فرصة العمر
لعنت نفسها ألف مرة وذرفت الدموع لآخر قطرة ،نادمة على ما فعلت
وما جلبت لعائلتها من مصائب ،يكفي سمعتها التي تدمرت بعد الأخبار التي نشرت عنها وعن إلياس ماذا ستفعل بعد اليوم ،كيف ستخرج من منزلها وتداوم في مدرستها ،لابد وأن الخبر وصل إلى زميلاتها وما بين شامت ومتعاطف ستكون هي ،هذا بفرضية أنها ستسطيع مواجهتهم،حتي مروة ابنة خالتها وأعز صديقاتها
أخذت تؤنب فيها علي ما فعلت وهي محقة بالتأكيد ،الآن هي لا تريد سوي شئ واحد وهو العودة للوراء
قبل أن تلتقي بإلياس وقبل أن تتعلم الكرة وتتعلق بها من الأساس ،الآن قد كرهتها وكرهت نفسها وكل شيء فى الحياة تتمني الموت مائة مرة ،لعلها تحصل علي الراحة
لن تقدر على النظر في عيني أبيها بعد ذلك ،ستشعر بأنها مذنبة في حقه يكفيها نظرة الخيبة التي رأتهم في عينيه يوم الحفل
طرقات علي باب غرفتها جعلتها تفيق من شرودها ، أمرت الطارق بالدخول
وجدت الخادمة تخبرها بضرورة نزولها الأسفل حيث يريد والداها الحديث معها ،وان هناك بعد الضيوف في المنزل يجلسون معهم
تسألت في نفسها عن هوية هؤلاء الضيوف ولكنها لم تكترث بعد ذلك،دخلت إلي المرحاض وخرجت بعد أن أنعشت نفسها بغسل وجهها ويديها بماء بارد ثم هبطت إلي أسفل
لم يكن في تفكيرها أن الضيوف لن يكونا إلا إلياس ووالده محمود الجابري
سألت نفسها تري ماذا يفعل إلياس هنا ،لابد وأنهم قد أتوا لمناقشة أمر الفيديو المسرب لهما
بالتأكيد سيلقي اللوم عليها اللوم فيما حصل ومعه الحق في لومها الجميع لديه الحق ما عدا هي
ألقت التحية علي الجميع ثم جلست جوار والدتها والتي نظرت إليها في شفقة تعلم أن ابنتها متهورة ولكن ما هو قادم أكثر مما هو محتمل ولا تعلم ماذا ستكون ردة فعلها
هتف أبيها بإسمها فأجابت على الفور
- نعم يا بابا
- دلوقتي عمك محمود جاي يقول أنه لقي حل يخلينا نخلص من موضوع الصحفي. الأخبار اللي نشرها
- أشرق وجهها بعض الشيء ولكنها لم تتحدث بكلمة واحدة
- المحامي اللي شغال معاه أقترح عليه إن الحل هو الجواز
- لم تدرك وسام مقصد والدها من ذلك الحديث ،فسألها أن تجيب
- ايه رأيك يا وسام
- حضرتك بتسألني أنا ليه !
- الظاهر مفهمتش كلامي كويس ،المحامي قال عشان الموضوع يخلص لازم أنتي و إلياس تجوزوا ويبان إن الموضوع خلاف عائلي مش أكتر بينك وبينه وأنه مكتوب كتابكم وبكدا نقدر نرفع قضية تشهير ضد الصحفي ده فهمتي ولا لسه
نظرت إلى أبيها بهلع تريد أن تلمح في وجهه عن شيء من الشفقة ولكنها لم تجد منه سوى الصد بينما زيد نظر لها في لوم وكأنه يقول لها أنت من فعلت ذلك بذاتك
كان يشاهد ما يحدث في تلك الجلسة وكأنه يشاهد فيلم عربي قديم بالأبيض والأسود حيث يضطر البطل الزواج من البطلة حتى يحميها ويتستر عليها كما يقولون ،هذه مهزلة بالتأكيد حياته أصبحت مهزلة بسبب فتاة ضئيلة الحجم تصل بالكاد إلي كتفيه ،فتاة بعينين بلون البحر الهائج تحتاج إلى بحار متمرس ليغوص بهما ويجد النهاية ولكن هل هناك نهاية
أستفاق لنفسه ونظر إليها بتهكم هل وصل به الأمر إلى أن يفكر فيها وفي عينيها ،أبدات تتسرب إليه رويداً رويداً ولكن لا لن يسمح لها أن تنتصر عليه ،سينتقم منها بالتأكيد سيجعلها تدفع ثمن كل ما أحدثته في حياته من فوضي
أنصت إليها وهي تجيب أبيها بنبرة يغلب عليها البكاء
- حضرتك عارف إني لسه صغيره،بس اللي حضرتك عارفه صح أعمله
- طيب تمام ،محمود يا أخويا أنتوا جيتوا طلبتوا أيد بنتي وسام وانا وافقت وهي كمان وافقت
- الحمدلله ،المشكلة كدا هتتحل ومتخفش يا سيادة اللواء بنتك هتبقي في عنيا ،إحنا هنكتب الكتاب الأول ونستني لما عروستنا تخلص إمتحانتها وبعدين نحدد ميعاد الفرح ،ايه رأيك كتب الكتاب يكون بكرة عشان ننزل ليهم الصور
- عندك حق المفروض نسرع الموضوع عشان ننزل الصور وتبان أنها بتاريخ قديم وكمان القسيمة لازم تبقى تاريخها يبقى قبل شهرين وزيادة عشان محدش يتكلم في حاجة
- طب ما إحنا فيها ،الموضوع هيكون بينا وبس يعني خير البر عاجله
- قصدك يا محمود إن الموضوع يتم النهارده
- أيوة قصدي كدا ،إحنا نكلم المأذون يجي دلوقت وإلياس يكلم شريف صاحبه يجي يشهد على العقد
- بس يا محمود
- لا بس ولا حاجة ،الموضوع كل ما خلص بدري كل ما كان أحسن لينا ،ولا إيه يا زيد يا ابني
- عمي محمود عنده حق يا بابا ،وموضوع التحاليل سيبه عليا أنا هعرف أخلصه عندي معارف في الصحة يقدروا يسهلوا الموضوع علينا
- أهو الأمور كلها سهلة يبقى نتوكل على الله ونكلم المأذون
- الأمر لله ،كلمه يا محمود
وإنتي يا سهام خدي بنتك وخليها تعدل نفسها ،وتلبس حاجة تليق بالفرح
- حاضر ،يالا يا وسام معايا
نهضت وسارت مع والدتها بخطوات ثقيلة وكأنها تساق إلي حتفها
لم تعلم متي وصلت إلى غرفتها ومتي أخرجت لها والدتها ذلك الفستان باللون الاحمر والذي يصل إلى الكاحل وكيف اجلستها علي مقعد الزينة ،وزينت لها وجهها بالكحل وملمع الشفاه الأحمر
أصبحت كالعروس بهيئتها تلك ،عروس إلياس الجابري الذي تتمني كل فتاة أن تكون في مكانها ولكن هي لا تريد
هي تريد أن تهرب من ذلك الموقف، تعلم أنه يريد الأنتقام منها علي ما أوقعته فيه من مصائب ولكن عذرها أنها لم تكن تعلم أن كل هذا سوف يحدث
حسنا لقد وافقت على الأمر وأعطته بيدها السوط الذي سوف يجلدها به ،سيجعلها تدفع الثمن ولن تستطيع الشكوي لأحد
عليه الآن أن يهاتف شريف ويطلب منه المجئ على الفور ،لن يخبره على الهاتف ولكن سينتظر حتى يأتي ويشرح له كل شيء
- أيوة يا شريف ،أنت فين دلوقت
- طيب أنا عايزك تجيلي على العنوان اللي هقولك عليه
- مش دلوقت ،لما تيجي هفهمك كل حاجة المهم عايزك تيجي بسرعة العنوان هو ،،،،
- تمام مستنيك
أغلق الهاتف مع صديقه ثم ألتفت عائدا إلى مكان مجلسه إلي أن عيناه تابعت شئ آخر
لقد تابعت ساحرة صغيرة تستطيع أن تسلب العقول بجمالها وفتنتها ،تلك العينين تستطيع أن تسلب الفارس درعه وسيفه الذي يقاتل به ،وشفتان تجعل الصياد يعتزل الصيد ويكتفي بهما غنيمة طوال العمر
حقا ساحرة صغيرة ،لو لم يكن ما بينهما من خلاف وكره لكان جذب إليها وحاول إستمالتها
تابعها حتي جلست بخضوع وأطلت برأسها إلي الأسفل ،في ماذا تفكر يا تري ،هل تعلم بنيته إتجاهها ولذلك تخشى الأمر ويظهر علي هيئتها الخوف
وصل محامي عائلة الجابري وناقش كيف ستسير الأمور ومتي سيقوم بإقامة دعوي التشهير ضد الصحفي
بعده بدقائق وصل المأذون الشرعي والذي حرص محمود الجابري وعبدالله النويري بشرح ضرورة إتمام العقد اليوم وبعد ذلك سوف يقومون بإستكمال باقي الإجراءات الخاصة بعقد القران
حينما وصل شرف إلي منزل النويري أراد أن يعلم من إلياس مايحدث لكن إلياس أخبره بعدم وجود وقت للشرح وعليه فقط أن يمضي علي عقد الزواج الخاص بإلياس
لم يستطع أن ينبت بكلمة عندما سمع كلمة الزواج حيث تمكنت الصدمة منه لولا أن إلياس أخذ بيده وأجلسه لكان تجمد في مكانه كتمثال رخامي
بين دموع ووعيد تم عقد القران وكتبت علي أسمه ،اصبحت زوجة له من فتاة مشاغبة تهوي الكرة وتريد إحترافها إلي زوجة لأشهر لاعب في البلاد
وقع إلياس علي عقد الزواج ثم تلته وسام التي وقعت أسمها ثم بصمت إبهامها
أقترح زيد أن يبدأ العروسان في إلتقاط الصور بعد أن تكفل بإحضار أحد أصدقائه والذي يعمل كمصور محترف في جريدة شهيرة وقد شرح له أنه يريد أن تتسرب جميع الصور إلي الصحف والمجلات وتنشر علي انها ألتقطت منذ فترة
نصحتها والدتها بمحاولة التبسم في تلك الصور حتي لا يلاحظ أحد وجود شئ خاطئ
أمرهم المصور بإتخاذ وضعيات مختلفة حيث طلب من وسام أن تقف بين يدي إلياس وهو يحيط بها بذراعيه في وضع أحتضان
أحس بها ترتجف وهي بين يديه ،وكأنها تخاف أن يعيد الأمر ويتهجم عليها
أراد أن يسخر من كل شيء يحدث منها ومن ذاته وما وصلوا له
صورة أخرى إلتقطها المصور وكان وجهه مقابل وجهها وكأنهم ينظروا لأعين بعضهم البعض
لاحظ إحمرار عينيها لابد وأنها كانت تنتحب قبل نزولها للأسفل
ورغم ذلك فإن البكاء لم ينقص من جمال عينيها شئ
وصورة أخرى لهم وهو يقبلها علي جبينها وأراد منهم أخرى يقبلها علي وجنتها ولكنها رفضت ولم يشأ أن يضغط عليها فرفض هو الآخر منعا للإحراج
بعدها قام زيد بتفحص الصور وأخبر صديقه بأنهم مثاليين وأن عليه الإسراع في طباعتهم ونشرهم حيث يجب وأن تمتلئ الصحف بهم غدا
أنتهي اليوم بكل أحداثه والمفاجأت التي حملها للجميع
وفي صباح اليوم الذي يليه كانت الصحف تمتلئ بصور وأخبار المصاهرة التي تمت بين عائلتي الجابري والنويري منذ شهرين مضوا في حفل ضيق في حضور العائلتين فقط
وتم نشر الصور ردا على الشائعات التي طالت العائلتين وتوعد كلتا العائلتين بأنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الصحفي الذي روج لتلك الإشاعات المغرضة التي أرادت توقيع الخلاف بينهما وتشويه صورتهما في الوسط التجاري المصري
وأنه سوف يتم لاحقا نشر صورة لعقد زواج اللاعب الشهير إلياس الجابري ابن عائلة الجابري والآنسة وسام كريمة اللواء عبد الله النويري وشقيقة الضابط زيد النويري حيث تم عقد القران في شهر أبريل الماضي
مضت الأيام بعدها مرة ثقيلة ،أصابها الإكتئاب وعدم الرغبة في فعل أي شيء ،ومكثت في غرفتها لا تريد الخروج حتى الطعام لم تكن تريد أن تتناوله لولا إلحاح والدتها عليها التي كانت ترغمها علي تناول بعض اللقيمات التي تقوي به جسدها
زارتها مروة أكثر من مرة وحاولت إخراجها من تلك الحالة التي وصلت إليها ولكن بدون فائدة
وكأنها فقدت الشغف للحياة من ينظر إليها لا يصدق أنها تلك الفتاة الملرحة التي لا تتوقف ابدا عن الحديث والحركة أصبحت فتاة أخرى حزينة دموعها لا تفارق عينيها
حاول إستعادةحياته السابقة وبدأ في متابعة مرانه اليومي في النادي الذي يلعب لأجله وترك لوالده أمر تلك الدعوة القضائية ومتابعتها مع محامي العائلة
بعد عدة أيام علم أن المحكمة أصدرت حكمها على الصحفي بتغريمه مبلغ مالي كبير في قضية التشهير الخاصة به
نوع من الإرتياح تسرب إليه بعد تلك الأخبار خاصة وهو في طريقه لناديه
عند وصوله للنادي علم أن مسؤولي الإدارة يريدون الإجتماع به بعد إنتهاء المران المسائي
لم يكن يعتقد أن السبب وراء طلب الإدارة الإجتماع به هو طلب أحد الأندية الإيطالية أنضمامه إلينا
أخبره المسؤول أن النادي ليس مشهور عالميا ولكن معلوم عنه في إيطاليا أنه نادي مميز وأنه سيكون خطوة في طريق إحترافه
عاد للمنزل فرحا بذلك الخبر والذي وافق عليه علي الفور واعطي للمسؤليين الضوء الأخضر لإتمام الصفقة
وجد والده بالمنزل واسرع بإخباره بتلك الأخبار المفرحة
- عايز تسافر يا إلياس ،طب ومراتك هتعمل معاها أيه
- مراتي ،مراتي مين
- أنت لحقت نسيت وسام مراتك اللي كتب كتابك عليها فات عليه أسبوع
- بابا هو انت صدقت إن ده جواز بجد،يعني فكرتني إني ناوي اكمل الموضوع للأخر
- امال انت فاكر إنك كنا بنلعب ببنات الناس
- لا مش بلعب ،بس الموضوع كان لسبب محدد والمفروض يخلص بعدها
- إنت أتجننت يا إلياس موضوع إيه اللي يخلص ،جوازك من وسام هيتم للآخر ولو غصباً عنك ،الناس دي بينا شغل ومصالح ودلوقتي نسب ،يعني ترضي بنصيبك يا إلياس وتحمد ربنا إن الموضوع خلص على جواز مش علي حاجة تانية
- مش مصدق اللي بسمعه منك ،عايزني أتجوز عيلة لسه في المدرسة
- أنا بطلب منك أنك تفضل هنا في البلد وبعدين لما تدخل الجامعة ابقي أعملوا الفرح
- وإن قلت لا هتعمل ايه
- أنا مش هعمل حاجه ،بس أنا عارف إن ابني إلياس عمره ماهيكسر كلمة أبوه وعمره ما هيسيب حد محتاجه ويمشي
عندما وصل إلى المرسي النيلي التي أخذه شريف إليها رحب به العم إبراهيم وأخبره أن صديقه ينتظره بداخل المركب
سرد لصاحبه كل شيء وحديثه مع والده الذي بأنه يعرفه أكثر من ذاته
بعدما أنتهي من السرد أخبره شريف بفكرة لعلها تصلح حلا لمشكلته
أخذ الفكرة وأدارها في عقل وعمل على تنفيذها غداً
وجاء الغد وفي المساء ذهب إلى منزل النويري وطلب مقابلته
عندما جلس معه أخبره بعرض إحتراف لنادي أوربي جاء له
وأن مدة العقد سنتان أو أكثر
أخبره أنه سيترك لها الفرصة لإستكمال دراستها دون وجود ضغط من جانبه عليها
كان هو الآخر يحمل تلك المسألة ولكن ها هو الحل قد آتي إليه
وعليه أن يقوم بشكره علي مراعاته تلك
طلب منه الجلوس معها وتسوية الأمور الخاصة بهما
هبطت لمقابلته بملامح ذابلة فكر أنها لابد وانها كانت تمارس طقوس البكاء والنحيب كعادة الفتيات
قامت بتحيته ثم جلست بصمت طال لدقائق حتي مل هو وبدأ الحديث
- وسام أنا إحتمال أسافر إيطاليا لمدة سنتين أو أكتر
أجابته بنبرة متسألة
- تسافر
صوت ضعيف خرج منها وكأنها تجاهد لإخراجه ،لدقيقة أحس بالشفقة عليها لما وصلت إليه من ضعف
- أيوة وممكن الموضوع يطول عن كدا ،أنا حبيت افهمك كدا قبل ما أسافر
- طب وأنا هعمل ايه
- دي فرصة ليكي تدرسي براحتك من غير ما حد يضغط عليك ،بالعكس بعدنا كدا أحسن عشان يكون تمهيد لإنفصالنا بعدين
- إنفصالنا ،قصدك الطلاق
- أيوة يا وسام ولا كنتي فاكرة إن جوازنا يتم للآخر
لم تكن تستمع لكلماته ولكن كل ما كان يكرره عقلها وصوتها هو كلمة طلاق
وكأن الدنيا أظلمت من حولها وأحست أنها سوف تسقط في بئر عميق وسقطت ولكن بين أحضان إلياس الذي ما إن رآها تترنح في وقفتها حتى وصل إليها وتلاقها بين ذراعيه.
