وعاد من جديد
أغلق الهاتف مع والده بعدما تلقي منه المزيد من التوبيخ بسبب علاقته مع المدعوة زوجته ،لم يكن والده محقاً في أمر وأحد وهو أنه قد نسي أمر زواجه ،هناك الآن ذكري في مخيلته ذكرى بعيدة تحاول أن تطفو على سطح عقله
ذكرى فتاة نحيلة الجسد وملامح أنوثة منعدمة مع عينان بلون البحر الهادر الذي يهلك من يرغب الغوص في أعماقه
تذكرها وهي تهوي بين ذراعيه بعدما أنتهي من حديثه إليها
لقد أحس حينها بالشفقة عليها وما وصلت إليه،لابد وأن الأزمة التي مرت بها أثرت على حالتها النفسية فجعلتها تفقد قواها
حاول إفاقتها حينها فضرب وجهها ضربا خفيفا بيديه ولكن لم تستجيب فلم يجد بدا من أن يهتف باسم والدها ليساعده في جعلها تفيق
- يا سيادة اللواء ،يا سيادة اللواء عبد الله
بعدما وصل إليه صوت إلياس وهو يهتف بصوت عالٍ أسرع عبدالله ليري ما الأمر
فوجئ عند وصوله إليه بوجود ابنته وسام وهي مغشيا عليها بين ذراعي إلياس ،أسرع من خطواته ووصل إليها وأخذها بين ذراعيه ثم وضعها على الأريكة وحاول إفاقتها
أمر إلياس بالنداء علي زوجته سهام لكي تأتي له بقنينة عطر لكي ينثر القليل منها في وجهها لعلها تفيق
بعد دقيقتين جاءت زوجته إليه حاملة العطر بيديها فأخذه منها بلهفة وقام بنثره علي الفور
إستجابة خافتة صدرت من فاه وسام ثم تلاها نطقها بكلمات غير مفهومة
أقترحت والدتها عليهم الأتصال بالطبيب الخاص بالعائلة لمعاينتها ومعرفة ما الذي حدث لها
أراد عبدالله حمل وسام إلي غرفتها بالأعلي ووضعها على الفراش حتى تحصل علي بعض الراحة فأقترح إلياس قيامه هو بذلك وأخذها بين ذراعيه حاملا إياها لغرفتها
وصل غرفتها الخاصة ووضعها على الفراش ثم قام بتغطيتها بغطاء الفراش الموضوع عليه
نظر إليها بشفقة ،وجهها يبدو شاحبا للغاية وكذلك جسدها يبدو
أنحف من السابق لابد وأنها خسرت بعض الوزن في الأيام السابقة تبدو ضئيلة جدا وكأنها فتاة في العاشرة من عمرها
نظر حوله يتأمل الغرفة خاصتها،هذه الغرفة تبدو وأنها خاصة بفتي وليس بفتاة بكل تلك الملصقات التي تنتشر على جدرانها نظر إلى يمينه فوجد صور لأشهر لاعبي البلاد من السبعينات وحتي الآن وإلي شماله صور لأشهر لاعبي كرة القدم في العالم
فهناك صورة لميسي و أخرى لرونالدو وصورة تجمع لاعبي الفريق الوطني للبلاد
تلك الفتاة باتت لغزا يحيره هل هي صادقة حقا وأن هناك سببا جعلها تفعل فعلتها تلك أم أن كل ذلك مجرد قناع زائف
ساعة من الزمن قد مرت بعدها وصل الطبيب صديق العائلة
وقام بفحصها واخبرهم أن لديها ضغطاً منخفض وتعاني من بعض الإرهاق وعليها إتباع تغذية سليمة ووصف لها بعض المكملات الغذائية التي سوف تساعدها على الشفاء
رحل الطبيب بعد ذلك وصاحبه اللواء عبد الله ليقوم بإيصاله لخارج المنزل بينما أنتظر هو عودته ليستئذنه في الرحيل
جلس بجوارها على الفراش فأحس بها تتململ وكأنها بدأت تستعيد وعيها ثم فتحت عيناها ببطء ونظرت إليه بضعف
بعض الدمعات كانت معلقة بين أهدابها عندما نطقت بأسمه
- إلياس،هو اللي حصل وأيه اللي جابني هنا في أوضتي !
- أنا كنت بتكلم معاكي في موضوع جوازنا وفجأة لقيتك دوختي وكنت هتقعي على الأرض لولا إني لحقتك
- متشكرة أنك ساعدتني
- ملوش لازمه الشكر دا واجب ولا انتي ناسية أني أنا جوزك دلوقت
- لا مش ناسية إني مراتك ولا الكلام اللي قولته ليا
- وسام أنا،،،،،،
لم يستطع إلياس إكمال حديثه حيث دلف والدا وسام للغرفة وكانت والدتها تحمل بعض الطعام لها وقامت بوضعه علي الكومود بجوار الفراش ثم طلبت منها تناوله ،تمنعت وسام في بداية الأمر ولكن بعد إصرار والدتها رضخت وتناولت بعض اللقيمات وملعقتين من الحساء
رأي أن الأمر فرصة له ليرحل ،فقد أطمئن عليها وهناك أمور عالقة عليه أن يحلها مع والده إذا أراد أن يتم له أمر السفر للإحتراف بالخارج
- أنا بستأذنك يا سيادة اللواء إني أمشي والحمد لله أطمنا علي صحة وسام وبقيت تمام
- معقول يا إلياس عايز تمشي من غير ما تتعشي معانا !
- معلش يا سيادة اللواء في أمور ومشاوير مهمة لازم أخلصها عشان موضوع السفر
,- طيب يا إلياس يا ابني ربنا معاك
ذهب إلي جوار فراشها ليقوم بتوديعها قبل ذهابه ،ربما لن يراها مرة أخرى
- مع السلامة يا وسام ،خدي بالك من نفسك ومن صحتك
- مع السلامة يا إلياس ،وانت كمان خد بالك من نفسك
هم بالرحيل وأتجه بخطواته لخارج الغرفة ثم نظر إليها نظرة أخيرة ورحل
كان هذا آخر لقاء بينهما منذ خمس سنوات لم يعد إلياس إلي الوطن ،كان والده يأتي لزيارته من وقت لآخر ولكن هو كان يستغل تلك الأجازات التي يأخذها بالقيام بجولات في القارة الأوروبية وزار معظم المدن الشهيرة ،زار روما وبرلين وزار ڤينا في النمسا
والآن وعقد عمله مع النادي علي وشك الأنتهاء لقد مضى معهم في بداية الأمر لمدة عامان ثم تم تجديد العقد لمدة ثلاثة أعوام
خمس سنوات هم رحلته مع ذلك النادي وقد حان الوقت الإنتقال إلي ناد آخر في مستوي أعلي ،هناك بعض العروض المقدمة من بعض الأندية الأوروبية ولكنه ينتظر ناد معين يحلم بأن ينضم إليه وهو كالحلم بالنسبة له
فترة الراحة تلك سيقوم بجولة سياحية أخري في إيطاليا قبل أن يرحل منها سوف يزور روما مرة أخرى
أسبوعا قد مر منذ محادثته مع والده ومنذ بدء رحلته تلك والآن هو في روما يستمتع بجمالها و آثارها الشهيرة
كان عائدا في المساء للفندق الذي يقيم به عندما سمع أحدهم يهتف بإسمه بلغة عربية لقد أعتاد ذلك في تنقلاته ولكن هذا الصوت ليس بغريب عليه ،هذا صوت يعلمه تماما ،توقف في مكانه منتظراً حتي تتضح ملامح الشخص الذي يهتف بإسمه
مفاجأة سارة هذا ما كان عليه الأمر بالنسبة إلى إلياس عندما نظر إلى الرجل الذي لم يجده سوا صديقه القديم ياسين أبو العز
عانق الصديقان بعضهما البعض علي الفور فرحين بتلك الصدفة التي جمعتهما سويا
ذهبا بعدها لتناول القهوة في مطعم الفندق الشهير وبدأ في تذكر الأيام التي قضوها سويا
سرد ياسين على إلياس ما مر به آخر خمس سنوات من صراعه مع زوجة أبيه ومقابلته لمريم زوجته ورحيله لإيطاليا وعودته مرة أخرى
- شوف غريبة يا أخي أبقي في إيطاليا تلت سنين ومنقابلش بعض ولا مرة
- ما أنت عارف يا ياسين إني مليش في اللف والدوران وهنا وهناك والكلام ده ،انا راجل دوغري وبحب شغلي ومخلص ليه
- يعني أنا إللي ليا ،ما أنت عارف صاحبك ملوش غير في السليم
- أحسن برضه ،خليك عدل يحتار عدوك فيك
ضحك ياسين بصوت عالٍ على حديث إلياس له ورد عليه القول
- عندك حق والله،علي فكرة أنا قابلت مراتك وسام
تعجب إلياس من ذكر صديقه ياسين لزوجته وسام وسأله
- وسام ،قابلتها فين !
- كان في مشروع بين شركتي وشركة عيلة النويري وهي اللي كانت ماسكة المفاوضات اللي تخص شركة عيلتها ،علي فكرة باين عليها شاطرة جدا في شغلها وأتوقع أنها هتبقي سيدة أعمال ناجحة
ما باله ياسين وعن ماذا يتحدث ،هل يتحدث عن وسام وعن مجال الأعمال ،ما يعلمه أنها تهوي الرياضة ولا شئ غيرها إذا ما الذي جعلها تتجه إلي العمل في شركة العائلة
لم يرد أن يظهر أمام ياسين بمظهر الغافل عن ما تفعله زوجته وعن أخبارها فتسأل بمرح
- دا بجد ولا بتجاملها عشان أنا جوزها !
- دا مش كلامي أنا وحدي ،معظم اللي بيتعاملوا معاها بيقولوا كده ،حتي مريم مراتي عمال تشكر في جمالها ورقتها لما قابلتها في حفلة يوم جوازنا من أسبوع
ما أنا نسيت اقولك أننا هنا أنا ومريم بنعيد شهر العسل من جديد
- كل سنة وأنت طيب ،معلش ما كنتش أعرف كنت جبت هدية بالمناسبة دي
- ولا يهمك يا كابتن ،عقبالك لما نفرح بيك
أبتسم له إلياس وأجابه أنه قريبا سيتم الأمر ثم بدأ في حديث آخر
بعد عودته إلى غرفته أخذ يفكر في حديث ياسين معه عن وسام وعن عملها بالشركة وتذكر حديث والده أيضا عنها لابد وأن ينهي الأمر والذي بدأه من سنوات
بطائرة اليوم التالي عاد إلي الوطن بعدما حجز مساء الأمس في رحلة الثانية ظهراً بتوقيت البلاد
لم يخبر والده أو حتي صديقه شريف عن عودته وأرادها أن تكون مفاجأة لهم
وصل إلي منزله ودق جرس الباب ففتح الخادم له ورحب به وبعودته ،تسأل إلياس عن وجود والده بالمنزل فاخبره أنه علي وشك الوصول فطلب منه إعداد فنجان من القهوة له حتي يصل والده
أتجه الخادم إلي المطبخ لعمل القهوة بينما توجه إلياس إلي غرفته ليأخذ حماما منعشا
جرس المنزل أعلن عن وصول زائر آخر فتح له الخادم فوجد أنها الآنسة وسام فقام بإدخالها
أنتظرت وسام والد زوجها في غرفة المعيشة وأخذت تتجول بها
نظرت إلي الصور الخاصة بإلياس أحدها مع والده وأخري مع زملائه في الفريق وثالثة له بمفرده وهو مبتسما حامل كأس أفضل لاعب في البلاد
أمسكت الصورة بيديها وأخذت تتلمسها وكأنها تلمسه هو في الواقع ،كانت تتخيل ملامح إلياس وكيف أصبح كل الصور التي تنشر له تظهر التغيرات التي طرأت عليه وعلي معالم جسده تري ما هو مظهره في الحقيقة،أغمضت عيناها لدقيقة وبدأت تفكر
فوجئ بوجود فتاة في غرفة المعيشة بشقة والده والغريب في الأمر أن تلك الفتاة تمسك بأحدي الصور الخاصة به وتتأمل به ثم تغمض عينيها
فتاة ذات جسد متناسق ترتدي فستان أزرق موشي بالأزهار مع حجاب يتلائم معه
أقترب خطوات من الفتاة وبدأ في التحدث إليها متسأل
- أنتي مين !
- يا إلهي أجنت ،تمسك بصورته ووتخيله يتحدث إليها أيضاً
ما بها لابد وأنها متعبة ليحدث لها ذلك
فتحت عيناها وأرادت أن تضع الصورة في موضعها إلا أن الصوت عاد مرة أخرى مستفهما عن هويتها
- بقولك أنتي مين ،وجاية هنا ليه
ألتفتت إليه ببطء لتتأكد أنه هنا حقيقة وليس مجرد وهم في خيالها فهمست بإسمه
- إلياس ،،،،
فوجئ بكونها هي وسام زوجته نظر إليها متفحصا إياها ووجد أنها قد تغيرت حقا لم تعد تلك الفتاة النحيلة بل أصبحت إمرأة شديدة الجمال وعيناها زادوا جمالا أيضا أصبحت فتنة للعين وساحرة للنفس وللعجب هو زوجها ولا يعلم عنها شيئاً
بخطوات متمهلة أقترب منها ثم أمسك بخصرها بيده وقربها من جسده ووضع يده الأخرى خلف رأسها ونزل بشفتيه علي شفتيها متذوقا شهد شفتيها المغريتان ،لقد أراد فعل ذلك منذ سنوات ولكن الظروف لم تسمح له بذلك ولكن الآن وهي بين يديه هناك شيء حثه علي فعلها علي السير نحوها وأخذها بين ذراعيه
حالة من التيه وصلت لها ودوامة من الأحاسيس دارت بها
ماذا يحدث لها وماذا يفعل بها وما تلك المشاعر التي تسقط فيها
لابد لها من المقاومة ،يجب أن تبتعد عنه وتدفعه بعيدا عنها لايحق له ذلك لا يحق له هجرها ثم يأتي فجأة ويفعل ذلك بها
ما به الآن لا يستطيع أن يتوقف ولا حتى التحكم في نفسه
لماذا كلما يريد التوقف يتوق إلى المزيد وكأنها سحر خفي ألقي عليه ،حتي عندما أحس ببدء مقاومتها ضغط علي خصرها بشدة حتي تكف عن المقاومة وتسلم له
بعد الهمهمات بجانبه جعلته يتوقف عما يفعله ،أبتعد عنها بتمهل ليري من صاحب تلك الهمهمات ليجد أن والده ينظر إليه متعجباً
أحست وسام بالحرج من والد زوجها للوضع الذي وجدها عليه هي وإلياس
أسندت رأسها على كتفه لتستعيد أنفاسها اللاهثة بسبب قبلته
بعدها أبتعدت عنه ثم بدأت تبحث عن حقيبتها وعندما وجدتها أتجهت إلي باب المنزل ورحلت
رحلت مع هتاف إلياس بإسمها لإيقافها ولكنها لم تنظر للخلف واكملت طريقها حتي وصلت لسيارتها ودلفت إليها وأسندت رأسها علي المقود وبدأت في البكاء
أتجه نحو أبيه وقام بعناقه ،بادله أبيه العناق وربت علي ظهره ثم نظر إليه متسأل
- مقلتش يعني أنك جاي
- أبدا ،أصل الموضوع جه فجأة
- طب وبالنسبة للحصل ،جه فجأة برضه
- هتصدقني لو قلتلك أه
- إلياس ،بتفكر في أيه بالظبط !
- كل خير إن شاء الله
- عايز تفهمني إن كلامي جاب معاك نتيجة وإن طلب وسام بتنفيذك لوعدك خلاك تفكر في موضوع جوازك
- تمام هو ده اللي حصل
- أنا مش عارف دماغك فيها أيه بس اللي انا عارفه أنك عمرك ما بتسيب حقك ابدا ،وأنا بحذرك أوعي تحاول تأذي وسام أو تجرحها ،البنت غلبانة ومش حمل أذية
- أنا جاي أخد حقي ،وأظن إن مراتي تبقي حقي
- حق أيه اللي بتتكلم عليه ،خمس سنين وأنت مسافر ولا فكرت مرة تيجي تشوفها وكنت بتفهمني أنك بتكلمها في التليفون وبتتواصل معاها وفي الآخر أعرف أنك بتكدب عليا والبنت يا عيني لا أشتكت ولا أتكلمت حتي !
- عندك حق يا بابا وعشان كدا أنا ناوي أصلح اللي حصل
- أفهم من كدا إنك ،،
- أيوة ؛ناوي أتمم جوازي أنا ووسام
- متأكد أنك عايز كدا
أكيد ،وعشان كدا إحنا هنروح بالليل لبيت اللواء عبدالله ونتكلم في الموضوع.
نهاية الفصل.
