" " " " " " " " رواية سر الطلسم ج 2(الفصل التاسع)
📁 آحدث المقالات

رواية سر الطلسم ج 2(الفصل التاسع)


زغدانة والمسخوطة

 

انهار على ركبتيه يراقب بذهول وصدمة كتلة النيران الضخمة بداخلها زنقط وسارة مكبلة بالأغلال أسفل قدميه، يتضائل حجمها حتى أصبحت في حجم كرة الطاولة، ثم تلاشت تمامًا تاركة خلفها بعض شرارات متطايرة في الهواء، تدلى فكه وعينيه شاخصتان في الفراغ لا يكاد يصدق ما يرى، هل هذا حلم؟..حلم.. حلم.

فجأة تدفقت كل ذكرياته المنسية دفعة واحدة كدفعة مضاعفة من الكهرباء مسلطة على مخه فقط، أخذ يرتجف ويداه على أذنيه يصرخ من هول ما مر به، أخيرًا انهار واضعًا يديه على الأرض لاهثًا ينهت بقوة، وقد تسللت منه قطرات عرق تزاحمت حتى أصبحت كالسيل، وقفت القطة جواره تتأمله بحزن، وعلى الجانب الآخر جلست زغدانة، ربتت على ظهره:

- أنت افتكرت كل حاجة يا مثيلحي؟

هو رأسه بدون أن يقوى على تحريك لسانه للرد.

- طب قوم...اغثل وشك.

انتفض يبعد يدها عن ظهره ثم وقف صارخًا بغضب:

- هو أخدها فين؟

- تحت الأرض..في مملكته.

- سارة لازم ترجع يا زغدانة، سارة ملهاش ذنب في اللي بيوحصل، من إمتى وإحنا بناخدو حجنا من الحريم؟

- زنقط مايعرفش قواعد الشرف دي .. الموضوع بالنثبة له حرب لازم يكثبها بأي طريقة.

عاد يصرخ بقوة أكبر:

- سارة ملهاش ذنب، سارة ملهاش صالح باللي بيحصل بيناتنا يا زنجط الكلب.. تعالى واجهني وخد مني اللي أنت عاوزه.

- هو مش هايجي، أنت عارف.. لازم تثلم له الطلثم علشان...

- وهيفوتها يا زغدانة؟

هزت رأسها بقلق:

- مش عارفة.. هو مالوش كلمة ولا عهد.

- أمال هجيبها إزاي بت المركوب دي؟

- بقولك إيه؟.. هات الطلثم وثلمهولي، بكدة مش هيكون عندك حاجة زنقط عاوزها.

حدجها بنظرة من أسفل أهدابه:

- وحياة سيدك عبد الرحيم الجناوي؟! خشي في عبي يا بت خشي، ما تخشي.

- أخش يعني إيه؟

- مش موضوعنا.. غوري من خلجتي الساعة دي أحسن العفاريت بتتنطط في خلجتي؟

زوت ما بين حاجبيها بعبوس، ثم سألته من بين أسنانها بغيظ:

- هم مين دول؟.. زرق ولا خضر؟...أبالثة ولا شياطين؟...طيارين ولا أقزام؟

قاطعها:

- حيلك ..حيلك...زرج إيه وأبالسة أيه؟

- مش بتقول العفاريت بيتنططوا قدامك!!

هتفت القطة:

- سيبك منها يا بني وروح شوف قريبتك، دي باينها فلتانة منها من زمان قوي.

وضعت زغدانة يديها في خصرها ودبدبت بقدميها في الأرض مع ارتفاع أحد الحواجب عن الآخر:

- قثدك إيه يا قطة يا مثخوطة أنتي؟

- لما أنا مسخوطة أنتي إيه يا أم نث لثان ؟

- أنا بنث لثان يا أم خربوش، ياللي أكلك فيران.. ياللي....

صرخ مصيلحي:

- بس أنتي وهي.. أحسن جسمًا عظمًا أحرجكم أنتوا الاتنين بجاز.

- مش شايف يا مثيلحي؟.. المثخوطة بتاعتك بتقول عليا إيه؟

- شوفي البت بتتسهوك عليه إزاي؟.. يا أم نص لسان دا أنتي في سوق النسوان متساويش تلاتة أبيض، دنا لما كنت في عزي كنت بمشي الرجالة على ضوافرهم.

- أيوة علشان يهربوا منك قبل ما تمسكيهم.

- يهربوا مني أنا؟.. هو أنا العفريتة ولا أنتي؟

- أنا؟.. أنا عفريتة أنا؟.. مثيلحي.. قولها أنا أبقى مين .. قولها يا مثيلحي.

نظر لكليهما بقرف ثم تجاوزهما ودخل البيت، تبادلتا النظرات الغاضبة ثم أدارت القطة حسنات رأسها ورفعته بشموخ مع ذيلها الطويل ولحقت بمصيلحي، وعندما دخلت وجدت زغدانة بجوار مصيلحي تخرج لها لسانها، وضعت ذراعها على ظهره إمعانًا في غيظ حسنات التي وقفت تلعق مخالبها وكأن ما يحدث أمامها ليس ذا بال.

- هتعمل إيه بث يا مصيلحي؟

- مخابرش يا زغدانة، بس لازم أعمل حاجة.. البت هتروح فطيس بسببي .. الأول كان لعب عيال.. وأنا اتحملت اللي جرالي بس البت مش هتتحمل.. دي ورور.

- دي إيه يا خويا؟

- ورور.. يعني بريئة.. ساذجة.

- هي مين دي اللي بريئة وثاذجة؟.. أنت مكنتش تعرف هي بتعمل إيه في البلد؟

- عندك...إلا الخوض في الأعراض.

- مثيلحي.. أنت مالك غيران عليها قوي كدة ليه؟ تكونش بتحبها؟

اتسعت عيناه وكأن فكرة خطرت بباله:

- مسجورة.. نادي لي على مسجورة.

- وعاوز اللي متتثماش دي ليه إن شاء الله؟

- مالكيش صالح.. دا كلام كبارات مع بعضينا.

 - مثيلحي...متخلنيش أتنزفز.

- هتنادي على مسجورة ولا أبعت لها بمعرفتي؟

- ماشي يا عم.. حد قدك.. محدش راح أرض نهاية المطاف ورجع تاني.. أنت بث.

أومأ برأسه:

- إيوة.. هو دا.. نادي على مسجورة وبلاها رطرطة في الحديت.

- قبل ما أنادي عليها.. مش هتحدد معاد الفرح.

هنا بدأت القطة تنتبه:

- فرح؟.. فرح إيه ومين؟

أخرجت زغدانة لسانها وهي تستعرض الخبر بطريقة مغيظة:

- هو أنت متعرفيش؟.. أنا ومثلوحتي هنتجوز.

- مصيلحي.. الكلام دا بجد؟

أطرق بتنهيدة:

- إيوة صوح.. هي طلبت يدي وأنا وافجت.

- طب وأنا؟

هتفت زغدانة بسعادة:

- أنتي تروحي تشوفي لك عرثة ولا فار تتعشي به.

- كدة يا مصيلحي؟.. يهون عليك العيش والكفتة والرحمة والبلح.

- يا حسنات يختي...

- بس متقولش يختي.

- خلاص مش هجولها، بس أنتي جطة دلوكيتي.. هنعملوا إيه يعني؟

- يعني هي اللي بني آدمة؟. ما هي جنية.. لو اتجوزتها تتجوزني أنا كمان.

استنفرت زغدانة:

- يتجوزك أنتي؟.. أنا وافقت على سارة تبقى ضرتي بس علشان هي خطيبته قبلي.. بس يتجوزك إنتي كمان؟

- وماله الشرع محلل له أربعة.

قاطعهما بصوت غاضب:

- جسمًا عظمًا لو مبطلتوش نجار لفجركم أنتو الجوز.. نخلص من البلوة اللي إحنا فيها وبعدين جطعوني بيناتكم زي ما أنتوا عاوزين...خلاص؟.. نادي على مسجورة يا زغدانة.. ومعايزش أسمع صوتك واصل.

- طيب.

- ها...جلنا إيه؟

وضعت يدها على فمها ثم اختفت في شق الجدار، جلس على فراشه مطرقًا بانتظار مسجورة، اقتربت القطة تتمسح في ساقه:

- مصيلحي...يا صح صح.

بدن أن ينظر نحوها:

- أنتي كمان زيها.. معايزش أسمع صوتك واصل.

اهتزت الجدران وبدأت الأرض تهتز من أسفلهم، وقف مصيلحي مستعد للقاء مسجورة، وقد رتب كلماته كما يرغب أن تصل لها، طال الانتظار واشتد قوة الزلزال حتى ظن مصيلحي أن البيت سيتهدم فوق رأسه، ضاقت عيناه الشاخصتان نحو الجدار الذي سينشق عن مسجورة مثل كل مرة، ولكن ما حدث كان مختلفًا تمامًا!!

فقد انشقت الأرض بصوت مروع وبدأت تظهر دائرة صغيرة ملتهبة من النار، أخذت تتسع بإطّراد حتى كادت تبتلع كل الغرفة، بينما مصيلحي والقطة يتراجعان بخوف حتى التصق ظهريهما بالجدار، حاول مصيلحي النظر داخل حفرة النار فلفحته موجة هواء عاصفة شديدة السخونة أجبرته على التراجع فقد شعر وكأن جلد وجهه سيتشقق من الحرارة، كما بدأت ألسنة النيرات تتأجج بالفعل، هتفت القطة بخوف:

- الحقني يا مصيلحي.. شعري هيتحرق.

نظر نحوها بخوف، إذا بشرارات من النار بدأت تشتعل في شعرها، أمسكها وأخذ يطفئ الشرر بيديه قبل أن يحرقها تمامًا ثم خبئها في صديريته:

- خليكي اهنة، لحد ما نشوفوا المصيبة الجديدة اللي اتطربجت على روسنا.

هتفت ترتعش: 

- خلينا نخرج من هنا.

نظر نحو دائرة النار المتأججة، ثم للباب، يقيس بنظراته المسافة التي سيقطعها حتى يصل لبر الأمان، وقبل أن يتحرك بدأت الحفرة تصدر صوتًا يشبة صوت زئير الأسد، ولكنه أشد عمقًا وأكثر رعبًا، أخذ الصوت يرتفع وكأنه قادم من أعماق الجحيم، تشبثت القطة بعنق مصيلحي ترتجف رعبًا:

- إيه اللي بيحصل يا مصيلحي؟.. خرجنا من هنا بسرعة.

خرج الصوت أخيرًا لأعلى بنفحة ساخنة لفحت وجه مصيلحي فشعر باحتراق ملابسه من شدة السخونة، أجال النظر حوله  لعله يجد مخرجًا، شعر أنه هالك لا محالة، المنفذ الوحيد للخروج من هذا الجحيم الذي كان منذ دقائق فقط غرفته ، في الباب عبر حفرة النار.

نظر للقطة وهتف بصوت عالي لتسمعه من بين الضجيج الصادر من الحفرة:

- هنط من فوج الحفرة.. اتخبي في عبي ومتطلعيش راسك مهمن حوصل.

هتفت بخجل:

- بس دا عيب، أنت راجل غريب.

- خلاص خليكي ياكش النار تولع في لسانك أول حاجة فيكي.

- طب خلاص متزعلش.. بس يكون في علمك أنت كدة مجبور تتجوزني.

دفس رأسها في عبه وأمسك طرف جلبابه بين أسنانه، تراجع بقدر ما يسمح المكان الضيق وركض بأقصى سرعة وفتح ساقيه ليقفز فوق الحفرة، وقبل أن يقفز اعترض طريقه شيء ضخم يطل من الحفرة، سقط مصيلحي على ظهره يحدق بالكائن الغريب بذعر وفزع رهيبين وهو يزحف، متراجعًا، بينما رأس الثعبان الضخم يقترب منه وكأنه يتشمم رائحته ثم فتح فمه عن آخره ليظهر ناباه الضخمان كل واحد منهما بحجم باب غرفة مصيلحي الذي عجز عن الوصول له، كان على وشك الإغماء عندما سمع من بين الفحيح ذلك الصوت يسأله:

- أنت مصيلحي ابن بهانة؟

- لأ...مش أنا.. ولا أعرفه.. ولا شوفته.. ولا عاوز أشوفه.

 

ابن ابليس

 

أخذ يردد الجملة ذاتها مرارًا وتكرارًا مغمض العينان وواضع رأسه بين ركبتيه يرتجف رعبًا:

- لأ...مش أنا.. ولا أعرفه.. ولا شوفته.. ولا عاوز أشوفه.

- لأ...مش أنا.. ولا أعرفه.. ولا شوفته.. ولا عاوز أشوفه.

اهتزت رأس الثعبان الضخم بغضب فلوح بقرنيه ليحطم سقف البيت بدون أن يبالي، انخفض ليستطيع رؤية مصيلحي:

- جاوب يا إنسي، وإوعي تكذب عليا.. أنت عارف اللي بيكذب بيروح فين؟

همهمت القطة من عبه وهي ترتعش هي الأخرى:

- لو قلت له مارينا هتبرى منك.

رفع مصيلحي رأسه بحذر ليفاجأ بالثعبان يتجه نحوه فور استشعاره حركته، وابتسامة كبيرة شريرة تنبت من فحيحه وهو يزداد اقترابًا:

- أيوة.. لقيتك.. كنت فاكر هتعرف تستخبى مني؟

- عاوز مني إيه؟ حرام عليكم فوتوني في حالي أنا والغلبانة سارة، معايزنش منيكوا حاجة واصل.

- اتفقنا.. سلمني الطلسم وأنا هتفاهم مع زنقط وهقوله يرجع لك الإنسية بتاعتك.

ابتهج مصيلحي ووقف يسأله:

- صوح؟.. هتجيبهالي من زنجط.

- طبعًا.. أنت فاكرني شوية في البلد دي ولا إيه؟

- إوعى تكون مجطع السمكة وديلها زي شعلان؟

- شعلان..!! أنت تعرف شعلان ابن عمي منين؟

- دي حكاية يطول شرحها، لمن ترجعلي سارة نوبجى نجعد مع بعضينا ساعة عصاري نشربوا الشاي وأحكي لك، بس أنت شكلك مش زيهم ليه؟ مش أنت جن برديكي؟

- ايوة طبعًا.. بس قلت أعمل لك شغل علشان تخاف وكدة وتعملي حساب.. يالا سلمني الطلسم.

- لا يا حبيبي.. العلاقات الشخصية حاجة والشغل حاجة تانية، أنت تجيب سارة جدامي، وأنا أسلّمك الطلسم اللي ودرني وكان هيودر الغلبانة سارة.

- أنت مش واثق في كلمتي يا إنسي؟

- بس متزرزرش ليطلع لك عرج ينط في نافوخك...أنا واثج فيك وكل حاجة، بس الموضوع مش كدة...أبسلوتلي.

هتفت القطة من عبه:

- الله يرحم.. بترطن انجليزي يا ابن بهانة؟

أسكتها بضربة من يده وأعاد اهتمامه للثعبان:

- جلت إيه؟.. على فكرة أنا جاني عروض للطلسم ده، مش هتصدج.. من أول أمنا الغولة.. لشعلان ابن عمك، لمصاص الدماء، حتى جن الأرض جدمولي عرض ميترفضش.. بس لما زنجط أخد سارة.. العروض كلها اتلغت.. العرض الوحيد اللي يجيب لي سارة هياخد الطلسم.

نفث الثعبان نار بغضب:

- يعني إيه؟ في حد غيري هياخد الطلسم؟.. دا مش ممكن أبدًا.

انشق الجدار، استغرب مصيلحي أنه ما يزال سليمًا بعد كل ما حدث، خرجت منه مسجورة تحدج الثعبان بنظرات ثلجية:

- أنت بتعمل إيه هنا يا قارون؟

التفت لها بحدة لتشتعل عيناه بوهج شيطاني:

- ابعدي أنتي يا مسجورة، بلاش تدخلي في لعب الكبار.

طارت لتقف بوجهه بتحدي:

- أنت يظهر نسيت نفسك ومش عارف بتقول إيه، زنقط لو عرف إنك عاوز الطلسم هيبيد كل قبيلتك.

قهقه بعنفوان:

- أنا لو لقيت الطلسم زنقط بتاعك هيجي يركع مذلول، دا لو عفيت عنه ومنفيتهوش في نهاية المطاف مع غيره من المتمردين.

كان مصيلحي يتسلل بحذر شديد مستغلًا انشغالهم عنه عندما  تعثر وسقط على ركبتيه بضجيج كبير، التفت قارون باتجاهه ثم انقض عليه، وقبل أن يدرك وجد نفسه داخل فمه بعد أن أطبق أنيابه عليه، نظر لمسجورة بانتظار وهتف:

- الطلسم معايا، وزنقط عمره ما هيشوفه أبدًا...أبدًا.

وقبل أن تستطيع منعه نزل لأسفل وأغلق حفرة الجحيم خلفه وكأنها لم تكن.

انضمت زغدانة لمسجورة تتلفت حولها باستغراب:

- هو مثيلحي فين؟

حدجتها بغضب:

- الجحيم تحت الأرض هيغلي يا زغدانة، قارون خطف مصيلحي، ومش هيرجعه أبدًا، لو زنقط عرف هيخليها حرب.

- يا لهوي...يا مثيبتي.. مثيلحي راح!! قريتي لي في الجوازة.. فضلتي تهددي وتتوعدي لحد ما راح زي اللي قبله.

اقتربت مسجورة تحدجها بانزعاج:

- مش مكسوفة من نفسك.. كل تلاتين سنة تتجوزي إنسي، ولما يعجز تروحي تتجوزي واحد غيره، إيه مش بتشبعي؟

- مثيلحي حاجة  تانية.. وأهه قارون أخده، ومش هيثيبه.. أه يا عيني يا مثيلحي.

- إ وعي تكوني فاكرة إني هبلة وهصدق محن الجنيات الزرق دا.. أنا عارفة وأنتي عارفة أن عينك على الطلسم أنتي كمان.

- طب وماله؟.. حب ومثلحة.. مش أحثن اللي مش عارفة تحب، ولا تعمل مثلحة، ولا علشان محدش بيطيقك، إنس ولا جن.

- زغدانة لمي نفسك لقص لسانك الملسوع دا.

- أنا هروح أنقذ مصيلحي.. لو عملت كدة هيديني الطلسم وهو مطمن.

- أنتي بتتجرأي علىّ؟

وقبل أن تكمل جملتها كانت زغدانة قد اختفت من أمامها.

- الملعونة.

 

*****

 

 

 

 

 

 

 

- مصيلحي...إحنا فين؟

- لو قلت لك هترتاحي؟

- لأ.

- إحنا في بطن التعبان.

صرخت برعب:

- أنا قلت لك لأ.

- خلاص مش هجول تاني.

- مصيلحي.

- نعم.

- هو كدة يعني يبقى أكلنا.

- عاوزاني أجاوب؟

نظرت له بعينين دامعتين وصمت كلاهما، بعد وقت ظناه دهرًا هدأت الحركة وتوقفت تمامًا، انتظرا قليلًا حتى ظهر ضوء النهار من جديد عندما فتح قارون فاه وطلب منهما الخروج، زحف مصيلحي على ركبتيه فلم يعد يستطيع الوقوف على قدميه.

- إيه رأيك؟

التفت مصيلحي نحوه ينظر نحوه بإنهاك، إذا بالثعبان الضخم يتحول لكائن صغير يشبه الإنسان، غير أن له قرنان ضخمان وذيل طويل، يشبه ذيول السحالي، ثم أجال عيناه فيما حوله، ما ظنه ضوء النهار، لم يكن نهارًا أبدًا، السماء تبدو شديدة الانخفاض عما اعتاد عليه، ولونها أحمر كالدماء، كيف ظن بوجود ضوء النهار.

- أنا فين؟.. وأنت مين؟.. وعاوز أرجع.

- أنت هنا في ضيافتي.. متخافش محدش يقدر يأذيك.

- هو فيه أذية أكتر من اللي أنا فيها دي؟.. أنت مين يا عم أنت؟

- أنا قارون..ابن ابليس.

- يا صلاة الزين...يا صلاة الزين...أهي كملت.

- شكلك زعلت؟

- لا هزعل ولا هطج.. رجعني لبلدي يا عم.. لا تأذيني ولا أذيك.

قهقه بعنفوان:

- أنت فاكر أنك تقدر تأذيني؟.. أنت يا إنسي؟.. أنت؟

- أنت عارف إني أجدر أحرجك بكلمة.

- حلو.. لازم تكون عارف أنك قبل ما تخلص حروف الكلمة دي لسانك هيكون في إيدي، بعد ما أكون سحبته من حنجرتك.

أمسك مصيلحي عنقه بكلتا يديه واعيًا للتهديد الجاد من قارون ابن ابليس، وسأله بصوت متحشرج:

- عاوز مني إيه دلوكيتي؟

- ولا حاجة.. تقعد معزز مكرم لحد ما تسلمني الطلسم.

- بس الطلسم مش معايا.

- بسيطة.. قولي هو فين وأنا هجيبه.

فكر قليلًا:

- طب وسارة؟

قهقه قارون ساخرًا:

- سارة مين يا عم؟.. سارة دلوقتي في عصمة جن تاني.

- أنت بتخترف بتجول إيه؟

- زي ما بقولك كدة.. من شوية بس.. زنقط أعلن عن حلف زفافه على الإنسية الجميلة، مش بقولك أنت مكنتش تعرف سارة بتاعتك دي بتعمل إيه.

- كانت بتعمل إيه؟

- كانت بتحضر عفاريت.. أنت فاكر زنقط وصلها إزاي؟.. إحنا رغم كل قوتنا منعرفش الغيب.

دار رأسه، هل يصدق ما يسمع؟.. سارة الفتاة البريئة ذات الوجه الملائكي، تقوم بطقوس استحضار جن وعفاريت؟

- لو مش مصدقني، هوديك الفرح علشان تشوفها بعنيك.. بس بشرط.

غمغم مصيلحي:

- إيوة عارف...الطلسم.

- أيوة عليك نور.. أنت تسلمني الطلسم وتتفضل ترجع بيتك معزز مكرم.. وأنا بقى أشوف شغلي، المكان هنا مسحور.. أي حاجة تفكر فيها.. أكل شرب.. نسوان.. قبل ما تطلبها خدامي هينفذوها.

- نسوان كمان؟.. خدمة فايف ستار.

- فايف ستار دي عندكوا.. هنا الخدمة عشرة على عشرة، بس خد بالك في أمنيات هتجر على صاحبها التهلكة، خد بالك وأنت بتتمنى، وعلى فكرة طلع القطة اللي هتفطس في عبك دي، وهي كمان أي حاجة تتمناها هتلاقيها.

اختفى فجأة بعد أن ترك خلفه كرة دخانية حمراء ما لبثت أن تلاشت في الفراغ، تمطت القطة وهي تقفز من مكانها على الأرض هي تتجول بعينيها حولها منبهرة:

- ياااااه...إيه المكان دا؟

- دي جهنم الحمرا.

- طب وماله؟.. المهم إنه سمح لنا نتمنى.. وكل أمنياتنا هتتحقق.

- فكرك الحديت اللي جاله عن سارة دا صوح؟

كانت ما تزال مذهولة وهي تتمتم مع نفسها:

- يعني ممكن أتمنى أي أمنية.. أي أمنية؟

وهو أيضًا كان في وادِ آخر:

- وكمان هتتجوز زنجط؟.. معجولة دي؟!!

- طب ممكن أتمنى كباب وكفتة؟.. وعاوزة البتاع دا اللي اسمه.. اسمه إيه يا مصيلحي؟ فكرني.. آه..باتون سالويه.

- سالويه إيه بس؟.. بجولك البت هتتجوز عليا.

- ولا أقولك.. أه أنا أرجع تاني.. أتمنى إني أرجع تاني.

شهق مصيلحي عندما فوجئ بها تتحول من قطة لتعود حسنات التي يعرفها.

- يخرب مطنك يا حسنات..عملتيها إزاي دي؟

تراقصت حول نفسها وهي تصرخ بسعادة متأملة ذراعيها وتتحسس جسمها ووجهها:

- أنا رجعت يا مصيلحي...رجعت.

وأخذت تزغرد...وهو ما يزال يفرك عينيه:

- يعني التمنيات اللي بيجول عنيها أخينا دي طلعت صوح.

- وإلا صوح.. دي صوح الصوح.. مش شايفني رجعت إزاي؟.. يا فرحتك يا حسنات..يالا اتمنى وجرب أنت كمان.

حك ذقنه مفكرًا في أمنيته

 


 

الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات