" " " " " " " " رواية عالم الأقدار الفصل الرابع
📁 آحدث المقالات

رواية عالم الأقدار الفصل الرابع

  

الفصل الرابع

الشيخ قدر

***

فور دخولي الغرفة بصحبة هذا القدر ظهرت فتاة ترتدي ثياب نصفها منمق مهندم بينما النصف السفلي من الثياب رث مرقع كذلك وجهها ما أغربهُ من وجه ! فحين نظرتُ الى وجهها وجدتهُ      ذات نصفين نصف مُشَوه كأن النار قد أكلتهُ والنصف الآخر به حُسنًا وجمالًا خارقان! حيث أنها فتاة ذات مظهر يحمل الضدَينِ من كل شيء ! القبح والجمال , الأناقة والهلفتة ! وحين سألت عن هذه الفتاة العجيبة المظهر قال لي قدر أنها تُدعى (صدفة) وأن مظهرها هذا يعكس دورها الذي تؤديه في حياة الكثير من الناس, لأنها تعنِ لدى الكثير من الخلق على حدٍ سواء حدوث الكثير من الأشياء الجميلة  والمحمودة وأيضًا حدوث الكثير من الأشياء القبيحة والمكروها في حياة  الناس! إنها صدفة وهذا اسمها دورها تنفيذ مُحكم لتعليمات أصدرها نظامٌ متعال مُرتب في صورة مواقف إعتباطية بلهاء غير مُرتبة

!وتضاعفت دهشتي حين وجدتُها تركع أسفل قدمي الشيخ العجيب قدر عندما استمعت إليه وهو يُحدثني عن دورها الذي كلفها إياهُ وذلك قبل أن يأمُرها بالنهوض من الركوع, وبدون ان أدرِ وجدتني اسأل صدفة سؤالًا شجاعًا لطالما تمنى الكثير من الناس أن يسأله لولا أنه لم يصادفه حسن حظ مثلما حدث معي حيث مقابلة صدفة وجهًا لوجه "هل انتِ صاحبة الإنفجار الكبير الذي تسبب في خلق الكون ؟! " طلبت في خجل من قدر أن يأذن لها بالرد على سؤالي ثم حصلت على الإذن لتُجيب: أنا لستُ صاحبة شيء أنا كما ذكَرت تسببت ,مجرد سبب ولكل سبب مُسبب له وضعَ له في السابق آلية سببية تسببَت في حدوثه والسبب لا يصح أن يتم أعطائه صلاحيات الفاعل لأنه ببساطة مفعولٌ به  من قِبَل فاعلٌ أزليٌ سرمدي!

-أخبريني يا صدفة كيف نفرق بين عمل أو موقف أو حدث من الأحداث صنعته صدفة وبين عمل او حدث صنعهُ قدر؟

-ببساطة إذا وجدت المصادفات تتكرر أعلم أن هذا الحدث أو ذاك لم يكن مصادفة على الإطلاق! تلك هي القاعدة الثابتة في عالم المصادفات قاعدة تقول

(إذا تكررت الصدفة أُنتُزعِت عنها صفة الصدفة)

-والفاعلُ الذي تقصدينه هو الشيخ قدر؟! هذا ما قولتهُ لصدفه بنفس الشجاعة التي سألت بها سؤالي الأول, وذلك قبلما يفُاجئني قدر بتدخله في الحديث قائلاً: حذرتُكَ من قبل من طرح الأسئلة! أصمت  وسأشرح لك حقيقة الحقائق في نهاية رحلتنا عبري زماني الى حيث مكاني!

-ولماذا أذن تركت لي المساحة لطرح سؤالي الأول الذي وجهتهُ الى صدفة؟

-أنت كثير الأسئلة تلك آفة بني الإنسان, لقد أردتُكَ تعلم أن الخروج عن القدر يحتاج الى نوع من أنواع

"القدر" الخروج عن القدر يتم بناء على إرادة قدر فأنا الذي نهيتك عن طرح الأسئلة وها أنا ذا تركتُكَ تسأل!.

****

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يومٌ أسوَد ويومٌ أبيض!

*** 

هذا ما قرأته أعلى الغرفة المجاورة  لغرفة صدفة  وكأنها عناوين لأحداث حدثَت خلال أحقاب جرَت جميعها من تدابير قدَر, وكالعادة إنفتح باب الغرفة الموصد بمجرد وقوف قدر أمامه مباشرة ! عقب دخولي وجدتُ رجُلان أحداهما يرتدي ثياب سوداء بأكملها ملثم الوجه والثاني يرتدي نفس تصميم الثوب مع اختلاف أنه أبيض بالكامل وأيضاً ملثم بلثامٍ بيضاء, ولاحظت وجود أشخاص ملقَون الى جوار اليوم الأسود كأنهم شرازم لأشياء مبعثرة محجوبة وجوههم بأقمشة سوداء بائسة! بينما لاحظتُ وجود أشخاص بهم بعض العيوب الخلقية والإعاقات الجسدية تظهر على وجوههم المكشوفة السعادة والرضا في ظل وجود الأمل في رحاب يوم أبيض استطاعوا خلاله أن يجعلوا من المحنة منحة صنعوا بها امجادهم وذواتهم النفيسة !

وكان الطبيعي أن أوجه سؤالي في البداية الى يومٌ أسود صاحب الرداء واللثام السودَوين

-بعد سلامي عليك وتحياتي يومنا الذي تعودنا عليه جميعا أودُ سؤالك, من هؤلاء الملقون الى جوارك ومغطاة وجوههم ؟ من يكونوا ومالذي جعلهم هكذا ؟ هل أنت ؟ ! اتستئذَن هو الآخر من قدر سيده ومولاه ثم أجاب :

(لستُ أنا) لست أنا من جعلهم وصلوا الى هذه الحالة الحزينة المزرية

أنا لستُ أكثر من شاهد على ما حدث بهم, مثلي مثل المكان الذي يشهد على جريمة تم إرتكابُها أو مازالت تُرتكب أنا لم أكن الجريمة بل أنا مَسرح الجريمة !

-وما هي الجريمة التي تقصدها ؟!

-سأجعلهم يقولون لك عنها كل شيء بأنفسهم بعدما أخلع عن كُلٍ منهم حجاب الوجه, نبدأ بصاحب إعاقة التوَحُد هذا لو إفترضنا أن التوَحُد إعاقة من الأساس, أمرتُكَ ياصاحب الذكاء الحاد والذاكرة العظيمة ولحاظُ الرأي ب الكشف عن وجهك والتحدث الى هذا الرجل الذي يعاني على مايبدو شلل أطفال بالرجل اليمنى ( بدر)! ذلك أنه يتوكأ على عكاز طبيّ!

وانكشف وجه صاحب التوَحُد فإذابي  أفاجأ بأنه غلام طبيعي رقيق المشاعر كل ما لاحظتهُ عليه بعض الطرق الكلامية المختلفة عن المعتاد مثل الخلط بين الضمائر في الكلام, إذ يشير الى نفسه بضمير أنت بينما يشير الى من أمامه بضمير أنا !  أخبرني أنه ذات اليوم الأسود إصطحبتهُ أمهُ الى طبيب (مختّص) وعرضت عليه حالة أبنها لعمل تقرير طبي بحالته لأنها كانت ترغب في أن يلتحق الولد الى المدرسة فهذا حقهُ لكن ذهبت رغبتها وأحلامها أدراج الرياح عندما شخَّصَ الطبيب حالة ابنها بأنها حالة (تخلف عقلي) وهو تفسير ليس بعيدًا عن حالة الغلام فحسب وإنما بعيد عن حالة التوحد من الأساس ! لأن التوحد مرض نفسي وليس عقلي, لاسيما وأن مريض التوحد يتمتع بمزاية فكرية وذهنية تفوق في بعض الحالات الإنسان المعافىَ .. شردتُ للحظات في حكاية الغلام الذي حُكمَ عليه بالتخلف العقلي مما سبب له إكتئاب حاد فقد على أثره حب الحياة وحب إنسانية الإنسان ! ومرَت أمام ذهني العديد من حالات الإعاقات المختلفة التي عانت من قبح خطأ التشخيص وبشاعة نتائجه ! إنها حقًا مشكلة عويصة يعانيها كل متحديٍ للإعاقة لأنها ببساطة قد تجعلهُ لا يقدر على تحدِ إعاقته نظرًا للتشخيص الخاطئ لحالته الصحية والبدنية ! هي أزمة الغالبية من متحدي الإعاقة يُعانوا منها لعل سببها عدم التخصصية . ولعل سببها التسرع في التشخيص . ولعل أيضًا أعداد الزائرين للأطباء بالمستشفيات في اليوم الواحد الى الطبيب الواحد هو ماسببَ تشخيص عدد من الحالات بشكل غير دقيق ,كل هذه الإحتمالات واردة ولكن في كل الأحوال هناك أزمة تشخيص طبي يدفع ثمنه الأشخاص أصحاب الإعاقة ! .

قدر .. تحدث من جديد بقوة وبلهجة حادة وأمر بنزع الحجاب عن أحد الملقين الى جوار اليوم الأسود ليتم تنفيذ الأمر في الحال ولاجدهُ هو نعم انه هو بعينه (فاضل فضل) نديمي وصديق العمر: فاضل ! حبيبي ألم تمت ؟ أين أنا ؟ أخبرني ياقدر هل أنا مازلتُ قيد الغفوة ؟ كي أجد الأموات يعودون الى الحياة في لحظات ؟! كيف ذلك ؟ ثم مالذي ألقى بكَ الى جوار اليوم الأسود يا فاضل؟!

-أعطيني الفرصة وتمهل وتملَك أعصابك كي أستطيعُ شرح حقيقة إرتباطي باليوم الأسود ياصديقي بدر !

-أنتظرُ شرحك بفارغ الصبر, تفضل كُلي أذان صاغية..

***

تعليقات