الفصل الثاني
عندما رأيتك
مازلت أتذكر تلك الأيام حينما كنت تلك المراهقة الصغيرة التي
لا يهمها من الدنيا شئ سوي اللهو والضحك مع أصدقائها
ومزاح البعض وسخريتهم من أسمها "وسام"من
دا اسم ولد،،،،لالا دا اسم بنت
كان ذلك هو الشجار المعتاد بينها وبين زملاء دراستها ووصل
الأمر إلى معلميها الذين كانوا يحتارون في هوية الاسم
ولكن مع مرور الوقت إعتادت الأمر بل أعتبرته من المسلمات
بحياتها،في البداية كانت تعاتب والدها الذي أطلق عليها هذا الاسم
ولكن والدها كان يخبرها أن أسمها يعني الفخر وهي بالنسبة له
ذلك الوسام الذي يفتخر به،فكانت تستكين بتلك الكلمات
لم يكن اسمها فقط الذي يجعل الجميع يسخر منها بل جسدها
أيضا ،كانت نحيلة حد تشبيهها بالصبية
ولكن ما كان يعوض ذلك هو بياض بشرتها ولون عيناها
الزرقاوين بلون البحر الهادر
تذكرت ذلك اليوم حينما تعرفت عليه هو
"إلياس الجابري"
لاعب النساء الشهير وكاره النساء الأشهر
كم من أنثي حاولت جذب إنتباهه ولم تجد منه سوي الصد
كان جميع صديقاتها يثرثن بذلك في وقت جلساتهن بالنادي
الرياضي الذي يرتادونه وعائلتهن
كانت هي وعائلتها في النادي الرياضي يقضون يوم نهاية
الأسبوع مع بعض العائلات الأخرى من أقاربها
الفتيات يتجمعن سويا على طاولة واحدة يثرثن عن آخر أخبار
نجوم الكرة بالنادي حتي ظهر هو
كان يتجول بالنادي بصحبة صديقه شريف ويتحدثا سويا
الفتيات من حولها ركضن لمصافحته وإلتقاط الصور معه
رغم علمهن بأنه سيعودوا خائبات الأمل لأنه ببساطة تامة
لا يتعامل مع الفتيات
جلسن بعدها يندبن حظهن بعد أن رفض مصافحتهن والحديث معه
أبدت سلمي ابنة عمها تعجبها وعلقت على الأمر
- أنا مش عارفة هو ليه كاره البنات بالشكل ده
بينما صديقتها أروي أخبرتهن
- لازم واحدة علمت عليه فبقي كدا
بينما عقبت مروة ابنة خالتها
- يا بنتي حرام عليكي هو لحق ،أنا سمعت انه عنده تلاتة وعشرين سنة
تعجبت هي من حديثهن حوله فتسألت
- أنا مش عارفة أنتوا شاغلين نفسكم بيه ليه ومتابعين أخباره
أنا شايفة أنه ما يستاهلش كل اللي أنتوا عاملينه عشانه
وبختها مروة ببعض الكلمات
- أسكتي أنتي متعر فيش حاجه
بينما عقبت أروي علي كلامها
- بلا خيبة إلياس الجابري ولا حاجة أمال إحنا نبقي إيه
تدخلت سلمي في الحديث
- سيبوها يا بنات تقول اللي هي عايزاه
تسألت وسام بنبرة حادة
- ليه يعني كل ده،دا حتة لاعيب لا راح ولا جه ولو هو دلوقتي مشهور بكرة يطلع الأحسن منه
حدثتها مروة بسخرية
- يطلع غيره ،يابنتي دا بيقولوا أنه جايله عرض من فريق أوربي كبير في إيطاليا
أيدتها سلمي في الحديث
- أيوة أنا سمعت الكلام ده برضه
بينما لم تقتنع وسام بحديثهم ذاك
- ولا يهمني،دا لو عملنا أنا وهو ماتش بينا
أنا هغلبه أكيد
تعالت ضحكات الفتيات علي حديثها الساخر
وبختها سلمي بقولها
- بتهزري صح ،قولي أنك بتهزري
مين دا اللي تفوزي عليه يا ماما دا مهاجم مصر الأول
واللي محير مدافعين الفرق التانية دا "إلياس الجابري"
مش واحد بيلعب كرة شراب
بتحدي كبير أجابتها
- وانا وسام عبدالله النويري وهتشوفوا
تعجبت أروي من حديث وسام وتسألت
- هنشوف إيه يا وسام ،إيه اللي في دماغك بالظبط
أجابتها بهدوء شديد
- أبدا مفيش ،بس بكرة هتعرفوا إن كلامي ليكم مش هزار وبس
ضيقت مروة عينيها وأخبرتها
- لا دا أنتي دماغك لسعت ،فوقي كدا وأستهدي بالله
هو أصلا مش هيعبرك ولا هيرد عليكي
من الآخر مش بيطيق صنف البنات
وسام بصوت منخفض
- هنشوف
الجميع علم عنها أنها عنيدة ولا تهدأ أبدا ،لابد وأن تثبت للجميع
أنها علي صواب ومن أجل ذلك هي مستعدة لفعل أي شيء
ظلت عدة أيام تفكر في تحديها وكيف ستقوم بتنفيذه
هو أمر جنوني وهي تعلم ذلك ولكنها لم تتراجع يوما عن رهان
تعقده ورهانها هنا مع ذاتها قبل أن يكون مع شخص آخر
عليها أن تثق بنفسها وبقدرتها علي النجاح
في بداية يوم العطلة الجديد أخذت تسير ذهابا وإيابا في غرفتها
تفكر وتفكر حتي وصلت للمرآة ونظرت إلى نفسها وحملت فرشاة الشعر وأخذت تصفف شعرها
فجأة أخفضت الفرشاة وحدثت نفسها
- بس هي دي،أما عليكي يا بت يا وسام شوية أفكار إنما أيه
لا بت مين ،يا واد يا وسام يا قمر أنت
عندما حان وقت الذهاب للنادي الرياضي ،قامت وسام بترتيب
بعض الأشياء في حقيبة ظهرها وأنطلقت مع عائلتها
بعد وصول الجميع الصديقات أجتمعن مرة أخرى
كانت وسام صامتة أغلب الوقت ولم تتشارك معهن بالحديث
كعادتها
أخبرتهن بعدها أنها تريد دخول المرحاض وحملت معها حقيبة
الظهر وذهبت
علي الرغم من أنها كانت مقتنعة بما تفعله لكن الخوف تسلل إليها
فما هي مقدمة عليه لن ينال إستحسان عائلتها
ولكن هي ستفعله على أية حال
كان جميع اللاعبين يؤدون مرانهم المسائي في ملعب التدريب
بالنادي ،كانوا يتمرنوا ويمزحوا سويا في الوقت ذاته
كان الفريق مقسم إلي فريقين يتباروا فيما بينهم
وهذه المرة كان كلا من إلياس وشريف في فريق مختلف
حصل إلياس علي الكرة وأنطلق يبني هجمة جديدة
الكرة تتناقل من قدم لقدم
عادت ثانية إلي أقدام إلياس الذي خدع شريف وأوهمه أنه ترك
الكرة للاعب آخر يقوم بتسجيلها
حاول شريف التدخل ووضع قدمه بين قدم إلياس والكرة
وحاول إبعادها خارج حدود الملعب ولكن عندما ركل الكرة
تحركت قدمه وقذفتها بعيدا بصورة عشوائية
أبتسم إلياس علي إرتباك صديقه ولكنه سرعان ما ضيق عيناه
لقد كان هناك فتي يقف على أحد جانبي الملعب ولسوء حظه.
لم يلاحظ الكرة المتوجهة إليه
أصطدمت الكرة بوجه الفتي مما جعله يتهاوي علي الأرض
وبدأ يتأوه بصوت عال ويئن من الآلم
أسرع إلياس إليه وجده يضع يديه حول وجهه
ألح إلياس علي الفتي بأن يرفع يديه عن وجه لكي يستطيع أن
يقوم بتفحصه له
وجد أن وجه الفني علي وشك الأنتفاخ وهناك بقعة كبيرة
شديدة الإحمرار
بعدها تجمع بقية اللاعبين حول الفتي ليطمئنوا عليه
شعر شريف بتأنيب الضمير عندما نظر للفتي ،خاصة وأنه السبب
في ما حدث له ،ولكنه كان خطأ غير مقصود منه
فهو لم يستطع كبح جماح الكرة وأتجهت لوجه الفتي المسكين
تسأل شريف بنبرة يشوبها الحزن
- خير يا إلياس الواد عامل إيه
أجابه إلياس بعتاب
- يخرب بيتك يا شريف ،مش تركز يا ابني شوف عملت أيه في
وش الواد ،وشه حالا يورم ويبقي زي البالونة
- والله ما أخدت بالي منه وبعدين ما انت شوفت الكورة قلشت
أزاي غصباً عني
- خلاص بلاش كتر كلام،وتعالي سنده معايا نقعده على الدكة
ونشوف كيس تلج نحطه علي وشه
قام شريف وإلياس برفع الفتي من الأرض وسنده وتوجهوا به
إلي مقاعد اللاعبين ووضعوا بعض الثلج علي وجهه
نظر إلياس إلي الفتي وسأله
- حاسس بإيه دلوقتي،فيه آلم لسه
- أيوة بتوجعني قوي
حاول إلياس تهدئة الفتي
- معلش شوية والتلج يخفف الوجع إن شاء الله
ودكتور الفريق حالا يجئ يبص عليك
أنتفض الفتي ووقف على قدميه عند ذكر لفظ الطبيب
- لا ،انا مش محتاج دكتور أنا لازم أمشي دلوقت
تعجب إلياس من تصرف ذلك الفتي وأخبره
- طب أستني شوية لما الورم يخف
- لا مش هقدر أستني ،لازم أمشي زمان بابا ،،،قصدي أبويا بيدور عليا
متشكر يا كابتن إنك أهتميت بيا
أجابه إلياس مبتسما
- لا شكر على واجب، ده حاجه بسيطة
وانا بعتذرلك بالنيابة عن كابتن شريف صاحبي هو أكيد ما كنش
إن الكورة تيجي فيك
أجابه الفتي بنبرة متفهمة
- أكيد طبعا
أنا مضطر أمشي ،وبتشكرك تاني مرة
أبتعد الفتي عنه بخطوات ثم ألتقط شيئاً من ورحل
رحل الفتي بعدها سريعاً وكأن هناك شبح يلاحقه
بينما إلياس ينظر إليه بتعجب
وتسأل لماذا رفض الفتي بشدة فحص الطبيب له ورحل فورا
بعد دقيقتين عاد شريف وهو يحمل زجاجتين من العصير في
يده ،رآه إلياس وتوجه إليه فسأله شريف
- أيه دا هو الواد مشي ولا أيه
أجابه إلياس
- أيوة مشي ،كنت فين
أجابه شريف وهو يريه ما يحمله بيديه
- أنا رحت اجبله إزازة عصير عشان يشربها ،تصدق بجد صعب
عليا ،شكله يا عيني جاي يتفرج على التمرين قوم الكورة جت
في وشه
أجابه إلياس بنبرة ساخرة
- لا فيك الخير يا راجل،طب هات العصير أشربه أنا
دا أنا دمي نشف لما شفت الواد وقع على الأرض وعمال يصرخ
- حقا ،كان عمال يصرخ زي العيال الصغيرين
- وأنت شايفه كبير قوي ،دا أنت من حجم جسمه تديله خمستاشر سنة ،بس في حاجة لفتت أنتباهي
تسأل شريف متعجباً
- إيه هي الحاجة دي
- الواد ده مشفتش حد معاه ،هو جاي لوحده ولا أيه
- يمكن ابن حد من اللي شغالين في النادي
- يمكن ،المهم يلا بينا نرجع التمرين لأحسن شايف الكابتن
إيهاب عمال يشاور علينا
- يالا يا كابتن مصر
عادا الأثنان لإستكمال تمرينهما إستعدادا للمباراة التي ستقام غدا مع الفريق المنافس.
