زنقط
بنبرة
جهورية وصوت ترتعد منه الأبدان هبت رياح ساخنة مع رذاذ كلماته:
- وقف
عندك يا إنسي، خطوة واحدة وهتلاقي نفسك مسجون في سابع أرض.
تسمر
مكانه ولفحات أنفاس الجني النارية تكاد تشعل النار في ثيابه، استدار بجسده المرتجف
ببطيء شديد، يحاول إقناع نفسه أنها لعبة جديدة من الجنية عديمة الاسم.. أو هزار
ثقيل العيار من الفلتانة زغدانة.. حتى بدأت هالة الدخان الأسود تتشكل على هيئة
كائن ضخم ذو قرنين هائلين وجسد عملاق ذو ذيل طويل.
رفع مصيلحي
عيناه لأعلى فالتقتا بعيني الجني وقد بدأتا تتخذان موضعهما الغريب فوق بعضهما في
منتصف جبهته، وليس على جانبيها كما في الإنس.
- صدقت
إني زنقط ولا لسة محتاج دليل؟
بتأتأة
مرتجفة هتف مصيلحي:
- لا
يا عم الحاج.. الله ينور.. دا كدة ميت فل وأربعتاشر.
ثم سقط
من طوله فاقدًا الوعي، زمجر زنقط يناديه ولكنه استسلم لغيبوبة تمنى لو تطول، ضرب
الجني الأرض بقدمه بغضب:
- هو
دا الإنسي اللي مدوخكم ومن أسبوع مش عارفة تعملي معاه أي حاجة، نفخة واحدة مني كنت
هحوله لرماد.
ظهرت
الجنية تركع أمامه بخشوع:
-
العفو والسماح يا ملك جن كهوف الأرض.
-
مافيش عفو ولا سماح، ومش عاوز تلاكيك ملهاش لزمة.
ارتجفت
وهي تخفض رأسها للأرض:
-
حاولت معاه كتير، مرة بالتهديد ومرة بالترغيب.. ومافيش فايدة مش عاوز يطلع
الطلسم.. مرة يعمل عبيط، ومرة يقول بدرس وبفك رموز الطلسم.. حتى أني فهمته أني
محتاجة الطلسم علشان أقضي عليك.. العفو والسماح بس كان لازم أعمل كدة.. أنت عارف
الإنس وكرههم الشديد لأولاد إبليس.
ضرب
الأرض مرة أخرى بغضب مشيرًا لجسده المسجى على الأرض:
-
الكائن الوضيع دا...المخلوق الطيني يلعب بيكي أنتي المخلوقة من نار وشرار ومحدش
يقدر عليكي في السبع بحار.
-
أرجوك سامحني وأديني فرصة تانية.
-
مافيش وقت يا مسجورة، لو الجن الأزرق استولى على الطلسم هنضيع، أسرارنا هتبقى
مشاع.. ممالكنا وخدامنا وعبيدنا وكنوزنا اللي هيفضل منا هيستعبدوه للأبد، تخيلي
نفسك بعد ما كنتِ ملكة جان السبع بحار هتتحولي لرماد أو ...
شهقت
برعب وفزع:
-
أرجوك متكملش.. يا روح ما بعدك روح.. يا أنا يا الإنسي مصيلحي.
- خلاص
يا مسجورة.. آخر فرصة وبعدها متلوميش ألا نفسك.. شوفي صاحبك ليكون عزرائيل سبقنا
وأخد روحه قبل ما نشفي غليلنا من جبروته.
عاد
وتحول لسحابة دخانية كثيفة سوداء طارت في الهواء حتى توارت خلف السحاب.
رمقته
مسجورة بغيظ:
- أنت
يا أنسي.. أنت بسببك أتهان وزنقط يمسح بيا الأرض؟.. أنا هوريك اللي عمرك ما شفته،
ولا هتشوفه.
غيرت
شكلها ولبسها وجسمها ورسمها، فتح مصيلحي عيناه على صوت ليس غريبًا عليه أبدًا:
- مصيلحي..
مصيلحي سلامتك يا خويا.. ألف سلامة عليك مالك جرالك إيه؟
اتسعت
عيناه يحملق فيها غير مصدق، ثم هتف:
- سارة
بت خالتي.. إيه اللي جابك هنا؟. أمي جرالها حاجة؟.. أبويا جراله حاجة؟.. الجاموسة
جرالها حاجة؟.. ما تنطجي يا بت أنتِ واكلة سد الحنك؟
- ما
أنا هنطج أهو.. هو أنت مديني فرصة أفتح حنكي.. لا كلاتهم بخير اطمن.. حتى الجاموسة
عوشر عجبال عندنا.
انتفض
واقفًا يهزها من ذراعيها:
- ولما
كل حاجة تمام.. إيه اللي جابك هنا؟
-
اتوحشتك جوي جوي يا مصيلحي.
أبعد
ذراعيها عنه هادرًا بغضب:
-
اتحشمي يا بت.. هو انتي عيارك فلت إمتى؟
ضحكت
بميوعة:
- يوه
دتك إيه يا مصيلحي؟.. اختشي يا راجل الواد يشوفنا.
تلفت
حوله بذهول:
- واد
مين ؟
- واد
مين؟ سلامتك يا مصيلحي.. هي الوجعة جت على نافوخك.. الواد ابنك اسم النبي حارسه
وصاينه محروس.
انتبه
لمن يجذب ذيل جلبابه فنظر لأسفل ليرى ذلك الطفل الصغير لم يتجاوز العامين يناديه:
-
بابا.. بابا.. اتوحشتك جوي جوي.
أجال
النظر بين الطفل وبين سارة وصرخ وهو يهزها بقوة:
- ابن
مين دا يا سارة.. أنطجي يا بت؟
-
يوه...في حد ينسى ابنه ضناه؟
- يا
سارة الواد ده عمره يجي سنتين وأنا بجالي خمس سنين منزلتش البلد.. وكمان أحنا
متجوزناش هنجيب الواد دا منين؟..أنتي عاوزة تجرطسيني؟
- الشر
برة وبعيد ياخويا.
جذبها
من شعرها صارخًا:
-
انطجي يا فاجرة ابن مين الواد ده؟ احنا في الترب هتاويكي أنت وهو والدبان
ال...ال...
التمعت
عيناها ببريق أحمر غريب وهي تسأله:
- ال..إيه
يامصيلحي؟
شهق
متراجعًا وهو يتذكر ما حدث له قبل وقوعه فاقد الوعي فهتف برعب:
-
زنجط...زنجط.
تراجع
مبتعدًا عنها ووهج عيناها يشتد ثم صاح وكأن الإسم سقط على لسانه بدون أن يفكر:
-
مسجورة.
اتسعت
عيناها وفغرت فاها وهي تبتعد ويتبدل شكلها ليكتشف الحقيقة.. التفت للطفل الصغير
وإذا به يتغير هو الآخر ويتحول شكله لجني قزم.. لحق بها في سرعة البرق يختفيان
داخل الجدار وهي تصرخ:
- يا
ويلك مني يا مصيلحي.. يا ويلك.
تهالك
على الأرض لاهثًا وكأنه كان يركض طوال عمره، هز رأسه بعنف ليخرج منها كل ما حدث في
هذه الليلة، تلفت حوله بارتياب يشعر أن آلاف العيون تراقبه.
- لازم
ألاجي الكتبات، الطلسم هو اللي هيخلصني من البلاوي دي.. يا ريتني كنت سمعت كلامك
يا عم درديري.. ياما اتحايلت عليا تعلمني وأنا مخي كيف البلغة الجديمة.
- أنت
بتكلم نفثك يا مثيلحي؟
- إيوة
هي الليلة نجصاكي أنتي كمان.. يالا ادخلي بموالك.
- أنت
زعلت مني.. خلاث حقك عليا.
رمقها
بنظرة غير مصدقة:
- أنتي
عاوزة مني إيه؟
-
أثاعدك.
-
رجعيني زي ما كت.. مش عاوز أشوف جن ولا ميتين.
- آثفة
مينفعش.. مش بإيدي أرجع الزمن.
- أمال
بإيدك إيه؟.. تلعبي بيا الكورة أنتي والزفتة مسجورة.
-
وعرفت اثمها منين؟
-
مخابرش.. فجأة لجيته بينط على لساني.
- ومش
فاكر حاجة تانية؟
- لا..
إيوة.. اتفكرت.. كانت هي والمدعوج زنجط بيتحدتوا.. وهي جالت... وهو جال..يا نهار
أبوهم أسود.. دولم عاملين عليا رباطية.. بس أنا كت مسورج.. إيه اللي بيوحصل؟
- لثة
مفهمتش.. أنا اللي خليتك تفتكر.. شوفت أنا بثاعدك إزاي؟.. اتجوزني بقى؟
- يا
زغدانة.
-
الله.. إثمي طالع من بوقك حلو قوي.. قوله تاني.
- أنتي
هتعملي فيها شادية وعبد الحليم...ما تتلمي.
- أعمل
إيه ؟.. بحبك.
- يا
بنت الحلال أنا متكلمين عليا.. يعني بالعربي.. خاطب سارة بنت خالتي.
- أيوة
عارفة وموافقة.
-
موافقة على إيه؟
- أكون
ضرتها .. رغم أنها محثلتش في العيلة أبدًا.. بث يلا...كله أجر وثواب.
- هو
أنتي مستبيعة.
- يعني
إيه مثتبيعة؟
-
مثتيبعة يعني.. يوووه.. حلى عن سمايا.
- من
غيري زنقط ومسجورة هيلعبوا بيك.. شوفت عملت إيه النهاردة؟.. مش هترجع إلا لما تاخد
منك الطلسم.
-
وأنتي كمان عاوزاه.
- أنا
عاوزاه في الخير.. بث هم عاوزينه في الشر.. لو مأخدتوش مش هأذيك.. بث هم ناويين
على الشر.. طاوعني واتجوزني وأنا ههنيك.. قثدي هحميك.
- أمري
لله.. يظهر مافيش غير الحل دا.. خلاص يا زغدانة.. هتجوزك.
قفزت
صارخة من الفرح
-
لولولولوولوليييي.
