" " " " " " " " رواية أميرة أحلامي (الفصل السادس)
📁 آحدث المقالات

رواية أميرة أحلامي (الفصل السادس)


الفصل السادس

اغتالت قلبها معه

*************

كان ينتظر ردها وهي سجينة كالعصفورة بين سجن ذراعيه على قضبان صدره يحتجز حتى النفس التالي لأنفاسها, فكر بعذاب" كم يرغب بها كما لم يرغب بامرأة

أخرى في حياته الحافلة, آه كم آلمه تفكيره بها وهي أميرته المحرمة عليه, أميرته التي وعد ألا يلمسها, حتى وهي بين ذراعيه سجينة وتنظر إليه وكأنها بانتظار حكم الإعدام فيها, وهو لا يريد إلا أن يدفن وجهه في ذهبية شعرها الحريري, تمتم بعذاب

"روجينا, مليكتي"

تصلب جسدها بين ذراعيه وأفكارها المخزية   تحرق رجاحة عقلها وتدفعها دفعاً للجنون المرحب به لتتلوى بين دقات قلبه القوية, ارتجفت مرعوبة من استجابتها المدفونة داخل طيات عصيانها وقد بدأت تخرج للسطح وقريباً جداً سيراها وربما ينتهز الفرصة ليحصل على حقوقه بموافقتها, والكارثة أنها ستستجيب بعد أن أحرق بجاذبيته الظالمة آخر معاقل مقاومتها.

توقف فجأة وابتعد فوراً بعد أن لمح التماع عينيها بالدموع وتراجع يعتصر قبضته بيده وكأنه نادم على لمسها رأت بعينيه كلمات كثيرة لم تخرج من لسانه ولم تستطع ترجمتها فازدادت حيرتها خاصة عندما اتجه نحو الباب وقبل أن يخرج منه استدار نحوها قائلاً

"روجينا, آسف لأني أفزعتك ولكن رجاءاً لا تكوني مثلهم "

استعادت وعيها بالكامل بعد ابتعاده بتأثيره المدمر عليها

انتفض جسدها مرتعداً عندما صفق الباب خلفه بشدة, لفت ذراعيها حول نفسها تتحسس كتفيها المتورمان من ضغط أصابعه, ثم نظرت نحو الباب متسائلة بحيرة "ماذا يعني, ألا أكون مثلهم, من هم؟ آه يا رشيد لماذا تركتني وابتعدت, لماذا لم تتمسك بي, لماذا؟"

وقفت في الشرفة لتتنشق هواء الليل النقي عندما أرق السهاد مضجعها وذكرى اقتراب زوجها منها الليلة تركت بصماتها المائية على نفسها ومشاعرها, لمحته مرة أخرى يتسلل في قلب الظلام, وعرفته هو ومن غيره يملك هذه القامة الفارعة والكتفين العريضين ويتحرك بخفة الفهود ويخرج كل ليلة ليختفي في الحديقة.

كان الصدام الثاني أقرب مما تتخيل, فأعصابها كانت على شفير الانهيار منذ تلك الليلة التي رأت فيها رشيد ونظراته تنحر أسوار احتمالها,

نزلت على درجات القصر الكثيرة تحدق في الجدران العالية ورنين  كلمات آدم في أذنيها في أحد صداماتهم عندما أشار على جدران القصر قائلاً بحدة:

"تمتعي بالبقاء داخل جدرانك الباردة, ولكن كوني على ثقة أنها لن تدفئ قلبك الثلجي أبداً, فأنت ابنة أبيك وأجدادك"

لمست الحائط بأنامل مرتعشة ثم تجولت بعينيها مرة أخرى وشعرت بالصقيع يرعد قلبها من الداخل, نزلت باقي الدرجات مهرولة متجهة لحمام السباحة عندما أوقفها صوت ضجيج ضحكات منفعلة فاتجهت بنظراتها صوب الأصوات فرأت ما أشعل الغضب في أوردتها, مربيتها العجوز في حديث هامس ضاحك مع آدم زوجها, دبت في الأرض بقدميها كالطفلة العنيدة وانصرفت في الاتجاه المعاكس ولم تتوقف إلا أمام حمام السباحة تخلع ثيابها لتكشف عن جسدها الفاتن بقطعتيه المثيرتين وهمت بالقفز في المياه الباردة لتطفئ نيران غضبها المشتعلة عندما أوقفها صوت مربيتها الحنون

"صباح الخير يا حبيبتي, لماذا لم تناديني لأعد لك إفطارك"

رمقتها روجينا بنظرات ساخطة

"إفطاري, لا شكراً لا أريد منك شيئاً فقد لاحظت أنك مشغولة في إعداد إفطار شخص آخر, وكم بدوتما منسجمين سوياً"

احمر وجه نزوزو وتلعثمت

"أه حبيبتي, لقد كنا.."

صرخت روجينا بعصبية

"كنتما وستظلان دائماً متناسبين, فكلاكما من بيئة واحدة ومن أصل واحد, وأنا لا أريد منك خدمتي وبإمكانك العودة لتخدمي فؤاد فلست بحاجة إليك هنا يوجد الكثير من الخدم مستعدين لخدمتي بدون أن يتذلفوا في الحديث معي ويدعون حب صحبتي"

أنهت جملتها الغاضبة بشبه صراخ وقفزت في المياه تضرب بيديها بقوة, دون أن يطفئ الماء البارد في حرارة غضبها.

شهقت العجوز عندما شعرت بيد على كتفها فالتفتت لتجده أمامها, رسمت ابتسامة بين جداول دموعها وهي تحاول مسحها فأمسك يدها متسائلاً بحنان

"ماذا بك يا زوزو؟"

أشاحت بوجهها مبتعدة عن تحديقه وهي تجيب بصوت حاولت أن يكون طبيعياً

 

 "أنا بخير يا ولدي...عفواً أقصد سيدي"

حدق بها مدهوشاً ثم نظر للسابحة وقد بدأت ضرباتها للماء تهدأ لتستمتع بنعومته حول جسدها.

تمتم بدون أن يزيح عينيه عنها

"هي السبب أليس كذلك؟"

أمسكت بيده ترجوه

"آدم أرجوك, هي لم تعني ما تقول لقد تسببت في الضغط على أعصابها بتصرفي, أنا الملامة صدقني"

لف رأسه لينظر للمربية بمزيج من الدهشة وعدم التصديق

"أما زلت تتلمسين لها الأعذار, أنت التي ربيتها كأمها ولم تبخلي عليها بأي عاطفة لم تستحقها منك يوماً"

"آدم يا ولدي أرجوك لا .."

ولكنه لم يتوقف بعد أن خلع قميصه وقفز في حمام السباحة ببنطلونه فقط وضرب بيديه الماء بقوة ليصل إليها بسرعة ويفرغ فيها شحنة غضبه وكل ما عاناه من عائلتها الذين يستمرؤون معاملة الخدم كالعبيد بدون أن يردعهم ضميرهم النائم في سباته

كانت قد بدأت في الاسترخاء عندما شعرت أنها لم تعد وحدها وتحول إحساسها ليقين عندما شعرت بمن يمسك بقدميها فانتفضت فزعة وتلوت في الماء, استغرقها الأمر لحظات حتى أدركت أنه هو, لم ترى وجهه ولكنها اعتادت هذا الارتباك المميز في مشاعرها كلما اقترب منها, هدأت من نفسها قليلاً حتى فوجئت بخشونته وهو يدفعها دفعاً خارج الماء, خرجت لاهثة ثم التفتت له بغضب لتسأله عن سبب تصرفه ففوجئت به يدفعها لتسقط على العشب الأخضر, شعرت بالتهديد من طريقته المرعبة في النظر إليها وهو يتفرس بجسدها المنهك وكأنه يجردها من القطعتين الصغيرتين اللتين بالكاد تخفي عن عينيه الوقحتان أقل بكثير مما تود فعلاً إظهاره في هذه اللحظة, زحفت على الأرض متراجعة للخلف فأحنى ظهره أمامها واضعاً يديه على ركبتيه متلذذاً بذعرها الواضح وسألها بهدوء ما يسبق العاصفة

"هل أنت خائفة؟؟؟ نعم يتوجب عليك الخوف لأنني حذرتك من معاملتك السيئة  لزوزو ولم تسمعي تهديدي"

لم يمهلها الوقت لتستطيع الإفلات فأمسك بقدميها وأعادها جراً لتستلقي أمامه, فشل حركاتها ولم يقيد لسانها الذي صدح يصرخ منادياً على زوزو, فصاح مقهقهاً بملامح لا تمت للضحك بصلة

"الآن تستنجدين بها, تتذكري فائدتها وقت الحاجة إليها, ثم تلهبينها بسوط لسانك المسموم وقت غضبك وعصبيتك, وهي التي تستحق احترامك أكثر من أي مخلوق أخر, لن أدعي أن هذا العقاب سيروقني ولكن يكفيني أنك ستكرهين نفسك بعدها لمقدار علمي لأي حد تكرهيني"

لم تصدق ما يحدث لها لأنه بدا يقترب أكثر وأكثر حتى أطبق بجسده الضخم عليها مثبتاً يديها أعلى رأسها ثم أنحنى أكثر ليقابل وجهه وجهها وتحركت عيناه على شفتيها الورديتين المكتنزتين ولمحته يبتلع غصة ظهرت واضحة بتحركات عنقه وهو أقرب ما يكون إليها, تمتمت بصوت ضعيف مهترئ من دوامة المشاعر التي طحنتها حتى بدت بين يديه كخرقة مبللة

"أرجوك ابتعد"

وكأن توسلها الضعيف منحه إذن خاص ليهجم عليها بعناق ناعم رقيق أبعد ما يكون عن أي عقاب يمكن أن تتخيله, شعرت بجسدها وقد بدأ يخونها بعد أن خانها إحساسها وكبريائها الذي مات صريعاً في اللحظة التي بدأت تشعر فيها بالرغبة فيه هو زوجها الذي... فجأة قفز مبتعداً عنها بشكل مفاجئ مما سبب لها إحساس رهيب بعدم الأمان وعدم الحياة, وقف فوقها في وضعه السابق وبشكل مهين وكأنه أمسك بسكين وذبح كل إحساس حلو تملكها, مسح شفتيه بشعور هائل بالقرف رسمه بمهارة على ملامحه قائلاً

"كما سبق وقلت, لن أدعي أنني استمتعت بهذا الــعناق, فما أنت إلا مجرد جدار بارد كهذه الجدران التي تحيط بك, ولم ينتهي العقاب بعد!!!"

بخطوات مرتجفة نهضت من مكانها وبالكاد استطاعت أناملها المرتعشة أن تمسك بالمنشفة وضعها حول بكتفيها وهي لا تكاد تشعر بما يدور حولها من هول الصدمة, وحتى وصلت لغرفتها لم تكن تشعر بأي شئ لا برد ولا حر ولا حتى ألم, كانت ترتعش بدون الشعور بأي شئ,

عندما أفاقت من دوامات اللاوعي, لم تعرف أين كانت ولا أين أصبحت, نظرت من الشرفة فشهقت من الصدمة الجديدة فقد كان الظلام يعم الكون, تمتمت بذهول: "هل نمت كل هذا الوقت؟؟" تلمست كتفيها المتجمدان من البرد تحاول بعث الدفء في أوصالها, تحركت بصعوبة كالإنسان الآلي لتأخذ حمام دافئ يسري الحرارة في جسدها المتجمد, كانت أفضل حالاً بعد زخات المياه الحارة التي انهمرت عليها لمدة نصف ساعة كاملة حتى شعرت باستعادة أطرافها, ارتدت ثيابها محاولة أن تخلي ذهنها من أي تفكير, وجلست أمام المرآة  لتمشط شعرها, ضغطت على جرس استدعاء الخادمة, وانتظرت وطال انتظارها, تعجبت كثيراً فليس من عادة زوزو تركها هكذا بدون طعام طوال هذا الوقت, وحتى بدون أن تدخل لتطمئن عليها, ساورتها الشكوك فنهضت مسرعة لتفتح الباب  ولكنها لم تجد أي أحد, سارت بخطوات حذرة تنزل الدرجات الكثيرة حتى الطابق الأسفل, دقات قلبها كانت الأصوات الوحيدة التي تسمعها, تسارعت خطواتها حتى دخلت قسم المطبخ وازدادت دهشتها عندما لم تجد أي مخلوق التفتت تبحث عن باب الخروج وهي تكاد أن تفقد رشدها عندما اصطدمت به, رفعت رأسها لأعلى ثم تراجعت تتساءل بصوت مبحوح

" أين الخدم؟ أين زوزو؟ أين الجميع؟ "

رد ببرود

"لقد صرفتهم"

صرخت باستنكار وهي تستعيد بعض حيويتها

"صرفتهم ماذا تعني؟"

هز كتفيه بعدم اكتراث وولى لها ظهره وهم بالابتعاد عنها ولكنها لم تتركه وأمسكته من ذراعه صارخة بغضب

"اسمعني أنت لا تشح بوجهك عني وأنا أتكلم معك"

التفت يرمقها بنظرات ساخرة

"لبيك يا أميرة قصر النرجس"

تجاوزت سخريته وعقدت ذراعيها على صدرها قائلة بتكبر

"كما صرفت الخدم أعدهم, أريد أن أتناول طعامي فلم آكل طيلة النهار, كما ليس من عادة زوزو أن تتركني, مستحيل أن تتركني إلا إذا كنت أرغمتها"

"لم لا تكون قد ملت من معاملتك لها كالعبيد وقررت أن تقبل بمنحتي لها هي وكل خدم القصر, بأن يقضوا أجازة مدفوعة الأجر"

أطلقت ضحكة مجلجلة أثارت دهشته وهي تقول

"حقاً ومن يقوم بمثل هذا التصرف الأبله غيرك, فأنت دائماً تشعر بالحنين لأصلك الوضيع"

رفع أحد حاجبيه وعقد هو الآخر ذراعيه على صدره قائلاً

"لو كان إحساسي بهؤلاء الناس يضعني في مصاف الأصل الوضيع من وجهة نظرك, فنعم لي الشرف أنني منهم, والآن هلا تفضلت بالبدء بعملك الطبيعي كزوجة, حضري لنا الطعام"

دبت الأرض بقدمها صائحة بحدة

"لا شك أنك جننت"

رد ببساطة

"نعم على ما يبدو, تعالي معي"

ردت بخوف وهو يمسك بيدها بقوة ويجرها خلفه

"إلى أين؟؟ لا تجرني خلفك هكذا أخبرني"

ولكنه لم يرد ولم يلتفت إليها واستمر بجرها حتى غادرا القصر, شعرت برعب هائل وهو يخترق بها ظلام الحديقة دمعت عيناها بقوة ومسحتها قبل أن يلمحها, كادت تتعثر أكثر من مرة ولكنه لم يبطئ خطواته بل استمر بجرها خلفه حتى انشقت الأشجار عن كوخ غريب لأول مرة تراه في حديقة قصرها, مصنوع من خشب الأشجار, لم يكن كبيراً جداً رغم وجود طابق ثاني له, توقفت فجأة مسمرة قدميها في الأرض وصرخت لاهثة

"لن أدخل معك هنا, سأعود لقصري"

رد بعناد وأثر التصميم واضحاً على ملامحه

"أنت زوجتي وهذا بيتي, والزوجة مكانها بيت زوجها تفضلي"

ودفعها بحدة لتدخل ودخل خلفها وأغلق الباب خلفه وأحكم إيصاده

حدقت به بذهول وسألته ذاهلة

"ماذا تفعل لن تحبسني هنا؟ أنت لن تجرؤ"

تحرك ليجلس على أحد المقاعد الوثيرة التي تملأ المكان التي تبدو عليها كغرفة المعيشة وتتصدرها في الواجهة مدفأة حجرية مشتعلة جمراتها لتسري بألسنة نيرانها الدفء في المكان, الآن عرفت أين يقضي لياليه عندما يتسلل كاللصوص كل ليلة

تمالكت نفسها واستدارت نحوه يجلس مستريحاً كما لو كان في بيته

"أياً كان ما يدور في رأسك وهو السبب الذي جئت بي من أجله هنا فهو لن يحدث"

سألها باستمتاع للموقف

"وما هو؟"

"تريد أن تنهي مسرحيتك السخيفة وعقدك النفسية بإذلالي ودس أنفي في التراب"

"لا يا زوجتي العزيزة, جئت بك هنا لأعلمك كيف تكونين زوجة عن حق, وسأعلمك كيف تحترمين خدمك الذين جل اهتمامهم في هذا العالم أن يشعروك بالراحة ولا يستحقون منك التوبيخ بمناسبة وبدون مناسبة"

ردت بسخرية لاذعة وهي تقهقه

"أوه آسفة حقاً يا عزيزي لم أعرف أن توبيخي للخدم سيشعرك بالنقص"

تجاوز اهانتها بدون أن يظهر عليه أي تأثر ما عدا عضلات فكه المشدودة وهو يقترب منها بابتسامة لم تصل لعينيه اللتان أخذتا تبرقان بقوة مما أشعرها بالخوف ولكنها لم تتحرك من مكانها مع تقدمه نحوها ثم هز رأسها

"تبدين رائعة بالنسبة لامرأة في موقفك, أي امرأة أخرى كانت سترتعد وتطلب مني الصفح, أما أنت فتزدادين وقاحة وتكبر في كل دقيقة"

ردت بزفرة ساخرة

"أنت كما قلت من البداية.... مجنون"

"ألا تشعرين بالخوف من أن تكوني حبيسة مع رجل مجنون"

ردت بترفع

"أنت لا تجرؤ على أن تلمسني فلست بنظري سوى...خادم"

عاد ليضجع على مقعده واضعاً ساق فوق أخرى قائلاً بصوت جهوري صارم

"وزوجك الخادم يأمرك أن تعدي له الطعام, المطبخ من هذا الاتجاه, تفضلي, وتذكري الصبر ليس من شيمي"

"وإن لم أفعل, ماذا بيدك أن...."

لم يتركها تكمل جملتها فقز نحوها بخطوتين كان بجوارها, راقبته بذهول يخلع قميصه ويرميه بعيداً ثم رفعها من تلابيبها مهدداً

"والآن أيتها الأميرة الضائعة, الآن وفي هذه اللحظة سأحصل على أحد حقوقي الزوجية ولست طماع لأطالب بها كلها, فقط حق واحد فقط سيرضيني, إما ذلك الذي يؤخذ على الفراش في غرفة نومي, أو الذي يمكن تقديمه في المطبخ"

تمتمت بألم وهي تحاول التخلص من قيد ذراعيه المحيطة بها

"ستدفع الثمن غالي أيها الحقير"

شعرت به أقرب إليها من أي مرة سابقة لدرجة أنها ظنت قلبه يدق في صدرها

اغرورقت عيناها بالدموع التي أبت أن تسقط ففك أسر جسدها وتركها مبتعداً قائلاً بصوت أقل حده

"المطبخ من هنا يا روجينا, أعتقد أن هذا هو خيارك أليس كذلك؟"

شمخت بأنفها وهي تتجاوزه بكبرياء يأبى الخضوع حتى في حالتها

أعدت ما توافر لها من طعام خفيف, وكأنه كان يراقبها فدخل قبل أن تناديه, همت بالخروج فأوقفها

"رينا أنت لم تأكلي شيئاً اليوم, اجلسي معي المطبخ يتسع لكلينا"

وقفت مترددة للحظات حتى سمعت نداء معدتها الصارخ فجلست أمامه تتناول طعامها بهدوء بينما شرع بتناول طعامه كمن لم يأكل منذ شهر كامل, راقبته لبعض الوقت بدون أن يشعر حتى أحس بنظراتها فابتلع  ما يمضغه وتمتم معتذراً

"آسف, هل يبدو شكلي منفراً يمكنني أن أتناول طعامي في الخارج"

"لا...عفواً لم أقصد ما تبادر لذهنك, تناول طعامك منظرك لا ينفرني, آدم.."

رفع رأسه محدقاً فيها بذهول فسألته مرتابة

"ماذا بك هل قلت شيئاً خطأ"

"لا, ولكنها المرة الأولى التي تنطقين فيها اسمي"

احمرت وجنتاها وأطرقت برأسها

"كنت تسأليني سؤالاً"

"أه نعم...لماذا بنيت هذا الكوخ؟"

"لأن جدرانه الدافئة تشعرني بالأمان و..الحب"

رفعت رأسها تتأمل جدران البيت الخشبية ولدهشتها شعرت بالدفء الذي يخبرها عنه ولكنها رفضت أن تصدق"

نهضت فجأة لتغادر فأوقفها قائلاً بحنان

"سأعد القهوة وألحق بك"

لم تدري لم اختارت هذا المقعد لتجلس القرفصاء فوقه تتأمل نيران المدفأة تتراقص بلحن مميز, وكادت تغفو عندما سمعت وقع أقدامه, وبعد قليل بدأت الموسيقى الناعمة تصدح في المكان, وضع فنجانين القهوة جانباً ثم مد يده تلقتها بشرود وبدون أن يتكلم أو ترفض عرضه, ركزت نظراتها في نقطة واحدة على صدره ودارت معه يتراقصان على أنغام الموسيقى, شعرت كأنها تطير على سحابة وردية في حلم جميل, شفتاه تكاد تلتصق بجبهتها ويداها تلتفان حول عنقه, ورأسه ينحني لتحصل عيناه على ما تصبو إليه شفتيها النديتين المغريتين كالخطيئة, أغمضت عيناها بقوة لتتلقى القبلة التي قرأت وعدها في عمق عينيه, وبدأت أنفاسه الحارة تلفحها فتأوهت بصوت خفيض وبدأت تشعر بملمس فمه ينزل من جبهتها لأنفها حتى وصل لمستقره, شفتيها, ولكن طال انتظارها فتحت عيناها مصدومة وازدادت صدمتها عندما وجدته وقد ابتعد تماماً ثم دفعها عنه بخشونة وأصابعه تعيد شعره للخلف لاهثاً, لم تصدق أنه فعلها بها مرة أخرى, همس معتذراً

"روجينا أنا.."

هزت رأسها بقوة وقد انهمرت دموعها هذه المرة بدون رادع وهي تصيح

"أرجوك لا تقل أي شئ"

كان يكفيها شعورها بالاحتقار والذل, أمام انتصاره الكبير"

كان يهم بدفعها مرة أخرى لأحضانه عندما دوت طرقات هائلة على الباب, أسرعت تحتمي به وهو يحدق بالباب الذي انفتح مكسوراً بعد استخدام القوة في فتحه ليطل عليهما رشيد وخلفه رجلاً بحجم الغوريلا, صرخت روجينا بحدة عندما رأت وجه ابن عمها المألوف

"رشيد ما الذي تفعله هنا؟ وكيف تدخل بهذا الشكل؟"

كان رده أكثر دهشة من طريقة دخوله فظهر بيده سوطاً رفعه عالياً وهوى به على يد آدم التي تمسك بزوجته, صرخت ملتاعة من منظر الدماء الذي نزفت من جرح زوجها فعادت تصرخ

"رشيد هل جننت؟"

فح صوته بحقد وغل دفين
"ربما يا عزيزتي ولكن ليس الآن بعد أن عرفت سر ذلك الحقير الذي اختطفك مني"

باغته آدم بلكمة غاضبه في فكه صائحاً

"سئمت منكم يا عائلة السيوفي وطريقتكم  البالية في التفاهم"

ولكنه لم يكد يفرح بانتصاره وبرؤية رشيد ذليلاً أمامه, إلا وكان الرجل الضخم الذي نسي وجوده يمسكه بقبضة واحدة من عنقه ويرفعه عالياً بدون أي مشقة, صرخت روجينا ووجه زوجها يزداد احمراراً ويكاد يختنق

"يا إلهي رشيد اطلب من رجلك هذا أن يتركه سيقتله"

رد رشيد مستمتعاً بما يرى

"ليذهب للجحيم لن أبالي"

صرخت بحدة

"رشيد السيوفي قل له أن يتركه وإلا لن أكلمك لآخر يوم في حياتي"

تنهد رشيد بضيق ثم أشار للرجل فأرخى يده ولم يتركه, التفتت لابنة عمها بحدة

"والآن أخبرني ماذا تريد من هذا الاستعراض"

رد بوقاحة

"جئت آخذ ما هو لي"

سألته بدهشة

"وما هو؟"
"أنت يا رينا, أنت لي وستكونين لي, ولن يفرقنا هذا الخادم أبداً مهما كانت حجم ثروته فهي لن تغير من أصله الوضيع"

"رشيد أنا زوجته, لا يمكنك أن تقتحم بيتنا هكذا وتطالب بي وكأنني مجرد شئ كنت تمتلكه خسرته في لعبة مراهنة حقيرة والأت تأتي لاسترداده"

صاح آدم من الخلف بصوت متحشرج

"رشيد, خذ رجلك هذا واغربا عن وجهي فوراً وسأحاول أن أنسى ما فعلته لتوك, إكراماً لزوجتي"

صاح رشيد بتبجح

"إن نسيت أنت لن أنسى أنا ما فعلته بي أبداً, والليلة سأنتزع حقي منك كما سرقت مني خطيبتي"

عاجل آدم الرجل الضخم بقبضة فولاذيه ولكنها لم تحركه ذرة من مكانه وأمسكه قبل أن يصل لرشيد وعاجله بضربه أخرى قذفت به على المقعد وكاد أن يهديه لكمة أخرى حتى صرخت روجينا

"توقف انك تؤذيه وأنا لن أسمح لك, رشيد ما تطلبه غريب, يبدو أنك ثمل, اصحب رجلك هذا واذهب وغداً سنتحدث"

هز رشيد رأسه باسماً

"الآن يا عزيزتي, وليس بعد ساعة"

فاجأها بعناق كتم أنفاسها حاولت دفعه ولم تقدر حتى غافل آدم حارسه وقفز نحوها ليبعدها عنه فاجتمع عليه الرجلان يلكمانه ويقيدانه للمقعد مكدوم ومصدوم مما يحدث, زادت حركاته قوة وعنفاً ليفك قيده ولم يستطع, ضحك رشيد ساخراً, لا تبدو قوياً الآن أليس كذلك, صرخ آدم بغضب وقد انتفخت أوداجه واحمر وجهه ونفرت عروقه

"واجهني رجل لرجل أيها الجبان"

تجاهله رشيد وهو يلتفت لروجينا

"والآن حبيبتي, ما رأيك؟ أخبريني أين غرفة نوم هذا الوغد, رغم أني تخيلت المشهد وأنا أحصل عليك أمامه لأحرقه حياً ولكن لا بأس من أن يتخيل ما يحدث على فراشه وهو هنا كالأسد الأسير لا يملك إلا أن يزأر فقط, رينا أين الغرفة؟"

وفي لحظة سوداء من لحظات الزمن التمعت فكرة شيطانية أنثوية مائة بالمائة لترد عن كرامتها الجريحة, رأته مصعوقاً مذهولاً وهي تهز رأسها بابتسامة تائهة لرشيد, ابتسامة لا تعني إلا الموافقة, هز آدم رأسه بصمت كطير مذبوح بعاني من سكرات الموت ودمه يزهق تحت أقدامهم, فشمخت بأنفها وكأنها تخبره أنه رفضها وهي ستحرقه بتخيلاته فقط, أشارت لرشيد وهي تتقدمه بخطوات مرتجفة


 رواية أمِيرة أحِلامي

الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات