المارد
- بس
يا بو عمه.. أهي هي دي كل الحكيوة من طج طج لسلامو عليكم.
حك
المذؤوب ذقنه بتفكير عميق:
-
علشان كدة كلهم مسروعين وراك.. اللي يملك الطلسم هيسيطر على ممالك الجن كلها..
علشان كدة كلهم طمعانين فيك.. وبيني وبينك.. الحكاية تستاهل.
انتبه مصيلحي
لنبرة المذؤوب المتغيرة، والبريق الذي توهجت به عينيه الصفراء:
- تجصد
إيه بكلامك ده؟
قهقه
ضاحكًا:
-
إيه؟.. أنت فهمتني غلط خالص، معقولة أنا أفكر بالشكل دا؟ بس دا ما يمنعش أن الفكرة
لعبت في دماغي.. لو الطلسم دا في إيدي.. يا سلام.. كنت طلعت من المنفى الزبالة
دا.. ورجع لي شكلي الحقيقي.. وسيطرت على ممالك الجان كلها.. وسجنت زنقط الملعون في
سجن غياهب الظلمات.
-
غياهب إيه لامؤاخذة؟
-
غياهب الظلمات.
- يعني
إيه يعني؟ .. مش فاهم سعاتك.
- هو
اسمه كدة.. يوووه يا مصيلحي قطعت عليا حبل التخيلات يا جدع.
- أحب
أفطّن حضرتك.
- إيه
أفطن دي؟
- يعني
أوعيك.. أن الطلسم مش معايا.. أحلف لك براس أبوك يا شيخ ما أعرف هو فين؟
-
وطبعًا مش مصدقينك.. يا أما بيعصروك.. طب ما تحاول تفتكر .. أو تحب أفكرك أنا؟
-
تفكّرني كيف يعني؟، هتفتح راسي وتدور فيها زي ما كانت السعلوة هتجطع جلدي جطيع
وتدور فيه؟
- لأ
طبعًا.. بس ممكن أجيب لك عمك درديري تسأله بنفسك.
-
والله صحيح..
- أه
...ليه لأ؟.. استنى لحظة بس....يا....
-
استنى بسي... أنت مستعجل ليه؟
- في
حاجة يا مصيلحي؟
-
إيوة...اللي بيوحصلي دا من يوم عم درديري الله يرحمه ما مات علمني حاجة واحدة..
مافيش حاجة من غير تمن.. أو هدف تاني غير الظاهر.
قهقه
المذؤوب بينما حدجه مصيلحي منظرة مستهجنة:
- عندك
حق.. يمكن بيحصل كدة في العالم بتاعك.. بس العالم بتاعي مختلف، مش عاوز منك حاجة
يا مصيلحي.
-
الطلسم هيطلعك من المنفى، وهيفك اللعنة، وهيرجع لك مملكتك.
وقف
المذؤوب على براثنه الأربعة وصرخ بقوة كادت تطير مصيلحي من مكانه:
- وليه
لأ؟.. أنا أولى من زنقط.. وأولى من مسجورة.. أنا الملك الحقيقي لممالك الجن.
وقف مصيلحي
أمامه يرتعش:
- أنا
ماليش دعوة ومخابرش حاجة حرام عليكم فوتوني لحالي.
بدأ
المذؤوب يتخذ خطوات جدية نحوه والشر مسطورًا في صفرة عينيه:
- أنا
مش هخليك قبل ما تسلمني الطلسم اللي هسيطر به على عالم الجن.
ولم
يفكر مصيلحي مرتين وهو ويسلم قدميه للريح ويركض هاربًا من المذؤوب، الذي وقف مكانه
يقهقه بصوت عالي ساخرًا:
- مسكين
يا إنسي، فاكر إنك هتقدر تهرب مني، سبقتني في الجري قبل كدة لما كنت إنسي زيك، يا
بني أنا لو مديت إيدي هجيبك.
ولم
يحبطه كلمات شعلان واستمر بالركض، هز المذؤوب رأسه وبدأ في مطاردته، ومن كان يظن
أنه سيلحق به في غمضة عين، فوجئ أنه يسبقه بمسافات طويلة لا تقل مهما اجتهد في
الوصول إليه، ضاقت عيناه بتصميم فهو لن يحتمل عار أن يسبقه هذا الإنسي الهلفوت وهو
شعلان ملك الجان، والمذؤوب في نهاية المطاف حاليًا، لم يمضِ وقت طويل حتى أدرك ما
فاته، وعرف سبب سرعة مصيلحي الغير طبيعية، والتي لم يدركها المسكين حتى الآن،كان
التعب قد نال منه مناله يوهو يركض ولا يجرؤ حتى على استراق النظر خلفه، المذؤوب
على حق، لن يطول الوقت حتى يصل إليه، ولكنه لن يقف بانتظار مصيره المجهول، ولكنه
إن لم يتوقف الآن سيقف قبله حتمًا من فرط الإجهاد، حاول مرة بعد مرة، ولكن وكأن
أصبح لقدميه إرادة خاصة بهما، فهما تتحركان بسرعة رهيبة رغم محاولته للتوقف، أخذ
يضرب بيديه على ساقيه لعلهما يستجيبان، ولكن زاد الطين بلة عندما وجد نفسه وقد بدأ
يرتفع عن سطح الأرض شيئًا فشيئًا وجد نفسه يحلق طائرًا، اشتد صراخه في الهواء
وازداد ذعره وهو يرى شعلان في الأسفل يعوي بغضب لإفلاته من بين براثنه، ولكن...كيف
يحدث هذا؟
بدأ
يقترب من جبل يتحدى الغيوم في ارتفاعه، صرخ من جديد عندما ظن نفسه سيصطدم به، ولكن
لدهشته ظهر شق مخفي في آخر لحظة ليجد نفسه داخل الجبل، سقط من الهواء مصطدمًا جسده
على الصخر القاسي، حاول فتح عيناه ليرى ما يحدث وسبب هذا الهواء الذي اجتاح المكان
فجأة وبصعوبة شديدة فتح عيناه، ولكنه لم يرَ إلا خيال ضخم غير واضح المعالم، حاول
التركيز ولكن ألم جسده كان أقوى ففقد الرؤيا مستسلمًا لهوة الظلام التي ابتلعت
وعيه.
ولكن
كيف يفقد وعيه وهو في الأصل فاقد الوعي؟.. هذه الفكرة حفزت كل طاقته فانتصب جالسًا
في ثوان يجول في المكان بعينيه بتحفز..
- أنت
خايف يا إنسي؟
كان
الصوت شديد الخشونة وكأن صاحبة قد ابتلع عربة كارو بحمارها، استدار مصيلحي ببطيء
ليقع نظره على أكبر وجه مخلوق رآه في حياته، أو سمع عنه،كان وجهه يسد فتحة الكهف،
ولا يظهر باقي جسده، حدّث مصيلحي نفسه هل هو بدون جسد.. رأس فقط؟
أجابه
الجني وكأنه سمع أفكاره:
- لأ
طبعًا.. تعالى وقرب وأنت تشوف.. أنا واقف على الأرض.. ويادوب قدرت أوصلك للكهف.
ازداد
ارتعاش جسد مصيلحي وهو يحاول تصور حجم هذا الجني، ثم تحرك ببطء حتى اقترب من حافة
الكهف ونظر لأسفل ويتأكد مما سمعه، ولكنه لم يصدق عيناه بعد:
- يا
بووووووي....يخروب بيتك عملتها إزاي دي؟
- أنا
جن طيار.
- طيار
إيه دا أنت جن أبراج.
- حسيت
بيا لما شيلتك وهربتك من شعلان؟
- لهو
أنت اللي عملتها؟ يا بن الجنية.
- فسح
شوية هاجي جنبك لو شعلان شافني هيعرف مكانك.
- أفسح
كيف يعني؟.. هو الكهف الصغير دا هياخد البرج دا كله كيف؟
- لا
مهو أنا أعرف أنكمش.
وقرن
كلامه بالفعل لينكمش جسده في لحظة ويجده مصيلحي بجواره في الكهف بحجم يماثل حجمه
تقريبًا.
- يا
بووووووي...حاجة ليها العجب يا ناس.
- ادخل
جوة أحسن شعلان يسمعنا.
- وأنت
خايف من شعلان ليه؟ دا أنت لو عطست بس هتطير ألف واحد زي شعلان.
- ما
يغركش الحجم.. أنا أضعف الجن.. شعلان لو لحقني ممكن يموتني بخربوش واحد من مخالبه.
- كل
دا يجب أجلك بخربوش؟..يا حيف على طولك وعرضك، ولونك الغريب ده؟
- مش
عاجبك لوني يا مصيلحي يا بن بهانة؟
- أما
أنت جن لسانك زالف صحيح.
-
خلاص...خلاص متزعلش.. قولي نفسك في إيه؟
- تصدج
إني أول ما شفتك استبشرت خير.. جولت في بالي أنت تشبه جن مصباح علاء الدين.. بس
دوكها كان أخضر.. وأنت...
-
فوشيا.. فوشيا يا مصيلحي.. صعبة دي؟
- لا
سهلة.. فوشيا خلاص.. طالما هتحجج لي كل اللي نفسي فيه؟
-
أوامرك يا إنسي.
-
رجعني بيتي تاني.
- مع
الأسف مقدرش.. جن الجاثوم أقوى مني.
- طب
خليني جوي علشان أقدر أدافع عن نفسي.
- ودي
كمان مقدرش عليها.
- أمال
أنت عاوز تعملي إيه؟.. فايدتك إيه؟
- عاوز
تطرقع صوابعك.. تهرش في راسك.. تغسل وشك... شبيك لبيك.. جحجور بين إيديك.
-
تغسلي وشي؟!.. ودي نايبة إيه بس يا رب؟!
- بس
أنا أقدر أعمل حاجة تانية.
- إيه
يا سبع البرمبة؟
- أقدر
أطلع روحك لحد ما تقولي فين الطلسم.
-
دلوجتي بس عرفت.. مافيش حاجة بتحصل في نهاية المطاف دي غير لمصلحة.
- قلت
إيه يا مصيلحي؟
- اسمع
يا جن الهرش وطرجعة الصوابع أنت.. روح إلعب بعيد.. مش ناجصاك أنت كمان.
- طب
استعد بقى يا ناصح.
-
هتعمل إيه؟
-
هلبسك.. ولما يحصل هعرف بطريقتي الطلسم فين.
قفز مصيلحي
مبتعدًا عن نواياه الشريرة، ولكن التصميم كان مرسوم على وجه الجني والتحدي للوصول
للطلسم كان يحفزه في كل خطوة يقتربها من مصيلحي:
- كل
الجن بيضحكوا عليا، بقيت مسخرتهم علشان كلهم عندهم قدرات وأنا بحجمي الكبير مش
بعرف أعمل حاجة.. يا دوب ألبس إنسي.. أجننه.. أخرم عينه.. مش أكتر من كدة، لكن لو
ملكت الطلسم، مافيش حد فيهم هيقدر يقولي تلت التلاتة كام.. محدش هيفتحه فيا، ومحدش
هيتمسخر عليا تاني، مستعد ولا مش مستعد، أنا هلبسك يا إنسي.
صرخات مصيلحي
دوت في أنحاء الجبل سمعه الجميع وهبوا نحوه، كل منهم يحمل أجندته الخاصة، تقوقع مصيلحي
على الأرض مستسلمًا هذه المرة للنهاية المحتومة، عندما أمسكه جحجور صرخ متمتمًا:
- سلام
قول من رب رحيم.
فجأة
تركه الجني وتراجع مذعورًا وفجأة اشتعلت فيه النيران، لم يشعر مصيلحي نحوه بالأسف
وهو يحترق أمامه، وضع يده على صدره لاهثًا عندما بدأ الزوار يتواكبوا على مدخل
الكهف، شعلان، سعلوة، جن الأرض، الزومبي وحتى مصاص الدماء...اتفقوا جميعًا على
النيل منه، أغمض عينيه وتمتم:
- أعوذ
بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر، ومن شر ما
ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها، ومن
فتن الليل والنهار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.
وأخذ
يردد الدعاء حتى انتفض لدى أول لمسة شعر بها ليفاجأ بتغير المكان وعودته لفراشه،
قفزت القطة على حجره تهتف بسعادة:
- مصيلحي..
حبيبي أخيرًا رجعت بالسلامة.
