" " " " " " " " رواية سر الطلسم ج2(الفصل الرابع)
📁 آحدث المقالات

رواية سر الطلسم ج2(الفصل الرابع)

 




عالم تاني

 

كان غارقًا في النوم حتى تلك الذبابة "الزنانة" لم تستطع إخراجه من أحلامه الكابوسية، حاول مرارًا وتكرارًا أن يستجيب لتلك التي لا تكف عن أزيزها في أذنه، ثم تطير لتداعب تجويف أذنه، لابد أن تلك الرغبة بالحكة توقظه من نومه، حتى يده حاولت الاستجابة للمستقبلات العصبية في الأذن، والتي تستجديها الإسراع لحكها، وقفت الذبابة جانبًا وقد أرهقها الطيران والزن بلا فائدة فهو لم يستيقظ، نظرت لها القطة بتعجب وسألتها:

- أنتي كمان معرفتيش تصحيه؟ وبعدين؟ أنا حاولت كمان ومعرفتش؟

أجابتها الذبابة الزنانة:

- لازم يساعد نفسه، ويلاقي طريقة تصحيه، وإلا مات عطشان وجوعان

استمرت الذبابة والقطة يحدقان في مصيلحي النائم بانتظار معجزة لإنقاذه، كان يركض في آخر أنفاسه وذلك التنين المجنح ينفث لهبًا يطارده بجنون، مصرًا على الانتقام منه شر انتقام، توارى خلف صخرة كبيرة واضعًا يده على صدره محاولًا التخفيف من ضربات قلبه الذي يكاد يخرج من حلقه مطالبًا ببعض الهوا النقي، انحنى مصيلحى مستندًا بكفيه على ركبتيه مختلسًا النظر من خلف الصخرة يتمنى جاهدًا لو استطاع إضاعة التنين المجنون، لعله يستطيع تفسير وجوده في هذا المكان الغريب، حيث لا وجود لإنسان، أو أي معلم من معالم الحضارة، كل ما يحيط به صحراء وجبال وحيوانات لم يرى لها مثيلًا إلا في الأفلام الأمريكية.

ساد هدوء من النوع المزعج بعد مطاردة دامت ساعة استهلك فيها مصيلحي كل طاقته المخزونة، قفز فرحًا فقد ا تكلل هروبه أخيرًا بالنجاح من هذا الوحش، هم بالتحرك عندما استشعر حركة وجلبة وضجيج، التفت باتجاهها ليجد جموع غفيرة من الناس تهرول حفاة باتجاه واحد، باتجاهه هو، بعد الفرحة التي ما كادت تصل إليه تجهم وقد بدأ الرعب يدك أوصاله، فهذه الجموع الغفيرة، تشبه لحد كبير أيضًا ما رآه في الأفلام الأمريكية، كانوا يشبهونهم تمامًا، ملابسهم ممزقة، وعيونهم جاحظة، وبعض منهم مجرد هياكل عظمية والبعض الآخر تبدو أجسادهم وكأنها نهضت من قبورها قبل أن يتم دود الأرض التهامها، صرخ مصيلحي والحقيقة تلطمه فلا يكاد يصدقها حتى وصلت إليه روائحهم النتنة:

- يا سنتك السوخة يا مصيلحي...دول الزومبي اللي بياجوا في الأفلام.

وعمل عقله بسرعة غير طبيعية ليدرك أنه لابد له من الهروب قبل أن يصلوا إليه، وإلا....

وبدأ الركض بعد أن أمسك طرف جلبابه بأسنانه، نظر خلفه ليتأكد من اقترابهم منه بخطواتهم العرجاء المتعثرة، ثم عاد عقله للعمل بكيفية الحفاظ على حياته، كان البطل في الفيلم الأمريكي يصوب بندقيته نحو رؤوسهم فتتفتت، ولكنه لا يملك أي بندقية، لابد من مكان يختبئ به، ولكن أين؟،

رفع رأسه عندما لمح ظل التنين المجنح، ولحسن حظه لم يكن هو هدفه هذه المرة، بل كان مطاردوه، استغل الموقف وقد بدأوا بالهروب قبل أن يحصدهم كلهم، توارى مصيلحي خلف أحد الصخور يراقب التنين وهو ينفث النيران ليحرق بعضهم بينما يمد عنقه ليلتهم البعض الآخر، تهالك على الأرض لاهثًا يتلفت حوله لا يدري أين يذهب، ظهرت فتحة في الصخرة ويد تمسك بكتف مصيلحي وتجذبه للخلف قبل أن يستطيع الهروب، تدحرج كالكرة على مزلاج صخري يتأوه بصراخ حتى استقر في أسفله، كان الظلام يعم المكان بعد وهج شمس الظهيرة، حك عينيه بقوة علّها تعتاد الظلام سريعًا ليرى منقذه، وقف وأخذ يتلفت حوله يحاول رؤيته:

- مين؟.. أنت مين؟. أنا مش شايفك.

- أنا أنقذت حياتك.

كان الصوت يهمس عند أذنه اليسرى، وعندا التفت نحوه انتقل بخفة شديدة حتى لم يشعر بخطواته نحو أذنه اليمنى:

- أنت مديون لي بعمرك كله يا مصيلحي.

صرخ مصيلحي بذهول وقد بدأت عيناه تعتاد الظلام ولكنه لم يرَ إلا جدران حجرية تحيط به ومشعل نار في الزاوية لا يكشف كل أنحاء الغرفة:

- أنت مين طيب علشان أتشكرك؟

شهق بخوف شديد عندما ظهر من العدم يقف أمامه تمامًا، حتى يكاد أنفه يصطدم بأنفه وعيناه مستديرتان مشربتان بالدماء، بالإضافة طبعًا لناباه البارزان من جانبي شفته العلوية:

- إيه مش عارفني يا مصيلحي؟

بصوت مبحوح من الفزع حاول أن يخطو للخلف ومع كل خطوة كان يتقدم نحوه:

- أنا شفتك، ولا يمكن واحد يشبه لك، يخلج من الشبه أربعين، لا منكن تكون هو.. أنت راجل كوبارة سيماهم على وجوهم، من بعد إذنك ممكن أروح الدورة؟

- دورة إيه؟

- دورة المية لمؤاخذة؟

قهقه بصوت كالصدى:

- لأ مافيش.. أنا مش بحتاجها.. أنا...

صرخ مصيلحي برجاء:

- سايج عليك سيدي الطشطوشي ما تجولها.. ما أنا شفت التنين والزومبي.. مباجيش في الأفلام الأمريكي غيرك أنت.

مد يده يصافحه وهو يقدم نفسه:

- أنا معجب بذكائك يا مصيلحي، فعلًا.. أنا مصاص الدماء.

شلت الصدمة أطرافه وهو يهتف بذهول:

- ولا أنا محتاج الدورة...خلاص.

- اتفضل يا مصيلحي.

- أتفضل فين؟.. بجولك إيه؟.. دم مش هتلاجي، أنا دمي نشف من زمان، أقسم بالله العظيم ما هتلاجي نجطة تبل ريجك.

- على فكرة أنت فاهمني غلط خالص.. أنا مش جايبك هنا علشان أقتلك.

- أمال جايبني ليه؟

- عاوز أتكلم معاك يا أخي.. قاعد لوحدي بقالي 300 سنة وزهقت.

- جاعد هنا لوحدك بجالك 300 سنة.. وعلى حظي المنحوس وجعت في طريجك؟.. طب جبل ما ندردش، ممكن أعرف أحنا فين؟

تلفت مصاص الدماء حوله:

- زي ما أنت شايف، في بطن الجبل.. لحد بالليل بس وهخرجك أفسحك في الصحرا، يكون صاحبك التنين نام، وأصحابك الزومبي مشيوا.

- لا مجصديش، جصدي أنا إيه اللي جابني هنا؟.. أنا كت نايم في بيتي، صحيت لجيتني هنا.

- أه.. قصدك اسم المكان.. اسمه "آخر المطاف".

- الله يطمنك.. بجى هنا آخر المطاف.

تنهد مصاص الدماء وهو يمسك بمعصم مصيلحي ويشم رائحته ثم يغلق عيناه باستمتاع وكأنه يحلم ب.....

قطع مصيلحي عليه حلمه وهو يجذب ذراعه بقوة يخبئه خلفه:

- أحنا متفجناش على كدة.

ضحك مصاص الدماء ضحكة باردة وهو يبتلع لعابه بصوت مسموع:

- أنا معملتش حاجة.. أنا.. كنت برحب بيك.. اتفضل.

أشار له ليتقدمه فرفض مصيلحي:

- لامؤاخذة الحذر واجب، اتفضل أنت اللول.

ارتعد جسد مصيلحي عندما برقت عينا مصاص الدماء واتشحت شفتاه الشاحبتان بابتسامة باهتة، ثم أومأ برأسه وتقدمه، وصلا لغرفة أخرى أكثر إنارة ولكن رهبته لم تقل، ربما زادت وقدميه تطئان شيء لزج كالوحل.. وعندما دقق النظر كان الوحل أو ما ظنه وحلًا، كان ذا لون أحمر قاني ويشبه ال .... شعر مصاص الدماء بما اعترى ضيفه، فقهقه باستمتاع:

- أؤكد لك مش أنا اللي عملت دا، لو كنت أنا مكنتش هدرت ولا نقطة من دم نقي و...طازة.

وقف مصيلحي مسمر في مكانه:

- أنا عاوز أمشي من اهنة.

- كنت بحسب عاوز تعرف أنت جيت هنا إزاي؟

غامر مصيلحي في الخوض في وحول الدماء واقترب منه بلهفة:

- طب جولي.

فغر مصاص الدماه فاه مكشرًا عن أنيابه فتراجع مصيلحي بارتياب:

- جرى إيه يا بلدينا ما كنا عاجلين.

هتف مصاص الدماء وعينيه لا تتزحزحان عن عنق مصيلحي النابض:

- بس عندي شرط.

وضع مصيلحي يده على عنقه:

- وإيه شرطك؟

- هاخد نقطة واحدة بس من دمك.

رفع مصيلحي عصا كان يخبئها في جلبابه يلوح بها في وجه عدوه

- أنا كنت عارف أنك ناوي على...

قاطعه:

- مش هتقدر تخرج من هنا من غيري.. نقطة دم واحدة مش هتحس بأي حاجة.. زي شكة الدبوس.

زاد تلويح مصيلحي وكأنه في مباراة تحطيب:

- ابعد  عني أحسن لك.. جال نجطة دم جال.

ولم يعمل حساب سرعة مصاص الدماء الخاطفة، قبل أن يرمش بعينه كان يقف أمامه ويمسك العصا من يده ويفتتها بين أصابعه وكأنها قطعة من البسكويت، اتسعت عينا مصيلحي وقد أدرك أنه هالك لا محالة وأنياب مصاص الدماء تقترب من نبض عنقه، وقد فقد كل قدرة عن الحركة وكأنه أصابه بالشلل ليتمكن منه، أغمض عينيه وقد بدأ يشعر بوغز النابين على جلده، ربما معجزة من السماء أنقذته وهو أقرب للموت منه للحياة، فقد سقط مصاص الدماء فجأة فاقد الوعي، حدق به مصيلحي ممددًا على الأرض:

- أنقذتك في آخر لحظة.. إيه اللي وقعك الوقعة السودا دي يا بلدينا.

شهق مصيلحي:

- مخابرش والله، من الصبح وأنا بطلع من نجرة أوجع في دحديرة.

- طب بينا قبل ما صاحبك يقوم ويخلص عليك.

- على فكرة هو كان هياخد نجطة واحدة بس.

قهقه الرجل الغريب والذي كان أطول قامة من أي رجل التقى به:

- طيب خلاص حقك عليا.. بينا أطلعك من هنا.

أمسك بيده ولم يتركها وهو يخترق به أنفاق طويلة وسراديب حتى وصل للخارج، حيث الشمس تتجه للمغيب، والظلام على وشك أن يعم الكون، تستقبله أصوات كثيرة مختلطة ما بين مفترسين وضحايا تستغيث، تنفس مصيلحي الصعداء والتفت ليشكر منقذه:

- متأخذنيش كنت جلنف معاك.. متشكرين على معروفك، ولو تتمه وترجعني لبلدي يوبجى كتر خيرك.

كان الرجل يحدق في مكان بعيد عندما التفت له:

- ومش عاوز تعرف أنت هنا ليه؟

- والله نفسي بس خايف من اللي بعدها.

- هقولك يا مصيلحي.. أنت نايم وكل اللي بيحصلك دا كابوس.

قفز مهللًا:

- إحياة النبي صوح؟.. أنا جلت اكدة.. لا منكن كل اللي بيحصلي ده يكون حجيجة.. رغم أني نزلت تحت الأرض وشفت جن.. أه والله.. مش مصدجني؟

أكمل الرجل الغامض وكأنه لم يسمعه:

- بس مع الأسف أنت مش هتقدر تصحى منه.

- يا سنة سوخة...ليه بس؟

- علشان نومك مش طبيعي.. أنت نايم علشان جن اسمه الجاثوم سبب لك شلل ومش ممكن تصحى منه إلا إذا كان عندك إرادة كافية.

- جاثوم إيه دا...لا لالا.. أنا أجيب له زغدانة تخفيه في لحظة.. أنت مشوفتش هي عملت إيه في الأبيض والأسود.

وهتف مناديًا:

- زغدانة.. يا زغدانة.

هز الرجل رأسه بابتسامة:

- الجاثوم مش هيسمح لها تتدخل في شغله.

- يعني إيه؟.. هجعد في نهاية المطاف ده لحد ميتى.

- لحد ما تخرج نفسك بنفسك.

- وأنت متجدرش تخرجني.. يا عم.. يا بلدينا...يا...

استدار له الرجل ببطيء شديد لتتسع عينا مصيلحي برعب، حتى صوته رفض الخروج بأي صرخة وقد أدرك أنه هذه المرة هالك لا محالة.

 


الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات