" " " " " " " " رواية سر الطلسم (الفصل التاسع)
📁 آحدث المقالات

رواية سر الطلسم (الفصل التاسع)


الهروب

استيقظ من نومه مجفلًا يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويتلفت حوله لا يستطيع رؤية أي شيء، كان المكان مظلمًا حالك السواد، حرك كف يده أمام وجهه لم يرها، تصاعدت سرعة أنفاسه وشعر بروحه تصل للحلقوم، تحسس المكان من حوله، غرز كفه في الأرض لتغطس في بركة من الرمال، ارتعشت أصابعه وهي تصعد في الهواء يتسرب الرمال من بينها، ازداد قلبه وجيبًا وهو يتحسس محيطه ليكتشف أنه في مكان ضيق يشبه ال.....

وضع يده بصعوبة في سيالة جلبابه يخرج علبة الثقاب يحتفظ بها، بعد محاولتان فاشلتان لإشعال الثقاب نجحت المحاولة الثالثة، ارتفعت يده بالعود المشتعل لأعلى رأسه ليكتشف صدق حدسه، لقد تحققت أسوأ كوابيسه للتو.. لا ليس بعد.. ما يزال هناك جزء ينقص هذا الكابوس، تحرك عود الثقاب لجواره، ولكنه يقضي نحبه قبل أن يرى ما بجانبه، أسرع بإخراج عود آخر لدهشته اشتعل من المرة الأولى، حركه ببطيء ليرى ذلك الجسد الممدد جواره، أغمض عينيه بقوة متمتمًا:

- لا.. اللي أنا شايفه ده مبيحصولش.. أنا مكوبس.

- لا يا مصيلحي...اللي أنت شايفه دا حجيجي.

شهق بفزع:

- عمي درديري.

نفض الميت التراب عن جسده وهو يجلس بينما يحاول  مصيلحي الابتعاد عنه فلا يستطيع سوى الالتصاق بجدار القبر:

- عاوز مني إيه يا عم درديري؟.. حرام عليك اللي بتعمله فيا ده.. الله يسترك في الآخرة يا شيخ أنا خلاص باجي لي هبابة وأحصلك في تربتك.

- اهدا يا ويلد.. أنا عملت اكدة لما عرفت أنك متراجب.. مش هينفع أتحدت وياك وعيونهم بترجبنا.

- خلاص جول ومطولش الله يخليك يا شيخ؟

- يخليني إيه بس؟.. ما خلاص يا مصيلحي.. دنيا غرورة ملهاش أمان.

- بجولك اختصر، هتجولي مواعظ؟

- أنت صوح ملجيتش الطلاسم والتعاويذ اللي جلت لك عليها.

- لا.. ملجيتش حاجة في الصندوج اللي وجعت راسي به في كل زيارة.. الصندوج يا مصيلحي...خد بالك من الصندوج.. لما جلت خلاص خلاصي هيكون جواه.. وطلع ناجبي على شونة.

 - اسمع يا ويلد.. الطلاسم والتعاويذ هتلاجيهم موطرحهم.. في صندوج عمري.

- ما أنا جلبته كلاته على الأرض ملجيتش حاجة.

- عم درديري...عم در.....

قفز من مكانه شاهقًا مغلقًا عينيه عندما صدمه وهج شمس الصباح التي غزت كوخه الصغير واحتلت كل شق فيه أشعة الشمس، أخذ صدره يعلو وينخفض محاولًا استنشاق أكبر كمية متاحة من الأكسجين، وأخذ يحدث نفسه بذهول:

- هو اللي حوصل دا حلم ولا علم، مين فيهم الحلم؟ .. عم درديري؟ ولا زنجط؟ ولا مزغودة؟ ولا مسجورة؟ أنا حي ولا ميت؟ حد يفهمني ايه اللي بيجرى؟ طب أنا اعمل إيه دلوكيت؟.. أدور على الطلاسم؟ ولا اتجوز زغدانة؟ ولا أهرب بجلدي من زنجط ومسجورة؟.. أعمل إيه بس يا رب؟

ثم قرر الخروج قبل أن يأتيه طارق كل صباح، بدل ثيابه واتجه للباب وقبل أن يفتحه سمع الطرقات تكاد تخلعه من مفاصله، استعاذ بالله وقرر أن يسأل قبل الفتح:

- يا منجي من المهالك يا رب.. أيوة مين؟

بعد لحظات صمت أجابه صوت منخفض لا يتلائم مع قوة الضربات على الباب:

- أنا .. افتح الباب وعليك الأمان.

رجع عدة خطوات للخلف يحدق بالباب بخوف، تلفت حوله ثم قرر الهروب، فهو لن يحتمل ما يحدث ساعة أخرى، عادت الطرقات تهز الكوخ الخشبي وهو يلملم قطع ملابسه القليلة في صرة، ومن شق في الجدار الخلفي، دفعه بقدمه فتوسع الشق حتى استطاع الخروج من خلاله، وكاللص السارق استمر بالركض وهو يختلس النظر كلما ابتعد خوفًا من ملاحقة طارق الباب المجهول له.

ولم يتوقف حتى وصل إلى محطة القطار، ولحسن حظه كان القطار على وشك الانطلاق وقد بدأ يزمجر مصدرًا صوتًا أشبه بصوت وحش عملاق على وشك التهام الأرض بطريقه، جلس لاهثًا في أقرب مقعد محتضنًا صرة ملابسه وعيناه تتجولان حوله بارتياب، بدأ الهدوء الذي فقده منذ أكثر من أسبوع يعود له بالتدريج مع تتابع المناظر من نافذة القطار بالتزامن مع أصوات عجلاته تعانق قضبان الحديد، رغم الضجيج المزعج بدأت شفتاه تتسعان بابتسامة رضا.

حاول تجاهل ذلك الصوت الباكي، لا لن يهتم بأي شيء يحول انتباهه عن الهروب، لن يسمح لأي كان أن يفقده تركيزه عما صمم عليه.

كان الصوت يقطع نياط القلوب، بتلك النبرة التي عندما تسمعها تتذكر كل من فقدتهم في حياتك، تنعي حزنك ويتمك، ماذا لو كان من يبكي بحاجة للمساعدة؟ تلفت حوله ربما أحد ما غيره مد يد المساعدة، لا أحد يبدو وكأنه يسمعها، كانت تجلس أمامه، ملابسها رثة، ترتدي قبعة مهترئة على رأسها المنكفئ، وقد أغرقت دموعها بنطلونها ذي الثقوب وهي تحاول مداراتها بخجل...

بخشونة مقصودة سألها:

- بتبكي ليه؟.. بطنك بتوجعك؟

هزت رأسها بالنفي وقد كتمت نحيبها وان ظلت تنهت بدموع صامتة:

- طب مالك؟.. جعانة؟.. عشطانة؟.. والله يا بنت الناس - مش أنتي بنت ناس برديكي - ولا بنت ....اللهم احفظنا.

رفعت عيناها بخجل قائلة بصوت مرتبك:

- يعني إيه؟

- معلهش.. أصلك متعرفيش اللي حاصل لي الكام يوم اللي فاتوا.. بعمري كلاته.

- وأنا مالي.. كل واحد عنده بلاويه يا عم.

- محسوبك مصيلحي، كنت عاوز أهون عليكي أي حاجة حصولت معاكي مش هتاجي ابرة في كومة جش من اللي حصولي.

- وإيه اللي حصلك؟

- البداية من عم دردي.. لا مينفعش أحكي لك.. هم حذروني.. لو حكيت هروح في أبو توكر

- وفين أبو توكر دي؟

- هي هناك.. وأنا اش عرفني.. هم بيجولوا أبو توكر.. شكلها مكان واعر جوي.

فوجيء بها تضحك فأنارت الضحكة وجهها والتمعت عيناها بسواد حالك زاد من تألق وجهها رغم افتقادها لمعالم الجمال الحقيقي..

-زين.. بتضحكي.. عرفتي أن مافيش حاجة تستاهل.. أنتي راحة فين؟

رفعت أكتافها وقلبت شفتيها:

- معرفش...أنا لقيت القطر طالع ركبت فيه؟ وأنت رايح فين؟

- تصدجي لو جلت لك أنا كمان نطيت في الجطر ومخابرش رايح فين؟ لما ياجي الكمسري نسألوا سوا.

حدجته بحذر ثم قهقهت ضاحكة:

- أنت كدة على طول.

- لا ساعات بكون بالعرض.

استمتع بضحكتها مرة أخرى ثم سألها:

- اسمك إيه؟

تجهمت فجأة ثم عاد رأسها ينكفئ على صدرها:

- أنا آسف معرفش أن السؤال دا هيكدرك.

- أنا معرفش اسمي؟

- كيف يعني؟

- أنا فجأة لقيت نفسي مش عارفة أنا مين وبنت مين؟

- لا حول ولا قوة إلا بالله.. وكتي فين لما اكتشفتي انك مش فاكرة أيتها حاجة؟

- كنت على رصيف المحطة.

- يمكن حد ضربك على راسك؟

- مافيش حاجة بتوجعني.

- خلاص في المحطة الجاية ننزل ونروح أي جسم شرطة يمكن حد مبلغ عنك ولا حاجة.

- طيب.. بس تيجي معايا.. أوعي تتخلى عني.

- حاضر.. متخافيش.. لا حول ولا قوة إلا بالله،اهه الكمسري جاي، طبعا معاكيش فلوس، أنا هحاسب عنك.

وقف الكمسري يمسك بيدة دفتر التذاكر يكتب بقلمه عليها وهو يسأله:

- على فين يا بلدينا؟

- المحطة الجاية، عاوز كام؟

- اتنين جنيه.

مد يده بورقة من فئة الخمس جنيهات:

- تذكرتين، أنا والصبية.

وضع الكمسري علامات التذاكر ومد يده لمصيلحي ثم خطف نظرة للمقعد المقابل ثم أومأ برأسه:

- هي الصبية في الحمام ولا إيه؟

قهقه مصيلحي:

- سلامة النظر البنية جاعدة جدامك أهه.

اتسعت عينا الرجل:

- هي فين يا عم؟

حدجها مصيلحي يتأكد من وجودها، فهزت كتفيها بعدم فهم:

- جومي وريه نفسك يمكن نظره على كده.

وقفت تدور حول نفسها فنظر له مصيلحي:

- ها...إيه رايك؟

صاح أحد الركاب:

- أهه كدة من ساعة ما القطر طلع.. قاعد يتكلم مع نفسه لما لبشنا.

شهق مصيلحي بهلع:

- يا نهار أسود.

أعاد النظر للفتاة فلاحظ قطرات الدماء التي تسيل على كتفيها، مد يده بحذر وخلع عنها القبعة ليفاجأ أنها بلا رأس تقريبًا.

-  يا سنة سوخة...أنتي....أنتي ميتة؟

 

الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات