" " " " " " " " رواية يا مالكا قلبي ( كاملة جميع – الفصول ) – بقلم خلود بكري
📁 آحدث المقالات

رواية يا مالكا قلبي ( كاملة جميع – الفصول ) – بقلم خلود بكري

رواية يا مالكا قلبي ( كاملة جميع – الفصول ) – بقلم خلود بكري

🖊️ بقلم: خلود بكري – الكاتب المميز لدى موقع حكايتنا

رواية  يا مالكا قلبي ( كاملة جميع – الفصول ) – بقلم خلود بكري


 رواية يا مالكا قلبي الفصل الاول 


"السادسة صباحًا"

أشرقت الشمس بلونها البرتقالي وزقزقة العصافير على شرف المنازل، وهناك حيث ذلك المبنى المكون من طابقين من الطراز الحديث، يلتف حوله حديقة مُلئت بأشجار الزينة، وعلى مدخله صفوف من الورد البلدي تزينه بطريقة مُبدعة. وبداخل هذا البيت، حيث غرفة المطبخ بالتحديد، وقفت تطهو طعام الإفطار وعلى وجهها بسمة بشوشة تنم عن أنَّ أمسها كان سعيدًا أو مبهجًا لحال ضحكتها الفاتنة.

هربت الخصلات من على رأسها بعشوائية مفرطة، وبين أهداب طالت بنعومة تزين المُقلتين، عيون تشبه البندق الناعم، وملامحها الهادئة جعلتها أميرة بيتها. وقف ينظر لها بعيون تلمع بحب صافٍ، وجبر طال انتظاره، فأصبحت اليوم له في بيتهِ أمام عينيه، زوجته ومالِكة قلبه...

"هتفضل واقف كدة كتير؟"

نطقت بها ببسمة ماكرة جعلته يقترب منها بهدوء، وعيناه ما زالتا تُمعنان النظر لها، حتى همس لها بصوتٍ يملأهُ العشق:

"هو القمر كده، بنفضل نبص عليه ومبنشبعش..."

"تعرفي؟
 الأحلام دايمًا بتبقى جميلة، بس واقع تحقيقها أجمل."

هنا رفعت أكف الخجل عن قلبها ونظرت له بحب، وعيونها تلمع ببريق لا يعلمه سوى من جمعهم حلال الله، حتى اقتربت منه وهي تقول:
"مفيش أحلى من حلم حلمناه سوا وربنا حققه لينا يا مراد، كنا بنتمنى نكون هنا وبقينا، بس لازم نحافظ على اللي ربنا ادهلنا بعد صبر سنين ونرضِي ربنا قبل كل حاجة."

أغمض عينيه مرة، ثم نظر لها مرة أخرى، حتى اقترب أكثر يحاصرها من كل اتجاه قائلًا:
"أنا جعان."

ضيقت نظرها بدهشةٍ وهي تتحدث بخفوت:
"الأكل جاهز!"

ضحك بمكر على ملامحها التي تغيرت إلى الشحوب، ثم ضحك عاليًا وهو يقول:
"طلعتي بتخافي!"

لكزته بقوة، ثم استدارت لتذهب عنه غاضبة، فأمسك معصمها بحنان وهو يقول بمرح:
"بهزر يا رمضان، إيه مهزرش مع مراتي يعني؟"

لمعت في خاطرها فكرة رد الانتقام، فقالت بدلعٍ ملحوظ:
"لو مش هتعبك يا قلبي، ممكن تجيب الأكل بره، أصل تعبت من وقفة المطبخ من طلوع النهار كده."

واستدارت تذهب بثقة، وعلى شفتيها ارتسمت ضحكة ماكرة بعد أن سمعت حديثه لنفسه:
"كيدهن عظيم فعلًا، وماله مش عيب لما أطلع الأكل يا ست شروق..."

"بتقول حاجة يا حبيبي؟"

اقترب ليقف أمامها وهو ينظر لها بقوةٍ جعلت الدماء تهرب من عروقها، فهمس بجوار أذنها بهدوء:
"عيوني ليكِ يا ست البنات."

واسترسل حديثه بجدية:
"ثم إنه مش عيب لما أساعدك على فكرة، في أمور زي دي الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بيساعد زوجاته، وأنا كل حلمي إننا نبني بيت يحبه الله ورسوله."

ثم جذبها من كفها لتجلس جواره، قائلًا:
"أهم حاجة وكل اللي عايزك تعرفيه إنه مش عيب أبدًا تطلبي مني إني أساعدك، ولو ربنا كرمنا بالذرية الصالحة، أول حاجة هنعلمها لهم هو الاقتداء بالرسول وزوجاته، عشان كده مش عايزك تخافي، وبعدين يا ستي إنَّ كيد النساء لعظيم، وانتي كده شاطرة وتعجبيني في الصح بس، لكن الغلط مفيهوش رحمة ولا رجوع..."

لا تعلم بماذا تقول، عجز لسانها عن وصف مشاعرها الآن، عيناها تلمعان بالدموع لكنها دموع فرح، لا حزن فيها.

كيف يدرك المرء أن بعض الكلمات كأجنحة الفراشة تأخذنا إلى ما نتمنى، بل وتجعل العالم لا يسع أجنحتنا من السرور؟

…………..

في مكان آخر يبعد عن المدينة التي يكمن بها بيتها، وحيث ما يسمى بالمدينة الجامعية، اجتمعت مع أصدقائها في تلك الغرفة المشتركة يتبادلون أطراف الحديث. هناك، ضحكة خافتة خرجت من شفتيها حتى نظر لها الفتيات بتساؤل، فقالت بنبرة بها حياء العالم كله بعدما أغلقت هاتفها:
"الحمد لله بابا وافق على الخطوبة."

اقتربت «هدير» منها تهنئها بمحبة صادقة:
"يعني خلاص يا ريناد، هتتخطبي لـ محمود؟"

ابتسمت بحياء، ثم أجابتها:
"الحمد لله رب العالمين، ربنا يتمها بخير، كنت واثقة في إجابة ربنا لدعواتي."

قالت سارة بفطنة:
"ربنا كرمك عشان إنتِ اخترتي طريقه، هو عرض عليكِ الارتباط والتعارف قبل ما يدخل بيتك وإنتِ رفضتي، بس عشان ربنا، واثق بالنوايا هيجمعكم في الحلال."

"وما أحلى الحلال يا رينو!"

قالتها مليكة وهي تحتضنها بسعادة جعلت قلبها يخفق بطبول عشق سيبدأ في حلال الله.

جلسوا حولها، فقالت ريناد بخجلٍ:
"تعرفوا، مكنتش أعرف إن اللي بينا حب، كنت مجرد ما أشوفه جاي لمحمد أخويا، قلبي يدق وأرتبك. هو كان محترم جدًا، حتى لما عرض عليا الارتباط كان مستني موافقتي ورغبتي عشان يجي البيت، ولما رفضت أكلمه، لقيته تاني يوم بيطلبني من بابا. وقتها بس عرفت إن المشاعر دي كانت حب ليه. كنت كل لما يجي في بالي أصلي وأدعي ربنا يجمعنا في حلاله لو من نصيبي، وكنت بدعي برضه لو مش نصيبي ميعلقش قلبي بيه..."

هنا أردفت سارة قائلة:
"يا بنتي اللي شاري بيجي البيت من بابه!"

أجابتها مليكة بمرح وهي تدندن قائلة:
"من بين بنات وبنات، حبها هي الوحيدة..."

رددت هدير مستكملة:
"وإن شاء الله يجيبوا صبيان وبنات.. صبيان وبنات.. ويعيشوا دنيا سعيدة.. دنيا سعيدة!"

أكملت سارة وهي تحتضنها بفرحٍ غمرها:
"جمع ووفق بنت الأصول لابن الأصول، جمع ووفق...

طيب وينول طيبة وتنول، عيلة ونسب، وجمال وحسب...

وكفاية الاتنين عندهم الدين، ويارب يوفق!"

ضحكت ريناد بعلو صوتها، وبداخلها تشعر أنها تحتضن العالم أجمع، حتى أوقفتهم قائلة:
"طب استنوا لما يتم رسمي، يمكن بابا يقول لأ تاني!"

سألتها سارة قائلة:
"هو بابا كان رافض ليه؟"

بلعت غصة حلقها بألم، ثم جلست تجمع شتاتها قائلة:
"عشان هو كان كاتب كتابه على واحدة تانية زمان قبل ما أعرفه، وماتت في حادثة... بس هي كانت قريبته، وأهله اللي كانوا متممين الجوازة دي."

ثم تابعت حديثها بنبرةٍ متألمة:
"بابا كان مفكره إنه ممكن يكون متعلق بيها، ولأني البنت الوحيدة ليه، فكان رافض إني اتجوزه، بس هو أثبتله إنه يستحق، ولما لقاني موافقة، محبش يضغط عليا أكتر."

صاحت مليكة بتساؤل:
"طب وهو نسيها يعني؟"

هتقدري تتخطَّي فكرة إنه ممكن يذكر اسمها مرة قدامك أو تيجي سيرتها؟

صمتت، ثم أغمضت عينيها، تشعر بالقلق والتوتر كلما فكرت في الأمر، لكن ثمة شيء بداخلها يخبرها أنه قدر الله لها، وهذا ما يجعل يقينها وأملها يزدادان بأن الله معها، ولن يضيعها أبدًا.

..………..

تشابكت الأيادي في لقاءٍ خاص، وبين نبضات قلبها وقلبه اجتمعا سويًا. سارت معه بخطى طائرة، كما لو أنها فراشةٌ لها أجنحة، وعلى رمال أحد الشواطئ أخذها في رحلة شيقة تجمع ذكريات تمنّيا يومًا أن يكتباها في دفاتر غرامية.

وقفت أمام المياه تنظر إليها بإعجابٍ صريح، تتلاطم الأمواج عليهما، وهي شاردة بهِ، تراه ينظر إليها بحبٍ وشغف، حبيبان اجتمعا بعد العناء لدنيا عوضهما الله بها.

تحدث مراد بنبرةٍ بها بعض المرح:
ـ البحر وشروق معايا... ده يا بركة دعاء أمي!

ضحكت ملء فمها وهي تحدثه بغرابة:
ـ هو إنت كل حاجة عندك ألش؟ مفيش جدية في الموضوع؟ بتفصلني في اللحظات الرومانسية!

غمز لها بمكرٍ ثم استرسل حديثه قائلًا:
ـ الزوج الفرفوش رزق.

وتابع يغيظُها أكثر:
ـ متبقيش نكدية يا حبيبتي.

رفعت حاجبيها حتى ظهرت غمزة عينيها الماكرة:
ـ ده أنا برده؟

اقترب يهمس لها:
ـ بالظبط كده.

لكزته في كتفه بغضب، ثم استدارت تذهب عنه، جالسة على الرمال وهي تزفر بضيق، مما جعله يضحك بصوتٍ عالٍ.

جلس جوارها، ثم أمسك كفيها بحنانٍ قائلًا:
ـ إنتِ حساسة أوي يا شروق، عارف إنك بتحبيني، بس مش عايزك كل حاجة تزعلي منها. عايزين نتخطى النقطة دي لأنها هتتعبك، وأنا مقدرش أشوفك تعبانة بسببها.

نظرت إلى عينيه، فوجدت حبًا يلمع بهما دون شكٍ، فقالت من بين همسات خرجت من لُب قلبها:
ـ إنتَ هدية ربنا ليا، ربنا يخليك لقلبي.

همس لها بكلماتٍ جعلتها ترفرف في سماء الدنيا:
"عيناكِ كالرمح يهددني دائمًا بسهامه."

"تمهلي سيدتي وقولي لي... عيناكِ هذه أم بُندقٌ صافٍ؟"

………….

لم نأتِ إلى الدنيا لنضحك فقط، فالحياة كلها كبدٌ، نرقد فيها بين آهاتٍ تؤلمنا، وبين ضحكةٍ تُنسينا ما قد أوجعنا. بالسعي فيها نحيا، لكن بالرضا ننال، وبين قلوبٍ خُلقت للشقاء، هناك أخرى خُلقت للراحة. كلها أقدار الله تسير حيث خُططت لها الصحف، وفي النهاية، يبقى الرضا بما قسمه الله سر النجاة من كل كربٍ أو ألم.

جمعت أشلاء الصور بين يديها، وبشهقةٍ مكلومة ودموعٍ ملتاعة، أخذت تحرقها تحت مرأى العين والنظر. دقائقُ مرت لا تعلم أنها أخذت من عمرها أعوامًا، لا تدري أن القدر يكنُ لها أيامًا مليئة بعوضٍ من الله...

استجمعت قوتها المهدورة وعقلها الطائش مما فعلت. هل هي من رمت نفسها داخل جُبّ بئرٍ وهمي عندما وافقت على أن تتزوجه دون علم أحد، سوى أخيها فقط؟ الزواج كان رسميًا، لكنها لم تكن تعلم أن تلك كانت رغبته، بأن لا يعرف أحد في الوقت الحالي، نظير ظروفٍ ابتدعها لتقع في فخه...

شهقت بفزع فور سماع طرق الباب، ومن بعدها دلف هذا الشاب، ونظراته تجوبها بنفورٍ، متحدثًا إليها بطريقة جعلتها تتمنى أن تبتلعها الأرض في الحال:
ـ مش خدتي فلوسك؟ إنتِ لسه هنا ليه؟

وقفت أمامه، تجرّ أذيال الخيبة. هل كانت تظن أنه سيكون رحيمًا معها؟ كيف؟ وهي من سلمت دون وعي ولا إرادة...

ألقت الأموال في وجهه قائلة:
ـ فلوسك مش عاوزاها، خليها هتنفعك. إنت عارف غلطتي الوحيدة إيه؟
إني فكرتك راجل في يوم من الأيام. أصل اللي يعمل كده في واحدة كان بيقولها "إنتِ مالكة قلبي" يبقى نسمي عليه! أصل في صنف الرجالة اللي ملوش لازمة...

ثم تابعت، وعيناها تقدح شررًا:
ـ ولو فاكر إنك كده كسرتني، لأه! فوق، ده ربنا سبحانه الحكم العدل، هييجي يوم وهيكون القصاص عادل أوي يا علي.
هتلاقيه في أختك؟ جايز. في بنتك؟ جايز. في أهل بيتك؟
كلها ديون بتترد، وإن مكنش في الدنيا، فعند الله تجتمع الخصوم.

نظر لها بغضبٍ، ثم تحدث قائلًا:
ـ ولا كلمة من اللي قولتيها هزتني! بصي بقى، لو مبعدتيش عن طريقي، صدقيني... انتي الخسرانة!

نظرت له، وكادت أن تتحدث، لكنه سبقها قائلًا:
ـ زي ما اتجوزتك في الساكت، هطلقك برضه من غير ما حد يعرف.

تعليقات