زوجة منسية
اليوم هو يوما هاما في حياتها العملية فمنذ أن أنضمت للعمل في الشركة الخاصة بعائلتها وهي تطمح لمثل هذا الإنجاز فالعمل مع شركة أبو العز والتي يديرها ياسين أبو العز رجل الأعمال الشهير رغم سنوات عمره والتي لم تتعدي الثلاثين عاماً إلا أنه أستطاع أن ينشئ عمله الخاص بالخارج قبل عودته للبلاد بعد الأزمة الصحية التي تعرض لها والده وتسلم العمل بشركة العائلة
لقد قرأت مقالة عنه في صحيفة شهيرة في البلاد وعلمت منه
مسيرته المثيرة للإهتمام فبعد زواجه من ابنة صديق والده والأخبار تتناقل عنه وعن الصدفة التي جعلت من تلك الموظفة مريم عزت تتقابل مع والده ويكتشف أنها ابنة صديقه الذي فقد طريق الوصول إليه
هي تتوق الآن لتوقيع ذلك الإتفاق لتزيد من نجاحتها المتتالية
والدها أصبح فخور بها الآن ،لقد ظنت أنها لن تستطع إستعادة ثقته منذ خمس سنوات
نعم خمس سنوات قد مروا على تلك التجربة المريرة التي مرت
لا تنكر أن تلك التجربة قد ساعدت في الإسراع من نضجها والعيش في الواقع ونسيان تلك الأحلام الطفولية
أسبوعان كانا الفاصل من تحولها من مراهقة متمردة إلي شابة راجحة العقل ،او متزمتة كما تطلق عليها مروة وزوجها زيد
فمنذ زواجهم من ثلاثة أعوام وهما يتفقان على تلقيبها بالسيدة العجوز ،وللحق هي تشعر بذلك ،تشعر بأنها عجوز لقد شاخت روحها من الداخل رغم كونها في الثالثة والعشرون من عمرها
تلك الحادثة قتلتها ،جعلت منها إنسان معطوب
منذ ذلك اليوم الذي هجرها به وهي تشعر بالخواء ،ليس لأنها كانت عاشقة له ولكن لأنه تركها هكذا دون أن يلتفت إلى الوراء
تراهن نفسها أنه قد نسيها ،نسي زوجته المهجورة فأصبحت تلك الزوجة المنسية، لقد فكرت منذ أشهر أنه ربما حان الوقت لتطلب الإنفصال عنه كما أخبرها قبل رحيله أن إبتعاده عنها فرصة لها لمتابعة دراستها وإثبات نفسها وأن في الوقت الملائم سينفصل عنها وها هي خمس سنوات قد مروا لم تراه بهم ولو لمرة واحدة
كانت تتابع أخباره في الصحف الرياضية دون علم الجميع
لقد أصبح نجم شهير الآن في أوربا ومن المحتمل أن ينضم إلى أشهر نادي بالعالم
لقد حان الوقت لتأخذ خطوة للأمام ،هي ستذهب إلى والده ذاك الرجل الذي طالما عاملها كأنها ابنته يسألها عن اخبارها دائما وأحيانا يدعوها للخروج معه وكأنه بذلك يعوض تقصير ابنه وغيابه عنها ،تعلم أنه يأمل أن يعود ويطلب منه إتمام تلك الزيجة المعلقة لديه املأ في ذلك ولكن هي تعلم أنه من المستحيل لأن إلياس قالها منذ البداية
ذلك الزواج مجرد عقد مؤقت بينهما ،لقد علمت بعد رحيله وعدم تواصله معها أن عقابه لها كان زواجه منها ،لقد أصبحت علي أسمه ،خاصة إلياس الجابري في الظاهر ولكن لا تربطهما صلة في الواقع ،يكفيها تلك السنوات التي مضت عليها الآن أن تجد طريقها لربما تقابل أحدا ما تستطيع أن تكمل حياتها معه
هي قررت ،ستنهي إجتماع اليوم وتذهب إلى أبيه وتطلب الطلاق ،هي كلمة ولكنها كالقنبلة لاتعلم ما هي ردة فعل أبيها ولكنها ستقول له علي حجتها الدامغة ،ستقول له أنها أين زوجي ذلك الذي لا أعلم عنه شيئاً منذ يوم رحيله وبذلك لا احد سيقول أنها مخطئة في طلبها ذلك بل أنها تتوقع تأييد أخيها زيد لها
أفاقت من شرودها علي طرق باب مكتبها لابد وأن مساعدتها الخاصة قادمة لإخبارها بأن الإجتماع علي وشك البدء وأن أبيها وعمها في قاعة الإجتماعات ينتظرون قدوم ياسين أبو العز
لقد كان والدها صارما في العمل بالشركة كما كان صارما في عمله في الشرطة والذي تركه عندما أصيب عمها في حادث بعد إنقلاب سيارته لولا عناية الله لمات في ذلك الحادث الذي ترك آثاره عليه حتى الآن في ساقه التي يعرج بها بعض الشيء
لاشئ يهم الآن يكفي أنه مازال بين أفراد عائلته لقد واجهت ابنته سلمي أيام عصيبة كانت تشاركها تلك الأيام من الحزن والوجع والآن وقد عوضها الله بزوجها شريف
كان زواجهم أمر متوقع بالنسبة لها ،فتلك الأيام التي كانت في حالة يرثى لها فيها كانت مروة وسلمي يحاولان إخراجها من حزنها خاصة بعد إنتهاء الإختبارات النهائية لهم وظهور النتيجة والتي حصلت فيها على سبعون بالمئة ،لقد حمدت ربها وقتها
فقد ظنت أنها لا تستطيع النجاح حتي ولكن لم يخزها الله وساعدها برحمته في إجتياز الأزمة ،لقد كانت مروة وسلمي أفضل أصدقاء وأقارب يحصل عليهم المرء
لقد أعتادو الذهاب إلى النادي وعندما كان شريف يراهم يأتي لإلقاء التحية عليهم مرة بعد مرة حتى لاحظت نظرات الإعجاب المتبادلة بينه وبين ابنة عمها ،لقد كان واضحا منذ البداية وتقدم لخطبتها ،وتمت الخطبة التي أستمرت ثلاثة أعوام تزوجا بعدها في حفل كبير بعد فترة الحزن علي والدها والآن لديهم جودي طفلة جميلة رائعة تشبه والدتها سلمي كثيرا
سلمي وشريف مثال للزوجين المحبين والمتفاهمين لكل من يعرفهما ،بينما زيد ومروة في خلاف بسبب طبيعة زيد المتحكمة بعض الشئ و عناد مروة معه
أمرت مساعدتها الشخصية بالذهاب وهي ستلحق بها لكن عليها أن تنعش نفسها بغسل وجهها بماء بارد يعيد لها النشاط والتركيز عليها أن تكون في كامل وعيها في ذلك الأجتماع فياسين أبو العز مفاوض ليس سهلا كما يقولون عنه وإلا لما حقق ذلك النجاح ،عليها أن تكون هادئة كذلك لتكسب ثقته وتنجح في توقيع الصفقة بأكبر مكاسب ممكنة
عندما دلفت لقاعة الإجتماعات كان والدها وعمها يتناقشون سويا ،لقد أصر عمها علي حضور الإجتماع ليقدم لها الدعم والخبرة ،لقد كانت ممتنة له لدعمه لها في محنتها حتي عندما أختارت دراسة إدارة الأعمال أيدها بشدة وأخبرها أن مكانها محفوظ في شركة العائلة مما جعلها تبذل أقصى جهدها وتنجح بتفوق مبهر
الآن ياسين أبو العز علي وشك الوصول دقيقتين فقط علي الأرجح أعادت فيهم ترتيب أوراقها حتي أعلن مساعد والدها عن وصوله
أستمر الإجتماع ساعتين كاملتين وأنتهي برضا كلا الطرفين عن المكاسب التي خرجوا بها
قرر بعدها المغادرة إلى عمله بعد إنتهاء الأجتماع وصافح الجميع
وأخبرهم عن وجود حفل يقيمه في منزله إحتفالا بمرور عام على زواجه وأصر على حضورهم
أضطرت إلي إجابة دعوته إلى الحفل حيث أخبرها أنه صديق قديم لزوجها إلياس
فوجئت حينما سألها عن آخر أخباره والتي كانت لا تعلمها من الأساس
أجاب عنها والدها بقبول دعوته وتأكيد حضورهم لحفله
رمقت والدها بتوسل لعله يستطيع إعفائها من حضور الحفل
لأنها تعلم أن الجميع سوق يسأل عن أخبار زوجها وهي ببساطة شديدة لا تعلم شئ
بعد خروج أبو العز أعلنت عن إنسحابها ورغبتها في العودة إلى المنزل لكي تستريح بعض الوقت ثم تستعد للحفل
عادت للمنزل ودلفت لغرفتها حمدت ربها أن والدتها كانت منشغلة في المطبخ هي ومروة لإعداد طعام الغداء
أزالت عنها ملابسها وأتجهت للمرحاض لكي تأخذ حماما بارد
بعد خروجها أرتدت منامة بيتية وأتجهت إلي الفراش تريد النوم
فكرت في أن عليها تأجيل زيارتها لوالد زوجها ليوم غد
حسنا يوم واحد زائدا لن يضر فاليوم لديها حفل عليها حضوره
بفستان يتداخل فيه الأبيض والأسود وحجاب بنفس اللونين وصلت إلى الحفل بصحبة أبيها
أستقبلهما ياسين أبو العز ومعه زوجته والتي تبدو في غاية الجمال بحجابها الذي يتماشى مع لون فستانها الكشميري
أحست وسام نحوها ببعض الراحة خاصة بعد ترحيبها الحار بهما
ورغبتها في فتح أحاديث بينهما
-عارفة يا وسام ،يعني لو تسمحي إني أقولك يا وسام من غير ألقاب !
- لا عادي مفيش مشكلة يا مريم
- أنا حبيت أقولك إني مبسوطة إنك جيت الحفلة النهارده ،علي فكرة أنا متابعة نجاحك وأخبارك اللي تفرح في عالم الأعمال
- مرسي جدا على مجاملتك ليا يا مريم ،ماكنتش أعرف إني مشهورة كدا !
- أكيد يا وسام وزي ما أنتي عارفة الجنس النسائي في عالم الأعمال قليل ،فانا فرحانة إن في واحدة ست ناجحة
علي فكرة أنا عندي مكتب للديكور بديره بعيد عن الشركة
يعني كفرع جانبي ليه
- أيوة أنا عرفت من المقال اللي نزل عنك أنتي والأستاذ ياسين في الجرنال
- أنا أشتغلت في مجال المقاولات الفترة اللي كان فيها ياسين مسافر ،حوالي تلات سنين بصراحة كان عمل متعب جدا ،أنا ملقتش راحتي غير في شغل الديكور اللي بحبه وبفهم فيه اصل انا كنت دارساه في الكلية ،وأنتي يا وسام بتحبي أيه قصدي بتلاقي شغفك فين !
لا تعلم لماذا كلمات مريم حركت الذكريات الراكدة في داخل عقلها ونبش قبر أحزانها ،فيما مضي كان الشغف هو الدافع الرئيسي لها في الحياة ولكن بعدها فقدت رغبتها في كل شيء لقد تعلمت درسها جيداً حينها ،الشغف لا يجلب سوي الشقاء
- للأسف أنا معنديش حاجة معينة بحبها ،بس الشغل بالنسبة ليا كل حاجة دلوقت
- الشغل بس،طب و إلياس ملوش مكان ولا أيه!
فوجئت وسام من سؤال مريم المباغت لها ،هي تعلم أنها تحدثها بنية حسنة ولكن مريم لا تعلم شئ عن علاقتها بإلياس
حاولت التهرب من السؤال
- هو بابا فين
- اكيد مع ياسين ،ما أنتي عارفة الرجالة مبيتكلموش في الشغل
وأخبار السوق
- أنا عايزة أروح عنده دلوقت،ممكن
- أكيد ممكن ،بس هو فيه حاجة ضايقتك
لم تشأ أن تعكر صفو مزاجها ،فقدمت لها عذرا واهيا
- أصلي حاسة بصداع جامد ،بقالي يومين منمتش
- ألف سلامة عليكي يا حبيبتي ،تعالي نروح لهم
سارت خلفها حتي وصلوا إليهم وأخبرتهم مريم بتعب وسام المفاجئ مما جعل والدها يستأذن الرحيل من الحفل
عادوا للمنزل ووجدوا الجميع جالسون في بهو المنزل يشاهدون التلفاز،حيث فيلم عربي قديم تفضله والدتها لإسماعيل ياسين
نظرت إليها والدتها وطلبت منها الإنضمام لهم ولكنها رفضت وأعلنت عن صداع قد أصابها وتريد أخذ الدواء والخلود للنوم
شيعتها والدتها بشئ من الأسي والحزن ونظرت إلى زوجها فرات علامات الحزن علي وجهه
لقد تغيرت وسام ،الكل بات يعلم ذلك ولكنهم لا يعلمون كيف يستطيعوا إستعادتها
في اليوم التالي أنتهت من عملها مبكرا ،فهاتفت والد زوجها وأخبرته أنها تريد لقائه
كان في منزله بذلك الوقت وطلب منها المرور عليه بالمنزل
ترددت في القبول ولكنها علمت أنها يجب أن تواجه الأمر بشجاعة إن أرادت أن تحصل على ما تريد
فتح الخادم لها باب المنزل فدلفت إليه ،أخذت تتأمل المكان وتذكرت المرة الوحيدة التي أتت فيه لذلك المنزل حين أتت إلي إلياس تقدم له إعتذارها فقابلها بالجفاء والعبوس
خرج إليها بعدما أخبره الخادم بوصولها ،وجدها تتأمل المنزل وكأنها تتذكر ما حدث سابقا به
- وسام ،أزيك يابنتي عاملة أيه
- الحمدلله ،بخير ياعمي وأخبارك حضرتك أيه
- أنا الحمدلله تمام ،بس النهارده حسيت بشوية تعب فرجعت البيت بدري زي ما أنتي شايفة
- ألف سلامة على حضرتك ،طب حاسس أنك بقيت كويس دلوقت
- أيوة كويس ،شوية إرهاق انتي عارفه السن برده ليه أحكامه
ها تحبي تشربي إيه !
- ملوش لازمه يا عمي أنا مش عايزة اتعب حضرتك
- ملوش لازمة إزاي يا وسام انتي اول مرة تزوريني في البيت ،وبعدين البيت بيتك وبيت جوزك ولا أيه
- بيت جوزي ،آه حضرتك عندك حق ،وبمناسبة جوزي أنا جاية اكلمك في موضوع مهم
- خير يا وسام أنا سامعك
- أنا عايزة حضرتك تقول لابنك وسام عايزاك تنفذ وعدك
- وعد أيه !
- لو كلمته هو هقولك وعد أيه
وبعد إذنك أنا مضطرة أمشي عشان ورايا مشوار ضروري لازم أعمله
رحلت وتركته في حيرة من أمره ،ماذا تقصد بقولها ضرورة تنفيذ ابنه للوعد الذي قطعه لها
سيقوم بمهاتفته وسؤاله عن الأمر وطلب الشرح منه
- مراتك كانت هنا وسابت ليك خبر معايا !
- مراتي ،مراتي مين !
- إلياس أنت نسيت أنك متجوز ولا أيه! نسيت وسام اللي كتبت كتابك عليها ومشيت
امال كل ما أسألك وأقولك بتكلمها تقولي أيوة ،أيوة أيه بس
- يا بابا ،،،،،
- بلا بابا بلا زفت ،ليك خمس سنين مسافر وأهملت مراتك وسايبها معلقة لاهي متجوزة ولا هي حرة ،حرام عليك يا اخي اللي بتعمله فيها
- يعني هي أشتكت لحضرتك !
- هي جاية توصلك كلام ،بتقولك نفذ الوعد اللي وعدته ليها
- الوعد
- أيوة الوعد ،وأظن أني عارف الوعد هو أيه.
نهاية الفصل
