" " " " " " " " رواية سر الطلسم (الفصل السادس)
📁 آحدث المقالات

رواية سر الطلسم (الفصل السادس)

 


حلم ولا علم

 

- إيه مالك يا مثيلحي مخضوض زي ما تكون شفت عرثة مش عروثة زي القمر؟

- لا العفو شفت عفريتة طلعت من شج الحيط من غير احم ولا دستور.

- طب وإيه يعني؟، ما احنا كدة كدة مقاثمينكو العيشة، بناكل ونشرب وننام معاكوا.. الفرق دلوقتي أنك شايفنا.

- كانت شوفة مهببة.. أدفع عمري كلاته وأصلح غلطتي.

- تدفع عمرك لمين بالضبط؟ أوعى حد يضحك عليك.. أصل الثنف دا من الجن نصابين.. وممكن يضحكوا عليك وياخدوا عمرك بلاش.

- يا سلام.

- بث لو اتجوزتني هيخافوا مني.

- أنتي مبتفهميش؟.. أنا معتجوزش عفريتة واصل.

- أنت لا أول ولا آخر واحد يتجوز جنيه.. حثلت كتير وعايشين متهنيين.. بس أنت اللي هايب الموقف .. الخطوة الأولى هي اللي صعبة وبعد كدة ثهل خالث.

- وهي إيه الخطوة الأولى دي إن شاء الله؟

- تثبت ولائك.

- اللي هو كيف يعني؟

- تثلمني طلاثم وتعاويذ عم درديري.

- إيه طلاثم وتعاويذ دي؟ آآآآه.. جولتي لي.. بجى هي الحكاية اكدة.. وأنا أجول يا واد يا مصيلحي فيك إيه؟.. إيه يخلي بنات الجن يجروا وراك بالمشوار؟.. لا أنت حسين فهمي ولا عبد المنعم مدبولي.. أتاري.. يعني الحكيوة مش حب وغرام وأبصر أيه يا ست زغدانة؟

- أنت فهمتني غلط على فكرة.. وإيه يعني لما تثلمني التعاويذ والطلاسم؟.. مش هبقى مراتك وأم عيالك؟

- عاوز وجت أفكر.

- يعني إيه؟.. هروح أقلع الفثتان؟

- وهو أنا اللي جلت تلك تلبسيه؟

- ما أنا سمعتك وأنت بتقول أتجوز زغدانة أحثن.

- جمت أنتي ما صدجتي.. لا.. بس أنا كنت فاكر الموضوع حب وغرام.. طلع طلاسم وتعاويذ.. لازم أوزنها صوح.

- ماشي يا ثي مثيلحي.. القول قولك والشورة شورتك.

- أيوة هتجلبي على الست أمينة.. والله لو عملتي ليلى مراد.. فوتي عليا بعد كام يوم أكون فكرت وجررت.

هتفت بغيظ:

- ماشي يا مثيلحي.

- استني.. هو انتي كمان مش شايفة كتبات عم درديري؟

- لأ طبعًا.. ولا أي جني يقدر يشوفهم.. لا مسلم ولا مسيحي ولا يهودي.

- بس أنتي والتانية مخفية الاسم بتدخلوا عادي.. وزنجط مبيدخلش ليه؟

- علشان هو جن يهودي.. عم درديري عامل طلسم مخصوص يمنعه من تدنيس المكان.

- الله يرحمه لو كان يعرف كان عمل طلسم ليكي أنتي والتانية كمان.

- حتى لو خلثت مننا.. أنت ناثي عمك درديري وفهمي عاوزين منك إيه؟ ثدقني يا مثيلحي.. جوازك مني هيحميك من كل دول.. تثبح على خير.

- لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا رب هات الفرج من عنديك.

مر اليوم التالي بدون أي مشاكل، ما عدا بالطبع الأصوات التي باتت مألوفة لديه.. حتى أن الأصوات أصبحت مقترنة بأشكال .. بجوار كل قبر كان يرى كيان غير محدد الملامح، يحاول التواصل معه بشتى الطرق.

كان يتجاهله ويسير بطريقه، لقد لاحظ الناس يتهامسون فيما بينهم ويشيرون نحوه، وعندما يقترب يصمتون ويعلقون ابتسامات سمجة، والبعض يعامله كأن مسًا من الجنون قد أصابه، والأطفال يركضون خائفين من أمامه بعد أن كانوا ينتظرون بلهفة النفحات القليلة التي كان يغدقها عليهم، من زوار المقابر، من مخبوزات وموز وتمر.. الآن يفرون من طريقه كأنه شيطان.

انتهى من صلاة المغرب ولم يعد لبيته، فقد استقر رأيه على الحصول على مساعدة.. لم يكن المكان بعيدًا فقرر الوصول له سيرًا، وقف أمام الباب الخشبي العتيق يحكي مجدًا غابرًا مر عليه من خلال نقوشه البارزة.. أمسك بمقبضه على شكل وجه شيطان مفتوح الفم بأنياب بارزة، ثم دق على الباب عدة دقات قبل أن يسمع صوت خافت مكتوم يطلب منه الصبر، بعد دقائق طويلة انفتح الباب ليصدر ذلك الصرير الطويل كأنه لم يفتح منذ سنوات، لتطل برأسها المحني عجوز رسم الزمن أخاديده على ملامح وجهها وقد برزت عيناها مدورتان لامعتان بشكل مريب أثار القشعريرة في جسده:

- أنت مين وعاوز إيه؟

- لا مؤاخذة يا خاله.. كت جاي أسأل عن عم حبشي.. كت عاوزه في موضوع.

سألته بفضول وهي تحاول التمعن من ملامحه:

- موضوع إيه؟

- موضوع يا خالة.. بخصوص عم درديري.

- طيب اتفضل في المندرة وهو هيحصلك.. بس متطولش عليه أصل وقت أدان العشا داخل.

- حاضر يا خالة...دستووور.

بعد وقت طويل في الانتظار دخل عم حبشي تسبق خطواته دقات عصاته على الأرض العارية من أي فرش، انفتح الباب وطل العجوز بهالته البيضاء الوضاءة.. انشرح صدر مصيلحي وهو يركض لاستقباله ويقبل يده:

- بركة أني شوفتك بعافية يا عم الحاج حبشي.

ضرب على رأسه وهو يقبل يده:

- خليني أقعد يا وله.. العضمة خوخت.

ساعده ليجلس على الأريكة الاستانبولي القديمة، ثم هتف للعجوز التي كانت بصحبته:

- اعملينا اتنين ينسون يا فردوس.

- لا والله يا عم حبشي ما له لزوم وبلاش تتعب الخالة فردوس أنا جاي في كلمة ورد غطاها.

تجاهل اعتراضه ولوح بيده:

- واجب الضيف يا فردوس انهضي يا وليه.

تبرمت بكلمات غير مفهومة وهي تعرج بقامتها المحنية لتختفي في أحد دهاليز البيت الكبير..

- إيه اللي فكرك بعمك حبشي يا مصيلحي؟.. ولا الدنيا فضت من حواليك بعد ما درديري الله يرحمه ما راح لدار الحق.

- هو أنت عرفت...مين جالك؟

- هو اللي قالي.. جاني في المنام وحكالي.

- حكالك إيه؟

- ومالك اتخرعت كدة ليه؟ إيه اللي بيحصل معاك يا مصيلحي؟

- الحكاية واعرة جوي يا عم الحاج.. وكلاته من عم درديري.. الله يسامحه.

- ربنا يسامحنا كلنا.. احكي لي وخلي تكالك على الله.

استرسل مصيلحي في حكايته من بدايتها وحتى ما وصل إليه.. حك العجوز لحيته الحمراء المحناة:

- الكلام دا مافيهوش هزار.. أنت في زنقة ربك وحده العالم هتطلع منها ازاي؟

- يعني مافيش حل يا عم حبشي؟

- كل عقدة ولها حلال.. وعقدتك حلها في عمك درديري.. هو سبب المشكلة وأكيد الحل معاه

- وأنا أجيبه منين عم درديري دا دلوكيت؟

- أنا عارف درديري كويس.. هو أكيد قالك على الحل.

- لا مجاليش.

- افتكر كويس يا مصيلحي كل كلمة جالهالك.

- والله يا عم حبشي ما حوصل.. أجيب لك مصحف أحلف عليه؟

- حاج حبشي.. صلاة العشا وجبت.

وقف مصيلحي محرجًا:

- متآخذنيش يا حاجة.. أنا ماشي.. فوتكوا بعافية.

أوقفه حبشي:

- مصيلحي...أنت بتعرف تقرا؟

- إيوة أمال إيه دنا مخلص تالتة إعدادي وكت رايح أولى ثانوي.. إلا بتسأل ليه يا عم الحاج؟

- روح يا ولدي ربنا يسهل طريقك.

- طب كت عاوز أجول.

زمجرت العجوز والتمعت عيناها ببريق غريب:

- ما جالك ربنا يسهل طريجك.. هو أنت ما بتسمعش؟

- لا مؤاخذة يا خالة فردوس.. فوتكوا بعافية.

خرج من البيت الغريب وسكانه الأكثر غرابة وسار في طريقه عندما تذكر أمرًا هامًا نسي أن يسأل عنه.

 قفل عائدًا مسرعًا قبل أن يذهب العجوز للمسجد.. أخذ يطرق الباب عبر مقبض رأس الشيطان.. مر وقت طويل ولم يظهر أحد.. استمر بالطرق بالتأكيد يسمعونه، وبالتأكيد سيخرج العجوز لصلاة العشاء.

مر رجل من جوراه وسأله متعجبًا:

- أنت عاوز مين يا بلدينا؟

- كت عاوز عم الحاج حبشي في كلمتين بس.

- عم حبشي مين؟.. تقصد الحاج حبشي إمام المسجد؟

- إيوة اللي ساكن في الدار دي.

- ياااااه.. الحاج حبشي تعيش أنت من سنة.

- أنت بتخترف بتجول إيه يا جدع أنت؟

- أنا بردو اللي بخترف، باينك أنت اللي شارب منقوع البراطيش وجاي تتسلى علينا.

- أنا لا جاي أتسلى ولا اتضايف.. أنا من دجيجتين بس كت جوة حتى مرته الخالة فردوس هي اللي فتحت لي.

- لا حول ولا قوة إلا بالله...الحاجة فردوس ماتت من ست شهور بعد جوزها طوالي.

- والله باينك أنت اللي شارب منجوع البراطيش.. بجولك أنا كت حداهم من دجيجتين بس.

- مش مصدقني طب أهه.

ودفع الباب الكبير لينفتح على مصراعيه بصوت صريره المزعج، كانت خيوط العنكبوت تسد الباب وكأن لم يطرقه إنسان منذ شهور، هتف الرجل بانتصار:

- جالك كلامي.. لو كنت دخلت هنا من أصله على الأقل كان العنكبوت دا مش موجود.

حملق مصيلحي في خيوط العنكبوت بصدمة:

- أمال أنا كت مع مين؟ ومين اللي اتحدت معايا؟

هتف الرجل:

- شوفت.. أهه مافيش غير القطط اللي ساكنة في المكان.

التفت مصيلحي ليحدق بالقطط التي تمرح في المكان بحرية ثم خبط على جبينه:

- يا ولاد الأبالسة.. أنا هوريكم.

وانطلق في طريقه عائدًا لبيته، ضرب الرجل كفًا بكف:

- لا حول ولا قوة إلا بالله.. ربنا يشفي كل مريض.



الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات