القمر
أحدب
- ما
مثبت العجل والدين، كنتي طلعتي لي من أنهي داهية؟
تراقصت
الجنية الزرقاء حوله بدلال ودغدغت أذنه بأناملها الطويلة:
- أخث
عليك يا مثيلحي...كدة بردو؟.. طب بذمتك أنا الأحلى ولا هي؟
- هي
مين؟
- هي
اللي متتسماش.
- ما
أنا جلت لك.. جولي لي على اسمها وأنا هبجى صاحبك.
-
ثاحبي إيه بث؟، وأنا عاملالك قردة وبرقث وبغني لك، وتقولي ثاحبك؟.
- أمال
عاوزة إيه يا زرجة في ليلتك الغبرة؟
عقدت
ذراعيها خلف صدرها وتمايلت بدلال:
-
تت...جو...زني؟
انتفض
واقفًا:
- أنتي
بتخترفي بتجولي إيه؟. أنا أتجوزك أنتي؟.. ما هي أصلها خابت.. وآني اللي كت بحلم أحوش
الجرشينات وأروح البلد وأتجوز سارة بت خالتي؟. تجوم تطلع لي جنية وزرجا زي النيلة
وتجولي أتجوزك...دك جنازة تلمك وأنا اللي أدفنك بإدية دولم.
- إخث
عليك يا مثيلحي، بتفول عليا، أنا لثة ثغيرة. يا دوب قفلت المية.
- ميت
إيه؟
- ميت
ثنة يا مثيلحي.
- طب
مش مكثو.. الله يحرجك عوجتي لساني.. مش مكسوفة من نفسك.. جاية تطلبي الجواز من
واحد كد عيل من عيالك؟.. أنا يا دوب مجفل الخمسة وعشرين عمنول.
- مش
مهم...أنا راضية.
- وأنا
مش راضي.
- ما
هو مش بمزاجك.
- لا
يا زرجا.. كله بالخناج إلا الجواز بالاتفاج.
- دا
عندكم أنتم.. إنما عندنا الجواز بالذات بالخناق.
- يا
وجعتك السو.. الزرجا يا مصيلحي.. شوفي يا اسمك ايه أنتي.
-
زغدانة.
- دا
كفاية اسمك يخليني أطفش منك.. اسمعي يا جنية.. أنا مبتجوزش منيكم.. حلّي عني أنتي
واسمها إيه التانية دي الله يتسر عرضكم.
- ما
هو علشان أحميك منها لازم أتجوزك.. وتبقى رسمي تحت حمايتي.
-
بجولك إيه؟.. ما تروحي تتجوزي زنجط وهي تتجوز شمهورش بتاعها.. وكدة توبجى الحكاية
اتحلت ويا دار ما دخلك شر.
هدر
صوتها بغضب فتبدلت ملامحها الوديعة في لحظة لملامح شيطانية:
- أنت
قد عصياني؟.. شوف حجمك يا إنثي وشوف بتكلم مين.. أنا زغدانة.. ملوك الجن الأحمر
والأزرق بيتمنوا رضايا.. همهلك تلات أيام.. تجهز نفسك واليوم الرابع دخلتنا.. ويا
ويلك يا سواد ليلك لو لعبت بديلك.
عادت
لصورتها الأولى قطة تتمايل بدلال وهى تخترق أحد جدران البيت وتختفي، جلس متربعًا
على فراشه يحدث نفسه وما آل إليه حاله:
-
واحدة عاوزاني أجتل زنجط وإلا هتسود عيشتي.. والتانية عاوزة تتجوزني وإلا هتسود
عيشتي.. يا سوادك يا مصيلحي.. اللي عاوز أفهمه.. الليلة الجمر مش بدر.. هم ولاد
الرفضي دول لسة دايرين يسودوا في عيشتي ليه؟.. مش كان عم درديري الله يرحمه بيجول،
أن ليهم تلات أيام بس في الشهر؟.. فينك يا عم درديري تشوف اللي حصل لي؟.. ولسة
هيحصل.
طرقات
على الباب توقظه مفزوعًا يتلفت حوله، ثم ابتلع لعابه عندما اطمئن لشروق الشمس،
واختفاء كل ما هو مرعب، عاد الباب يطرق بإلحاح فنهض بتثاقل وفتحه:
-
نموسيتك كحلي يا باش دفان.
- إيه
باش دفان دي ؟.. ما توجفي عوج وتتكلمي عدل يا بت يا حسنات.
تمايلت
بدلال على الباب قائلة بنبرة صوتها النافرة:
- عوج
أكتر من كدة؟.. لأ دانت طماع وعينك زايغة.
- يا
فتاح يا عليم يا رزاج يا كريم.. عاوزة إيه عصبح؟
-
سلامتك يا باش دفان.. كنا سمعنا في الحوش عن شوية كلام كدة من أم لكلوك.
-
وجالت إيه المرى السو دي؟
- قال
إيه.. من يوم عم درديري الله يرحمه ما اتكل، وأنت!! ..تف تف..تف.
ورفعت
صدر ثوبها المفتوح لتبصق فيه وأردفت:
-
اللهم احفظنا يعني.. بتشوف حاجات كدة.
- لا
حاجات ولا محتاجات.. أنا زي الحصان جدامك أهه ومش شايف عفاريت غيرك.
-
تف..تف..تف...الشر برة وبعيد حابس حابس.. جرى إيه يا جدع هي الواحدة متعرفش تتفك
معاك بكلمتين؟
- لع
مينفعش.
- ليه
كفالله الشر خاطب ولا متجوز؟
- لا
يا ناصحة..جايلين عليا.
وأغلق
الباب بوجهها ووقف يستغفر:
-
أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.. حريم عاوز حش ألسنتها، أعوذ بالله.. بس لو
مكتيش عفريتة يا زغدانة.
كان
العمل كثيفًا في هذا اليوم، ولكنه لم يتخل عن حذره، ولم يلتفت كذلك لأي شيء يحاول
إلهاءه، فلم يعد يهتم بإطعام أي قطة تحاول التقرب منه.. وأي صوت غريب من أي مقبرة
كان يتجاهله تمامًا.. وكان سعيدًا بنفسه وما حققه من إنجاز آخر النهار.. لقد اعتاد
على كل هذه الألاعيب ولم تعد تؤثر به، ربما يصيبهم اليأس ويبحثون عن غيره.
عاد
لبيته بعد صلاة العشاء، أغلق الباب ولم يكد يبتعد عنه حتى سمع طرقات أجفلته للحظة،
ثم ابتسم لنفسه فلن يقع في الجحر مرتين، حتى سمع ذات الصوت الذي بدأ به صباحه:
- يا
سي مصيلحي.. يا باش دفان.. لحقت تنام يا خويا ..هو إيه دا؟
أجابها
من خلف الباب:
- روحي
بيتكم يا حسنات أنا جفلت خلاص.
- سايق
عليك النبي تفتح، عاوزاك في موضوع ضروري.
-
الصباح رباح تصبحي على خير.
- كدة
يا مصيلحي؟..طيب والله يظهر كلام أم لكلوك صح.. وشكلك اتلبست.. برة وبعيد أشتاتًا
أشتوت يجعل كلامنا خفيف عليهم.
- إيوة
هو أنا اتلبست.. تحبي أفتح الباب وألبسك معايا.
قهقه
ضاحكًا وهو يسمع خطواتها المسرعة تبتعد تدريجيًا، التفت ليكمل دخوله البيت وإذا به
يقف مذهولًا:
- مالك
يا واد يا مصيلحي؟.. سهمت كدة ليه؟.. دنا عمك درديري، واللي معايا مش غريب، لساتك
دافنه من يومين بيدك، صاحبك فهمي، مش هتاجي تسلم على صاحبك يا مصيلحي؟
وقع
على ركبتيه يحدق في ضيفيه الجالسين بأريحية على السجادة المهترئة وقد أشعلت
الراكية وأخذ الماء يغلي فوقها، هتف فهمي:
- تعال
صب الشاي يا مصيلحي، وسامحني يا أخويا مش هقدر أشرب معاك.. هو ماله يا عم درديري؟
-
والله يا بني يا فهمي مخابرش.. كان بياخد ويدي مع الجنيات، وياجي حدانا.. ويوجف
عليه سهم الله.. تعالى يا مصيلحي.. متخافش يا ولدي.. هنجولك كلمتين ونمشي طوالي.
ابتلع
لعابه بصعوبة قائلًا بدون أن يقترب:
- عاوز
مني إيه تاني يا عم درديري؟، مش بكفياك اللي عملته.
- ماهو
من زناخة مخك.. هي البت حسنات كانت عاوزة منك إيه؟ ابعد عنها دي بت سو.
- حاضر
يا عم درديري...حاجة تانية؟
- إيوة
الموضوع الهام اللي جينالك فيه أنا وفهمي.. في حاجات كدة بتوحصل وكنا عاوزينك تساعدنا.
ضرب
على رأسه بيديه صارخًا:
-
أنتوا كمان؟.. يا وجعتك السودا يا مصيلحي.. أظن لو موافجتش هتخلوا أيامي
سودا...صوح؟
هتف
فهمي:
- مش
كدة يا مصيلحي.. متفهمناش غلط.. بس الناس اللي هنا حالها كرب والله يا خويا.
- ناس
مين يا فهمي؟
-
الميتين طبعًا في غيرهم.
- وأنا
بيدي أعلمهم إيه؟
- كتير
بس أنت وافج.
- على
إيه بس مش أعرف؟
أشار
عم درديري لفهمي ليسكت ثم تكلم هو:
-
مثلًا يعني.. الست أم وليد اللي دفنتها أولة أمبارح، ليها موصلحة عاوزة
تجضيها.. أمانة فايتها لها أخوها لمرته
وعياله وماتت جبل ما تسلم الأمانة.
- وأنا
هعمل إيه يا عم درديري؟
- ولا
حاجة.. روحها هتلبسك وتروح تاخد الأمانة وتسلمها للجماعة.. علشان روحها ترتاح في
تربتها.
هدر مصيلحي
بصوت مذهول:
-
روحها تلبسني.. يا وجعتك المطينة يا مصيلحي.
تنحنح
فهمي:
-
بصراحة وأنا كمان.. كنت عاوزك في مشوار.
- لا
..لا منكن أبدًا.. دنا أتجوز زغدانة أحسن.. فوتكوا بعافية.
هم
بالخروج عندما وجد صندوق عم درديري يتحرك من مكانه ليسد طريقه للباب، وقع فوقه ثم
التفت لعم درديري:
-
متنساش الصندوج يا مصيلحي.
وقف
ليكمل هروبه عندما اختفيا فجأة، وعم الهدوء المكان، وقف يحدق لاهثًا عندما تراءت
له زغدانة بفستان أبيض وخمار العروس وتمد يديها:
-
حبيبي ثمعت أنك وافقت تتجوزني.. أنا جاهزة.
