قابيل:
- اصلا ازاي جت المساومة بينهم؟
رديت عليا وهي بتقولي:
- بعد ما اتفقنا على اللى هيتقال، نامت سهر فى سريرها زي كل يوم، وفى الوقت بتاع بليل وقبل الفجر فتحت عنيها على ايات وهي قاعدة قدامها على السرير زي كل يوم وبتحاول تلمسها، طبعا كانت مش ايات كان هو عُقاب بعنيه الغرقانة بالسواد، اول ما شافته فى البداية حسيت سهر بالخوف لكن افتكرت كل الكلام اللى اتكلمناه وقالتله بأبتسامة كدابة:
- عُقاب..مش هينفع، انا مش مرتاحة..
ودي كانت اول تنطق فيها اسمه وتوجهله كلام، ومن عشقه لها ابتسمت ايات وهى بتبص لسهر بحب مش مجرد عشق جنسي، لاء هو كان بيحبها فعلا مش لعلاقة وخلاص مابين جن وبشر، ابتديت سهر تقاوم خوفها وكملت كلامها:
- البيت ده ملعون بالنسبالي، مش بحس فيه غير بالخوف، مش عارفة افكر فى اي حاجة غير الرعب اللى بحس بيه، دايما مخنوقة ومش مرتاحة ويمكن علشان كده مش عارفة احس من ناحيتك غير بالخوف.
رد عليها بلسان ايات لكن بصوته هو اللى اختلط بصوت اختها:
- مينفعش تخافي فى وجودي يا عشقي، انا اقدر احميكي من الكون كله، ولا جن ولا بشر ممكن يقرب ناحيتك او يأذيكي طول ما انا حواليكي ومعاكي...
قاطعته سهر وهى بتقوله:
- وجودك يطمني ده طبعا حاجة مش محتاجة نتناقش فيها، لكن المكان نفسه هنا من كُتر اللى شوفته فيه بقيت مقبوضة منه مش عارفة ارتاح، عدم الراحة مسيطر عليا اكتر من الخوف والرعب.
عُقاب:
- وايه اللى هيحسسك بالراحة؟ اللى انتي هتشاوري عليه بس انا هحققهولك، بس المهم انك تتأكدى ان محد شفى العالم كله هيبقى بيحبك زي ما انا بحبك.
كانت سهر بتبلع ريقها بالعافية من خوفها وتوترها، اه اللى قدامها اختها لكن النظرات والصوت لواحدهم كانوا خير كفيل للرعب انه يتمكن من قلبها، رسمت ابتسامة عريضة وهي بتقول:
- عايزة ابعد عن ابويا...
رد عُقاب بأبتسامة:
- اخدك العالم بتاعي، هتكوني هناك اميرة، هتعيشي عيشة الملوك والخُدام من الجن والبشر هيكونوا تحت رجليكي.
سهر:
- لاء يا عُقاب، انا مش عايزة اروح لعالم تاني واسيب امي واختي لواحدهم، انا مقدرش ابعد عنهم، واكيد مش علشان انا عشقت هفرض عليهم انهم يتنقلوا معايا لعالم مش هيكونوا راضيين ولا موافقين على انهم يعيشوا فيه، امي اصلا متحملة عيشة ابويا باللي بيعمله من سنين بالعافية، اخدها انا بقى اخليها تعيش وسط الجن والعفاريت؟
عُقاب بجدية:
- عايزة تخلصي منه ازاي يا سهر؟ تحبي انفيه فى العالم بتاعنا؟
سهر:
- عايزاه يموت..
سكت عُقاب وبص لسهر بنظرة مش مفهومة، غمضت عنيها واخدت نفس طويل واتكلمت بنعومة صوت وهي بتقول:
- لو مات هتقدر امي تمشي بينا من هنا، هنروح مكان جديد بعيد عن كل اللى بيخوفني واللى بيعيشني فى قلق، مكان تبقى انت فيه معايا بحياتي الجديدة فى كل حاجة، قولت ايه؟ قولت ايه يا حبيبي؟
عُقاب برغم انه فى عالم الجن له مكانة مميزة، الا انه قصاد عشقه لسهر كان اضعف من مكانته الحقيقية، وعلشان كده كلمة حبيبي اللى قالتها كان لها تأثير اسرع من اللى توقعناه، لكن هو قالها شرط خلاها خايفة تتصرف اي تصرف...
قابيل:
- قال ايه؟
قالها:
- هخلصك منه يا سهر، لكن حذاري تكوني بتكدبي، صدقيني لو فكرتي تلعبي معايا هتخسري، وعلشان يكون فيه بينا معاهدة واتفاق، مقابل اني اخلصك منه تبعدي ايات عن اي بني ادم يكون متدين، مش عايز حد يدخل حياتها ويكون قريب من الله، ده لو حصل ساعتها البوابة اللى بتقربني ليكي هتتقفل، وهيكون وصولي ليكي مش سهل ده لو مكانش مستحيل...ايات هي بوابتي لعالم البشر اللى انا مش عايز منه حد غيرك.
سهر ابتسمت بفرحة اكبر وحسيت ان ده مش شرط بالعكس ده طوق نجاة، لكن هو كمل كلامه وقال:
- صدقيني ده لو حصل ايات هتخسر حياتها كلها، مش هتبقى مجرد واحدة ممسوسة او مجنونة، حياتها كلها هتضيع لو هتكون هي سبب فى بعدك عني وبعدي عنك.
الكلام بالنسبة لسهر يخوف، اصل هي دى خطتنا، سهر هتقرب من ربنا وتحصن نفسها، ونشوف حد يكون هو الحصن لأيات وبكده نقفل البوابة اللى فتحها علينا ابوهم دي، وفى اللحظات اللى كانت بتفكر فيها سهر فى الرد، كان عُقاب بيقولها:
- الليلة الجاية هتكون اخر ليلة فى حياة ابوكي يا سهر، ابوكي اللى فتح ليا البوابة هخلصك منه علشان ارضيكي، رضاكي ورغبتك فيا تخليني انفذ اي امر تؤمري بيه.
قامت ايات من قصاد سهر من على السرير وراحت سريرها بمنتهى الهدوء وفردت جسمها ونامت تماما ولا كأنها من دقيقة كانت صاحية وبتتكلم وفاتحة مواضيع، حرفيا شخص تاني تماما اللى كان بيتحرك من خلالها فعلا، سهر كانت قاعدة على السرير محتارة ومش عارفة التصرف ده صح ولا غلط، لكن هي خلاص اتفقت معاه وهو اخد قراره بأنه هيخلصها من ابوها خلاص، وهيسمح بأنهم يخرجوا من البيت الملعون ده، حاولت سهر تضغط على نفسها بأنها تتحمل لحد ما نخلص منه فعلا وبعدين تبدأ هي فى تحصين نفسها بحيث انها متخليش ايات هي سبب فى عدم وصول عُقاب ليها، هتكون هي اللى بعدت نفسها عنه، وبكده مش هتكون ايات هي اللي قفلت بوابة وصول عُقاب لعالمهم علشان ميأذيهاش، كانت اطول ليلة مرت علينا، مش عارفين ازاي كل حاجة حصلت بسرعة جدا، حصل الموضوع بتاع الست اللى كانت فى جلسة عند ابو البنات والفضيحة اللى حصلت فى البلد كلها، اكيد انت سمعت بيها من الناس اللى حكولك عننا، الليلة دى كانت اصعب ليلة مرت علينا فى حياتنا كلها، بليل سمعنا صوت صرخة رجت البيت، نزلنا نجري انا والبنات وكانت ايات على طبيعتها وسهر معايا كمان انا وهي عارفين ايه اللى بيحصل، نزلنا ولقيت منظر ابشع مما تتخيل، كان عبده متعلق فى المندرة بتاعته فى الهوا، تحت رجليه المنقد بتاع البخور والع ومطلع نار، وقصاد واقف شبح او خيال اسود مش ملموس ده كان شبه الدخان اللى بيطلع من الحريقة، مجرد بخار اسود كثيف على هيئة شخص مش باين منه اي ملامح، كان عبده عمال يصرخ ويقول بصوت بيتعذب:
- انا عملت ايه؟ غلطت فى ايه يخليك تغضب عليا؟ انا طول عمري تحت امركم فى كل حاجة، ايه الغلط وانا اصلحه؟
مكانش فيه صوت واضح لكن كنا سامعين فى ودانا زى اصوات الصفارة كده مزعجة مش قادرين نمنع نفسنا من سماعها، لكن فجأة انقطع صوت الصفارة ده ولقينا عبده بيقول:
- انا معرفش انها مأخدتش الدوا، معرفش ان هي هتعمل كل اللى عملته ده، ولما جيبت سيرتك كنت قاصد اخوفهم علشان يعرفوا مين اللى معايا ومين اللى ممكن يقف قصادهم لما يعادوني.
رنت الصفارة من تاني وفهمنا من صوتها أن ده صوت عُقاب او الجني عموما اللى بيتكلم مع عبده وده كلامهم بالنسبة للبشر اللى مالهمش علاقة بيهم مجرد صوت مزعج خاصة لما بيكونوا مش متواصلين فى العالم بتاعنا عن طريق بشري يتكلموا بلسانه، لكن عبده لأنه معاهم من سنين طووووويلة كان عارف وفاهم كلامهم كويس، وبعد تبريرات كتير من عبده للجني اللى قصاده لقينا النار بتمسك فى رجليه من تحت وهو بيصرخ بشكل رهيب، محدش تقريبا من البلد مسمعش الصوت، لكن احنا بيتنا كان خط احمر بالنسبة لكل البلد، بيخافوا منه، كانت النار بتمسك فى عبده حتة حتة وشايفينه بعنينا وهو بيتحرق وبيولع وجلده بيسيح قصاد عنينا ومش قادرين نتنفس، ايات كانت مذهولة ودموعها نازلة ونفسها شبه مكتوم من الخوف، لكن يمكن لأن سهر كانت عندها فكرة عن ان دي نهاية ابوها فكانت مستعدة لأى حاجة ممكن تحصل، كنا واقفين نتفرج عليه وانا من جوايا مش حاسة من ناحيته غير بالغل والشماتة بأن دي نهايته، جسمه اتاكل من النار قصاد عنينا، ملقيناش حد ييجي حتى يغسله هو حتى جسمه كان مفيش فيه حاجة تتغسل، محدش طلع وراه ولا حد صلى عليه، حتى حكومة البلد ولا الصحة محدش اهتم غير بأن أشر شخص فى البلد غار فى داهية والناس هترتاح منه، جسمه لما ساح من النار واتاكل الرباط من على رقبته ووقع قصادنا، بصيت انا وسهر لبعض وبصينا لأيات، كانت واقفة شبه المجانين مبرقة عنيها وفاتحة بوئها، وحاطة ايديها الاتنين على خدها ونفسها طالع نازل ولا اللى ميتين ونفسهم مقطوع، حاولت سهر تتكلم معاها لكن مفيش فايدة، طلعنا فوق واحنا ساندينها وحاسة براحة كبيرة اني خلصت منه اخيرا وهبدأ اخلص بناتي من اللى عمله فينا، اول ما دخلنا الاوضة لقينا ايات اترميت على السرير وابتدى جسمها يتنفض جامد جدا وفجأة لقيناها بتترفع من على السرير لحد السقف فى الهوا، وقفت انا وسهر مصدومين وكانت هي سبب اول صوت يخرج مننا من خوفنا عليها وخوفنا من انها تقع على الارض من ارتفاع السقف ويجرالها حاجة، لكن بعد ما كان وشها للسقف وضهرها لينا، لقيناها وهى بنفس الوضع متعلقة فى الهوا اتقلبت على وشها وبقيت باصة ناحيتنا، وعنيها واسعة بشكل يرعب وكلها سواد واتكلمت بصوت مرعب:
- نفذت اتفاقي يا سهر، دورك بقى علشان تسلميني نفسك.