بتعمل كده قصد.

كأنها بتثبت حاجة.

أو بتمسح حاجة.


وإستبرق؟

واقفـة تتفرج.

مش بتتكلم.

مش بتعترض.

مش بتهرب.


كانت مستغربة نفسها أكتر ما هي مستغربة الموقف.


الغريب بقى…

إن يعقوب كان دايمًا هناك.


في كل حتة تقريبًا.

مش فاهمة إزاي.

ولا ليه.


بس كانت فاهمة حاجة واحدة:

إن تفكيرها بقى بيروح له من غير ما تستأذن.


يعقوب…

اللي دايمًا يهزر.

اللي دايمًا يخفف.

اللي دايمًا حاضر.


واللي…

واضح جدًا إنه مش بيطيق رحمة.


أي كلمة تقولها؟

يرد.

رد مش لطيف.

ساخر.

ناشف.


وهي تاخد بالها…

بس تعمل نفسها مش واخدة بالها.


الغريب أكتر؟

إنه كان دايمًا واقف جنب إستبرق.

من غير ما يقرب قوي.

ومن غير ما يسيبها قوي.


وجوده كان عامل زي مسكّن.

مش بيشيل الوجع…

بس بيخلّيه محتمل.


عدّى الشهر…

وإستبرق بقت حاسة إن في حاجة بتتغير جواها.

مش حب.

مش كره.

حاجة تالتة…

حاجة اسمها تشويش.


وفي يوم…

كانت قاعدة في البيت.

هدوء.

سرحان.

ولا حاجة في دماغها غير الفراغ.


وفجأة…

جرس الباب رن.


رنّة قوية.

مستعجلة.

مش مألوفة.


قامت وهي مستغربة.

فتحت الباب…

واتفاجئت.


رحمة.


– إزيك يا رحمة؟ اتفضلي.


دخلت من غير ما تبتسم.

من غير سلام طويل.

وشها مشدود.

عيونها مليانة حاجة مش مفهومة.


قعدت قدامها وقالت بنرفزة، من غير مقدمات:

– أنا عايزه أعرف منك حاجة واحدة…

حاجة واحدة بس يا إستبرق.


إستبرق رفعت عينيها بهدوء:

– اتفضلي.


رحمة قربت منها شوية، وصوتها واطي بس مش هادي:

– إنتي ليه بتبصي للي في إيد غيرك؟


استبرق اتفاجئت.

– هو إيه اللي كان في إيدك يا رحمة… وأنا بصيت له؟


رحمة ردّت بسرعة، كأنها مستنية الكلمة:

– زين.


سكتت إستبرق لحظة.

وبعدين ابتسمت ابتسامة خفيفة…

الابتسامة اللي بتطلع قبل الانفجار.


وقالت بهدوء تقيل:

– لا…

أنا اللي عايزه أعرف منك حاجة بدل كده.


رحمة اتسمرت.


إستبرق كملت، وصوتها ثابت رغم إن قلبها مش ثابت خالص:

– إنتي…

وأنتِ عارفة إني كنت بحبه…

وأنتِ عارفة كويس قوي هو كان إيه بالنسبة لي…

ليه وافقتي تتخطبي له؟

-----------------------------

و عارفة كويس قوي هو كان إيه بالنسبة لي…

ليه وافقتي تتخطبي له؟


رحمة قربت منها خطوة…

وشها متشدّد، عينيها مليانة نار مش دموع، صوتها واطي بس مسموم:


–علشان بكرهك.


الكلمة نزلت على إستبرق زي الطوبة.

ما ردّتش…

ولا عرفت ترد.


رحمة كملت، ووشها بيقرب أكتر، وكأنها عايزة تتأكد إن كل كلمة توجع:

– أيوه بكرهك… وعمري ما كرهت في حياتي حد قدك.

عارفة ليه؟

علشان طول عمرك كده…

إستبرق راحت، إستبرق جت،

إستبرق عملت، إستبرق لبست،

إستبرق مش بتحط ميك اب،

إستبرق باباها عمل لها،

باباها جاب لها،

باباها وداها، باباها جابها…


صوتها علي شوية، وإستبرق لسه واقفة، عيونها ثابتة، كأنها اتخشّبت:

– وأنا؟

أنا كنت إيه؟

ظلّك؟

نسخة أقل؟

دايمًا المقارنات…

شوفي إستبرق عملت إيه،

شوفي إستبرق ذكية إزاي،

شوفي إستبرق محترمة إزاي…


ضحكت ضحكة قصيرة فيها سخرية وحقد:

– حتى وإحنا صغيرين…

حتى وإحنا بنلعب…

حتى وإحنا بنكبر…

إنتِ دايمًا الأحسن،

وأنا دايمًا اللي بعدها.


إستبرق بلعت ريقها، صوتها طلع بالعافية:

– رحمة…


قاطعتها بسرعة، بنبرة حادة:

– لا.

ما تنطقيش اسمي كده،

إنتِ مالكيش حق.


خدت نفس عميق وكملت، وكل كلمة كانت سكينة:

– إنتِ فاكرة إني وافقت أتخطب لزين ليه؟

حب؟

إعجاب؟

لا يا حبيبتي…

وافقت علشان أكسرك.


إستبرق شهقت، دموعها نزلت من غير صوت.

– أيوه…

علشان أذلك،

علشان أتعبك،

علشان أشوفك وانتي ساكتة،

علشان أعرفك إحساس إني أقل.


قربت أكتر، وبصّت لها من فوق لتحت:

– وأكتر حاجة فرّحتني؟

إني كنت عارفة إنك ضعيفة.

عارفة إنك مش هتتكلمي.

عارفة إنك مش هتعملي حاجة.

عارفة إنك هتوجعي… وتسكي.


إستبرق أخيرًا اتكلمت، صوتها مكسور:

– طب ليه؟

أنا عمري ما أذيتك…

عمري ما أخدت منك حاجة.


رحمة ضحكت ضحكة عالية المرة دي:

– هو الحب بيفهم منطق؟

هو الغِلّ بيفرق بين صح وغلط؟

أنا مش محتاجة تكوني أذيتيني…

كفاية إنك كنتِ إنتِ.


وسكتت ثانية، وبعدين كملت ببرود قاتل:

– آه…

وبالمناسبة؟

زين طلع صفقة ممتازة.

غني، ووسيم، ومعاه فلوس…

وفوق ده كله؟

حبيبك.


رفعت حاجبها باستفزاز:

– يعني ضربت عصفورين بحجر.

خطيب محترم،

وكسر خاطر إستبرق.


إستبرق كانت بتسمع…

بس عقلها مش مستوعب.

كل حاجة بتلف.

كل الذكريات بتقع.


رحمة ختمت، وهي لابسة ابتسامة انتصار:

– وأحب أقولك حاجة أخيرة…

ده لسه البداية.

وأنا ناوية أتعبك أكتر.


كانت إستبرق واقفة قدّام رحمة،

مش قادرة تتحرّك،

مش قادرة تصدّق،

ولا حتى قادرة تزعل بالشكل الطبيعي.


الكلام اللي طالع من رحمة كان تقيل…

تقيل قوي.

كأن كل كلمة بتترمي عليها حجر.


رحمة كملت وهي عينيها مليانة حقد:


هنا…

إستبرق رفعت عينيها،

وكان فيهم وجع سنين.


– أنا كنت دايمًا بحبك يا رحمة.

كنت بعتبرك أختي.

كنت بتمنى لك الخير حتى أكتر من نفسي.

وحتي لما عرفت انك عارفه اني بحب زين، أو لما كنت بحبه. 


رحمة بصتلها باستغراب:

– إنتِ عرفتي منين إني عارفة إنك بتحبي زين؟


إستبرق كملت، وصوتها ثابت:

– يوم ما كنت مسافرة.

رجعت علشان أودّعك.

وسمعتك وانتِ بتكلمي أمك.


سكتت لحظة…

وبعدين قالت الجملة اللي كانت محبوسة جواها :

– سؤال واحد بس لسه بيلف في دماغي…

وانتِ عارفة إني بحبه…

وافقتي ليه؟


رحمة افتكرت نفسها كسبانة…

بس ملامحها بدأت تهتز.


إستبرق كملت، المرة دي بصوت أعلى شوية:

– بس إنتِ جاوبتي بنفسك.

أنا كنت فاكرة نفسي أختك.

طلعتي ما تستاهليش.


قربت منها خطوة، وقالت بوجع مكبوت:

– كنت فاكرة إنك تستاهلي العِشرة…

طلعتِ ما تستاهليش غير إن الواحد يشفق عليكي.

ومتزعليش…

حتى الكلاب أنضف من قلب مليان حقد زي ده.


رحمة شهقت:

– إنتِ بتقولي إيه؟


إستبرق ردت، لأول مرة بعينين قوية:

– إنتِ قولتي إني ضعيفة؟

يمكن.

أنا ضعيفة مع الناس اللي بحبهم.

وده عيبي الوحيد.


سكتت لحظة، وبعدين قالت بحدة:

– وإنتِ كنتِ من الناس دي.

بس خلاص.


إشارت بإيدها ناحية الباب:

– اطلعي بره.

اطلعي بره بيتي.

مش عايزة أشوف وشك تاني.


رحمة وهي طالعة، لفّت وقالت بصوت مليان تهديد:

– ماشي…

بس والله ما هسيبك.

وديني ما هسيبك يا إستبرق.


الباب اتقفل.


وإستبرق فضلت واقفة مكانها…

مش بتعيّط.

مش بتنهار.


بس حاسّة إن حاجة جواها

اتكسرت للأبد…

وحاجة تانية اتولدت.

----------------------------

وقعت إستبرق على الأرض أول ما الباب اتقفل ورا رحمة.

كأن رجليها قرروا يسيبوها في اللحظة اللي الحقيقة اتعرّت فيها قدّامها بالشكل ده.


قعدت على الأرض، ضهرها مسنود على الكنبة، إيديها بترتعش، ونَفَسها مش مظبوط.

مش بتعيّط بصوت…

لا.

ده العياط اللي بيطلع من جوّه، اللي يخنق الصدر ويكسر الضلوع من غير دموع في الأول.

أنا ليه؟

ليه دايمًا اللي أعتبرهم أهلي…

يطلعوا أكتر ناس قادرين يوجعوني؟

ليه دايمًا القريب هو اللي يكسّرني؟


الأسئلة كانت بتلف في دماغها زي الدوّامة، ومفيش ولا إجابة واحدة.


فتحت في العياط بقى.

عياط مكتوم، متكسر، مالوش صوت بس له وجع.

حضنت نفسها، كأنها بتحاول تعوض حضن اتسحب منها فجأة.


وفي اللحظة دي…

باب الشقة اتفتح.


أبوها دخل، ولسه هيقول السلام عليكم،

الكلمة اتبلعت في حلقه أول ما شافها.


إستبرق…

بنته اللي عمره ما شافها ضعيفة بالشكل ده،

مرمية على الأرض، وشها أحمر، عينيها مورّمة، ونَفَسها مش مظبوط.


قرب منها بسرعة:

– إستبرق! مالك يا بنتي؟ في إيه؟


ما ردتش…

بس أول ما سمعت صوته، انهارت أكتر.

قامت من مكانها ورمت نفسها في حضنه زي الطفلة.

– ليه يا بابا؟

ليه كده؟

ليه دايمًا بتخزل؟

ليه أقرب الناس ليا هم اللي بيكسروني؟

أنا تعبت… والله تعبت.


شدّها لحضنه أكتر، ومسّد على شعرها:

– اهدي يا روحي… اهدي واحكي.


وحكت.

حكت كل حاجة.

من أول حبها، لحد خيانة رحمة، لكلامها السام، لتهديدها وهي طالعة من البيت.


أبوها كان ساكت…

ساكت بس عينه بتشد، وقلبه بيتقطع، بس ثابت.


لما خلصت كلامها، رفع وشها بإيده وقال بهدوء تقيل:

– بصي يا بنتي…

مفيش حاجة اسمها ليه.

اللي بيحصل ده نصيب من عند ربنا،

وربنا عمره ما بيكسّر حد غير عشان ينقذه من كسر أكبر.

إنتِ مش ضعيفة…

إنتِ طيبة، والطيبة في الزمن ده ابتلاء مش عيب.


مسح دموعها بإبهامه:

– والخير اللي ربنا بيشيله عنك أحيانًا…

بيكون شكله وحش في الأول،

بس بعدين بتفهمي إن ربنا كان بيحميكي.


وبعد ثواني صمت، بص لها بنص ابتسامة وهو بيغيّر الجو:

– وبالمناسبة بقى يا قرد…

إنتِ ما قولتيليش…

إنتِ تعرفي زين منين أصلًا؟


ابتسمت غصب عنها وسط دموعها، ومسحت وشها بإيديها:

– من وأنا في أولى ثانوي…

كنت بشوفه دايمًا وأنا رايحة الدرس.

مرة على مرة…

لقيت عيني بتروح له لوحدها،

أركز معاه أكتر من نفسي.

وبعدين فجأة…

لقيت نفسي بحبه.


سكتت شوية، وبصّت في الأرض، وقالت بصوت واطي:

– بس تعرف يا بابا…

أنا حاسّة إن الموضوع دلوقتي اتلخبط جوايا.

مش عارفة ده كان حب بجد…

ولا إعجاب…

ولا يمكن صورة كنت رسماها في دماغي.

أنا مشوشة قوي.


شدّها لحضنه تاني، وقال بثبات:

– وده طبيعي يا إستبرق.

القلب لما يتوجع…

بيحتاج وقت يفهم هو كان بيحب إيه، ومين.

وسيبيها على ربنا…

هو الوحيد اللي بيعرف يرتّب القلوب المكسورة.


فضلت في حضنه…

ولأول مرة من فترة طويلة،

حسّت إنها مش لوحدها.

-----------------------------

الأيام ابتدت تعدّي…

مش بسرعة، ولا بسهولة،

كانت بتعدّي تقيلة، واحدة واحدة، كأن كل يوم جاي يعلّم في قلب إستبرق علامة جديدة.


استبرق ما بقتش البنت اللي بتصحى مستنية مكالمة من رحمة،

ولا اللي بتعد الساعات عشان تشوف زين صدفة.

قصّت الخيوط واحدة واحدة…

مش بقسوة،

بوجع هادي،

بوجع اللي بيضطر ينقذ نفسه.


وقررت أخيرًا تعمل الحاجة اللي كانت مأجّلاها من زمان…

تشيل رحمة من دماغها.


مش تمسحها،

ولا تكرهها،

ولا حتى تلعن اليوم اللي عرفتها فيه.


لا…

تشيلها.


تحطها في ركن بعيد كده جوا الذاكرة،

الركن اللي بنحط فيه الحاجات اللي وجعتنا

بس خلصت مهمتها.


فهمت حاجة متأخرة شوية…

إن أسوأ حاجة ممكن يعملها الإنسان في نفسه

إنه يفضل عايش رد فعل لوجع قديم.


تفضل تصحى كل يوم

تفتكر اللي اتقال،

واللي اتعمل،

واللي كان ممكن يحصل وما حصلش.


وهي خلاص تعبت.


تعبت من دور الضحية،

ومن إنها كل مرة تقعد تحاسب نفسها:

أنا غلطت في إيه؟

قصّرت في إيه؟

استاهلت ده ليه؟


واكتشفت إن مش كل وجع ليه إجابة.

ومش كل خذلان ليه سبب منطقي.

في ناس بتكسر غيرها لمجرد إنها تقدر.


وساعتها بس…

إستبرق قررت تختار نفسها.


تعيش لنفسها.

مش علشان تبان قوية قدّام حد.

ولا علشان تغيظ حد.

ولا علشان تثبت إنهم خسروا.


لكن علشان هي تعبت بجد.


بقت تقوم الصبح

تعمل قهوتها بهدوء،

تضحك على حاجات بسيطة،

تخرج من غير ما تبص وراها تشوف مين هيشوفها.


بقت تفهم إن السلام الداخلي

مش معناه إن الوجع اختفى،

معناه إنك بطلت تسيبه يمسك الدركسيون.


وإن أحسن حاجة ممكن يعملها أي بني آدم لنفسه

إنه يفصل نفسه

عن أي حد كان سبب في كسره

حتى لو كان أقرب الناس.


مش كل حد كان في حياتك

ينفع يكمل فيها.


وفي وسط كل ده…

يعقوب.


الغريب القريب.

الحاضر من غير ما يفرض نفسه.

اللي بيظهر فجأة

كأنه جاي يقول: لسه في حاجات حلوة.


ما كانتش بتحاول تفهم هو إيه.

ولا ليه دايمًا موجود.

ولا إذا كان قدر ولا صدفة بتتكرر بزيادة.


بس كانت ملاحظة حاجة واحدة بس:

إنها في وجوده…

مش محتاجة تمثل.

ولا تدافع عن نفسها.

ولا تشرح وجعها.


كانت بتضحك.

ضحك حقيقي.

من غير ما تحس بالذنب.


ولما سمعت الخبر اللي نزل عليها زي الصاعقة

إن زين ساب رحمة…

وقفت مشوشة.


مش فرحانة.

مش زعلانة.

مش شمتانة.


حاسّة إن صفحة قديمة اتقفلت

من غير ما تستأذنها.


وساعتها فهمت

إن ربنا لما بيشيل حد من حياتك

مش دايمًا علشان يعوضك بحد.

أحيانًا

علشان يسيبك لنفسك شوية

تتعافى.


وإستبرق…

كانت أخيرًا

بتتعافى.


ابتدت حياة جديدة.

دويرة أوسع،

ناس شبهها،

ضحكة راجعة واحدة واحدة،

قلب لسه موجوع… بس واقف.


بعيدة عن رحمة.

بعيدة عن زين.

لكن الغريب؟

مش بعيدة عن يعقوب.


يعقوب كان في كل حتة.

في الكافيه.

في الشارع.

في التجمعات.

في الصدف اللي زيادة عن اللزوم.


مش عارفة ده قدَر؟

ولا هو اللي كان بيطلع لها في كل طريق؟

ولا ربنا بيعوّضها بطريقة هي لسه مش فاهمها؟


بس اللي كانت متأكدة منه…

إن وجوده مش بيقلقها.

مش بيوجعها.

مش بيفكّرها بحاجة وحشة.


بالعكس…

كانت بتلاحظ إنها بتفرح أكتر وهو موجود.

إن ضحكتها معاه مش متكلفة.

إن الكلام بيطلع من غير تفكير.

إن قلبها… مش متشد، مش متخوف.


ومع كل مرة كانت تحاول تقنع نفسها إن ده عادي،

كان قلبها يبتسم ويكذبها.


لحد اليوم اللي الخبر فيه نزل عليها

زي جردل ماية صاعقة في عز الشتا، كانت الصدمة بالنسبة ليها؟ 

---------------------------

الخبر نزل عليها فجأة…

من غير تمهيد، من غير تحضير.


الجملة بسيطة…

بس وقعها كان تقيل قوي.

من غير استعداد.


كانت حاسة إن في حاجة ناقصة في القصة.

حاجة مش راكبة.

زين مش النوع اللي يمشي فجأة كده…

ورحمة؟

هي أكتر واحدة كانت متمسكة بالموضوع.

وقفت  مكانها.

لا عرفت تفرح.

ولا عرفت تزعل.

ولا حتى تعرف هي حسه بإيه.


كانت مشاعرها متلخبطة بشكل مرعب.


شماتة؟

يمكن…

جزء صغير أوي، غصب عنها.


راحة؟

ممكن…

راحة إن اللي وجعها ما كملش.


زعل؟

أيوه…

زعل على عشرة سنين صحوبية راحت في ثانية.


اشتياق؟

لا.

أبدًا.


وقفت تسأل نفسها:

أنا حاسة بإيه؟

ليه مش فرحانة؟

ليه مش زعلانة؟

ليه قلبي ساكت؟


يمكن لأنها أخيرًا فهمت.

إن اللي راح…

راح من زمان.

وإن اللي فضل في قلبها دلوقتي

مش زين،

ولا رحمة،

ولا الوجع القديم.


اللي فضل…

كانت هي.

إستبرق.

البنت اللي وقعت،

قامت،

ونفضت التراب عن قلبها.


بس القدر…

ما كانش خلّص كلامه لسه.


إستبرق قعدت مكانها، عقلها واقف، وقلبها بيخبط.

مش عارفة تحس بإيه.

ولا تفهم نفسها. 


كتر التفكير وجع دماغها.

قامت من مكانها، دخلت أوضتها، لبست بسرعة، واستأذنت باباها.


– رايحة أتمشى شوية يا بابا.

– روحي يا حبيبتي… غيري جو.


وقفت على الكورنيش…

مكانها المفضل.

المكان الوحيد اللي كانت بتحس فيه إن صدرها بيوسع شوية.


الهوا خبط في وشها.

الميه قدامها ماشية…

وهي واقفة.


وفجأة…

سمعت صوت من وراها:

– إزيك يا آنسة إستبرق؟


لفّت ببطء.


زين.


واقف قدّامها.

نفس الملامح.

نفس الهدوء.

بس في عينه حاجة مختلفة… تعب؟ شرود؟


بلعت ريقها وقالت بهدوء مصطنع:

– الحمد لله… إزي حضرتك يا أستاذ زين؟


ابتسم ابتسامة خفيفة:

– تمام.

وبعدين كمل، وهو بيراقب وشها:

– كنتِ مختفية فين الفترة اللي فاتت؟

مش بشوفك مع رحمة زي الأول.


إستبرق اتلخبطت.

إيديها اتشبكت في بعض.

وعينيها هربت للأرض.


ما ردتش.


لاحظ توترها، فمال بجسمه سنة وقال بنبرة أهدى:

– على فكرة… بدل التوتر ده كله،

كان ممكن تقولي إنكم مش بتكلموا بعض.


رفعت عينيها فجأة:

– إنت… عرفت منين؟


بص قدّامه، وكأنّه بيختار كلماته:

– موضوع طويل قوي.

بس…

اللي بين الناس بيبان، حتى لو اتدارى.


سكتوا شوية.

الهوا بس اللي بيتكلم.


قطعت الصمت بصوت واطي:

 سمعت… إنك سبت رحمة؟


زين سكت ثانيتين، وبعدين هزّ راسه بهدوء غريب:

— أيوه.


السؤال جه بعدها تلقائي، من غير تفكير:

— ليه؟


ضحكة قصيرة خرجت منه، ضحكة مافيهاش فرحة، فيها تعب أكتر من أي حاجة:

– السبب ده مرتبط باللي قبله…

وسكت لحظة.

– لو عندك وقت، ممكن أحكيلك.


اترددت، بس قالت:

– احكي.


اتنهد، وبص قدّامه للمية، وكأنه بيشوف شريط ذكريات مش حابب يرجع له:


— في يوم كده، وإحنا برّه، مسكت تليفونها عادي… من غير قصد.

لقيتها بتكلم صاحبتها وبتقول: «أخيرًا كسرت إستبرق… ودلوقتي دور إني آخد فلوس زين.»


قلب إستبرق دقّ دقة غريبة، مش وجع، مش راحة، حاجة في النص.


كمّل وهو يهز راسه:

— استغربت. قلت يمكن بتهزر. يمكن هزار بنات.

كبرت دماغي… وقلت أكيد أنا فاهم غلط.


سكت شوية وبعدين قال:

— بس بعد كده لاحظت إنك بعدتي عنها.

سألتها في مرة، لقيتها بتتكلم عنك بطريقة… مش حلوة خالص.

بتقول إحنا عمرنا ما كنا صحاب، دي كانت دايمًا بتنافسني. 


زين ضحك بسخرية:

— قلتلها: طب ما ينفعش تتكلمي عن صاحبتك كده.

ردّت عليّا وقالت: 

إنت بتدافع عنها ليه؟ ولا إنت بتحبها زي ما هي بتحبك؟


إستبرق رفعت عينيها عليه فجأة، لكنه كمّل من غير ما يبصلها:

— ساعتها اتقفلت منها.

مش علشان الكلام عليكِ…

علشان حسّيت إن في حاجة غلط، حاجة مش مظبوطة.


اتنهد تاني:

— ابتديت أفكر…

هو أنا كنت أعمى؟

ولا هي كانت بتلبس وش مش وشها؟


سكت لحظة، وبعدين قال:

— عدّت الأيام، وكل يوم خناقة.

كلام على الفاضي، ضغط، طلبات، فلوس… دايمًا فلوس.


ضحكة موجوعة خرجت منه:

— في مرة بهزر وبقولها: المشروع بتاعي بيخسر.

لقيتها اتخضّت وقالت: بيخسر إزاي؟ طب هتعمل إيه؟ معاك فلوس زيادة؟ حاول تتصرف.


رفع عينه لإستبرق لأول مرة:

— ساعتها قلتلها:

هو إنتِ مخطوبة ليه؟

قالتلي بكل برود:

علشان الفلوس… وعلشان أكسركم انتوا الاتنين.


الصمت وقع تقيل بينهم.


كمّل بصوت أوطى:

— قالتلي بالحرف:

أنا وافقت عليك علشان غني، وعلشان أحببك فيّ، وعلشان أكسر إستبرق.


ضحك ضحكة مكسورة:

— ساعتها حسّيت إني كنت عايش مع واحدة تانية خالص.

مش رحمة اللي كنت أعرفها…

دي واحدة عمري ما كنت أقبلها على نفسي.


وكمل بصوت مبحوح:

– في اللحظة دي فهمت كل حاجة.

فهمت ليه الغل…

وليه الحقد…

وليه انتي كنتي دايمًا الهدف.


بعدت عنها…

بس عشان ما ينفعش أكمل مع واحدة قلبها مليان شر كده.


سكت.

وإستبرق كانت واقفة…

مش قادرة تتكلم.


كل اللي عاشته…

كل الوجع…

طلع حقيقي.


قالت بصوت واطي:

– أنا…

أنا ما كنتش فاهمة حاجة.


بصلها بهدوء:

– أحيانًا ربنا بيبعدنا عن ناس،

مش عشان إحنا وحشين…

عشان هما ما يستاهلوش.


إستبرق كانت سامعة، بس دماغها كانت بتلف:

يعني هي ما كانتش بتتوهم؟

يعني الإحساس اللي كان مضايقها ما كانش غلطة؟


زين كمّل:

— سألت نفسي ألف سؤال…

طب لو هي بتقول كده، وأنا مصدّق؟

ولا كانت بتهزر؟

ولا كانت فاكرة نفسها ذكية؟


هزّ راسه:

— بس مهما كان…

اللي يقول كده، ما ينفعش يكمل.

لا معايا، ولا مع أي حد.


سكت شوية وبعدين قال:

— سبتها.

من غير صوت عالي، من غير مشاكل.

مش علشان حد…

علشان نفسي.


إستبرق حسّت بدوخة خفيفة.

مش فرحانة.

مش زعلانة.

حاسّة بس إن في حتة ناقصة في الصورة، وابتدت تكمّل.


كانت فاكرة إنها لما تسمع الخبر تحسّ بحاجة واضحة…

شماتة؟

راحة؟

انتصار؟


لكن اللي حصل إنها حسّت إنها تايهة أكتر.


زين بصّ لها وقال بهدوء:

— عارف؟

الغريب إني لما بعدت…

لقيت نفسي بفكر:

هو في ناس تانية في الدنيا تستاهل تتحب صح…

وأنا كنت ماسك في الغلط.


إستبرق ما ردتش.

كانت واقفة، سامعة صوت الموج، وصوت قلبها اللي أخيرًا بدأ يفهم إن مش كل خسارة خسارة… وفي خسارات بتنجّي.


ابتسامة مرّة عدت على وشه.

– أحيانًا الواحد بيتأخر قوي قبل ما يفهم

إن اللي قدامه مش شبهه…

ولا عمره كان.


قلبها وجعها من غير ما تعرف السبب.

مش عشانه.

عشان كل اللي فات.


قالت بسرعة، كأنها بتقفل باب:

– ربنا يعوضكم الاتنين.


بصلها نظرة طويلة…

– وإنتِ؟

عاملة إيه دلوقتي؟


ابتسمت ابتسامة صغيرة، صادقة لأول مرة:

– بحاول أعيش لنفسي.


وهي قالتها…

كانت حاسة إن الجملة دي نصيحة.

مش ليها بس.

لكل بني آدم وجع.


تحاول تشيل من دماغها رحمة.

وتشيل من قلبها فكرة ليه.

وتعيش.


لأن أحيانًا…

أحسن قرار تاخده،

إنك تطلع ناس من حياتك من غير ما تنتقم…

وتسيب ربنا يتولى الباقي.


لف ناحيتها فجأة وقال:

– بس قوليلي…

إزاي انتي بتحبيني؟


الهواء اتسحب من رئتها.

عينيها اتقلّت.

نبرتها اتحولت لقوة مفاجئة:


– مين قال لك إني بحبك؟

انت هتصدق كلام رحمة؟

أنا ما بحبش حد…

وعمري ما حبيت حد.


قال بهدوء موجوع:

– كنت أتمنى…

كنت أتمنى كلامها يطلع صح.

كنت أتمنى حد بشخصيتك يطلع بيحبني.


بصت له لحظة…

وفي اللحظة دي، كان لازم تمشي.


قالت:

– عن إذنك.

-------------------------------

قعدت إستبرق في البيت بعد مقابلتها مع زين،

قعدة جسمها فيها موجود…

وعقلها وقلبها في حتة تانية خالص.


الكلام اللي قاله كان بيلف في دماغها زي الدوّامة،

كل جملة كانت بترجع تتكرر بصوت أعلى:

كنت أتمنى كلامها يطلع صح… كنت أتمنى حد بشخصيتك يطلع بيحبني.


ليه قال كده؟

وليه الكلمة دي وجعت أكتر ما كانت مستنية؟


قعدت تسأل نفسها أسئلة مالهاش إجابة:


هي كانت بتحب زين فعلًا؟

ولا كانت بتحب صورة رسمتها عنه في دماغها من وهي صغيرة؟

طب يعقوب؟

ليه بقى موجود في تفكيرها فجأة بالشكل ده؟

وليه وجوده مابقاش خانقها؟

ليه العكس… بقت بتهدى لما يظهر؟


وأكتر سؤال كان موجعها:

هو ينفع بني آدم يفكر في اتنين؟

ولا ده اسمه خيانة حتى لو مفيش علاقة؟


كانت حاسة إنها إنسانة وحشة…

تايهة…

مش عارفة تمسك نفسها من نفسها.


فضلت قعدة كده ساعات،

ولا حست بالوقت…

ولا بالليل دخل امتى.


وفجأة…

رنّة تليفون قطعت شرودها.


بصّت في الشاشة باستغراب،

رقم غريب.


ردّت بتلقائية: 

 ألو؟


جالها صوت دافي: 

إزيك يا حبيبتي… عاملة إيه؟


اتلخبطت: 

 مين حضرتك؟ معلش مش واخدة بالي.


ضحكة خفيفة على الطرف التاني: 

 أنا ماما يعقوب وزين.


قلبها دق غصب عنها. 

إزيك يا طنط، عاملة إيه؟


– الحمد لله يا توته، وحشتيني قوي… الوحشة مش بتسأل.


ابتسمت ابتسامة خفيفة: 

والله يا طنط الشغل والظروف…


قاطعتها بحنان: 

 طنط إيه؟ ده أنا بعتبرك بنتي.

المهم… أنا عازماك على الغدا معانا بكرة.


توترت: 

لا والله يا طنط مش هقدر.


– ليه؟

وبعدين متزعلينيش منك…

مش عايزة تيجي عشان يعقوب وزين؟


سكتت لحظة. 

لا مش كده خالص.


– خلاص يبقى تيجي، وهاتي معاكي باباكي ومامتك.

وقولي لباباكي إن العزومة دي مني ليه شخصيًا.


قفلت المكالمة قبل ما إستبرق تلحق تعترض.


فضلت ماسكة الموبايل وباصاله،

حاسّة إن في حاجة بتتشد حواليها،

حاجة مش فاهمالها شكلها.


حاولت تشغل نفسها…

فشلت.


قامت دخلت على باباها، قعدت جنبه وبدأت تزن عليه: – بابا…

– بابا لو سمحت…

– بابا بقى…


ضحك: 

 خير يا ست الكل؟


حكتله المكالمة. فكّر شوية وقال: 

 خلاص، نروح أنا وانتي.

نشوف في إيه… ونتعرف.


ارتاحت شوية،

بس قلبها كان لسه قلقان.


وفي اليوم التاني…


دخلت بيتهم وهي متلخبطة.

البيت كان دافي…

ريحة أكل…

ضحك…

بس جواها كان في برد.


يعقوب كان موجود.

وزين كمان.


حاولت تبقى طبيعية،

بس عيونها كانت بتفضحها.


قعدوا على السفرة.

الكلام كان ماشي عادي…

إلا جواها.


كانت حاسة إن كل حركة محسوبة،

كل نظرة ليها معنى،

وهي مش قادرة تفهم المعاني.


وبين الضحك والكلام…

فجأة حسّت إنها مش عايزة تكون هنا.

ولا هناك.

ولا في أي مكان.


عايزة بس…

تفهم نفسها.


كانت استبرق قاعدة على الكرسي بعد ما خلصوا الأكل في بيت زين ويعقوب، تحاول تركز على أي حاجة غير اللي في دماغها، 

وباباها قاعد جنبها بيحاول يكون لطيف كعادته،

وإستبرق…

قاعدة، بس روحها في حتة تانية.


وفجأة…

التليفون رن.


بصّت للشاشة،

قامت بهدوء:

– عن إذنكم…


طلعت البلكونة،

قفلت الباب وراها،

والهواء لمس وشها لمسة خفيفة.


أنهت المكالمة بسرعة، رجعت تحط السماعة على جنب، وحست بفرقعة غريبة في قلبها، كأن كل حاجة حواليها بدأت تتحرك ببطء. قبل ما تلف، ظهرت عينها قدامها يعقوب، واقف مبتسم.


– عاملة إيه يا جميلة؟ 

– قالها بضحكته الخفيفة ودمه الخفيف اللي دايمًا بيخلي الجو مرح.


استبرق بصوت منخفض عشان تخف التوتر:

– الحمد لله…بخير؟


يعقوب قعد جنبها وهو بيهزر:

– هو، أنا قلتلك إن ماما بتحبك أكتر مننا؟ 


استبرق رفعت حاجبها واستغربت:

– لأ بس ليه بتقول كده…


ضحك يعقوب وقال:

– مش عارف ليه بصراحة…بس انت تتحبي فعلاً؟ 


استبرق ضحكت عشان تقلل التوتر:

–هو انت طول اليوم هزار بس!


يعقوب قعد بيكمل:

فعلاً وخصوصًا لو مواضيع حريم…؟ 


بص لها بنظرة صافية:

– بس غريبة.


 إستبرق باستغراب: 

هي إيه؟


– إني بقيت أحس إن اليوم اللي ما أشوفكيش فيه…

ما بيعديش.


ضحكت بسرعة علشان تهرب:

– الكلام ده قلتُه لحد قبل كده،صح ؟


ضحك هو كمان:

– قلته كتير…

بس إنتِ الوحيدة اللي أقصده بجد.


بصتله باستغراب:

– إنت دايمًا كده؟


– كده إزاي؟


– خفيف…


ابتسم بثقة:

– لا، ده عشان إنتِ.


ضحكت من غير ما تاخد بالها.

سند ضهره وقال بهزار:

– قوليلي بقى، لسه مصاحبة جهنم وبئس المصير دي؟ 


رفعت حاجبها:

– إنت مبتحبهاش خالص؟


– لا… ومش  عاوز أضحك عليكي.


– ليه؟


اتنهد وبقى أهدى:

– مش مريحة. بحسها بتلبس وش، مش على طبيعتها. وأنا بطني بتوجعني من الناس اللي كده.


– يمكن إنت ظالمها.


– ممكن… بس إحساسي عمره ما خدعني.

 اصل  الإنسانة دي مش حقيقية.

طريقة كلامها، طريقة لبسها،

حتى ضحكتها…

بحسها تمثيل.


بص بعيد شوية وكمل:

– وأنا دايمًا بمشي ورا إحساسي.

خصوصًا في الحاجات دي.


رجع يضحك:

– وبالذات لما الموضوع يبقى ستات…

سامحيني يعني.


ابتسمت،

مش قادرة ترد،

ولا قادرة تمشي.


قال بهدوء:

– يلا ندخل…

مش حلو نسيبهم لوحدهم.


فجأة الباب اتفتح… وزين دخل.

 استبرق اتصدمت، وعيونه كانت واقفة عليها.


– استبرق، أنا كنت عايز اتكلم معك في موضوع مهم…

 – قالها بصوت جاد.


استبرق اتنهدت وقالت له:

– خير… في إيه؟


زين ابتسم وقال:

… أنا عايز أتقدم لك.


استبرق اتفاجأت وقالت له:

– انت بتقول إيه؟!


يعقوب بسرعة تدخل وهو مش مصدق:

– انت اتجننت؟! انت مش عارف إن أنا اللي عايز أتقدم لها!


استبرق واقفة كده، قلبها بيدق بسرعة، وفجأة زين رد بكل ثقة:

– بس هي بتحبني!


يعقوب اتلخبط وقال له:

– وانت مين اللي قال لك؟!


زين ببرود:

 طب انت عندك تفسير انها مش بتكلم رحمة علشاني؟


فجأة دخلوا أمهم وأبوها من غير سابق إنذار.


أبوها قال له بصوت جاد:

هو في اي؟ 


فجأة قال زين: 

– عمي… أنا طالب إيد بنتك.


يعقوب من غير تفكير ضربه بالبوكس في وشه وقال:

– أنا اللي طالب إيديها!


استبرق صرخت:

– بس… أرجوكم… كفايه!


يعقوب قال لها بنبرة حازمة:

– انت لازما تختاري دلوقتي…

عاوزه مين فينا؟

----------------------------

الكلمة نزلت على إستبرق تقيلة…

تقيلة أوي.


بصّت لزين…

وبصّت ليعقوب…

وبصّت حواليها كأنها أول مرة تشوف المكان.


الدنيا كانت بتلف.

الصوت بعيد.

القلب مش عارف يدق لمين.


حسّت إنها تايهة…

مش عارفة هي فين، ولا مين دول، ولا إيه اللي بيحصل.


فتحت بُقّها تحاول تتكلم…

بس مفيش صوت طلع.


وفجأة…

جسمها خانها.


وقعت من طولها.

اغمى عليها. 


الظلمة كانت تقيلة…


مش سواد عادي، لأ، سواد له صوت.

أصوات بعيدة قوي، مكتومة، كأنها جاية من آخر الدنيا.


حد بينادي…

وصوته بيبعد ويقرب.


– إستبرق… سامعاني؟

– إستبرق!


حاولت تفتح عينيها… تقيلة.

جفونها تقيلة أوي كأن حد رابطهم.


الصوت بقى أوضح شوية…

وأقرب.

– حمد الله على السلامة… المريضة فاقت.


مريضة؟

هي ليه حد بيقول عليها مريضة؟


حاولت تتكلم… صوتها ما طلعش.

بس فجأة حسّت بإيد ماسكة إيدها… إيد دافية، متشبثة بيها كأنها خايفة تضيع.


فتحت عينيها بالعافية.


نور أبيض.

ريحة مطهر.

سقف أبيض.


مستشفى؟


لفّت عينيها ناحية الإيد…

اتجمدت.


يعقوب.


واقف قدامها، عينيه حمرا، ماسك إيدها بإيديه الاتنين، وصوته مكسور:

– حمد الله على السلامة يا حبيبتي…


استغربت.

قلبها دق.

ليه ماسك إيدي؟

وليه بيبصلي كده؟


لسه هتتكلم… لقت واحد داخل، لابس بالطو أبيض.

– الحمد لله… فوقتي.

– حاسّة بإيه؟


لسه بتجمع نفسها… وفجأة شافته.


رحمة.


واقفة عند الباب.


أول ما عينيها جت عليها، اتغير وشها، وصوتها طلع ضعيف بس حاد:

– إنتِ إيه اللي جابك هنا؟!

اطلعي بره!


يعقوب اتلخبط:

– في إيه يا إستبرق؟ بتطردي بنت خالتك ليه؟


بصّت له باستغراب، كأنها مش فاهمة اللغة:

– بنت خالتي؟!

بنت خالتي مين؟


الكل بص لبعضه.


الدكتور قرب بهدوء:

 طب قوليلي… مين اللي واقف قدامك؟


بصت على رحمة، وردت من غير تردد:

 رحمة… صاحبتي.


زين قرب وقال بهدوء حذر:

– بس رحمة بنت خالتك يا إستبرق… مش صاحبتك.


قلبها وقع.

إحساس غريب شدّها لتحت.


– لا…

– إنتوا بتهزروا؟


الدكتور رفع إيده بهدوء:

– ثانية بس.

وبص لها مباشرة:

– قوليلي آخر حاجة فاكراها إيه؟


بلعت ريقها، دماغها بتلف:

– أنا…

– أنا كنت عند يعقوب وزين في البيت.

– أنا وبابا…

– وهم اتخانقوا عشاني… وضربوا بعض.


الدكتور هز راسه بتفهم، وقال بهدوء قاتل:

– لا.

– ده اللي عقلك الباطن صوّرهولك وإنتِ في الغيبوبة.


قلبها وقف.

– غيبوبة؟


– أيوه.

– إنتِ كنتِ في غيبوبة شهرين.


الهواء خرج من صدرها مرة واحدة.

كل الصور…

كل الوجع…

كل اللي عاشته…


طلع حلم؟


الدكتور ابتسم ابتسامة طمأنة:

– حمد الله على السلامة مرة تانية يا إستبرق.


لفّ وخرج.


وسابها…

تايهة.

بين واقع لسه بتتعرف عليه، وحلم كانت فاكرة إنه حياتها.


فضلت ساكتة ثواني... 

وبعدين بصت ليعقوب فجأة: 

هو... 

أنا دخلت غيبوبة ليه؟


شدت إيدها من إيده:

– وبعدين يا يعقوب سيب إيدي، إنت ماسكها كده ليه؟ حرام.


يعقوب ابتسم:

– حرام ليه؟

إنتِ مراتي.


اتسمرت مكانها:

– مراتك؟!

أنا مش فاهمه حاجه وبعدين انا هنا ليه وازاي؟ 


زين اتنحنح:

– بصي يا ستي…

في يوم يعقوب عمل حادثة، وحد رن بلغك.

وانتي من حبك فيه نزلتي تجري على المستشفى…

وإنتِ في الطريق عملتي حادثة.

يعقوب كان متجبس بس، إنما إنتِ دخلتي غيبوبة.


رحمة قالت بهزار خفيف:

– قولي لنا بقى…

أنا صاحبتك إزاي؟


إستبرق سكتت لحظة…

وبعدين بدأت تحكي.

من الأول…

من زين…

ومن حبها…

ومن رحمة…

ومن كل اللي شافته وعاشته في الحلم.


لما خلصت…

يعقوب حط إيده على قلبه بتمثيل:

– يعني إيه بتحبي زين؟

وأنا؟ 

قلبي… قلبي مش قادر!

هنت عليكي يا قادرة!


وضَحك، وبعدين مسك إيدها وباسها:

– وحشتيني يا ضي عيوني.


زين قال بضيق مصطنع:

– إحنا هنا على فكرة.


يعقوب رد:

– اسكت إنت، ما إنت خطيبتك جنبك.

وبعدين مش عاجبك اطلع بره وخلي في دم يعني؟ 


إستبرق بصّت لزين بذهول:

– خطيبته؟

يعني إنت خاطب رحمة فعلًا؟


يعقوب ضحك:

– يا ستي أيوه.

بعد ما حضرتك ذلتيني ووافقتي على الجوازة.


– إيه اللي حصل؟!


يعقوب كمّل:

– ولا حاجة.

إنتِ كنتِ تحت تدريبي، أعجبتِ بيكي. 

اتقدمتلك، ودوّختِ اللي جابوني على ما وافقتي.

وفي شبكتنا…

أنا وإنتِ. 

زين وقع في غرام بنت خالتك.

ويوم كتب كتابنا…

هم اتخطبوا.

وبعدها بأسبوع…

إنتِ عملتي الحادثة.

-------------------------

زين كان أول واحد لاحظ إن إيد يعقوب لسه في إيد إستبرق، ونظرة يعقوب ليها مش نظرة واحد قاعد جنب مريضة وخلاص…

دي نظرة واحد لقى روحه بعد ما كانت ضايعة.


زين كحّ بخفة وقال وهو بيبص لرحمة:

– تعالي يا رحمة نطلع نجيب حاجة من الكافتيريا ونرجع.


رحمة بصّت لاستبرق بحنية، وقامت معاه وخرجوا.


أول ما الباب اتقفل…

يعقوب قرب منها سنة كمان، ولسه ماسك إيدها، بس المرة دي شدها على صدره كأنه خايف تطير منه.


صوته كان واطي… مبحوح…

– وحشتيني.


قالها ببساطة، بس الكلمة طلعت تقيلة أوي.


إستبرق بصت له، عيونها بتلمع، ولسه مش مستوعبة كل اللي بيتقال.


كمّل وهو بيتكلم بسرعة كأنه خايف لو سكت ينهار:

– وحشتيني بطريقة ما تتوصفش…

كنت بصحى من النوم وأنا حاسس إن في حاجة ناقصة،

أدخل أوضتك ألاقيها فاضية…

أقعد جنب سريرك بالساعات وأكلمك،

وأرجع البيت أحس إن روحي سابتني هناك.


شد على إيدها شوية وهو بيبتسم ابتسامة موجوعة:

– كنت هموت من غيرك… والله كنت هموت.

الناس كلها فاكرة إن الغيبوبة صعبة على اللي فيها…

بس الأصعب بكتير على اللي واقف مستني.


دموع استبرق نزلت بهدوء، من غير صوت.


– كل يوم كنت أقول:

يا رب بس تصحى…

مش عايز منها حاجة تاني…

ولا اختيارات ولا ضغط ولا أي حاجة.

بس تفتح عينيها وتقولي يا يعقوب.


قرب جبينه من إيديها وباسها:

– إنتي مش فاهمة غيابك عمل فيا إيه…

أنا اتكسرت من جوايا،

وأول ما فوقتي…

حسّيت إن روحي رجعتلي تاني.


قرب منها شوية، صوته واطي، بس ثابت، ومليان إحساس عمره ما عرف يخبيه:

إنتي عارفة يعني إيه تبقي مش موجودة؟

يعني الدنيا تكمّل، بس أنا أقف…


إستبرق كانت باصة له، ساكته، عينها بتلمع، قلبها بيدق بس مش قادرة تقاطع.

يعني الشمس تطلع عادي، والليل ييجي عادي،

وأنا ولا حاجة فيهم تكون ليا…


ضغط على إيدها من غير ما يحس، كأنه بيتأكد إنها حقيقية.

من ساعة ما مشيتي، وأنا كل يوم بصحى حاسس إني ناقص،

كأني سايب روحي في مكان ومش عارف أرجع آخدها…


دموعها نزلت بهدوء… من غير صوت.

بضحك قدّام الناس، أتكلم، أتحرك،

بس جوايا صمت طويل… صمت كله اسمك.


ابتسم ابتسامة صغيرة :

كنت بعدّي من الأماكن اللي جمعتنا،

أقف ثانية زيادة من غير ما أخد بالي،

أفتكر ضحكتك، صوتك،

وأحس قلبي بيشدني ناحيتك غصب عني.


رفعت وشها وبصّت له، عيونها مليانة سؤال وحنين.

وحشتيني لدرجة إني كنت بكلمك في خيالي

وأستنّى ردك وأنا عارف إنه مش هييجي…


صوته كان بيتهز لأول مرة:

كنت بمسك التليفون، أفتح صورتك،

وأفضل أبصّلك وكأني مستنيكي تطلعي من الشاشة.


قرب أكتر:

في ليالي عدّت عليّ طويلة قوي،

غيابك كان عامل زي وجع ثابت في صدري،

لا بيخف… ولا بيتنسي.


تنهد بعمق:

كنت محتاجك…

مش احتياج كلام،

احتياج نفس،

احتياج أمان.


ابتسم وهو بيبصلها:

ولما شُفتك…

الدنيا وقفت بجد.


صوته بقى أهدى:

حسّيت قلبي بيرجف،

وكأني بشوفك أول مرة

وفي نفس الوقت راجعالي بعد عمر كامل من الغياب.


شد إيدها على قلبه:

وحشتيني قوي…

كنت هموت من غيرك،

كنت تايه،

كنت شخص تاني مش أنا.


ابتسامة دافية طلعت منه:

إنتي مش بس حبيبتي،

إنتي البيت،

والأمان،

والطمأنينة.


مسح دموعها بإيده:

غيابك علّمني قيمة وجودك،

وأهو دلوقتي وإنتي قدامي…

مفيش يوم عدى من غير ما أفتكرك.


استبرق كانت سامعة، قلبها بيدق بعنف،

حاسّة إن الكلام ده كله بيلمس مكان جواها عمره ما اتحرك قبل كده.


كانت لسه هتتكلم…

لسه هتقول اسمه…


وفجأة الباب اتفتح.


مرة واحدة.


الأوضة اتملت ناس.


أمها وأبوها دخلوا بسرعة،

وراهم أم يعقوب،

وخالتها أم رحمة،

وزين،

ورحمة. 


أمها قربت منها بسرعة: 

– حمد لله على السلامة يا قلبي…


أبوها باس راسها: 

– نورتِ الدنيا تاني يا بنتي…


أم يعقوب مسكت إيدها: 

– وحشتينا يا حبيبتي… كنا بندعي لك كل يوم.


خالتها ابتسمت

: – الحمد لله إنك قومتي بالسلامة.


استبرق كانت بتبص حوالين منها، بتبتسم غصب عنها، ولسه قلبها بيرجف من الكلام اللي سمعته.


ويعقوب…

واقف جنبها، سايب إيده جوه إيدها.

ولا كأن في حد في الدنيا غيرها. 


قربوا كلهم، كلام فوق بعضه، دعاء، دموع، أصوات

. وسط الزحمة دي كلها،


حسّيت بحاجة غريبة.

هدوء.

هدوء جواها هي،

كأن كل الضوضا اللي كانت في قلبي قبل كده

اتطفت فجأة.


وبين كلامهم وضحكهم ودعاهم،

بدأ صوتها الداخلي يعلو…

هادئ، ثابت، واعي لأول مرة من زمان.


الحمد لله…

الحمد لله إن اللي فات ده كله ما كانش حقيقي.

الحمد لله إن ربنا ما حطنيش في اختيار مستحيل.


كنت فاكرة نفسي قوية،

لكن الحقيقة إن الاختيار بين اتنين إخوات

مش قوة…

ده كسر.


حتى لو كنت اخترت،

واحد فيهم كان هينكسر.

ويمكن الاتنين.

ويمكن أنا قبلهم.


ربنا ستر و شالني من وجع

كان ممكن يفضل معلم في قلبي العمر كله.


واتعلمت…

آه اتعلمت.


اتعلمت إن مش كل اللي نحبهم

ينفع نحكيلهم كل حاجة.

مش كل صاحبة تبقى أخت.

ومش كل ضحكة تبقى أمان.


الغيرة مش دايمًا بتبان في شكل وحش،

ساعات بتيجي في شكل هزار،

ساعات في شكل نصيحة،

وساعات في شكل حب مزيف.

بس في الآخر…

بتاكل اللي قدامها من غير ما تحس.


اتعلمت إن قلبي مش دفتر مفتوح،

وإن أسراري مش حكايات تتحكي.

وإن في حاجات لازم تتحفظ

مش علشان أنا وحشة،

لكن علشان الدنيا مش رحيمة.


اتعلمت إن اللي ربنا بيبعده

مش خسارة،

حتى لو وجعنا.

وإن اللي بيكمل

هو اللي يستاهل.


وبصّيت حواليا تاني…

الناس بتتكلم،

بتضحك،

بتعيش اللحظة،

وأنا حسّيت إني راجعة من سفر طويل.


سفر وجع.

سفر خذلان.

سفر علّمني.


غمضت عيني ثانية

وقلت في سري:

يمكن الغيبوبة ما كانتش غيبوبة جسم،

يمكن كانت غيبوبة قلب…

وفوقت.


وفوقت وأنا عارفة

إن مش أي حب ينفع،

ومش أي حد يستاهل،

وإن ربنا دايمًا

بيختار لنا النجاة

حتى لو احنا فاكرينها خسارة.


 احمي قلبك… ما تخليش حد يوجعك مرتين.

اختياراتك لازم تكون لحياتك مش لمستقبل حد تاني.

القلوب مش لعبة… خلي كل شعور واضح ونقي.

في ناس بيحبوا بلا مقابل… واحنا لازم نعرف مين اللي يستاهل حبنا ومين لأ.

ربنا خلقك قوية… ماتخليش أي تجربة تكسرلك إرادتك.


وهي غارقة في أفكارها، لاحظ يعقوب إنها سرحانة، قرب منها بهدوء وقال لها:

سرحانة فيه يا حبيبتي.


إستبرق رفعت عينيها له، وقالت بخفة:

ما فيش…


ابتسم، ومسك إيدها وقال لها برقة:

تعرفي أن الرزق أنـواع ، أعـظمـها شـريكاً حـنوناً طـيباً ، إذا مالـت الدُنـيا لا يمـيل  وانتِ رزقي ده 🥹♥


إستبرق ابتسمت، دموعها خافتة لكنها دافئة من الداخل، وحست إن كل اللي فاتها كله علمها قيمة اللي هي فيه دلوقتي… قيمة الحب الحقيقي، قيمة الصبر، وقيمة إن القلب اللي بيحب بصدق، عمره ما يضيع.


آحًدهًمٌ يِحًآولّ آهًدآئيِ آلّسعآدة ولّآ يِعلّمٌ بـُ آنهً آجُمٌلّ هًدآيِآ آلّقدر ..💞💞

------------------------

#تمت. 

ايها القارئ اللطيف🍒:


ابتسم وافرح انت اتخلقت عشان تكون فرحان ، نوّر وشڪ بِـ إبتسامتك الجميلة.. أتمنى لك يوم جميل ڪ جمالك♥♥♥♥♥♥♥♥♥🍒."""":

بقلميّ /آلَاء محمد حجازي. 

#وليتني_لم_ألتفت. 

#الحلقة_السابعة_والآخيرة. 

#حواديت_لُولُـــو. 💗🎀

#AlaaMohammedHijazi ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏

 ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏



 ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏



 ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

تعليقات