" " " " " " " " رواية دمية على أرجوحة الكره (الفصل الثاني)
📁 آحدث المقالات

رواية دمية على أرجوحة الكره (الفصل الثاني)

 

الفصل الثاني

قبل خمس سنوات

...............

انطلقت بسيارتها عبر الطريق السريع بعد أن فتحت النافذة وزادت من سرعة السيارة لتنطلق في الفراغ شاعرة بالسعادة والحرية والهواء يطير شعرها بانطلاق.

 أطلقت صرخة سعادة بإحساسها المفعم بالحرية, ليس بعد اليوم...لن تكون تحت سيطرة أي كاستيلانو...

اليوم فقط  حصلت على حريتها، اليوم فقط لن تكون رهن أي من مؤسسات كاستيلانو, ستصنع عملها الخاص وتعيش من كدها, ولن تكون بحاجة لمخلوق  كاستيلاني الدم.

 لن تكون خاضعة لقوانينهم, ولن تتزوج أي منهم رغماً عنها,  اليوم حصلت على شهادتها العليا في تجارة الأعمال, وبالتالي حصلت على تذكرة ذهاب بلا عودة للعالم الخارجي بعيداً عن امبراطورية كاستيلانو للأبد..

أبطأت سيارتها فجأة عندما أثار انتباهها أشخاص بجانب الطريق يقومون بضرب شخص ما بينهم, توترت واحتارت ما تفعل وهي تزداد اقتراباً.

 أطلقت لعنة لا يصح لآنسة مهذبة اطلاقها عندما تذكرت تحايلات جدها المستمرة لتحمل معها سلاح للضرورة...

فكرت بأسف: "لولم أكن بكل هذا العناد، واستمعت لجدي ولو مرة واحدة"

 وفجأة استطاع الرجل الإفلات من مهاجميه وركض على الطريق مترنحاً وهم في إثره, زادت من سرعتها حتى اقتربت منه وفتحت الباب الجانبي ودعته للدخول من دون أن تتوقف السيارة...

لم يصدق عيناه وهذه الفرصة الغير متوقعة تنقذ حياته، ولكنه لم يفكر كثيراُ وهو يقفز داخل سيارتها لتنطلق فور دخوله, راقبت في مرأتها الأمامية بضحكة انتصار الرجال الغاضبون وقد وقفوا مذهولين لا يصدقون أنه أفلت من بين أيديهم.

أطلقت صرخة انتصار أخرى مهللة, ثم انتبهت للرجل المتأوه بجوارها وقد بدا مظهره وكأنه مر من أسفل عجلات القطار.

هتفت بنبرة أسف وإشفاق/

ـ تبدو حالتك سيئة...لماذا كان يضربك هؤلاء الرجال؟

تأوه مرة أخرى وهو يعتدل وقد وضع يده على بطنه وهدر متذمرًا:

ـ كيف يبدو لك الأمر...كان الاوغاد يحاولون سرقتي.

رفعت أكتافها قائلة بعينين متلاعبتان وهي تطرق على المقود بأصابعها:

ـ مزاجك السيئ  يتجه بالاتجاه الخاطئ فلست المتسببة لك بكل هذه الكدمات, أنا المنقذة...هل تتذكر؟؟

صاح بنزق:

ـ وأنا لم أطلب منك الإنقاذ، توقفي جانباً...قلت توقفي.

اتجهت بسيارتها فوراً لجانب الطريق بفرملة فجائية ثم أشارت له بحدة:

ـ تستطيع الخروج الآن...مزاجي لا يسمح لي بتحمل رجل نزق الطباع يجد صعوبة كبيرة بكلمة شكر واجبة لقاء عمل بسيط كإنقاذي لحياته...

ولأول مرة تلاحظ عمق عيناه الرماديتان وقد بدتا كنقطتين في وجهه الرجولي القوي بملامحه الحادة, وأنفه المرتفع بشموخ رغم كل الدماء والكدمات التي تغطي باقي ملامحه.

شعرت وكأنه على وشك الاعتذار فلم تتح له الفرصة وهي تشير له بيدها بصرامة:

ـ غادر سيارتي من فضلك...

مد يده اليسرى  ليفتح الباب, فقد كانت يده اليمنى  كانت ما تزال تضغط بقوة على بطنه, وببطيء شديد أدركت من خلاله أنه يعاني أنزل ساقيه الواحدة تلو الأخرى, وبعد لحظات أخرى تمكن من الوقوف.

 تنفست الصعداء فقد ساورها الشك لبعض الوقت أنه لن يتمكن من الخروج أبدًا, لم تكد أنفاسها تخرج براحة حتى شهقت مصدومة عندما انهار الرجل أرضاً كالسفينة الغارقة قبل أن يخطو خطوة واحدة خارج السيارة...

اتعت عيناها ذعرًا وهي تصرخ:

ـ اللعنة ..اللعنة ....يا ويلي ماذا فعلت، لقد مات الوغد؟

وخرجت مسرعة لتستدير حول السيارة وركعت جوار الجسد المنهار أرضاً تحاول معرفة ان كان ما يزال على قيد الحياة...

وضعت أذنها على صدره واستمتع لدقات قلبه الرتيبة, عندها تنفست بعمق مرة أخرى, حاولت دفعه بخشونة ليفيق، عندما لاحظت يده التي لا تزال تحيط ببطنه, أمسكتها لتزيحها عندما فوجئت ببقعة من الدم على صدره.

 زاغت عيناها بالدوار وانقلبت معدتها بالغثيان, فنقطة ضعفها الوحيدة في الحياة هي الجروح والدماء, أعادت يده على بطنه لتخفي بقعة الدماء كما كانت.

 نهضت مترنحة ودخلت سيارتها من الباب الجانبي حيث كان يجلس...فتحت درج القفازات واخرجت المناديل المعطرة لتمسح على  وجهها حتى استعادت أنفاسها, أخذت بعضاً من المناديل وركعت جواره مرة أخرى تناديه وهي تمسح على وجهه برقة:

ـ هاي...أيها السيد...استيقظ أرجوك...آسفة ان كنت فظة معك...ولكنك استفززتني...يا سيد....

فتح عينيه بصعوبة, ثم تأوه مرة أخرى فصاحت بلهفة:

ـ حمداً لله...انت بخير...أليس كذلك؟

تأوه:

 ـ أه نعم...يبدو أنهم تمكنوا مني، الأوغاد.

أعادت يده لمكانها بسرعة قائلة بتوتر:

ـ أه  نعم....أنت مجروح بشدة...ولابد من اسعافك فوراً...لو أردت سأصحبك لأقرب مشفى...

هتف بإنهاك:

ـ لا...

قاطعته بحدة:

ـ احذر لو طلبت مني أن أتركك مرة أخرى سأفعل ولن أنظر للخلف...لست على استعداد لإعطائك فرصة أخرى...لقد استنفذت كل فرصك عندي.

شبح ابتسامه عبر شفتيه الشاحبتين, والتي شقت بصعوبة دغل غير كثيف من لحيته المتشابكة:

ـ لا...كنت سأطلب منك أن توصليني لبيتي...لو سمحت؟

تراجعت محرجة:

ـ أه...في هذه الحالة...لن أستطيع الرفض...أليس كذلك؟

رد بصوته المنهك:

ـ لك حرية الرفض بالطبع وتركي هنا لألقى مصيري الذي أستحقه، أو اسوأ أن يعثر على اللصوص فيجهزوا على ما تبقى مني، ولا داعي لن يحمل ضميرك عناء مصيري فقد جلبت هذا لنفسي, بعدم تقديم ولو كلمة شكر واحدة لمنقذتي...

قلبت شفتها لأسفل قائلة بدهشة:

ـ هل رأيت، ان تكون مهذبًا ليس أمرًا شديد الصعوبة، خاصة في حالتك هذه.

حاول النهوض فمدت يدها لتساعده وهي تحاول الإشاحة بوجهها عن بقعة الدم التي تزداد انتشاراً:

ـ أعتذ، ربما لو شعرت بألمي عذرتني...

ساعدته حتى عاد للجلوس في السيارة وأغلقت الباب بقوة تقاوم الدوار الذي عاودها من رائحة الدم.

أخذت عدة أنفاس متلاحقة ثم مسحت وجهها بالمناديل المعطرة مرة أخرى وعادت خلف المقود تسأله بصوت عالي النبرة لتقاوم ضعفها:

ـ إلى أين...العنوان لو سمحت... مع اني ما زلت أعتقد أنك ستكون أفضل حالاً في المشفي, ستتلقى عناية فائقة هناك؟

ألقى عليها نظرة جانبية وسألها:

ـ هل أنتِ بخير؟

ردت بدون أن تنظر ناحيته:

ـ نعم، هل ستذهب للمشفى؟

ـ ادخلي من المخرج التالي,  وسأوجهك من هناك.

غمغمت بالموافقة, لاحظت بعد بعض الوقت أنهم لا يتجهون إلى أي مشفى, فقد تغيرت معالم الطريق بعد أن توغلوا في طرق جانبية تؤدي لمزارع لم تعرف بوجودها في هذا الطريق من قبل.

 لولا حالته المتردية وتأكدها من إصابته, لظنته سيختطفها, ربما لو كان بحالته الطبيعيه لرغبت أن يخطفها رجل مثله, يملك كل هذا الذراع القوي, والصدر العريض, والجذع الفارع.

 لا شك أنه لم يكن يوماً بحاجة لأن يلفت انتباه أي امرأة, ربما قتلتها زوجته لو رأته معها...

عبست عندما وصل تفكيرها لزوجته, فشطح بها خيالها تفكر كيف ستكون زوجته, شقراء, ام سمراء, وهو كيف سيحتوى امرأته, رجل مثله لا شك أنه عاشق مثالي, لن تعاني امرأته من أي اهمال وهو معها.

غادرت خيالاتها الرومانسية على صوته وهو يشير نحو الطريق:

ـ هنا...ادخلي في هذا الطريق الجانبي...يا...أنت لم تذكري لي اسمك؟

رسمت شبح ابتسامة وهي تومئ برأسها:

ـ ليوني...ليوني كا..ربنتر...كاربنتر....

اختلست نظر جانبية لتتأكد إن كان قد لاحظ ترددها وهي تختلق الاسم...لا تريد أن تجازف ان كان قد سمع بعائلتها.

من اليوم ستتعامل مع الناس على أساسا أنها هي نفسها ليوني وليست حفيدة كاستيلانو...

ـ وأنت...ما اسمك؟؟؟

التفت بوجهه ناحيتها وقد ظهر جلياً انه يحاول امتصاص ألمه, وبصعوبة كان صوته يخرج :

ـ دو...دومنيك...

سألته بنبرة قلق وقد لاحظت وجهه الذي أصبح محاكيًا لكيس القطن:

ـ هل أنت بخير دومنيك، لم يجب ان استمع لك كان لابد أن أصحبك للمشفى ، تبدو بحالة سيئة...لابد ان تقدم بلاغ للشرطة ليتم القبض على هؤلاء المجرمين؟

رد بشبح ابتسامة:

ـ ليسوا مجرمين...هم أقاربي.

شهقت متفاجئة:

ـ ماذا...ولكن...كيف؟

ـ لن تفهمي لو أخبرتك...أنها طريقتهم الغبية في اللعب الخشن, ولكنهم تجاوزوا الحدود, وسيدفعون الثمن غالياً..

صاحت بحدة وأصابعها تقبض على المقود بانفعال:

ـ  ولماذا كذبت علي من البداية؟؟؟

ـ ظننتك ستلجئين للشرطة ولم أرغب في التسبب لهم بمتاعب.

ضربت على المقود بقبضتيها هاتفة بغيظ:

ـ أتعرف ما يحتاجه أقاربك هؤلاء؟

أكملت وهي تكزعلى أسنانها:

ـ صفعة على وجه كل واحد فيهم، لا..لا صفعة لا تكفي...أتعرف من يستطيع حقاً تأديبهم...جدي.

سيأخذهم واحداً واحداً على ركبتيه ويضربه على كفله كما لم يستطع أبواه فعله مذ كان صغيراً...نعم هذا ما يحتاجه هؤلاء المتنمرون الأوغاد....دومنيك..ماذا بك؟

حاول قدر المستطاع ولكنه لم يستطيع كتم قهقاته الضاحكة, حتى ازداد ألم جرحه فتأوه من بين ضحكه...سألته مدهوشة:

ـ أتضحك؟

هز رأسه غير قادر على تمالك نفسه:

ـ نعم...أتخيل أقاربي وقد اصطفوا أمام جدك ليضربهم على كفلهم كالأولاد المذنبون، أنت غير معقولة يا ليوني.

كوميض البرق يخطف الأبصار في لحظة...في تلك اللحظة سرق قلبها، تلك اللحظة المستحيلة لهذا الرجل الذي لا ترى معالم وجهه جيداً من كثرة الكدمات الملونة التي شوهته, والدماء التي تنز من جروحه لتسبب لها الغثيان المستمر...

كل هذا لم يقف حائلاً أمام الحب القدري, كان يبدو طبيعياً على سجيته وهو يضحك منها رغم آلامه...لقد أحبت هذا الرجل...هزت رأسها بقوة لتنفض عنها أفكارها الغريبة...

ـ هاهو ..لقد وصلنا...هذا بيتي.

وفي نهاية الطريق الترابي لمزرعة يبدو عليها مظاهر الاعتناء والاهتمام, كان لقائها مع بيته...

هزت رأسها بابتسامة سارحة وفكرة مجنونة أخرى تجتاح عقلها:

"نعم...هذ هو البيت الذي طالما حلمت أن يكون لها...بيت صغير بطابقين من خشب الأشجار وسطحه القرميدي الأحمر...وسط مزارع خضراء، ورجل خطف قلبها من ضحكة رغم وجهه المكدوم..

بدا وكأنه يعاني من جديد وهو يطلب منها بصوت مبحوح:

ـ ليوني...لو تسمحي.. هل من الممكن أن تنزلي لتنادي على مدبرة منزلي, ستجدينها ربما في الطابق العلوي, هي قادرة على مساعدتي, أعتذر لأني لن أستطيع مغادرة السيارة بدون مساعدة..

هزت رأسها بارتباك:

ـ لا عليك...فقط مدبرة المنزل!! ألن أجد زوجتك أيضاً؟

رد بدهشة:

ـ زوجة...كيف خمنت أن لي زوجة...ما زلت رجل عازب...لم تتمكن إحداهن من أسري في القفص بعد.

تراجعت بإحراج:

ـ أوووه عفوًا ولكنني ظننت...

ـ أعتذر لتخييب ظنك...ولكني لا أعيش إلا مع  مدبرة منزلي العجوز...هل لديك ترشيحات ما لدور الزوجة؟

احمر وجهها بقوة واسرعت تغادر السيار وهي تصيح بارتباك:

ـ لا...بالطبع سأناديها...ما اسمها..؟

ـ مارثا...

ـ أه حسناً ...سأناديها فوراً انتظرني هنا..

هتف مازحًا وهو يتأوه:

ـ وكأن لي خيار...ثقي أنني لن أتحرك...مكره لا بطل...

راقبها حتى اختفت داخل أبواب البيت الخشبية...

عادت بعد دقائق...اقتربت بحذر من السيارة...كانت رأسه مائلة على النافذة...طرقت عليها بخفه, ففتح عيناه المنهكتان بصعوبة:

ـ مارثا...

هزت رأسها بقلق:

ـ لا...لقد تركت لك رسالة أنها اضطرت للسفر لظروف عائلية...أقترح أن اصحبك للمشفى...

اعترض بشدة:

ـ لا...سأنزل هنا، وسأعتني بنفسي...

اعترضت وهي تحاول اثناءه عن عزمه:

ـ وكيف هذا وأنت لا تستطيع فتح عيناك...اسمع دومنيك لقد طاوعتك...ولكن...انتهى الأمر الآن...لم يعد لرأيك أهمية سأصحبك لأقرب مشفى ستجد هناك من يعتني بك وبجروحك...كما أنك أخذت من وقتي الكثير بالفعل..

غمغم محرجاً:

ـ أعتذر...أنت على حق، يبدو أنها الطريقة الوحيدة، سأذهب للمشفى...

تنهدت براحة رغم شعورها بالضيق نوعاً...

عادت لتجلس خلف المقود, وأدارت مفتاح الكونتاكت...لا شيء.

مرة أخرى...لا شيء...أغمضت عيناها بقوة وهى تتلو صلاة صامتة وحاولت مرة أخرى ولكن ظل الموتور هامداً دون أي إشارة على الحياة...

التفتت له لتقرأ تعابيراً جامدة على وجهه, لم تستشف منها أي نوع من أنواع رد الفعل, الراحة أو القلق أو التوتر...فقط جمود...تنهدت بصعوبة:

ـ لابد أن الموتور به عطل...هل يوجد جاراج لتصليح السيارات هنا..

حدجها بنظرة مستغربة:

ـ نحن كما يقال في وسط  اللامكان، على بعد مئات الأميال من جميع الاتجاهات....يمكنني الاتصال بأقرب مرآب في القرية المجاورة, ولكن هذا سيستغرق وقتاً...

أطرقت برأسها تحاول استيعاب الموقف:

ـ هل هذا يعني أنني هنا معك وحدنا في اللامكان؟؟

أجاب بتوجع وهو يحاول التحرك للخروج من السيارة:

ـ لم تعجبني موسيقى كلماتك...قد تفضلي البقاء هنا في أمان سيارتك بعيداً عن الذئب الوحيد الجائع...أما أنا فسأحاول....

راقبته حتى خرج من السيارة بخطوات متثاقلة...ظلت مكانها متمسكة بالمقود وكأنه آخر سبيلها للأمان...

أعادت النظر حولها تعيد التفكير...ترغب بشدة لو أطاعت نداء قلبها المجنون, ولكن عقلها كان له رأي آخر.

لا يمكن أن تشعري بالحب نحو رجل التقيته منذ سويعات قليلة...لا يمكن أن يكون هذا حباً.

كما لا يمكنني البقاء داخل سيارتي للأبد...ماذا يمكن أن يحدث لو....

لم تفكر مرتين عندما سمعت صوت تعثره على أول الدرجات الخشبية, وهي تخرج من مكمنها الآمن إلى نداء قلبها المتلهف إلى المجهول.

أمسكت بيده تساعده ليستقيم مرة أخرى, تأملها بدهشة تجاهلتها وهي تضع ذراعه حول عنقها ورغم فرق الطول الشديد, وضعت ذراعها الأخرى حول خصره وساندته الدرجات القليلة ولم تتركه حتى دخلا غرفة المعيشة...إلى أقرب أريكة تهاوى جسده فوقها بتأوه وهو يكتم شتمة لمن تسببوا له بما هو فيه....

انتبه لبقائها واقفة أمامه تراقبه بقلق:

ـ شكرا لك...أؤكد لك أنني حتى لو رغبت بالتحول للذئب الشرير الذي يلتهم العذروات فذلك لن يكون قبل وقت طويل, والشكر لأقربائي الملاعين....

ـ أنــ... أنت بحاجة لعناية طبية...

تنهد بصعوبة:

ـ أعلم...لو سمحت هل تستطيعين احضار صندوق الاسعافات من حمام غرفتي...هو بالطابق الثاني, آخر غرفة في الردهة...

أومأت برأسها:

ـ أه بالطبع...لن أتأخر....

اعتدل في مكانه ما ان توارت في أعلى الدرج...خلع قميصه الملوث بالدماء...تأمل الجرح أعلى معدته وكان لا يزال ينزف...توعد بصوت مكتوم:

ـ سأقلتك موري، أيها الأرعن الغبي....

سمع أصوات خطواتها تنزل الدرج فأسرع بالاستلقاء مرة أخرى...فتح عيناه بصعوبة ليراها بابتسامتها المتجمدة وقد وقفت أمامه متخشبة تمد يديها بصندوق الاسعافات...تقاوم بشتى الطرق السخونة اللاهبة التي اجتاحت رأسها عندما وقع نظرها على الجرح الدامي على صدره العاري.

حدجها بنظرات غريبة...سمعت صوته كالصدى ينادي عليها من بعيد....حدق بها مذهولاً وقد تهاوت فاقدة الوعي تحت قدميه...

تحرك نحوها بحذر يناديها بصوت خافت:

ـ آنسة كاربنتر....ليوني...ليوني...

وضع يده على جبينها ففوجئ ببرودتها الشديدة...نهض من فوره وأسرع بالاغتسال ثم طبب جرحه الذي اتضح رغم نزفه الكثير أنه سطحي...إلا أن عظامه كانت تئن من الكدمات المنتشرة في كل انحاء جسده.

.ارتدى تيشيرت نظيف واتجه إليها, كانت لا تزال  على الأرض في نفس وضعها...حملها بين ذراعيه ووضعها على الأريكة برفق...

رطب وجهها بالمناديل المعطرة يناديها برقة وأنامله تتلمس ملامحها الناعمة...أنفها الدقيق...وجنتيها الشامختان...الشاحبتان...جفونها الطويلة السوداء المسدلة كستار من الليل المظلم لتخفي بريق عيناها الشقيتان...

ـ ليوني...ليوني...

تأوهت وهي تحرك رأسها بشدة, فأمسك كتفيها ليمنعها من السقوط من الأريكة:

ـ ليوني ...هل أنت بخير؟

فتحت عيناها بضعف وهي تمسك برأسها متسائلة بشرود:

ـ ما الذي حدث لي...لماذا؟

ـ لقد فقدت الوعي فجأة، كنت تحضرين لي صندوق الاسعافات وفجأة....

انتقلت عيناها لملابسه النظيفة وشعرت بالغثيان يراودها مرة أخرى وهي تتذكر منظر الدماء على ملابسه, فأشاحت بوجهها كي لا يرى ضعفها:

ـ أنا آسفة، يبدو أنني مرهقة لحد كبير..

ـ الاعتذار واجب مني أنا...لولا توقفك لإنقاذي...لما حدث ما حدث.

عادت تحدق به بنظرات نارية:

ـ نعم الإنقاذ من الا شيء ...لو كنت أعرف أنها مجرد لعبة خشنة بين مجموعة من الصبية المراهقين ما تكبدت عناء النظر ناحيتك...

تلاعبت ابتسامة عابثة ظهرت بوضوح من بين ملامحه المكدومة فأسقطت قلبها يرفرف بين أضلاعها:

ـ أعتذر مرة أخرى، ولكن من ناحية أخرى أنا شاكر حظي الذي أوقفك بطريقي...

سرحت في رمادية حدقتيه، وتاهت بين دروبها الخطرة الشديدة الوعورة...أجلت صوتها عندما شعرت بنفسها تتهاوي:

ـ سيد....

قاطعها بصوته الرخيم:

ـ دومينيك...فقط دومينيك

اقترب منها أكثر حتى شعرت بأنفاسه الحارة على وجهها وعيناه تسمرتا على شفتيها المغريتان, وكأنه يناجيهما بنداء خاص لا يفهمه سواهما, بلغة عشق تبادلاها بصمت...أغمضت عيناها استعداداً لتلقيها...أول قبلة...من أول رجل تهوى في غرامه من أول لقاء...

ازدرد لعابه بصعوبة هامساً بدون أن يقترب أكثر ليروي لهفتها:

ـ ليوني...هل ترغبين أن أجري الاتصال بجاراج التصليح الآن.؟

فتحت عيناها عن آخرهما مصدومة من ابتعاده المفاجئ, أطرقت برأسها  محرجة من انكشاف مشاعرها بهذا الشكل:

ـ أه ..نعم...طبعاً....لقد تأخر الوقت وأخشى أن يدخل الليل قبل أن يتم إصلاح السيارة...

رد بتأكيد زاد من شعورها بالخزي:

ـ بالتأكيد...سأعمل على أن تعودي لبيتك قبل حلول الظلام...لا تقلقي.

راقبته يبتعد بعد أن أجرى الاتصال, وسمعته يطلب من الجاراج سرعة الحضور وأعطاه العنوان بعد أن أكد عليه ضرورة السرعة.

ثم وضع الهاتف في جيبه متنهداً, وقد وقف في النافذة يحدق بالحقول الخضراء على مرمى البصر...التفت نحوها فجأة يحدجها بنظرات غريبة:

ـ سوف يكونون هنا، ستتمكنين من العودة لحياتك سريعاً...لابد أنك جائعة؟

انتفضت من مكانها تدفع احساسها أنها ضيف غير مرغوب فيه:

ـ أخبرني أين المطبخ وسوف أقوم بالطهي بنفسي....

ـ ولكن ...

احتجت بإصرار غريب، ربما وجدتها فرصة للابتعاد عنه ولو لدقائق، لتستجمع شتاتها:

ـ أرجوك، أنا أصر...لابد أنك مجهد...كما لا نرغب أن ...يلتهب جرحك من كثرة الحركة...

رفع أكتافه باستسلام:

ـ كما تشائي، تفضلي...المطبخ من هنا.

فوجئت به يتبعها مصرًا على مساعدتها, وبعد مشادة اتفقا على حل وسط, أن يكون بقربها حتى إذا احتاجت أي شيء...

كان الوضع مربكاً وعجيباً...بعد لحظات خف توترها، خاصة بعد أن اكتشفا أشياء كثيرة مشتركة بينهما, كحبها للموسيقى الكلاسيك، والأطعمة الحارة.

حتى الفنانين السينمائيين، بالتالي وجدا موضوعات كثيرة للمناقشة, وظلا يتسامران وكأنهما صديقان منذ سنوات.

سرحت تتأمل ملامحه الضاحكة، عينيه الشديدتا العمق, وكأن لهما لغة خاصة بهما...كانت تقطع السلطة غير منتبهة سارحة في خيالات غريبة، تشمهما مع فستان زفاف وخاتم ماسي.

عندما شعرت بألم مفاجئ, فنطرت لما فعلت لتفاجئ بالدماء تغطي لوح التقطيع بعد أن جرحت اصبعها...لم يدري ما حدث!!

في لحظة كانت تتأمله بعينيها البراقتان, وكأنها ترغب بأن تخبره أموراً كثيرة...وقد بدأت حكاياتها بالفعل بلغة العيون، عندما تسمرت ورأسها يتحرك كالآلة لترى ما جعلها تترنح...أسرع نحوها يتلقف جسدها قبل أن يلمس الأرض..

....

      رابط ثابت روايةِ دميةِ علىِ أرجوحةِ الكرهِ

https://www.7kayatuna.com/2023/04/mervatelbeltagydomyaalaorgohatelkorh_0986775834.html

الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات