يوم الجمعة
كانت القريه باكملها منقسمه بين بيت نصره وبيت رايه .. فمنذ ذلك اليوم وتبدل حال القريه قليلًا .. صحيح مازال أهل القريه متمسكين بحياتهم البسيطه ولا يفضلون تعقيدات الحضر لكنهم أيضًا بدأو في تقبل ذلك التطور البسيط الذي يحدث .. ورغم أعتراضهم الا ان قوانين جبل الجديدة تنفذ دون جدال .. مثل أن جميع الاطفال يذهبون الي المدرسه حتى البنات .. ومن يحرم أبنته من ذلك يعاقب بشده .. ويتغرم ماديًا .. فمازال قوانين المطاريد تسيطر عليه لكنه وبكل طاقته يحاول ان يجعلها في مصلحه الجميع
في الساحه الكبيرة التي تتوسط القريه نصب صوان كبير منقسم الي جوزئين ... جزء للنساء حتى يحتفلون كما يريدون وجزء أخر للرجال .. .. كان حفل كبير جمع كل أهل القريه وكان يقف في بدايه الصوان جبل بهيبته التي ازدادت خاصه وهو يغلفها حب الناس .. فلقد دفع ديه كل الفتايات التي قام بقتلهم على يد رجاله .. وتكفل بأسرهن طوال حياته .. وكان مستعد لتسليم نفسه للشرطه لكن كل أهل القريه رفضوا ذلك الامر .. خاصه وأن والده أصبح مريض بشده وكرسي العموديه أصبح فارغ
يستقبل المعازيم بابتسامة وقوره ... رغم ان عقله في عالم أخر وهو يتخيل لو كانت رموز على قيد الحياه لكان اليوم عرسهم أيضًا ولما كان حدث كل ما حدث .. تنهد بتثاقل وهو يقول
-قدر الله وما شاء فعل ... الحمدلله
ألتفت حين وصله صوت جلبه في الخلف ليجد فتاه قصيره القامه تقف أمام أحد الرجال بتحدي وهي تقول ببرود:
-متجدرش تعملي حاچه
ليشيح الرجل بوجهه بعيدًا عنها وهو يستغفر دون صوت ثم يعود اليها وهو يققول:
-يا بنتي أنت مش باينه من الأرض أساسًا وشويه هوا يطيروكي أمشي من اهنه الله لا يسجك
ظلت الفتاه واقفه في مكانها وهي تقول
-أني هشتكيك للعمده
-والعمده واقف وراكي اهو عايزه تشتكي من مين ومن ايه ؟
قال جبل بعد أن شعر بفضول كبير لسبب تلك المشاجره فأقترب منهم يحاول ان يستمع لما يقال وحين قالت كلماتها الاخيره لم يستطع منع نفسه من التدخل ليشعر ان قلبه قد قفز من مكانه كالاطفال .. حين نظرت اليه بصدمه خاصه مع عيونها الواسعه والتي يزينها الكحل الاسود الذي يظهر جمالها ورغم صدمتها الا أنها قالت بشجاع:
-الراچل ده مش عايزني ادخل المطبخ اللي بيچهزوا فيه وكل الفرح معرفش مين اللي عينه حارس أمن على الوكل
-انا
اجابها جبل بهدوء وأبتسامة متسليه على شافهه لا يلاحظها احد لتقول هي بنفس الشجاعه
-والچعان يعمل ايه؟ ولا هو يعني الغلبان مش بيتعمله حساب
ضربت كلماتها قلبه دون رحمه .. ليخفض راسه قليلًا وقال:
-أنا أسف أنتِ معاكي حق
ثم أشار للرجل أن يبتعد عن باب الخيمه الذي يجلس بداخلها الطباخين يعدون الطعام وقال بأمر
-اي حد عايز يدخل علشان ياكل متمنعوش وأدي أوامر للي جوه يكرموا الجميع
أبتسمت الفتاه وهي تمر من أمام جبل دون ان تقول كلمه اخرى او حتى تشكره فشعر بداخله برغبه صبيانيه ان يتحدث معها مره اخرى فقال ببعض اللوم:
-مش هتقوليلي شكرًا ؟!
نظرت له الفتاه وقالت بثقه لا يعرف سببها أو مصدرها ... هل هو جمالها المميز .. ام عيونها التي تستطيع ان تسقط أكثر الرجاله شجاعه وإقدام صريعا من نظره واحده
-وأشكرك ليه .. ده واچبك أنت عامله لكل اهل البلد ولا هو أنت مستني أهل البلد كلها يشكروك .. بتلحق الخير اللي أنت بتعمله بالمن والأذى
-أستغفر الله العظيم .. لا طبعا .. أدخلي كلي أنت لسانك تتلفحي بيه
أجابها سريعًا وهو يشير لها أن تذهب لتضحك تلك الفتاه وهي تقول بصدق
-شكرًا يا حضره العمده
وغادرت من أمامه لينظر الي الرجل الذي كان يسد الباب منذ قليل وقال له بأستفهام:
-بنت مبن البت دي؟!
-دي وداد بنت الحچ عزام الله يرحمه خادم الچامع
أجابه الرجل سريعًا ليردد جبل أسمها عده مرات واخر مره كان قلبه يردده معه .. طوال العرس وجبل كل دقيقه وأخرى ينظر الي الخلف يود لو يراها مره أخرى
...............
فتح مجاهد باب المنزل وأشار لرقه بالدخول .. وعيونها أرضا دلفت الي الداخل وهي تقول :
-السلام عليكم
-وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته .. نورتي بيتك يا ست البنات
التفتت تنظر اليه لكن الخجل كان يلون وجنتيها ..أقترب منها خطوه وقال بصدق وصل لها وجعل الدموع تتجمع في عيونها:
-لو جلتلك ان اليوم ده عشت عمري كله أحلم بيه هتصدجيني
كانت تنظر اليه بعيونها البريئه التي تلمع ببريق يخطف كل من يراها.. ليكمل كلماته
-النهاردة يوم عيد .. يوم ميلادي من چديد .. النهاردة أنتِ بجيتي ست بيتي وست جلبي .. ومن النهاردة ندر عليا ووعد جدام الله عز وچل أشيلك فوج رأسي وأصونك بحياتي أحميكي
لتبتسم والدموع تسيل موقف وجنتيها وهي تقول:
-ومن النهارده اني انولت من چديد .. ومن النهارده وعد عليا ودين أصونك واحفظك في حضورك وغيابك وأشيلك فوج راسي يا أبن الشيخ مندور
ليبتسم بسعاده وهو يردد " الحمدلله " .. ثم قال:
-يلا نصلي
أومأت بنعم وتحركت لتحضر سجادة الصلاه ومدت يدها له باحدهم ليبسطها على الارض .. وكذلك هي وبدء في قرأة القرآن وهي تستمع لصوته العذب والدموع تسيل فوق وجنتيها وهي ترى كرم الله الواسع والكبير .. هي الان زوجه الشيخ مجاهد الرجل الحقيقي الذي يحترمه الجميع والعمده يقدره .. كانت تريد هلال أبن خالتها الذي لا يراها سوى فتاه يتزوجها لتظل بمنزل والدته تخدمها ويجدها وقت يقرر المجئ لزيارة والدته كل فتره واخرى والله أراد لها الشيخ مجاهد من يراها "ست البنات" ويريدها سيده بيته وحياته
في سجودها ظلت تردد الحمدلله ودموعها تغرق وجهها وحين انتهوا أعتدل ينظر اليها ليجد دمعها تغرق وجهها فشعر ان قلبه قد انخلع من مكانه وقال بلهفه
-ليه الدموع دي يا ست البنات؟ أني زعلتك في حاچه؟
هزت رأسها بلا وقالت سريعًا
-اني بعيط من كرم ربنا أنه رزجني بيك .. أني لا كنت احلم ولا أتمنى في يوم أن حد يحبني الحب الكبير اللي شيفاه چوه عيونك يا شيخ مچاهد
-أني اللي ربنا بيحبني علشان رزجني بللي ملكه جلبي .. ده رضا كبير ورزج ... رزج كبير جوي يارب أكون استاهلوا .. وأجدر أوفي حجه
قطع سيل كلماتها وقال بصدق وهو يمسك يديها بيديه لتنحنى تقبل يديه وهي تقول
-ربنا يجدرني وجدر أسعدك .. وأجدر أحمد ربنا على نعمته وفضله
ليقبل اعلى رأسها وهو يقول
-ربنا يديمك نعمه في حياتي .. يا رجه الجلب
وبعد تلك الكلمه لم يكن هناك مكان او وقت لأي حديث الا حديث القلوب وحديث العشق فقط
...................
أغلق شامل باب الجناح والابتسامه تملئ وجهه منذ كان بالصوان على عكس والده الذي كان يجلس رغمًا عنه ولولا أن كل أهل البلده سيتحدثون عنه فحضر على مضض ولم يهتم شامل كثيرًا بالامر .. فحين كان هو يسعى لأرضاء والده حتى على حساب نفسه كانت حبيته على وشك الضياع
كان ينظر اليها وهي تنظر في انحاء الجناح بأنبهار .. وبخطوات خجله .. ونظراتها التي تحمل من الخجل والخوف الكثير .. ظل صامت تمامًا يعطيها كامل فرصتها في التأمل حتى تلاقت عيونهم ليقول بسعادة واضحه في نبره صوته
-نورتي جلبي وبيتي يا بنت جلبي
-الچناح كبير جوي أنا حاسه اني صغيره جوي جواه واني مش لايجه عليه
قالت بخجل شديد ... ليقترب منها وقال بصدق
-الچناح ده مش لايج على حد غيرك يا بنت قلبي ... ولو مكنتيش أنتِ اللي معايا هنا في الچناح ده مكنتش غيرك هتدخله يا رايه
أبتسم أبتسامه صغيره ثم قال بصدق
-عمركيش شوفتي أرض ليها علمين .. هو علم واحد بيترفع عليها راية شعبها بيعيش تحته في أمان وسلام وأنتِ الرايه وأني الشعب الطمعان في الامان والحب .. وانه يعيش بسلام
تجمعت دموعها وهي تفكر كيف تحول حالها من خادمه في بيت جليله الي زوجه شامل أبن الحج سليمان من اعيان القريه كان يشعر بها ويعلم بماذا تفكر لذلك لم يتحمل فقترب منها يضمها الي صدره وقال:
-من النهارده أني في ضهرك .. سندك راچلك ارمي حمولك كلها عليا وأني سداد
أبتعدد عنه تنظر الي عينيه وهي تتذكر البيت الذي كان يشبه حظيره الحيوانات والذي تحول اللن الي بيت أدمي بأثاث جديد ومريح من أجل والدتها انتبهت من أفكارها على لمسه يديه لوجنتها لتقبل باطن يده وهي تقول
-ربنا يباركلي فيك يا سي شامل .. ويجدرني اني أسعدك
لم يعد يتحمل أكثر فحملها وتوجه الي غرفتهم وأغلق الباب بقدمه ليعيش معها ويجعلها تعيش معه
~~~~~~~~
بعد عام
كانت البلده بأكملها على قدم وساق في إعداد كل ما يلزم لعرس العمدة ... كان يشرف على كل شيء بنفسه ففرحته بزواج جبل أكبر بكثير من فرحه جبل نفسه .. يحمل بين ذراعيه ولده مندور فوالدته ذهبت لبيت وداد ولم تستطع اخذه معها .. نظر مجاهد الي الصغير وابتسم وهو يتذكر يوم مولده حين أستيقظ من نومه على صوت بكاء طفل صغير ليجدها تجلس أرضًا في أحدى أرجاء الغرفه تبكي وهي تنظر الي صغيرها الممدد بين قدميها بخوف وشوق ولهفه
ليقفز عن السرير وركض اليهم يضمها بين ذراعيه يسألها بخوف ماذا حدث لتقول بأرهاق:
-روح اللول جيب خالتي والدايه عزازيه
ليركض حافي القدمين حتى يحضرهم وبعد أكثر من ساعه كانت زغاريد نصره تملئ المكان وتعلن عن وصول مندور الصغير .. وحين رحل الجميع الا من نصره التي توجهت الي المطبخ تعد الطعام لرقه .. جلس هو بجانبها وعيونه تملئها الحيره لتقول له بأبتسامة صغيره
-كنت عطشانه وجمت علشان أشرب حسيت بأن في حاچه هتجع مني سنت على الحيطه وشويه ورچلي مابجتش شيلاني جعت على الارض ومحسيتش بحاجه غير وهو بيصرخ بس مكنتش جادره أنادي عليك
ليقترب منها يقبل جبينها وهو يقول بصدق
-الحمدلله أنك بخير .. وحمدالله على سلامتك يا أم مندور
عاد من افكاره على صوت بكاء الصغير ليبتسم وهو يقول
-تعال يا حبه الجلب أرجعك لأمك
...............
كانت تقف أمامه ببطنها البارزه تكتف ذراعيها بأعتراض كانت هناك أبتسامة شقيه ترتسم على ملامح شامل الذي يراها طفله صغيره تحمل في أحشائها طفل صغير هو لا يتخيل كيف ستكون ام لابنهم وهي كالاطفال حقًا
-يا رايه أنتِ خلاص جربتي تولدي واني خايف عليكي تتعبي في وجفتك الطويله مع الحريم
قالت بعند طفولي جعله يضحك بصوت عالي
-أنا كويسه ومش هجف كتير هبجى أجعد يا شامل .. عايزه أروح زي باجي الحريم
ظل صامت لعده ثوان ثم قال بأستسلام
-اچهزي علشان أوصلك يا ام راس يابس
لتركض سريعا وهي تمسك بطنها بيديها وقالت
-أني أصلا چاهزه .
وعند باب بيت الحج عزام رحمه الله كاد مجاهد ان يطرق الباب حين اوقف شامل السياره وترجلت رايه منها ليقول لها
-ناديلي رجه من جوه
-هاته وأنا هدخله ليها
ليومأ بنعم لتضم الصغير بين ذراعيها وطرقت الباب ودلفت ثم اغلقته خلفها .. ليقول شامل
-أركب خلينا نروح نشوفوا العريس
...............
في المساء كان الجميع يجلس في حلقات يتناول الطعام بعد انتهاء العرس … في نفس الوقت الذي دلف فيه جبل غرفته ينظر الي وداد التي تقف جوار طعام العروسة … غافله تمامًا عن دخوله …. ظل صامت يتأمل ملامحها الرقيقه لكنها كسرت الصمت ولحظه التأمل وهي تقول
-أني چعانه جوي .. هو الوكل ده ممكن أكل منيه ولا هو للتصوير ولا ايع
رفع حاجبيه بأندهاش وصدمه وقال ببعض الغيظ
-وكل ايه دلوك..أنتِ مجنونه أياك
-ما دام جلبت صعيدي أكده في كلامك يبجى أنت غضبان .. خلاص أنا كنت بسال بس
قالت سريعا وهي ترفع يديها امامه ليضحك بصوت عالي وهو يضرب كف بكف لتقول هي بوجه بائس جعله يضجك بصوت عالي مره اخرى
-بس أني چعانه جوي .. وبعدين هو أنت على طول أكده بتمنعني من الوكل
ليقترب منها وعيونه تلمع بالشرر .. لترفع يديها جوار وجهها .. ليقول هو من بين أسنانه بعد ان ضرب جانب رأسها بأصبعه
-عجلك موجود في بطنك يا وداد بس يا ترى قلبك موجود فين
-في يدك يا حضره العمدة
أجابته دون تفكير وبصدق لامس قلبه … ليمسك يديها يقبلها بحنان وهو يقول بمرح
-يبقى تستحقي تاكلي يا قلب العمدة
لتبتسم بسعاده وهي ترفع ثوبها وتجلس أرضًا وتبدء في تناول الطعام وهي تقول
-أجعد اجعد الوكل زين جوي جوي يا چبل
-هتوكليني بيدك؟!
قال كلماته بصوت هادئ يعبث في قلبها وبعثر مشاعرها دون رحمه خاصه وهو قريب من أذنها ... لتمد يدها امام فمه وهي تنظر اليه عينيه بخجل ليفتح فمه يتناول الطعام من بين يديها لكنه أمسك بأصبعها بين أسنانه لتتلون وجنتيها بكل ألوان الخجل .. ليترك أصبعها ثم قال :
-كده الوكل بجى طعمه حلو جوي جوي
لتخبئ وجهها بيديها ليقول هو بسعادة
-ليلتنا فل ان شاء الله
تمت بحمدالله
#سارة_مجدي
الناشر / موقع حكايتنا للنشر الالكتروني
حمل الان / تطبيق حكايتنا للنشر الالكتروني واستمتع بقراءة جميع الروايات الجديده والحصريه