- أخبارك إيه دلوقتي يا مصيلحي؟
- الحمد لله يا سعاة الداكتور.. أنا
بخير.
- يعني خلاص.. مش هتسمع الميتين
بيتكلموا؟
- ميتين إيه يا بيه اللي بيتكلموا؟..
ودا كلام؟؟
- محمد جابك النهاردة الصبح وعندك شبه
انهيار عصبي.. وكنت بتخرف بكلام غريب..
- ما غريب ألا الشيطان يا داكتور.
- يعني أنت مسمعتش المرحوم فهمي
بيكلمك؟.. ولا أنه جالك علشان تفتح المدفن؟
- أنا جلت اكدة؟.. عندك حج تجول عليا
مجنون والله.
ربت الطبيب على كتفه:
- أنا قلت كدة.. أكيد أنت كنت مرهق
وتعبان.. خلاص تقدر تروح دلوقتي وأنا هكلم محمد أطمنه.
- أمسك بيد الطبيب يرجوه:
- سايج عليك النبي.. خليني أبات الليلة.
- مينفعش يا مصيلحي.. دي مستشفى خاص..
أنا خليتك هنا الكام ساعة دول على مسؤوليتي، وصدقني لو ينفع كنت هخليك تبات.
- يعني هعاود المخروبة دي تاني؟.. هي
صلاة العشا وجبت يا داكتور؟
- أه تقريبًا من نص ساعة.
- أهي موتة ولا أكتر..استعنا على الشجا
بالله.
وصل كوخه متسللًا على أطراف أصابعه،
يتلفت حوله بارتياب، أقل صوت يسبب له الهلع ويجعله يقفز من مكانه، حاول فتح الباب
الذي لا يوصد بمفتاح أبدًا، اشتد تعرقه وهو يحاول جذبه تارة ودفعه تارة أخرى، ولكن
الباب وكأن جبلًا قبع فوقه لا يتزحزح، حتى سمع ذلك الصوت الذي زلزل كيانه بصوته
الأجش الغير آدمي، وكأنه يصدر من جوف جبل عميق.
- من على الباب؟
تراجع مصيلحي وأسنانه تصطك ببعضها،
ومفاصل تكاد تذوب رعبًا، انفتح الباب على مصراعيه لتهب رياح ساخنة لفحت وجهه
بلهيبها، اتسعت عيناه ذهولًا وهو يرى كوخه وكأنه تحول لقاع من قيعان جهنم، والصوت
يصيح مرة أخرى تتبعه لفحة ساخنة أخرى:
- مش هتقول أنت مين؟، وبتعمل إيه هنا؟
وقع على ركبتيه وهتف بصوت بالكاد مسموع:
- أنت اللي مين؟؟ وبتعمل إيه في بيتي؟
- مش عارف أنا مين؟..أنا زنقط.. عارفني ولا تحب نتعرف؟
*****************
- مصيلحي..
يا مصيلحي.. قوم بقى مكنتش أعرف إن قلبك خفيف كدة>
ثم
ضربته على وجهه فانتفض جالسًا محملقًا في الفراغ أمامه :
- سلام
قولًا من رب رحيم.. سلام قولًا من رب رحيم.
- مصيلحي.
أدار
رأسه نحوها فجحظت عيناه بهلع، ثم تلفت حوله فإذا به في بيته الخشبي وعلى فراشه..
والمكان يبدو كما تركه آخر مرة.
- إيه
مالك بس؟.. كل حاجة زي ما هي زي ما أنت شايف.
- لا..
مستحيل.. كان اهنة.. أنا شوفته بعيني اللي هياكلهم الدود.
أطلقت
ضحكة مائعة وهتفت بفخر:
- أنت
مشفتوش ولا حاجة.. أنت سمعت صوته بس.
فكر
لحظات وهم بالرد عندما صاح وقد بدأ يدرك ما يحدث:
-
وأنتي اش عرفك؟
مدت
يدها لتربت على وجهه فأشاح عنها، زمت شفتيها شديدتا الاحمرار ثم قالت:
- كنت
بهزر معاك، قلت أشوفك هتعمل إيه لو لقيت زنقط قدامك، بس يا مسكين متحملتش.
انتفض
واقفًا قاضًبا على قبضتيه:
- أنتي
بتتمسخري عليا تاني؟.. جصدك إيه من المسخرة دي؟
احمرت
عيناها وهي تحذره:
- أنت
نسيت آخر مرة قلت لك إيه؟.. أمسك أعصابك يا إنسي أنت لسة مشوفتش حاجة.
-
وأنتي كمان مشوفتيش حاجة.. أنا ممكن أجرا عليكي عدية ياسين تنسخطي خنزيرة.
- تحب
أقرأها لك بنفسي؟
- أيه
مبتخافيش من القرآن يا جنية؟
- أنا
مسلمة زيك.. القرآن بيحرق المردة وأولاد ابليس.. وأنا لا دا ولا دا.
- يعني
أعمل إيه علشان أخلص منك؟
-
ساعدني وأساعدك.
- كيف
يعني؟
-
ساعدني أتجوز الجني اللي بحبه.
- ما
تروحي تتجوزيه ولا تتجندلي أنا مالي؟
-
مافيش غيرك يقدر يساعدنا.
- ليه
إن شاء الله كت خلفتك ونسيتك؟
- لأ..
بس أنت الإنسي الوحيد اللي كشف الساتر.. وأنت الوحيد اللي ساكن هنا جنبنا.. يعني
جارنا والنبي وصى على سابع جار.
- لا
حول ولا قوة إلا بالله..يعني عاوزاني أعمل أيه؟، أروح أستجضالك واحد مأذون و اتنين
شهود على حسابي؟
-
لأ...تقتل زنقط.
-
بجولك إيه يا بت الناس.. ولا ناس مين.. يا بت المجانين
-
احترم نفسك.
-
وأنتي خليتي فيها احترام.. دنا كان باجي لي هبابة ويبعتوني على العباسية.. كل اللي
فات كوم واللي عملتيه النهاردة كوم تاني.. مرة بعتي صاحبي يطلب مني أفتح له
التربة.. ومرة ألاجي زنجط مولع في بيتي.
-
والله كنت بهزر معاك.. وموضوع فهمي المفروض تشكرني.. خليتك تشوف صاحبك آخر مرة..
والمفروض ترد لي الجميل وتقتل زنقط علشان أتجوز أنا وشمهورش.
- يا
سلام.. هو جطة هدبحها .. ولما هو جتله سهل كدة مجتلتهوش انتي ليه؟
- أنت
بس يا مصيلحي اللي تعرف.
- وأنا
فيا إيه بس؟.. دنا حيالله دفان بخاف من خيالي، حتى اسألي عم درديري الله يرحمه.
- ما
هو لو كان عم درديري موجود كان هو حل المشكلة.
- كيف
يعني؟
- لأن
هو اللي عنده التعاويذ اللي تقتل أقوى الجان.. وكل الجان بيخافوا منه.
-
بيخافوا منه ليه؟.. دا عم درديري دا كان راجل غلبان وعلى كد حاله.
- بس
كان عنده كتب.. والكتب دي فيها التعاويذ اللي بتحرق الجن.. قصدي زنقط والغيلان
والمردة.. وأولاد أبليس كمان.
- يا
سلام.. وهو يعني الكتبات دي باللي فيها هتخفى على زنجط ده ومجاطيعه.
- لأ
طبعًا.. بس عم درديري معزم على الكتب دي أن مافيش حد من الجن يقدر يشوفها.
- حتى
أنتي؟
- حتى
أنا.. أنت بس اللي تقدر تطلعها وتقرأ طلسم حرق الجني زنقط.. أنت بس يا مصيلحي.
- لا..
أنا ماليش صالح بالشغلانة دي.. حلي عن سمايا روحي شوفي لك حد غيري.
عقدت
ذراعيها على صدرها بابتسامة شريرة:
-
متأكد من قرارك دا يا مصيلحي؟
-
إيوة.. ولا منكن أرجع في كلمتي واصل.
- خلاص
استحمل بقى وأوعى تزعل من اللي هيحصل.
- وهو
إيه اللي هيوحصل؟.. ها.. إيه؟.. إيه؟ هي راحت فين دي...يا....يا....يا لهوي بالك
يا مصيلحي.. أنت لسة متعرفش اسمها يا مخبل.. وعم درديري جالك لازمن تجولك على
اسمها، فاتتني دي ازاي بس؟
تلفت
حوله أسرع بسحب صندوق عم درديري ووضعه خلف الباب وجلس عليه وأخرج زفير راحة:
- اكدة
محدش هيعرف يدخل تاني.
استيقظ
على صوت آذان الفجر ليدرك أنه غفا وهو لا يزال جالسًا على صندوق عم درديري، انشرح
صدره وهو يهرول ليلحق الفجر جماعة في المسجد القريب.
بدا
اليوم كأي يوم آخر عادي قبل أن يموت عم درديري، فتح الباب وتنشق هواء الصباح
المنعش، وبدأ العمل...
كان
حذرًا في البداية، ومستعدًا لأي ألاعيب جديدة، ولكن لم يحدث أي شيء مريب، هل انتهى
كل شيء؟ - حدث نفسه بسعادة مكبوحة - وهو بطريقه للعودة لكوخه آخر النهار، كان يتخذ
طريقه للعودة عبر طريق مختصر عندما اعترضت طريقه قطة سوداء، في الماضي لم يكن
مرآها يمثل له أي مشكلة، ولكن رغم وقفتها المسالمة في عرض الطريق قرر أن يتخذ ممر
آخر، وبالفعل حول طريقه وبدأ بالسير فيه وكاد يصل لنهايته عندما وجدها تقف
بانتظاره، ولكن بصحبتها قطة أخرى، تردد في تجاوزهما، نظر خلفه كان الظلام قد بدأ
يسيطر على المكان، وكأنه يسمع أصوات استغاثات من داخل القبور، هم بالتراجع واتخاذ
طريق آخر عندما بدأت أصوات أخرى تصاحب صرخات الاستغاثة، الطرق على أبواب القبور،
نظر مرة أخرى لطريقه إذا بالقطط تزايدت أعدادها حتى أصبح من الصعب عدها، تراجع
بظهره وقد بدأت القطط بالتحرك باتجاهه، تزايدت سرعتهم ليجد نفسه يركض في آخر
أنفاسه هربًا من هجوم القطط،كان يختلس النظر خلفه ليتأكد من عزمهم للوصول له، ولكن
العجيب أن المسافة بينه وبينهم كانت ثابتة لا تزيد ولا تقل، زاد من سرعته حتى وصل
بيته.. نظر خلفه لاهثًا، إذا بالمكان فارغ تمامًا ولا أثر لأي قطة.
دخل
وصفق الباب خلفه يلفظ أنفاسه بصعوبة، هز رأسه بأسى:
- مش
هتخليني في حالي يا بت المجنونة.
مواء
قطة جواره جعلته ينتفض ويتخذ وضع الهجوم بعصا عم درديري القديمة:
- أنا
جافل المكان كويس، دخلتي منين يا بت الرفضي؟
اقتربت
أكثر وهي تموء بدلال حتى وصلت لساقه وأخذت تتمسح فيها، اهتزت العصا بين يديه وهي
تنظر له بعينين بريئتين، تهدل ذراعه باستسلام:
-
عاوزة مني إيه تاني؟، مش كفاية اللي عملتيه؟.. ريحي روحك.. ان كان عندك روح يعني..
أنا مش هجتل زنجط.. مش هج... إيه دا؟ .. أنتي مين؟
تمطت
بدلال بعد أن تحولت لصورة إنسية:
- أنا
زغدانة، إزيك يا مثيحلي؟
-
زغدانة مين؟.. هو انتوا هتشتغلوني واحدة ورا التانية ولا إيه؟
تبرمت
شفتاها الوردية وهتفت بحزن:
- يعني
أنت مش عاوزني؟. أمشي يعني؟..حرام عليك يا مثيلحي .. دنا بحبك وجاية أثاعدك.
-
وعاوزاني أجلتك مين أنتي كمان؟.. ماهي خلاص ظاطت.. الله يخرب بيتك يا عم درديري
أنت وجرايرك.
- دنا
كان نفثي أكلمك من زمان.. من لما كنت بتديني الأكل بتاعك.. أنت طيب قوي قوي يا
مثيلحي.
-
خديني في دوكة يا بت.. بس خلاص العصافير اللي كانوا مختومين على جفايا طاروا...
جولي لي.. أنتي اللي بعتي الجطط ورايا؟
- لا
والله مش أنا.. دا هي.
- هي
مين انطجي؟
- هي
اللي مش هقدر أقولك اسمها.
- وليه
بجى إن شاء الله؟
