رواية سر الطلسم ج2 (الفصل الخامس)

يا عالم يا هووووه حد يغتني

أعادت الكرة تطوف حول رأسه، تئز في أذنه اليمنى تارة، وناحية اليسرى تارة أخرى، حتى شعرت بالإجهاد فجلست جوار القطة لاهثة:

- مافيش فايدة.. عمري ما زنيت الزن دا كله جنب حد وفضل نايم.. أنا تعبت دورك بقى.

- أنتي متأكدة أنه عايش؟.. مش يمكن يكون مات.

- لأ أنفاسه لسة موجودة، وجسمه سخن.

- طيب.. هحاول تاني وأمري لله.. مصيلحي طيب وما يستحقكش يموت أبدًا.

*****

عكست أنيابه البيضاء الطويلة الحادة ضوء القمر الساطع، أغمض مصيلحي عيناه وفتحهما أكثر من مرة ليتأكد مما يرى.

هل هذا الرجل الذي أنقذه من براثن مصاص الدماء، هل هو حقًا يتحول أمامه لحيوان ما؟.. ما تزال أنيابه تستطيل، وشفتاه تنتفخان والشعر يغزو وجهه وجسده، حتى أن يداه ازداد حجمهما وبرزت مخالب طويلة مخيفة من كل إصبع، والآن بعد أن استطالت أذناه أيضًا لا قطع شكه باليقين، قطعًا هذا هو المذؤوب الذي تحكي عنه الأفلام الأمريكية، تراجع بظهره حتى التصق بالجدار الصخري ومد كلتا يديه بمحاولة بائسة للزود عن نفسه في حال قرر الوحش التهامه، اقترب منه يسير الهوينا على أطرافه الأربعة، وأخذ يتشممه كما يفعل الكلب، ازداد جسد مصيلحي ارتعاشًا وأغمض عيناه مرددًا الشهادة:

- أشهد ألا إله إلا الله.. وأشهد أن محمدًا رسول الله.

وانتظر ذلك الإحساس المريع بتمزق لحمه بين أنياب المفترس، وطال انتظاره، فتح أحد عينيه وأبقى الأخرى مغلقة ودهش عندما وجد المذؤوب يجلس على بعد خطوات منه، استنشق بنفس عميق وسأله بارتياب:

- أنت ما أكلتنيش ليه؟

- أنت عاوزني أكلك؟

- مش العوبارة أنا عاوز إيه؟ بس متآخذنيش يعني.. شكلك زي اللي كت ناويها، بس رجعت في كلامك.. أجدر أعرف السبب.

- أنت بترغي كتير قوي على فكرة.. أنت مش خايف؟

- والله يا عم المذؤوب.. لو كت مكاني شوفت جن أحمر وأخضر وأشباح وبلا أزرج  وإشي زومبي وفضلة خيرك مصاص دماء.. لا وإيه تختم بمذؤوب.. وتجولي أخاف.. ياخي هع.. وكمان هع.

- دا انت يظهر متوصي عليك قوي.

حدجه مصيلحي بنظرة طويلة ثم فتل شواربه بتفكير عميق:

- تصدج زي ما يكون اكدة.. هي وصية.. ووصاية صوح.. زنجط ابن ال....

- هو أنت تعرف زنقط منين؟

- لهو أنت كمان بتعرفه؟.. يا صلاة الزين يا صلاة الزين دا الحباب كلاتهم طلعوا عيلة واحدة.

- طبعًا لازم أعرفه...ما هو سبب اللعنة اللي أنا فيها.

- سببها كيف يعني؟

- أنت فاكرني مولود كدة؟.. كلي فرو وأنياب؟.. لا دنا كنت جني محدش في دنيتك ودي فوق الأرض ولا تحتها قدي.

- شوف ازاي؟!.. على أساس يعني أنك دلوك ملك الزمان.

- ماهو دا بسبب زنقط.

فرك مصيلحي كفيه في بعضهما وقال بعد أن تلفت حوله بارتياب:

- إلا جولي.. الجو لا هو صيف ولا هو شتا؟

- بس هو دا اللي أخدت بالك منه؟ .. ما أخدتش بالك إنك مش جعان ولا عطشان؟

وضع مصيلحي يده على بطنه وكأنه تذكر فجأة:

- إيوة صوح.. أنا مكلتش من يجي.. ياما جوي.. والأكادة مش جيعان.. ولا عطشان.. ودا ليه لامؤاخذة يا عم المذؤوب؟

- علشان إحنا في نهاية المطاف.

- إيوة أنا سمعت الاسم دا من جبل سابج.. بس معناتو ايه؟

- معناه يا مصيلحي إن البني آدم اللي زيك مالوش مكان هنا.. كل اللي عايشين هنا ترتيبهم في السلسلة الغذائية متوازن.

- معناتو إيه لامؤاخذة؟

- في العالم بتاعك السلسلة الغذائية على شكل هرم .. هنا على شكل خط مستقيم.. مش فاهم بردو؟

هز مصيلحي رأسه دليل على عدم الفهم فأردف المذؤوب:

- يعني كل اللي هنا مفترسات مافيش حد ضعيف، اللي يقدر على حد بيفترسه.. في العالم بتاعك أنت في قمة الهرم الغذائي.. أما هنا أنت في آخره.

- يا سنة سوخة يا مصيلحي.. كانت أمك داعية عليك وكاشفة راسها في ساعة غبرة.

- مش وقت نواح.. لازم تفكر ترجع إزاي؟

- أنت عارف صوح؟

- مينفعش أقولك.. علشان تخرج من هنا لازم تخرج نفسك بنفسك.

- طب غششني ومش هجول لحد.

- مينفعش يا صاحبي.

- طب استنى عندك.. مش أنت بتجول أن كل اللي في المكان دا ممكن ياكلوني؟

- أيوة.

- طب ياكلوني إزاي يا ناصح وأنا أصلًا مش موجود؟، أنا نايم في بيتنا وفيه جني ابن....طابج على مراوحي وماعايزنيش أجوم.

- أيوة عارفه...الجاثوم.

- أيوة.. هو ابن ال... ده.. يعني جتتي مش موجودة هنا.. هياكلوني كيف؟

- أنت لو مت هنا يا مصيلحي، جسمك هيموت هناك.

- يا سنة سوخة ومجندلة.. كان يوم أسود يوم ما اتدليت من بلدنا وشوفتك يا عم درديري.

- إيه رأيك أحكي لك حكايتي؟، يمكن تساعدك تعرف طريق الخروج من الجاثوم دا وتنسى عمك درديري.

- احكي يا عم لما نشوف أخرة البلوة المسيحة اللي أنا فيها دي إيه؟

- أنا قلت لك أني كنت جن و....

- إيوة ومجطع السمكة وديلها تحت الأرض وفي السحاب.. انخع يا عم هو حد سامعنا.

- أنت أخدت عليا قوي، لو كنت قابلتني في عزي مكنتش عرفت حتى تقابل الخدام بتاعي.

- ليه حضرتك كت إيه.. ملك الجن السفلي؟

- كنت المرشح الوحيد لعرش المملكة.

- إيه سجطوك في الانتخابات؟؟

- هو أنت فاكرنا زيكم.. انتخابات وأصوات، لا.. العرش عندنا بناخده بقوتنا.. الجن الأقوى والأدهى.. وطبعًا من السلالة الملكية.. مش أي حد يوصل للعرش إلا لو كان من العيلة المالكة.

- ولما أنت من العيلة دي إيه اللي حوصل؟

- مكيدة دبرها زنقط.. وساعدته الجنية الملعونة مسجورة.

- هي مسجورة كمان في اللعبة؟

- هو أنت تعرفها؟

- عز المعرفة...كمل حديتك.

- بعد ما أحكم مكيدته اللي تثبت أن دمي ملوث..

- يعني إيه ملوث؟ أنت نجلولك دم في مشتشفى حكومي؟

- حكومي إيه بس يا مصيلحي ما تصحصح؟!.. إحنا معندناش حكومة.. إحنا عندنا تفرّد بالسلطة.. الملك ديكتاتور.. الكلمة كلمته والحكم محدش يراجعه فيه.

- زي عندينا برديكي.

- أمال الحكومة بتعمل ايه؟

- يا عم ما تدجش.. كمل كمل.. وبعدين؟

- زنقط طلع إشاعة إن دمي ملوث.. يعني فيه دم إنسي، جدة جدة جدة جدتي إتجوزت إنسي.

- جدة جدة جدة جدتك...وهو إش عرفه؟

- ما هو سألها.

- سأل جدة..جدة جدة جدتك؟

- أيوة يا مصيلحي.. وهي ما اعترفتش ولا حاجة هو اللي ضحك عليها بكلمتين، وطمّعها أنه هيتجوزها.. لأنها قال إيه.. هيتجوزها لو طلع على العرش.

- هيتجوز جدة جدة جدة جدتك؟

- هو أنت بتكررها كتير ليه؟

- لا ولا حاجة...كمل.

- طبعًا القبيلة كلها هاجت ووقفوا ضد تمكيني من العرش.. طردوني والملعون زنقط حكم عليّ بالنفي لنهاية المطاف وإني اتسجن في جسد مذؤوب كل ما القمر يكون بدر، وباقي الشهر في جسد إنسي.

- لا حول ولا قوة إلا بالله.. اللي يشوف بلاوي الناس .. لامؤاخذة.. بلاوي الجن.. تهون عليه مصيبته.

- بس أنا مش هسكت.. هدبر خطة محكمة استرجع بها عرشي.. مية ولا ميتين سنة وبعدين أرجع له.

- مية ولا ميتين.. أنت بالك طويل جوي.. أنا معنديش مية ولا ميتين ساعة حتى أضيعهم في نهاية المطاف دي.. إيه ده؟

- إيه في إيه؟

- لا والأكادة شكلك مذؤوب.. يعني لا شامم ريحة ولا حاسس بحركة.

تطرقت أذناه لأعلى وقد بدأ حدسه يتحرك.. قفز من مكانه واقفًا على براثنه وأطلق عواءًا طويلًا اهتز له جسد مصيلحي فوقف يرتعش:

- هو إيه اللي بيحوصل؟

حدجه المذؤوب بنظرة غاضبة:

- أنت السبب.

- أنت السبب في إيه؟

- أنت ريحتك جابتهم لعندي.

تشمم مصيلحي نفسه:

- مالها ريحتي.. دنا مستحمي أولة البارح.

- إمشي من هنا.. حاول تستخبى في أي حتة.. لو اتمسكت مش هقدر أساعدك.

- تساعدني ليه؟.. هم مين دول اللي جايين؟

- أنت لسة واقف.. إنفد بجلدك يا إنسي.

ازداد رعب مصيلحي عندما بدأت الأرض تهتز من تحت قدميه.. واشتد وجيب قلبه عندما بدأ يلمح تلك الجموع التي تركض بأقصى سرعة نحو هدف واحد.. نحوه.