رواية وميض الحب – الفصل الرابع و الثلاثون 34 – بقلم لولى سامى
🖊️ بقلم: لولى سامى – الكاتب المميز لدى موقع حكايتنا
.jpg)
رواية وميض الحب الفصل الرابع و الثلاثون بقلم لولى سامى
قالوا بالامثال التي غالبا ما تصيب
“احذر عدوك مرة، واحذر صديقك الف مرة.” …
فالعدو معروف بعداوته، مما يجعلك في حالة حذر دائم منه، كونك مستعد ومتحفز لكل أفعاله خوفا من ايذاءه.
أما الصديق، فمن الطبيعي أن تأمن جانبه، إذ يشاركك أسرارك وتفاصيل حياتك، مما يجعله الأعلم بنقاط ضعفك والأقدر على توجيه الضربة القاضية إذا خانك.
فور ابتعاد سيد وفتون عن مرمى المنزل انفجرت فتون بوجه سيد متسائلة ومستاءة وغاضبة وناكرة / أقف هنا بقى وفهمني ايه اللي انت عملته ده ؟؟
وعملت كدة ليه ؟؟
وازاي تتبلى عليا بحاجة زي دي وتسوأ سمعتي وكمان من غير ما تقولي ؟؟
دا جزاتي أن حبيت انور بصيرتك تقوم تعمل فيا كدة ؟؟
انت عارف انت عملت ايه فيا ؟؟
انت ……ااااااه
توقف ثرثرتها واطلقت صرختها اثر توقف سيد المفاجئ بالسيارة، والتي كادت أن ترتطم بالزجاج الامامي لولا استنادها على مقدمة السيارة …
التفت سيد بجلسته موجها وجهه تجاهها بعد أن أوقف السيارة بطريقة أوقفت نبضها قبل ثرثرتها، وتحدث بعصبية وكأنه يكمل أو بالأحرى يصحح مسار جملتها / أيوة عارف كويس عملت فيكي ايه….
واللي الواضح انك بغباءك مش شايفاه ولا فهماه ….
اولا انقذتك من جوازة كنتي هتشوفي فيها المرار وعلى حد علمي انك مش عايزاها ….
الا اذا كنتي عايزاها اصلا !!
لو عايزاها يا ستي بسيطة تقدري ترجعي وتكدبيني وتكملي اللي هما عايزينه …..
ثانيا بقى ياللي بتقولي سوءت سمعتك، أنا أنقذت سمعتك…
لانك ببساطة كنتي هتتجوزي عبدالله علشان تنقذي سمعتك اللي كنتي سايباهم يلعبوا بيها، ومضايقة اني نفيت كلامهم ….
ثالثا بقى والأهم اني انقذتك من بيت العقارب واللي أنا حاسس انك كان نفسك تكملي وسطهم …
رابعا يا هانم ياللي بتزعقي وتتنرفزي أنا خليتك تحققي هدفك وتردي الصاع صاعين لحكمت وبنتها…
مش ده كان هدفك ولا كنتي بتألفي عليا…
ولا ايه حكايتك بالظبط ؟؟
هدر باخر جملته لتنتفض من مجلسها…
استمعت لحديثه المفصل، والصريح بقليل من الذعر اثر صوته الجهوري وطريقته العصبية، والتي جعلها تصمت تماما…
مما جعلها تستوعب الموضوع برمته ليصل لعقلها اخيرا سبب تصرفه هذا…
وايقنت حينها أنه أنقذها بالفعل …….
صمتت لوهلة وكأنها تستعيد حديثه بعقلها…
حينها اعتدل هو بجلسته ليوجه بصره للامام وينتظر ردها بالموافقة على ما أفصح به…
أو بالانصراف والعودة إليهم ….
بعد مرور دقيقتين تحدثت فتون بما يدور بعقلها، وكأنها تفكر بصوت عالي دون أي تنقية كلماتها….
حاولت فهم مدى استفادته من كل ما ذكره …
لتتسائل مستسفرة / وانت عملت كل ده علشان تنجدني وتحقق هدفي بس مش كدة؟؟
ولا ايه فايدتك بالموضوع ؟؟
استمع لسؤالها والذي من الواضح له أنه يتسم بالغباء المتناهي …..
حاول أن يكبح غضبه فبسؤالها هذا فتشت عن ندبات روحه…..
اغمض عينه وسحب نفسا عميقا وتحدث ومازال موجهها نظره للامام / اكيد مكنش كل قصدي انقذك واخليكي لوحدك تنتقمي !!
أنا الايام اللي فاتت كنت بفكر كتير إزاي آذي دعاء أذية تدمر روحها ….
* مش انت بيعت كل الدهب بتاعها ؟؟
نطقت بسؤالها الاستنكاري تعبيرا عن انقضاء انتقامه إلا أنه رأى أنها مازالت تكمل في غباءها ….
لم يعير لحماقتها اهتماما بل أجابها بما يجيش به روحه / مكنش كفاية …
اه اخدت تحويشة عمرها بس حاسس أنه مش كفاية ….
القهرة اللي حاستها منها لسه مخفتش …
فكرت اسيبها وارجع لاهلي…
وبالفعل بحاول ارجع الماية لمحاريها تاني ….
بس عندي احساس أنه برضه مش كفاية …..
كان يتحدث بصوت يملأه القهر والظلم…..
بروح منحورة تحاول الفرار من لفظ النفس الاخير…
بأنفاس متسارعة ومتصارعة بين خيره وشره …
ليصل إليها احساس ومعنى قهر الرجال ….
أردف حواره موضحا كل عناصر انتقامه / لحد ما طلعت على مشكلتك وشفت قهرتك….
كنتي قدامي زي الدبيحة اللي بتحاول تهرب من جزارها …
حسيت حالتك زيي….
بس الفرق انتي بترفضي وبتصوتي وانا مبتكلمش ….
علشان كدة حسيت أن لازم اردلك الجميل وانقذك زي ما انقذتيني ونورتيلي بصيرتي زي ما بتقولي ….
ثم التفت إليها مرة أخرى وهو يستطرد حديثه بنبرة جادة ومغايرة للقهرة السابقة قائلا / وكمان بصراحة علشان حسيت أن الحاجة الوحيدة اللي هتكسر دعاء اني اتجوز غيرها….
ساعتها هتعرف هي خسرت قد ايه ….
خسرت زوج وحبيب وصديق…
واحقق اكبر مخاوفها وهو أنها تعيش لوحدها من غير زوج ولا ابن ….
تعجبت فتون من جملته الأخيرة ليجيب على اندهاشها قائلا / أصل اللي زي دعاء دي واللي بتجاهد علشان تخبي موضوع أنها مش بتخلف…..
اكيد علشان خايفة اني اسيبها ….
فتلاقي نفسها لوحدها ….
وده اللي اكيد خايفة منه ومرعوبة كمان …
* مش يمكن عملت كدة علشان متسيبهاش علشان بتحبك ؟؟
مازالت تكمل بمسلسل البلاهه وكأن روح غبية قد تلبستها فور خروجها من منزل حكمت ….
أو ربما انزاح عنها لعنتها ..
هكذا برر الأمر ….
فور استماعه لجملتها الساذجة ليطلق ضحكة ساخرة اثر جملة فتون الهزلية من وجهة نظره ليجيب عليها ببساطة وثقة / اللي زي دعاء دي مبتحبش غير نفسها …
هي كانت بتحبني حب تملك ….
اللي هو بتاعها ومحدش له دعوة بيه ….
خيم الصمت فجأة عليهم لتقطعه فتون بعد قليل بسؤالها عما هو قادم / طب أنا دلوقتي هروح فين ؟؟
أنا كدة محتاجة اسافر عند اهلي ….
لأن مليش حد هنا!!
والليل قرب يدخل وكدة مش هلحق اسافر ….
نظر لها سيد لبرهه وحاول التحدث إلا أن كلماته لم تسعفه في توضيح الأمر ….
حاول التحدث ليعود للصمت مجددا ليعاود المحاولة أكثر من مرة وكأنه يريد قول شيء غير مقبول ولكنه يرى أنه غير قابل للتفاوض…
……………………………
هرب كالضبع الغادر من براثن أسد غاضب ..
لاذ بالفرار مؤقتا وهو يتوعد بالغدر مِن مَن يستوجب توفير كامل الأمان والحماية له ….
ترك الأسد الغاضب جريح الروح، وممزق الفؤاد، ومهترئ المشاعر….
وظل يفكر في حاله فقط بكل أنانية، غير عابئ بما تركه من أثر في نفس اخيه….
وصل لمنزل ميريهان يبدو على هيئته الفوضى العارمة وكأنه انزلق من عراك شديد ….
فور وصوله انتفضت ميريهان فور رؤيته بهذه الحالة لتقترب إليه سائلة وهي تتحسس وجهه، وتزيل بعض اثر الدماء اللاصقة به بمئزرها / ايه ده اتخانقت مع مين ؟؟؟
سحبته من ذراعه وادخلته غرفتها، ثم ذهبت لتحضر طبق به ماء ومنشفة….
جلست بالقرب منه تتساءل مرة أخرى ….
ولكن صبري لم يكن ينصت لها بل كان عقله مشوش ببعض الأفكار الشيطانية التي تتقاذف من مقلتيه ….
اخذت تتسائل ميريهان عن سبب كل هذه الجروح والفوضى الذي كان بها ليجيبها بشكل غير مباشر وكأنه يجيب ذاته عن مشاعره الحقودة ويبرر لها كرهها وغلها / هو ميستاهلهاش …..
بياخد كل حاجة حلوة ويسيبلي الفتافيت ……
معاه الفلوس والوظيفة……..
والستات الحلوة …..
وكمان حب أمه وأخواته ……
ورحمة ابوك لحزنهم كلهم عليك ……
وهورث حقك ومراتك فوق البيعة ….
عقدت ما بين حاجبيها وهي تراه يهذي أمامها بحديث غير مفهوم بالنسبة لها ….
كل ما أدركته أن هناك شخص ما يمتلك كل ملاذات الدنيا ويمنع صبري من الاستمتاع بها ……
وجدت أن من واجبها دعمه ليفوز بكل تلك المميزات حتى تؤول لها بالنهاية وخاصة أنها تحتوي على إرث ونقود …..
ولكن مهلا فالمميزات تضم عنصر أنثوي….
هل امتلاكها بغرض الإذلال والكره ام بغرض الحب ؟؟
فإذا كان بغرض الحب فحتما ستؤول لها كل تلك المميزات…
وهنا تحولت ميريهان من مداوية لجراحه لشخص آخر مؤلم له فضغطت على جرح ما بغرض إيلامه حتى توقظه من أحلامه تلك ويجيبها عن سؤالها / وتبقى مين بقى مراته دي اللي عايز تاخدها ؟؟
وتاخدها ليه أن شاء الله فراغة عين ولا نقص نسوان ؟؟
اااه ….ما برحة يا ميري …
نطق بها صبري عندما اشتد ألمه اثر ضغطتها على جراحه لينتفض منتبها من هلوسته سائلا بتعجب وكأنه لم يكن يعي اقواله/ مرات مين مش فاهم ….
اختطف من يدها القطن عندما حاولت تكرار فعلتها…
لتجيبه هي بغضب بادي على ملامحها / قاعد تبرطم بكلام مش مفهوم وتحلف وتستحلف….
هتقتل وتورث وتاخد مراته فوق البيعة….
هو مين ده يا عنيا؟؟
وايه جاب مراته بالموضوع؟
ولا هي أصل الموضوع وانا معرفش ؟؟؟
لاحظ الحنق بملامحها وانتبه على حديثه الذي كان يعتقد أنه بداخل صدره ….
إلا أنه من الواضح ان صدره لم يتحمل كل هذا الغل فانبثق الحديث من جوفه بصوت عال دون أن يدرك….
حاول الإلمام بالامر فهذه الآن ملجأه الوحيد بعد أن هرب من منزله بفضيحة أمام الجميع …….
ألقى بالقطن جانبا وأمسك كفها مقبلا إياه بكل رومانسية وهدوء يتنافى مع حالته ومزاجه العكر وهو يحاول صرف اهتمامها عن أقواله السابقة / حبيبتي متشغليش بالك باللي قولته….
المهم أن انتي معايا …..
سحبت كفها من بين أيديه ومازال الشرار يتطاير من مقلتيها ….
اخذت تتساءل بحده لتستقر على هدفه الدفين/ اوعى تكون فاكرني بنت ينضحك عليها بكلمتين …..
بص بعينك بره وانت تعرف أنا مين….
أنا اللي بضحك على البنات والرجالة…
ففوق كدة واتعتدل علشان أنا قلبتي والقبر …
انا فاهمة كويس انك بتسحب ناعم علشان واضح انك ملكش غيري دلوقتي…..
بس لو حسيت انك بس واخدني كوبري ولا هتستغنى عني قبل ما أنا استغنى…..
تبقى متعرفنيش يا حيلتها …..
دفعته للخلف واستقامت تقف أمامه واضعه يدها بمنتصف خصرها وجسدها كله يهتز بعصبية وسرعة اثر اهتزاز قدمها ثم اردفت بحدة ونبرة صوت لم يسمعها منها من قبل / ومادام الموضوع في واحدة ست يبقى اسمع بقى يا خفيف ……
قعادك هنا بفلوس…..
ااااه يعني تشتغل زيك زي اللي بره….
والا منعطلكش …..
نظرت له باشمئزاز من أعلاه لمخمصه وهي تنهي حديثها / صحيح رجالة عرة ميجيش من وراها الا الهم ….
انتفض محاولا التودد واصلاح ما أفسده إلا أنه عند اقترابه ومحاولة لمس وجهها زجته للخلف وموبخه إياه / خلاص يا حبيبي كانت ميغة وقفلناها …..
فز روح شوف هتنيل ايه بره……
صدق اللي قال في رجالة كلام وفي كلام رجالة …..
……………………….
على الجانب الاخر بعد أن لاذ صبري بالفرار رأت هند أن الوقت قد حان لكشف الحقيقة وإعادة الحق إلى أصحابه…
أما بالنسبة لها لم تكن تصرفاته مفاجئه ….
بل أنها حاولت تأكيد مدى خسة ودناءة زوجها…
فقررت أن تضيف الوقود إلى النار لتزيد من اشتعاله / الخسيس الواطي…..
ياما مسكته متلبس وهو ببتجسس على يمنى من شباك المنور….
ولما كنت بزعقله كان بيضربني ….
أثارت كلماتها دهشة دعاء فحاولت اسكاتها فهدرت بها طاردة إياها من محيط شقتها لانهاء هذا النقاش/ كفاية يا هند مش ناقصين حريقة ….
اتفضلي اطلعي شقتك محدش طلب شهادتك ….
تجاهلتها هند وكأنها لم تستمع إليها من الاساس….
بل تقدمت نحو عبدالله الذي كان يقف أمامها شاحب الوجه….
كطالب فاشل أهمل بممتلكاته حتى استباحها المتربصون واللصوص …..
كان يقف على شفا الانفجار وكأنه يقف على وهج من نار……
يشهد بعينيه نتيجة إهماله وتهاونه…..
يستمغ باذنيه نتيجة تقاعسه واستهتاره بمشاعر زوجته ..
يشعر بمدى التفريط والتراخي الذي كان يتحلى بهم …
رأى وسمع وشعر بكل ما سعى لتكذيبه لانكاره وهو يتجلى أمامه بوضوح ….
يضغط على قبضة يده كمحاولة لكبح غضبه المتصاعد الذي وصل لذروته ….
برزت عروق عنقه وجبينه واشتد احتدام الدماء بجسده فاشتد احمرار وجهه بتأثير الدماء الغاضبة التي اندفعت نحو رأسه….
توهجت مقلتاه كبحرين من النار….
وانفاسه تتسارع وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ….
فلتت هند من قبضة دعاء التي تحاول منعها من الاقتراب من عبدالله …
لتسعى هي بكل ما أوتيت من قوة في الوصول إليه…
بل ووضعت عيونها بعيونه وهي تطلعه اخيرا بشهادتها التي ظلت تحجبها طويلا / ومش بس كدة ده كمان كان بيتطاول عليها بايده….
وانا شوفته بعيني في المطبخ تحت…..
ولولا ظهوري الله اعلم كان عمل ايه تاني …..
وهنا لم تنتظر دعاء وحكمت طويلا لتركها بل انقضوا عليها يسحبونها بعنف وهم يتراشقون بالسباب / يا بنت …… عايزة الاخوات يقتلوا بعض ….
واخيرا تمكنوا من اخراجها من المكان وهي تصرخ بأعلى صوتها وتكيل لهم بالقذائف اللغوية عن خسة وندالة صبري وكيف أنهم سبب بكل هذا / خايفين على صبري مانتوا اللي شجعتوه على كدة ….
* اطلعي برة ….
طالعة برة دانتوا ناس متتعاشروش …..
أغلقوا بوجهها باب الشقة ليعودا لذلك الذي يقف على مراجل من نار ….
بينما الأخيرة ظلت تدق على باب الشقة وهي تقول لهم / صدق اللي قال قليل الاصل ميجيش بالعتاب ده الأصل غلاب يا عيلة واطية ….
حاولت دعاء وحكمت التغاضي عن اقوال هند حاليا ولكن بداخلهم كانوا يعقدون النية بالنيل من تلك الغبية على حسب نعتهم لها…..
اقتربا من عبدالله الذي كان أشبه بمرجل يغلي …
يتبادلون على مسامعه بعض الجمل المعتادة عن علاقة الاخ بأخيه وعدم ادخال أحد بينهم ….
وعدم الاستماع لما يكدر صفو الاخوة ….
ويا ليتهم لم يفعلوا فكانت كلماتهم كالخنجر الذي يغوص بأعماق الجرح ليزيد من شدة ألامه ….
لم يتحمل عبدالله الوقوف بينهم والاستماع لعبراتهم تلك …
فانسحب بسرعة إلى شقته هاربا إلى وحدته التي أصبحت انعكاسا صارخا لما آلت إليه حياته ….
دلف إلى شقته يتأمل زواياها، مسترجعًا كيف كانت يمنى تنبض فيها بالحياة والبهجة…
بل كانت تملأ روحه ذاتها، ليشعر الآن بفراغ داخلي يماثل الخراب الذي باتت عليه الشقة، وفق شعوره…
توقف أمام نافذة المنور، مستحضرًا في مخيلته ذعرها والخوف الذي عانته في تلك اللحظات العصيبة…
استعاد ذكرى اتصالها به، حينما تحدثت بصوت يملؤه الارتعاش والهلع، ورغم ذلك، لم تسعَ يومًا للإيقاع بينه وبين أخيه.
كما لم يسعَ لفهمه رموز حديثها العميق…
عندما أخبرته بوجود افعى بالنافذة!!!
أما أخوه، فقد بقي عاجزًا عن تصديق ما حدث منه، مؤمنًا أن أيًّا كانت دناءته، فلن تصل إلى هذا المستوى من الانحدار الأخلاقي…
ألقى بجسده على الأريكة، يلوم نفسه بشدة، ويعنف ذاته مرارًا وتكرارًا…
بدأ يتساءل في داخله كيف يمكنها أن تعود؟
كيف سيواجهها مجددًا؟
بأي مبرر سيطلب الغفران؟
وعلى أي فعل بالتحديد سيعتذر؟
تذكر حينما قسا عليها بسبب افتراءات عن أختها، بينما كانت هي تكافح شياطين تسكن تحت سقف بيته….
وضع رأسه بين كفيه، عاجزًا عن تحمل صخب الأفكار المتضاربة في داخله، بين عزيمة تدفعه للانتقام ورغبة تهمس له بالتصالح.
وبين هذا وذاك امتد طريق غامض يغلفه الضباب، بلا ملامح ترشده، ليبقى تائها بينهما، عاجزا عن اختيار السبيل الذي يصل به إلى بر الأمان ….
……………………….
بعد طردهم لهند وابتعاد عبدالله عنهم، اجتمع ثنائي الشر مع ثالثهما الشيطان يتباكون على ما جرى ويتآمرون بشأن ما سيقدمون عليه لاحقًا.
تحدثت دعاء بقهر وحسرة عن ما حدث لها وكيف سترد الصاع صاعين لكل من غدر بها وخدعها / شوفتي اللي حصلي يا ماما !!
أنا مش مصدقة أن سيد يطلع منه كدة …
بقى سيد اللي كان بيدوب في التراب اللي ماشية عليه …..
يسيبني ويبص للبت دي …
وحياة امي لارجعه ندمان وحفيان وساعتها هيترجاني مش هعبره …..
كانت دعاء تندب حظها، بينما والدتها لم تصغ إلى أي كلمة تفوهت بها ابنتها…..
فقد كان ذهن الأم مشغولاً بما أصاب أبناءها جميعًا، بدءًا من عبدالله ودعاء، وصولًا إلى صبري.
للحظة، استحضرت ذكريات صفاء وسمر، ورأت أبناءها كأنهم حبات عقد انفرط من محبسه، تسقط كل حبة منفردة وكأنهم لم يجتمعوا يومًا.
زاغت عيناها وهي تبحث بين جنيبات عقلها عن سبب تفكك هذا العقد، حتى توصل عقلها المرهق إلى مبررات واهية أقنعت بها نفسها…..
اولا ألقت باللوم على صفاء التي تمردت على أوامرها وابتعدت، لتصبح معزولة عنهم تماما ….
أما عبدالله فقد رأت أنه انجرف وهوىٰ في بحر الهوىٰ واتبع مشاعره فلم يملك زمام أمره….
بينما دعاء رأت أنها لم تكن حذرة بما يكفي، بل زادت الأمر سوءًا بتصرفاتها المتهورة، كمن يضع الوقود قرب النار.
وحين تذكرت صبري، اعترفت لنفسها بفشلها في تربيته، أو ربما بإفراطها في تدليله، مما جعله يتمرد عليها تمامًا……
انتبهت فجأة إلى سمر المريضة، فشعرت بالراحة لكون هناك حبة واحدة في العقد لم تسقط بعد.
قطع أفكارها صراخ دعاء بها، التي خاطبتها بعصبية، محاولة انتزاع انتباهها من دوامة الأفكار التي كانت غارقة فيها / عمالة اكلم فيكي وانتي مش سمعاني ….
قوليلي اعمل ايه دلوقتي في مصيبتي مش لاقيالها حل …..
حدقت حكمت في الفراغ بعينين ضيقتين، وعقلها يعمل بأقصى طاقته محاولاً إيجاد حل سريع ينهي كل تلك الكوارث.
فجأة، تحولت نظراتها نحو ابنتها بوميض غريب، وكأن روحًا شريرة تلبستها.
تغيرت تعابير وجهها إلى نظرات شيطانية مروعة، تعكس قبحًا وبشاعة أشبه بوجوه الشياطين، وبدأت تُملي عليها أفكارًا خبيثة ودنيئة بأبشع الصور/ عندي ليكي الحل لكل مشاكلي ومشاكل اخواتك …
هتخلي سيد يجيلك راكع ، وعبدالله ميطيقش يمنى تاني وفتون …..
توقفت للحظة، وكأنها غارقة في حيرة اختيار العقاب المناسب، قبل أن يستقر عقلها أخيرًا على ما يروي غليلها ويشبع قلبها المريض.
تابعت حديثها بإصرار ووضوح قائلة / وفتون تتجنن ونخليها تطلب بنفسها تدخل مستشفى المجانين…
أصيبت دعاء بالذهول من كلمات والدتها؛ كيف استطاعت الوصول إلى تلك القرارات المعقدة بسهولة وثقة …
بدت واضحة في نبرة صوتها؟
ازدادت دهشتها عندما استأنفت حكمت حديثها، مشيرة نحوها بطريقة أنهت كل تساؤلاتها وحيرتها قائلة / قومي حالا هاتيلي اتر من عبدالله وسيد وفتون وحصليني على تحت عقبال ما أنزل اغير هدومي….
ابتسمت كالمنتصرة حينما أكملت / واقعدي اتفرجي بعد كدة على اللي هيحصل ….
………………………….
ما أن سمع الاب جملة ابنته وجه أنظاره تجاه سعيدة زوجته ونظر لها باندهاش ثم استقام واقفا وقد علت على وجهه ملامح التجهم والاستنفار وهو يعيد قول ابنته بغير تصديق / تنزلي اللي في بطنك !!
وتخبي عن جوزك الحمل !!
هدر بها بصوت عال / يه اللي بسمعه ده يا يمنى !!!
يعني ايه مش عايزة جوزك يعرف انك حامل ….
ومعناته ايه انك هتنزلي اللي في بطنك لو عرف …
كادت أن تجيب والدها لولا انتفاضتها نتيجة صراخه بها / انتي بتختاري بين أمرين حرام …..
اني اخبي على جوزك أمر حملك حرام ….
أو اني اسمحلك تنزلي اللي في بطنك حرااام …
هي كلمة ورد غطاها اول ما نتأكد من الحمل هنبلغ جوزك…
وده الصح بغض النظر عن طلاقكم من عدمه….
وقفت سعيدة وربتت بلطف على كتف زوجها كمحاولة لتهدئته…
في تلك الأثناء، شعرت يمنى باختناق شديد وكأنها مكبلة بالأغلال، حين أدركت نية والدها بإخبار عبدالله بأمر حملها.
رفضت فكرة الاستسلام أو الخضوع فقط لمجرد انها تحمل في أحشائها نتيجة اختيارها الخاطئ، مما سيؤدي إلى إجبارها وارغامها على دفع ثمن هذا الخطأ طيلة حياتها.
حاولت أن تعبّر عن شعورها، لكن لم تخرج منها سوى نحيب مكتوم اختلط بعبراتها التي انهمرت بحرارة من عينيها /يعني هرمي نفسي عليه بعد ده كله ….
يعني هرجع اعيش بوسط النار تاني …..
أنا مش هقدر استحمل اللي حصل تاني ……
مش هقدر….
ده لحد دلوقتي محاولش يجي لحد هنا ويعتذر حتى ….
أو يحاول يحل الكوارث اللي حصلت…
كل اللي عمله أنه حاول يتصل بيا وانا عملتله بلوك…
ضيق كريم حدقتيه وهو يرى حالة ابنته والتي تبدو عليها انها وصلت للانهيار والهذيان ….
تعجب من حالتها واستشعر من كم القهر الذي تتحدث به ابنته أن الأمر ليس أمرا عاديا يحدث بمنازل العائلات….
بل إن من الواضح ان الأمر له جانب آخر غير الذي يعلمه عن معاملة أهل عبدالله السيئة لها……
ألقى عليها سؤاله بغتًا منقبا عن ما تخفيه ابنته عنه / هو ايه اللي حصل بالظبط غير أن أهله كانوا بيعاملوكي وحش ؟؟؟
في حاجة تانية أنا معرفهاش ؟؟
✨ روابط حكايتنا الرسمية
للمزيد من الروايات الحصرية زوروا موقع حكايتنا للروايات الحصرية.
المصدر: للموقع حكايتنا للروايات العربية