الفصل الثالث
قدر
***
كل هذه الإرهاصات تمتَمتُ بها رغمًا عني كأن
هناك قوة خفية تتوارى خلف اللا وعي تُحدثي وتتحدث إلي, وإذا بي اجدهُ يُنكزُني
بكتفي لألتفتُ مفزوعًا ! ظننتهُ في بدء الأمر شحاذا وكان ظني ظنًا منطقيًا للغاية
فكيف نظنُ فيمن نراهُ كفيفًا يرتدي ثيابًا رَثة ؟! قطعًا هو شحاذا يتجول المقابر
ليرتزق ويسأل الناس إلحافا, لكنني فوجِعت بعدما تحدث إلي بأشياء عجيبة إتجه برأسه نحوي الى أسفل حيث أمكثُ أمام
الضريح بينما هو واقفٌ, شعرتُ كأنه ينظر إلي كما لوكان مبصرا وليس بكفيف كأنهُ
يراني تمام الرؤية ! ثم قال: ماذا قالَ لك ؟ قُلتُ وأنا بالكاد أبتلع ريقي: من أنت
ومن تقصد؟:
أقصد
صديقك فاضل فضل أخبركَ بسر موتهِ أليس
كذلك؟
-جئتُ لأقرأ الفاتحة عليه ولا أعلم عن موته
أي شيء أجب على سؤالي أولاً من أنت؟
-قدَر !
-مَن ؟
-قدَر
-هل هذا أسمك ؟
-أنا قدَر
-قدَر مَن؟
-قدَر الجميع
-ماذا تعنِ بقدَر الجميع؟
-الجميع إنسان
-وهل أنت إنسان؟
-أنا
قدَر
-أنت مُخرف
-وانت أخرق نعم أخرق أبله لا تعرف حقيقة أي
شيء لأنك لم تفهم حديث صديقك فاضل!
إنما أراد فاضل أن يخبرك بأنه مات بفعل
الحسرة والحزن! ألا تفهم؟ الحزن والحسرة يكفيان لضياع الرغبة في الحياة وهو شعور
أبشع من الشعور بقرب الموت ذاته!
-أرجوك لا أستطيع تحمل أي شيء بعدما غابت
القدرة على تذوق الأطعمة والحلوى كل الأشياء أصبحت معدنية الطعم بفمي مُرة مرارة
العلقم فأرجوك أيها الشيخ أرح قلبي المعذب وذهني المشتت وأخبرني من أنت؟ وكيف لك
تقتحم أعماق حلمي أثناء غفوتي اللا إرادية وتتحدث عن ماقد دار خلال الحلم كأنك كنت
معنا ؟! هل أنت الشيطان ؟ أم مازلت أنا تحت تأثير غفوتي؟!
-أنا لستُ شيطانا بل جِئتُ لأُنقذُكَ من
الشيطان
- هل تعنِ بقولك أنه قد أصابني المس
الشيطاني؟!
- لا بل أصابكَ مس الدنيا وشيطانُها الذي زرع
بداخلك كراهة الموت وحب زيف الحياة الدنيا وزرع فيكَ الخوف من المرض ذلك الخوف
الذي جعلك تخشىَ زيارة المرضىَ, من يُراهن على الدنيا فقد راهن على الجواد الخاسر
يا ولدي ذلك الرهان الذي يُلقِ بصاحبه الى التخبط فيصبح كالذي يتخبطهُ الشيطان من
المّس! تعال معي سأصطحبك الى عالمي
(عالم الأقدار) عالم الأقدار العجيب والغامض
العالم الذي يتوارى خلف حيثيات الحياة وأحداث الدروب وهناك ستعرف الشيء الذي لا
يزول بزوال الإنسان (الحقيقة)!
أو حقيقة الحقائق الغائبة إذا جاز لنا هذا
التعبير.
-ما أغرب كلماتك وتعبيراتك سيدي الشيخ هل
توجد حقيقة للحقائق ذاتها؟!
-نعم يابُني توجد حقيقة للحقائق لأن الكمال
ليس واردًا في عالم الدنيا, فالحق الذي يبدو في ظاهرهِ مطلق واضح تجد في باطنهِ
باطلٌ أجوف أحمق,كذلك العدل تجدهُ ظاهرا في صورة إضاح كامل ومطلق لحقائق الأشياء
بينما يحملُ في باطنهِ (ظلمٌ فاجرٌ) لا يرحم ضعيف ولا يستثني أحد إلا ذوات
السلاطين والصلاجين!
-اذن أنا معك أيها الشيخ حيثما تذهب
- ستذهب معي ولكن بشرط .. ألّا تسأل عن أشياء
إن بدَت لكَ تسوءكَ ! ودع الأقدار تمشي في أعنتِها!
*****
الصدفة! .
****
أحتبست أنفاسي عند دخولي لأول مرة الى مسكن
"قدر" أو الى حيث يَسكُن كما أبلغني ولكني حاولت التماسك الزائف حتى لا
أُفوُت على نفسي فرصة معرفة (حقيقة الحقائق) ! ...
غُرفٌ مرصوصةٌ الى جانب بعضها وكل غرفة مكتوب
أعلاها كلمة خطر ببالي أنها تُعبر عن
أشياء تجري بداخلها ! وقد صدق خاطري, حين فتح الباب الموصد وحدهُ بمجرد أن وقف قدر
أمامه مباشرة, ذلك الباب المكتوب أعلاه كلمة أدهشتني وأفزعتني في الوقت ذاته
- (صناعة قدر)!
