الفصل الثاني..
عالم الأقدار.
(نداء الطبيعة)
**
في يوم من الأيام أحتجتُ أُلبِي نداء الطبيعة
وأدخل الحمام, نظرتُ نحو مقعدي المتحرك فوجدتهُ يبعُد عني مسافة لا أستطيع أن
أقطعها ولا حتى بالسحف على الأرض وذلك بعدما وضعهُ سهوًا المرافق الذي أتيتُ به كي
يُعينني على التعامل مع الحياة في ظل وجود إعاقة شديدة, خطر ببالي وقتها أن
المرافق من المؤكد لم يقصد تعذيبي, وأن مع حدث مجرد سهو منهُ جعلهُ ينسى أن يضع
المقعد بالقرب مني كي أستطيع إستعمال المقعد في حالة الطوارئ, ولكن هذا ليس
الموضوع الآن الموضوع أنني أعيشُ لحظاتٍ حرجة وأحتاجُ الى دخول الحمام بشكل ضروري
جدًا, يا ربي استرني والطف بي, حاولتُ مقاومة ألم منع نفاذ خروج الفضلات مني بكل
ما أوتيت من قوة (ضعيفة) وذلك بعمل حركات عبثية, ولكني وجدتُ الأمر يزداد صعوبة
(وقسوة) فعملية إخراج الفضلات والتبول عند المعاق الحركي أصعب بكثير منها عند صحيح
البدن, فما كان أمامي إلا أن أنادي على المرافق النائم بالغرفة التي تليني بمسافة
كبيرة قد تحوُل دون سماعه نداءاتي خاصة
وأنه تعودَ على تشغيل القرآن الكريم لينام على تلاوتهِ: أستاذ أحمد أستاذ أحمد
عايز ادخل الحمام من فضلك .. أستاذ أحمد أرجوك محتاج أعمل حمام ضروري
!:أستاذ أحمدددددددددد وحياة أبوووووك !
كل المحاولات بائت بالفشل لينتهي كل شيء موقف
يحطم كل معاني الوجود أمام المرء .. ثم حدث لي مايشبه الغياب عن دنيا الوعي! لم
أكن أعلم ما إذا كنت مستيقظا أم نائمًا, لكن حدث أثناء هذا البرزخ بين الحلم
واليقظة أشياء أستطيع ذكرها جيدا لأني أذكُرها جيدًا لأن الأموات لا يستطيعوا
نسيان الأشياء المؤلمة مثلما يحدث معكم سكان الدنيا!
-أشياء مثل ماذا؟ شوقتني أيها العظيم : رأيتُ
سحابة بيضاء حجبت عني رؤية الأشياء وضعتُ كفي فوق عيني كي أحجب عني هذا الضوء
المُشع وإذا بي أسمع صوتًا قويًا غليظًا لكنهُ مُريح تستريح الأذن الى سماعه كان
يسألُني وأنا أُجيب من دون أن أدرِ كيف يسأل ومن ذ الذي يسأل وكيف أجبتهُ! لستُ
أدرِ لكني أجبتهُ
-بماذا كان يسأل وبماذا كنتَ تُجيب؟
قال: من أنت ؟ فقلت بعفوية وصدق مغلفان
بالحزن القاتل!
-مُعاقٌ من متحدّي الإعاقة الحركية, ومتحدّيٍ
للإعاقة الضميرية والإعاقة الوطنية والإعاقة الإنسانية والإعاقة الوجودية, فسألني
- هل أنتَ حُر ؟
قفلت بنفس الصدق
-ولم أضُر
-هل أنت سعيد
-الحمد لله لكني شريد!
-لماذا؟
-لأني أعيشُ بعالم إفتراضي عالمًا عادِلًا
خلقتهُ بنفسي ولنفسي, عالم أردتهُ يعوضني عن فقداني للحياة في ظل عالمهم الأجوف
التعِس! واستمر الصوت يسألني السؤال تلو الآخر الى أن جاء أهم سؤال
-هل أنت مُجبر على فعل شيء ما في حياتك دون
إرادتك؟ ! فأجبتهُ على وجه السرعة الصادقة
-يوميًا أفعل أشياء دون إرادتي وأنا الحُر!
وذلك عندما أجبرتني بلدي مرغمًا على أن أطلب حملي بمقعدي المتحرك عند سيري في
الطرقات, بدلاً من أن أسير بمفردي بمحض إرادتي دون مساعدة مَن يعينني على صعود
الدرجات والأرصفة حتى لو حصلتُ على تلك الحرية في التحرك والسير بواسطة مقعد
فولاذي أدفع عجلاته بيدي,ذلك أكرم لي من الشعور الدائم بالإحتياج للآخرين في أدق
التفاصيل الشخصية الحياتية
-أتعترض على قدرك؟ فهل بلدك هي التي أجبرتكَ على
الإحتياج للآخرين ام قدرك هو الذي أراد لك ذلك؟.. تملّكت مني الشجاعة وأجبتُ في
الحال
-أنا لا أعترض على قدر صنعهُ خالق بل أعترض
على قدر صنعهُ مخلوق! خلقهُ بواسطة الإهمال والأنانية الحياتة قدرٌ صنعوهُ أناسٌ
أنانيون غضوا الطرف عن حقوق 15 مليون في عبور الطرقات بكرامة واحترام! أنالا أملك
القدرة على دخول حربا مع خالق لا أراه لكني أملك الشجاعة على دخول حربا مع مخلوق
أحمق أراه وأعرفهُ جيدًا! وفي ختام أسئلة المُحقِق للمُحَقَق معهُ قال
-قل كلمة تُعبر عنكَ, فوجدتني أردد في حزن
أبياتًا من الزجل :
ذوي الإعاقة جواهم نور
جواهم نار
جواهم إبداع في فنون
القرار
ذوي الإعاقة جواهم رغبة حرة
جامحة من الإصرار
ذوي الإعاقة ليسوا
أشرار
وليسوا بالضرورةِ
أخيار
هم فقط يحملون من الخالق البديع رسائل.
رسائل للبشر وأخبار ! .
***
بذلك يكون قد أنتهى التصريح الصريح من
(داخل الضريح)!
لنأتِ الى العودة الى عالم الواقع!
**
عدتُ من جديد الى عالم الوعي من دون أن أدرِ
كيف رحلتُ عنه أوكيف عدتُ إليه من جديد ؟! لا جديد, موتٌ يليهِ حياة وحياةٌ يليها
موت ! وبينهما تلاحظ تناقُضهما في تضادٍ صريح, حيث موت دون قتل وقتل دون موت وحياة
تَحيَ فيها من دون حياة, وقتلٌ يقتُلُ من دون موت ! تلك هي ألاعيب وأعاجيب اللا
حياة في صورة حياة , واللا موت في صورة موت! وفي ظل وجود عجيب كهذا, لا غرابة
أبدًا في ظهور معاقٌ ليس بعاجزٍ أوعاجزٍ ليس بمعاق! . فذلك الوجود تجدهُ مليء
بالغرابة والاستغراب والغربة من دون تفسير!
.
إن المُعاق والمُعيق يتحاربان دون هوادة طوال الوقت ,ويعيشان في مواجهة مستمرة ضد بعضهما البعض طوال الوقت فلا سلام أو تصالُح بينهما كذلك لا بقاء لطرف منهما إلا على أنقاض الآخر ! وقد يستطيع المُعيق أن يعيش من دون معاق, ذلك ان المُعيق باستطاعتهِ إعاقة سير حتى صحيح البدن من ليست به إعاقة ! فلا حاجة بالنسبة له بالضرورة لوجود معاق كي يُعيقهُ عن
مواصلة الحياة! :
