" " " " " " " " رواية عالم الأقدار الفصل الخامس
📁 آحدث المقالات

رواية عالم الأقدار الفصل الخامس

 

 

الفصل الخامس

 (اليوم الأسود)..

***

-ذات اليوم الأسود كنتُ ذاهبا الى عملي بقصر الثقافة كعادة كل يوم صدمَتني سيارة أجرة فقدتُ على أثر الإصطدام وعيي ,لكنني علمتُ بعد ذلك أن الإصطدام لم يسبب لي الشلل الرباعي الذي أعانيه وإنما طريقة حَملي وأنا مطروحاً على الطريق كانت طريقة غير علمية وغير سليمة من قِبل أفراد الشارع وأفراد رجالُ الإسعاف الذيين لم يكونوا مدربين على التعامل مع حوادث السَير بالشكل السليم طريقتهم العبثية المتسرعة هذه, هي ماسببت لي الشلل الرباعي وفي لحظة , وجدتُ نفسي محكومًا علي بالإحتياج الى معاونة الآخرين على القيام بأبسط تفاصيل الحياة ليست الحياة الخاصة بالمعنى الدقيق وإنما السير في طرقات ليست مؤهلة ولا منضبطة إضافة لغياب الإتاحات والمداخل المناسبة والمخصصة للعجزة وجالسي المقاعد المتحركة غياب الحضور لدى ذهن كل من يقوم على إنشاء بناية أو مبنى مؤسسي قام بالبناء دون التفكير في مصير عشرات ومئات من متحدى الإعاقة سوف يتفاودون على هذه المؤسسة أو داخل هذه البناية ! كالشهر العقاري والسجل المدني وأقسام الشرطة والأبراج عالية الطوابق وغيرها من البنايات كذلك الأرصفة ذات النصف متر إرتفاع دون مُنزَلَقٍ واحد (رامب) كل هذه المُعيقات أشعرتني بالإعاقة, لم أستطيع تجاوزها أو التجاوز عنها ببساطة لأنها  موجودة ! .

(واقع مُر)!

هو ذلك الواقع الذي أضحى مرارة حبّات السكر بفمك كالعلقم, وجعلها

(حبّات سكر مُر) وهو نفس الواقع المرير الذي تحياه كل يوم وكنتُ أحياه قبل موتي وعشرات الملايين من الخلق يحيون نفس هذا الواقع المرير مرارة العلقم كل يوم: أنت مخطئ ياصديقي فاضل, هاجمتُ فاضل لأنني شعرتُ بإنهزامية في حديثه, إنهزامية جعلتني أُيقن أنه مات نتيجة ضعف نفسي مثلما أخبرني طبيب النفس لأنه تأثر روحيًا بتأثر بدنه نتيجة فقدان قدرة جسدية من القدرات التي وهبها الخالق للبشر قُلت له ولم أبالِ ما إذا كان مازال حيا يُرزق أو كان ميتًا قُلت : أنا مثلك يا فاضل معاقُ مثلك وانت تعلم أنني ظليتُ حتى سن الرابعة عشر طبيعيا قبل أن أصاب بشلل الأطفال نتيجة حُمة! لكنني أستجمعتُ إرادتي ورغبتي في حب العيش لحياة كريمة حتى تجاوزتُ أزمتي بانسجامي وتعايُشي مع حياتي الجديدة حياة الإعاقة الحركية ! قُلت قولي قبل ما أفاجأ باليوم الأسود ينتزع مني بطريقة عنيفة عكازي الذي أتعكزُ عليه, ليسألني فاضل على الفور

-لقد إنتُزع منك عكازك فهل سقطتَ أرضًا ؟ قُلت  -لا بل مازلتُ أقفُ على رجلَي : هل من دون عكازك هذا تُصبح بحاجة لمن يحملُكَ ليصعد بك الدَرَج ؟ قُلت

-لا بل وألف لا

-هل من دون عكازك تجد نفسك لا تقوى على النهوض من مكانك إلا بالسحف بماتبقى منك على الأرض كالوزَغ أو الصرصور ؟! , قُلت

-أعوذ بالله من هذا الشعور المؤلم الذي قد يجعلني أكفر أو أُقدمُ على التخلص من حياتي, فوجدتهُ يجهش بالبكاء ثم يقول

-إن جليسَ المقعد المتحرك من دون مقعده يتعرض لكل ما سبق ذكره! من الظلم أن نصف من يقف  بقامته وعلى رجليه بالإعاقة بل أرىَ أن الوحيد الذي ينطبق عليه وصف وسمة الإعاقة لاسيما الحركية هو قعيد المقعد المتحرك, أما مَن دون هذه الإعاقة فهو صاحب عاهة وليس بمعاق ! .

***

 

 

 

بعد ذلك جاء الدور على النور والأمل المتمثلان في 

(اليوم الأبيض)

كي يتحدث عن تجربته هو الآخر مع (قدر) بصحبة بعضٍ ممن عاشوه ومروا به مرور الكرام إنه (اليوم الأبيض) ! .

ذلك اليوم الباعث على البهجة والتفاؤل, المُضيء بنور الأمل بيقين بعد ظُلمَة الشك في قدوم الخير بعد العناء وقدوم الفرح بعد الحزن !هو ذلك اليوم الراقص على أنغام حب الحياة بكل مابها من أوجاع ! اليوم الأبيض, حامل الدليل على وجود العدل في عز ظهور الظلم الفاحش !

ظهرَت الإبتسامة عليه بالرغم من وجود اللثام وقال بصوتٍ عذب أيضًا بعد الاستئذان: إن الذين عاشوني إستطاعوا أن يجعلوا من المحنة  (منحة)

منحة ربانية أعطاهم الخالق إياها ليجدد من أساليب التعايش لديهم, إنها أسرار ما وراء الوجود أو ماوراء (المصيبة) لا يعطيها الله إلا للأخيار الذي وقع عليهم الإختيار من قِبل عزيز جبار ! علم لُدُني إللهي يختص به من يشاء من عباده !

-تنفستُ الصعداء بعد سماعي لتلك الكلمات المبهجة من يومٌ لم أتذكر أنني عيشتهُ منذ شعوري بمرارة حبّات السكر ! وذلك قبل أن أطالبهُ بالكشف عن بعض الذين عاشوه فكشف عن أولهم, شاب جليس مقعد متحرك مثل نديمي فاضل, لكنه يحمل كُتيب لاجظتُ بطرف عيني يحمل عنوان (الأذكياء), ثم أشار اليه وقال: هذا الشاب كانت لديه أحلاما وطموحات لا حدود لها قبل ما يتقابل مع اليوم الأسود ويعانقه بشدة في صورة حادث سيارة كان يستقلها بصحبة بعض زملائه لم يصيبهم مكروه إلا هو اُصيب بشلل نصفي أفقدهث الشعور بالنصف السفلي من جسمه مما جعله غير قادر على الزواج, بالرغم من كل ذلك إستطاع بعد فترة من التأمل في حكمة الخالق أن يخرج من أزمة الصدمة وإنتزع بلوغ قمة الصبرعند الصدمة (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) فكر ودبر إلى أن وصل الى آلية جديدة للتعايش مع الواقع الجديد واقع جميل بعدما ظهر أمامه في بداية الأمر

(واقع مرير) عكف على تعلم مهارات وأشياء جديدة تناسب حركته المحدودة  في ظل حركة عقله الغير محدودة, وبمرور الوقت أصبح شاعر ومغني راب يغني من ألحانه  ويخرج طاقاته في صورة فن وإلهامات تستحق الإهتمام ! .. نموذج بالفعل يحتذى به نموذج مشرف, هذا ما تمتمتُ به لنفسي قبل أن يأتيني بالنموذج الآخر من النماذج المشرفة نماذج 

(تحدت الإعاقة), وهي فتاة  فنانة تشكيلية ورسامة ومتلازمة داون ! .. وكذلك كشف لي عن نموذج يُعد مفخرة لكل أصحاب الإعاقة الحركية الذي لم تُعيقهم إعاقتهم الحركية عن الحركة ! نعم الأمر يبدو عجيب وغريب لكنه حدث ورأيته بأم عيني, رجلٌ في الثلاثين من عمره بالتقريب مبتور النصف الأسفل رأيتهُ يتحرك يميناً ويساراً كأنه لم يكن به شيء على الإطلاق يتحرك بشكل طبيعي ! كما وجدتُ شاباً يلعب ويداعب كرة القدم ( من دون قدم يسرى ) كيف يحدث ذلك ؟! إستطاع ممارسة لعب كرة القدم من دون قدم ؟! لقد مارسها بالعقل ! هل نحن في عصر جديد من عصور المعجزات ؟! كذلك كشف لي عن أصم يسمع عن طريق قراءة للغة الشفايف ! وكفيف يتحرك كالمبصر سواء بسواء وأيضا مبتور الزراعين الذي يأكل ويكتب ويفعل كل الأشياء بواسطة رجليه وأصابع رجليه ! كما رأيتُ فيهم الطبيب .. والمطرب .. والملحن .. والروائي .. والشاعر .. والرسام والنحات والسباح والرياضي بشكل عام .. ومصمم الأزياء .. والعازف .. أعاجيب تُذهِل العقول وتُغشي الأبصار!.


***


تعليقات