" " " " " " " " رواية عالم الأقدار
📁 آحدث المقالات


  

 "عالم الأقدار"


(مرارة الحلوىَ على لسان صاحب الصدمة)

 

تأليف:

محمد العايدي...

 

 

 

نديم انقطعت اخباره وغاب عنه البدر!

 

 

**

 

 

لم أصدق نفسي منذ أن جائني خبر وفاة  نديمي وصديق عمري "فاضل فضل" ذلك الشاب اليافع المثقف كان المستقبل أمامه مفروشًا بالأمل في خوض مسيرة حياتية مميزة لولا أن تعرض لحادث سير غير حياته بالكامل وبدلها عندما أصبح قعيد مقعد متحرك لايقوى على السير بشكل طبيعي والشيء المُخزي أن ماسبب له الإعاقة لم يكن الحادث في حد ذاته وانما إتباع طريقة خاطئة في إسعافه هو ماسبب له الإضرار بفقرات الظهر

والنتيجة (شلل رباعي) لأن الذين قاموا بنقله الى عربة الإسعاف حملوه  بشكل عبثي وخاطئ, مجرد خطأ لحظي أضاع حياة إنسان ..لقد كان هذا ما بوُحتُ به للطبيب النفسي المُخضرم"حاتم صادق" الذي لجأت إليه عقب شعوري بعدم القدرة على تذوق الأطعمة لاسيما ومرارة الحلوى على هامش وفاة صديقي فاضل, فالأطعمة أصبحت بلا طعم ولا مذاقٍ لها كذلك العسل والحلوى وحتى قطع حبّات السكر, منذ ذلك الحين وأنا أجدها بفمي حبّات سكر مُر

مرارة علقم أشعرُ بها عند تناول أية حلوى أو حتى عسل ! هذا ماكنتُ أشكو منه قبل الذهاب الى طبيبي النفسي ذلك الطبيب الماهر الذي جعلني أفطن لأمرٍ هام يخص صديقي الذي توفاه الله "فاضل فضل" قال الطبيب مُشخصًا حالتي:

على مايبدو ان فاضل لم يعد قويا من الناحية النفسية بعد الحادث الذي ألمَ به وأن الحزن أو البؤس النفسي قد تملكَ منه! وبلغ مبلغ الرغبة في  الرحيل عن الحياة, قاطعتُ الطبيب غاضبًا:

لا تُكمل واصمت, صديقي كان مثقفا بديعا ومُبدعًا في التعايش مع الحياة

كان يستطيع أن يجعل من المشكلة

(حلًّا)!

وكانت لديه إرادة في حب الحياة تكفي العالم بأسره كيف لك أن تتهمهُ بهذا الإتهام: هل كُنتَ تقوم بزيارته طيلة فترة العامين الذين قضاهما على مقعدهِ المحرك ؟ .. هذا السؤال فاجأني به هذا الطبيب العجيب وكأنه وجهَ نحوي طلقًا ناريًّا أراد به أن يقضِ على حياتي ! وجدت نفسي أعجز عن أية مراوغات كلامية وأجيب بالحقيقة كاملة, فتلك هي عادتي إحقاق الحق الدائم حتى وإن كان الحق ليس معي فكانت إجابتي قاطعة صريحة لا لبس فيها دون مرواغة من مراوغات التلاعب بالمنطق.

-ولا مرة .. ولكن لدي أسبابي  الأخلاقية وليست المنطقية التي حالت دون زيارة فاضل ! قولت ذلك قبل أن يُقاطعني ويذبحني بسكين الدخول في حلقة السببية!  

-أية أسباب تقصدها؟ وما هي؟ وكيف تبلغ درجة قوتها؟ إن السببَ في حد ذاته بحاجة لأسباب تبرر سبب حدوثه!

 -السبب أنني لم أكن أستطيع الذهاب الى صديق عمري لأراهُ أسير مقعد متحرك لا يقوى على الحركة ! لا أستطيع تحمل هذا المنظر البائس المؤلم ولا يقوى قلبي على تحمل النظر الى أغلى الناس على هذا الحال!

-إذا كنتَ لم تستطيع مجرد رؤية فاضل وهو قعيد مقعد متحرك فما بالك به وهو الذي كُتبَ عليه رؤية نفسه طوال اليوم على هذا المقعد ؟! إنما صديقك كان بحاجة اليك, تدعمهُ نفسيًا كان يحتاجك تشد من أزره تقف الى جواره, هذا هو تشخيص حالة عدم القدرة على تذوق حلاوة أي شيء ذات حلاوة, فاضل كان ينتظر منك أن تقتسم معه المرة مثلما أقتسمت الحلوة وحين وجدك تتركهُ يعيش المرة وحدهُ بمفردهِ قرر أن يتركك وحدك تتذوق مرارة الحياة! تلك المرارة  المتمثلة  لديك في 

(حبّات قطع السكر).

-اذن دلني على السبيل للخروج من هذه الأزمة ياطبيب النفس..! هذا ماطلبتهُ من طبيبي وأنا محطم السلوك مُخَوَخ الإحساس يائس من رحمة أي أحد ومن جدوى أي شيء! فوجدتهُ يفرك لحيتهِ الكثيفة قليلًا قبل أن يقول بلهجة تحمل تفاؤلًا طفيفًا: عليك أن تكونَ متصالحا مع صديقك المتوفَّي فاضل فضل و أن تتصالح مع نفسك أيضًا وفي نفس الوقت, فهذا الأمر ضروري للغاية, يجب أن تَعبُر الحاجز الحائل بينكما, فقمت بسؤاله بسرعة  كالبرق: الموت؟: هو بعينه! : كيف ؟ كيف أعبر حاجز الموت وأنا على قيد الحياة ؟!

 -أذهب الى بوابة الموت ! ضريح صديقك فاضل فضل حيث يرقد هناك, فضفض أمامه أحكِ له عن أعذارك وظروفك التي حالت دون سؤالك عنه عقب إصابته بالإعاقة ! الأموات يشعرون بنا مثلما نشعر ببعضنا كأحياء, بل يشعرون بنا أكثر مما نشعر نحن الأحياء ببعضنا البعض ! الأموات أكثر منا صدقًا ونقاءًا! ,أذهب ياعزيزي بدر عَبّر عن أوجاعك أمام نديمك وصاحب عمرك فإن التعبير عن الآلام يساوي اولى الخطوات على طريق شفاء الآلام ولكن.. يبقَ السؤال الخضَم والأهم, أمام من نُعبر عن أوجاعنا والى من نحكي وتسيل أمامه دموعنا دون أن نخشىَ أن يفضح أو يستغل أسرارنا؟! ..هذا هو السؤال .

 

 

     المقابر

****

 

عندما قمتُ بالذهاب الى ضريح فاضل لم أكُن اتخيل أنني سأجدهُ بانتظاري هناك كي يعطيني تصريحًا من داخل

( الضريح ) !

***

السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين أنتم السابقون ونحن بكم إن شاءَ الله لاحقون: السلام عليكَ ياصديقي أخبرني كيف حالك بعد الموت !هل الأمور تسير على مايرام ؟ أعلمُ جيدا أنك تجزع مني أخذتَ على خاطرك مني لتجاهلي مواساتك والشد على يدك أرجو منك أن تسامحني وتصفح عني خطيئتي في حق صداقتنا كما تعودتُ منكَ, أخبرني ياصديق العمر كيف رحلت عن الحياة ؟ ماهي حقيقة موتك! لماذا لم تتحدى الموت مثلما قاومت وتحديتَ الإعاقة ؟! لقد تعلمنا ياصديقي أن من يستطيع تحدى الإعاقة يستطيع تحدي الموت ذاته!. مالذي جعل اليأس يتملككَ؟ مالذي جعل البؤس ينال منك؟! وما هي الأسباب ؟ .. بركان من الأسئلة إنفجرَ أمام الضريح دون ردود ودون إجابات, ثم إنتابني صداع كاد أن يفلقَ رأسي نصفَين سبّب لي غفوة إجبارية تحت تأثير الشعور باللا حياة الذي يملأ المكان ! حالة من تلاشي أحاسيس المعقول والذهاب إلى اللا معقول ! عبر اللا زمان ! في ظل إقتحام أعماق وجود المكان  وهو الضريح ! .ظلاااام حالك قحالة فزع عمق من أعماق الخوف الذي يتوارى خلف بنايات الحجارة المصنوعة منها تلك الأضرحة وجدتهُ ظهر أمامي نعم كأنه لم يصيبه شيء فاضل بصفته وشخصه ينزع عن جسده ضمادة الكفن ويقترب شيئًا فشيئًا مني حتى كاد يلتصق بي,  وظل يتحاور معى من دون إرادة مني أو إرادة منهُ ! : كيف حالك ؟! كيف حال الحياة الدنيا معك ؟.أجبتهُ وأنا أتلعثم: مظلمة كظلام هذا القبر !

-ومن ذا الذي قال أن القبر مظلم أو حتى معتم؟ أنا أراهُ مضاء إضاءة كاملة !

-ولكنني لا أستطيع رؤية أي شيء ولولا صوتك ما استطعتُ التحدث اليكَ!

-لأنك مازلت محسوبًا على أهل الدنيا ياصديقي دنيا ظلام الظُلم! الدنيا التي تجعلكم غير مؤهلين لمعايشة النور على حقيقته نور الدليل الحق ! كم كنتُ أشتاق رؤيتك والإطمئنان عليك, أخبرني عن أحوال دنياكم كيف أصبحت الآن؟

-تعيسة ومُتعِسة للغاية.

-كيف حال العدل فيها

  -إنتحر!

-ماذا عن الحق؟!

 -أبطلهُ الباطل بصولجانهِ وبطشه !

-أستغفرُ الله العظيم, وأين الإنسان من كل ذلك؟ ماذا عن الإنسان أخبرني يانديم الروح مالذي حدث لإنسانية الإنسان!

-الإنسان يعيش أبشع مراحل التناقضات والتفاوتات, يعيش أعلى مراحل القتل الحر للمساواة والعدالة قتل للإيخاء وللحب الحب النقي المجرد من الأغراض, حيث يوجد إنسان في بلاد من بلاد الله يُقتل يُذبح تُهتك أعراضه تُستباح دماؤه من دون وجود مدافع عنه ولا نصير له ولقضيته أو حتى أحد يتعاطف مجرد تعاطف معهُ, بينما يوجد في بقاع أخرى إنسان أيضًا يعيش أعلى مراتب الترف والعز والسلطة في ظل وجود كل رفاهيات الحياة ! والعجب العجيب العُجاب أن كل هؤلاء في نهاية الأمر (إنسان)

-قولك غير دقيق ياصديقي بدر, بعد الموت والإنفصال التام عن دنيا الحياة الدنيا تعلمتُ عدة دروس أولها

(أنه ليس كل بني آدم إنسان بالضرورة) وأيضًا ليس كل إنسان يحمل معنى الإنسانية بني آدم بالضرورة فالأنسانية معنى عميق وليست كلمة تستخدم لوصف فسيولوجي تكويني! حدثني عن أحوالك الشخصية ودعكَ من فلسفة الإنسانية هذه. 

-منذ جائني خبر رحيلك عن الحياة استقيظتُ ذات يوم لأجد نفسي أشعر بمرارة العلقم تملأ حلقي, قمتُ على الفور بإحضار حلوى لعلها تُضيع مرارة حلقي فإذا بي أجد طعم الحلوى

(مُرًا) لم أيئس وقمت بإحضار قطع حبّات سكر وإذا بي أجدها بفمي ( حبّات سكر مُر ) !!!! . ذهبت على الفور الى معظم الأطباء في معظم التخصصات, وجميعهم أجمعوا على عدم وجود سبب عضوي لهذه الحالة العجيبة من المرارة المستديمة ! لم أجد أمامي إلا الطب النفسي أعرض مشكلتي عليه علهُ يجد لي سبيل للشفاء  وللأمانة رزقني ربي بطبيبٍ نفسي متميز ومتمكن في مجاله , نصحني طبيبي النفسي بأن أذهب إليكَ وأروي لك مشكلتي مثلما كنتُ أفعل وأنت على قيد الحياة لاسيما وأنني مُطالب بالإعتذار عن تقصيري في حقك وفي حق صداقتنا!

-أتذكُر يابدر؟ كنا لسنا مجرد صديقين كنا أيضًا تَربَين! قبلما نتفرق بفعل فاعل يسمىَ  "شَر القدر"  تسبب في أن

( دَرب الترب طار ) ! وأما الآن فلكل منا أصبح لديه دربهُ الذي افقدهُ تَربهُ ! كُل مصطلحات الصداقة في اللغة كانت تمثلها علاقتنا ! لكنك تخليتَ عني في ظل شدة إحتياجي إليك, تَركتني أستعين بمن يحملني بينما انت كنتَ أولى الناس بحملي ! كنتَ تسأل وانت أمام ضريحي عن أسباب موتي وعن حقيقة موتي ! ساخبرك بكل شيء ! وسأُدلي أمامك بتصريح صريح من

(داخل الضريح) !!! .
تعليقات