" " " " " " " " من وحي صورة ١
📁 آحدث المقالات

من وحي صورة ١

#من_وحي_صورة
#سارة_مجدي

دلفت الي تلك الغرفه بعد حديث طويل مع الطبيب الذي شرح لها الامر بالكامل 
ويالا العجب لقد وصف الطبيب كل شيء بصدق شديد وكأنه كان يرسم لوحه تكاد تنطق بالحروف 
سيدة اربعينيه تجلس على كرسي وثير … تنظر الي النافذة وكأنها لوحه ثابته او تمثال من الشمع لا تتحرك 
أحضرها اخيها الي هنا بعد ان يأس من حالتها … وعلى قوله لا يعلم سبب ذلك الصمت او كما وصف لها الطبيب حالتها "اكتئاب حاد"  …. لكن زوجته اخبرت الطبيب بكل شيء 
انها على هذه الحاله منذ رفض اخيها تزويجها الي ذلك الرجل الذي تقدم الي خطبتها اكثر من ثلاث مرات … ومنذ تلك اللحظة رفضت الزواج وتحولت حالتها من صمت تام إلي رفض للحركه 
ولذلك أحضروها الي هنا …. آخذت الطبيبه نفس عميق وأقتربت من مكان جلوسها  وجلست أمامها 
لكنها لم يتحرك لها جفن … وكأنها لا تشعر بوجودها من الآساس … ظلت "تسنيم" تتأملها وتسجل ملاحظاتها 
(( عيونها ثابته …. انفاسها منتظمة … لكنها تحركه أصبعها السبابه في يدها اليمنى بحركه منتظمة ورتيبه )) 
فقررت ان تتحدث معها علها تجد منها رد فعل ولو بسيط 
- ازيك يا أماسن؟ 
رمشت "أماسن" بعيونها عده مرات ولكنها لم تنظر اليها او ترد 
…. أبتسمت "تسنيم خاصه وانها تعمدت نطق أسمها بعد معرفتها ان ذلك الاسم لم يكن يناديها به سوا ذلك الرجل فقط فجميع عائلتها واصدقائها ينادونها ب "ميس" 
ظلت "تسنيم" صامته تحاول التفكير جيدًا في كل ما قرأته في ملف " أماسن" وتحلله ولم تجد حل لحالتها … فجميع العقاقير الطبيه الخاصه بحالتها لم تأتي ثمارها معها … ولم تكن المشكله في اخيها او زوجته … ولكن المشكله الاساسية هي فقدانها لذلك الشخص 
وهو أيضًا الحل الوحيد لها 
~~~~~~~~~~ 
لم تدخل اليها منذ اخر مره هي لا تستجيب للحديث … ولا تتفاعل معها …. ولكنها ظلت تراقبها من الغرفه الأخرى فدخولها اليها لن يغير حالتها ولن تضيف شيء اخر …. طرقات على الباب الغرفه وبعدها دخول الممرضه حتى تخبرها بوجود شخص يسأل عنها فغادرت الغرفه وتوجهت الي مكتبها وحين دلفت اليه وجدت رجل في اوائل الخمسينات يقف بجسد ممشوق يبدوا انه كان رياضي في شبابه … لحيه بيضاء يتغللها بعض الشعيرات السوداء تزيده وقار وهيبه … ينظر من نافذه الغرفه الي تلك الحديقه الخضراء المميزة يعقص يديه خلف ظهره ليزيد على مظهره وقار وهيبه … لكن من هو … خطت الي الداخل وهي تقول
- السلام عليكم 
التفت الرجل بهدوء لتجد ملامح رجوليه صارخه … صحيح رسم الزمن عليها اثره بوضوح الا انه وسيم بدرجه تخطف الانفاس … أجابها بصوته الرخيم
- وعليكم السلام ورحمه الله … دكتوره تسنيم؟!
- ايوه يا فندم …. مين حضرتك؟ 
اجابته بابتسامة عمليه …. ليقترب من مكتبها التي جلست خلفه وقال
- أدهم ابو العز …. عرفت ان حضرتك بتسألي عني 
شعرت بالسعادة تملىء قلبها ووقفت سريعًا وهي تقول 
- آهلًا وسهلًا بحضرتك … فعلًا انا كنت منتظرة حضرتك على نار 
شعر بالاندهاش لكنه اجابها بهدوء 
- خير ان شاء الله 
لتشير اليه حتى يجلس … فجلس بوقار وهيبه ونظر اليها بتركيز … لتبتسم ابتسامة رقيقه وهي تقول 
- في الحقيقه انا طلبت حضرتك  علشان عايزة اتكلم معاك بخصوص  …. أماسن 
لينتفض واقفًا حين سمع اسمها وبدء صدرة في الارتفاع والهبوط من شده تنفسه السريع وهو يردد 
- أماسن … أماسن هنا … ازاي وليه؟!
وقفت سريعًا وأقتربت منه وهي تقول 
- أستاذ أدهم أرجوك اهدى … أماسن محتاجه حضرتك 
عاد ليجلس في مكانه وقال بصوت مُرتعش
- ايه اللي يوصل أماسن انها تدخل مصحه نفسيه … ايه إللي حصلها؟ 
جلست أمامة وقصت عليه كل شيء لتنهمر دموعه فوق وجنتيه وهو يقول بصدق 
- والله انا حاولت كتير … اكثر من الثلاث مرات … انا  قابلت اخوها كتير وكنت هبوس ايده ورجله كمان علشان يجوزهالي … لكن هو كان رافض وقتها واخر مره قالي لو انت اخر راجل في الدنيا مش هجوزهالك  …. وقالي ان في واحد تاني وهو موافق عليه …. مقدرتش افضل قاعد في البلد واشوفها بتتجوز حد غيري … فقررت اسافر ….  ولسه راجع من سنه.
شعرت بالحزن من أجلهم … لكن ليس بيدها تغير الماضي … ما بيدها هو الحاضر والمستقبل وهي ستساعدهم بكل ما تستطيع …. فقالت بهدوء
- من وقت رفض اخوها وفقدنها الامل في الارتباط  بيك  دخلت في مرحله اكتئاب حادة … ولما فقدوا قدرتهم على تحمل حالتها او انهم يلاقوا حل ليها دخولها المصحه وجميع الأدوية والحلول الطبيبه فشلت في خروجها من حاله الاكتئاب … والحل الوحيد والأخير لشفائها هو أنتَ  
لتلمع عيونه ووقف سريعًا يقول 
- عايز اشوفها 
وقفت امامة وهي تقول بمهادنه
- أستاذ ادهم الموضوع محتاج ترتيب … بس انا ممكن اخليك تشوفها من بعيد بس الاول هو حضرتك اتجوزت؟! 
ابتسم ابتسامة صغيره تعبر عن  كم الالم واليأس وقال بصدق
- كل ستات العالم ماتوا في عيني من بعد ما فقدت الاما انها تكون ليا … ودعيت ربنا يرزقني بيها ولو مش في الدنيا يبقا في جنته اللي لا فيها الم ولا حزن 
ابتسمت بحزن شديد ولمعت عيونها بالدموع لكنها قالت 
- اتفضل علشان تشوفها من بعيد وكمان علشان تقدر تعرف حالتها بالظبط . 
حرك راسه بنعم وتحولت نظراته الي رجاء وتوسل … لتشير له ان يسير معها … غادروا مكتبها ومباشرة الي الغرفه الملاحقه لغرفه أماسن … ومن خلف ذلك الجدار المصمم خصيصًا حتى يتابعوا الحالات دون ان يروهم وقف ينظر اليها والدموع تغرق عينيه 
وبدء يهمس بصوت يكاد يكون مسموع 
- وحشتيني … وحشتيني اوي يا أماسن يا حب عمري كله  … مقدرتش أشوف غيرك ولا قدرت اتجوز غيرك … كنت فاكر انك بقيتي لغيري وقلبي كان بيموت كل لحظه في بعدك … بس سبحان الله … ربنا حفظك ليا …. حافظلي عليكي يا قلب أدهم وروحه
تجمعت الدموع في عيون "تسنيم" وهي ترى امام عيونها حب حقيقي … يشبه القصص والروايات لكن على أرض الواقع. حقيقي وملموس 
~~~~~~~~~
مر أسبوع وها هو معادهم كمًا اتفقا …. اليوم سوف تأخذ اول خطوه في علاج فعال في حاله "أماسن" بعد ان جلست مع أخيها وزوجته وشرحت لهم الوضع كاملًا وأخبرتهم عن لقاتها ب "أدهم" وانه لم يتزوج بأخرى وحبه الكبير ل "أماسن" … والأكثر من ذلك انها حملته نتيجه ما حدث لاخته … وان عناده وتعنته في رفضه زواجهم هو ما اوصلها لتلك الحاله هو من جعل شخصان يقضيان كل منهم حياته وحيدًا يعاني بصمت 
ولذلك لم يستطع ان يعترض على ما تخطط له بل انه اعطاها موافقته على كل شيء سوف يحدث في المستقبل 
~~~~~~~~
حضر "أدهم" في معادة بالتحديد …. صحيح يرتسم التوتر على ملامحه … لكن لمعه عينيه التي تشتاق اليها والي لقائها …. وقف عند باب غرفتها ينظر اليها على نفس جلستها حين رأها الاسبوع الماضي … المختلف بها هو ذلك الفستان الرقيق الذي يظهر جسدها الرشيق … وخصلاتها المرتبه بشكل يظهر ملامح وجهها الرقيقه …. أشارت له "تسنيم" ان يتقدم  واخبرته انها ستراقبه مع اخيها وزوجته ومدير المستشفى وبعض الاطباء من خلف الزجاج 
كان يقترب من مكان جلوسها وهو يتذكر حين قابلها اول مرة … ابتسامتها الخجوله له … عيونها التي تلمع بشقاوه محببه …  حتى أقترب منها ولم يعد يفصلهم الا خطوه واحدة فقط … ظل واقف في مكانه لعده دقائق … يحاول ان يجمع شتات قلبه … ان ينظم ضربات قلبه التي تتصارع داخل صدره بقوه … يحاول ان يجد الكلمات التي كان يحفظها طوال اسبوع ويرتبها حتى يصف بها حاله في غيابها 
وكلنت هي تشعر ان قلبها يرتجف … ذلك العطر الذي وصل اليها يذكرها بمن لم تنساه يومًا … لكنها شعرت بالخوف من تصديق فكره وجوده جوارها واستحالتها أيضًا جعلها تظل على جلستها دون ان يتحرك منها جفن 
ومن خلف الزجاج كان الجميع يتابع ما يحدث عن كثب حتى ان "مصطفى" الاخ الاكبر ل "أمانس" تجمعت الدموع داخل عينيه وهو يرى بعينيه ما كان هو سبب فيه … رجالا تملك اليأس منه حتى وهو يرى امامه حلمه كما اراد … ويتذكره وهو صغير حين كان يقف امامة يتوسله رضا ووصال 
اخذ "أدهم" نفس عميق وجلس على الكرسي المواجه لها … لم تتحرك أيضًا … ليستجمع كل طاقته وهو يقول
- ازيك يا أماسن
لحظات صمت طويله … لدرجه انه قد ظن انها لن تستجيب له … لكن تلك الدمعات  التي بدأت تسيل فوق وجنتها وعيونها التي تحركت لتنظر اليه وشفتيها التي ارتعش … جعلت دموعه هو الاخر تسيل دون توقف وظل الموقف ثابت لعده ثوان حتى مدت يدها له ليمسكها هو بقوه وعيونهم تتحدث … يخبر كل منهم الاخر بكم تعذب في غيابه … وكم تألم وحيدًا … يخبر كل منهم الاخر انهم الان عادوا الي الحياه 
حتى ان ملامحهم لمن يراها سوف يشعر بأنها تغيرت تحولت اصبحت اكثر جمالًا واشراقاً … حتى الابتسامة التي تظهر من خلف دموعهم مشرقه ومميزه 
ولم يختلف حال من يشاهدوهم من خلف الزجاج عن حالهم الابتسامة تزين وجوههم رغم تلك الدموع التي تغرقها … لحظات لم يتخيلها احد لحظات لو قصها احدهم على اي شخص لن يصدق كل هذا وسوف يراها قصه خيالها 
لتكتشف "تسنيم" عدم احتياج "أماسن" لاي علاج الان … ان علاجها يجلس أمامها الان تتحدث اليه ويتحدث اليها … تمسك به بين يديها … وتحتضنه بعيونها 

( الفقد عذاب لا يستطيع الانسان تحمله … الظلم والحقد يحرق القلوب … لكن الفقد يحطمها يحولها الي قطع صغيرة … لا نستطيع تجميعها .. ولا نستطيع اعادتها كما كانت … فرفقًا بمن تحبون)) 

من وحي صورةِ 
تمت
#سارة_مجدي
تعليقات