" " " " " " " " رواية ليله محترقة.. الفصل الثاني
📁 آحدث المقالات

رواية ليله محترقة.. الفصل الثاني

تأليف مى جابر 

رغم أنها كانت ليلة مظلمة حالكة السواد ولكني مازالت أتذكر حتى الآن أصوات همس الطبيعة قبل اندلع الحريق الكبير وشكل النيران التي كانت تعلو تدريجياً تجاه السماء تلك النيران التي كانت تبتلع كل شيء كانت المرة الأولى أشاهدها هذا المنظر في حياتي التي تركت بداخلي ندبة وخوف عميق.
 
بعد وضع الطفل بين ذراع والدتي اختفى المنقذ دون أثر، وصل الإطفائيين متأخرا كما يحدث دائماً، وظلوا يحاول بكل طاقة وقوة السيطرة والتحكم في الحريق حتى لا ينتشر ويصل إلى المنازل المجاورة.

أستمر الوضع أكثر من أربعة ساعات يحاولون إخماد لهيب النيران المشتعلة وكل محاولاتهم في الدخول وإنقاذ الأفراد الذين بالداخل ولكن باءت بالفشل ولم يستطيعوا اختراقها هذه النيران الضخم كان مجرد تحوطها والسيطرة عليها أكبر إنجاز يقومون به بامتلاكهم هذه المعدات الضعيفة لذا كان محاولة إنقاذ حياة الآخرون رفاهية لم يستطع أحد تحقيقها.

أثناء محاولات السيطرة على النيران وإطفائها كانت والدتي تجلس داخل سيارة الإسعاف بين ذراعها أحمد الذي فاقد الوعي من كمية الأدخنة التي استنشاقها وكانت والتي تنظر بالحزن إلى المنزل و يتملكها الرعب من هول المنظر، هذا المنظر الذي لم استطع ان انسى تلك اللحظات التي قضتها والدتي بسيارة الاسعاف.

كانت تنظر إلى النيران الملتهب وتتذكر ماضيها مع صديقة الغالية عندما تقابلوا أول مرة والمواقف التي مروا بها خلال هذا الوقت وكيف أصبحوا أعز الأصدقاء تلك الصداقة التي كان يحسدهم ويحقد عليهم الجميع من قوة متانتها ولكن الآن صديقة عمرها يلتهمها النيران ولم تستطع فعل شيء غريب أن تشاهد من بعيد وهي تنهمر بالدموع.

جاءت المسعفة أخبرتها:
-لازم نروح بالطفل للمستشفى الأن؟

أجابتها والدتي وهي تبكيك
- أستنى شويه يجب يقدره رجل الإطفاء يطلعه أمه الأن.

عندما وجدت المسعفة والدتي في هذه الحالة اليائسة شعرت بالرفة والحزن عليها وأخبرتها:
- ماشي بس هستني ساعة كمان بس بعد كدة من هقدر أتأخر أنا مستني من ثلاث ساعات.

أجابتها والدتي باطمئنان:
- مفيش مشكلة أعطيني ساعه واحده بس أطمن حتى على صاحبتي.

أجابتها بإحباط كأنها تعلن استسلامها من خروج صديقتها حية:
- ماشي هستني بس ياريت متأملي خروجها بخير.

بعد ذلك تركتها وذهبت تهتم بالطفل الذي تضعه تحت جهاز الأكسجين.

رغم علم والدتي أن المسعفة محقة ولكنها كانت تأمل وتدعو إلى الله، ولكن عند اقتراب النيران من الاختفاء شعرت والدتي انها لم ترى صديقتها المقربة مرة آخري من هذا المنظر القاسي فقد تحول المنظر بالكامل إلى منزل من رماد كالفحم محترق، رغم ذلك عند دخول رجال الإطفاء من أجل إنقاذ الأشخاص الذين بالداخل كانت والدتي مازالت تأمل وتدعوا إلى الله بإصرار أن تكون حية ويتم إنقاذها لأخر لحظة.

ولكن بعد مرور أربعة ساعات من السيطرة وإطفاء الحريق دخل رجال الإطفاء إلى الخارج وبعد خرجهم وجدت والدتي على ووجههم علامات الحزن لذا ذهبت إلى القائد وسألته:
- فين ليلى هي مش جوه صح؟!

حرج القائد وخفض وجهه للأرض بحزن وأخبرها:
- للأسف في ثلاث جثث في الفيلا.

سألته والدتي بحزن:
- أكيد دي مش جثة ليلى.

بعد ذلك أخرجت الهاتف وظهرت صوره إلى الرجل الإطفاء لصديقتها ليلى تسأله:
- بص دا شكل ليلى هي مش بين الجثث اللي لقيتها جوه صح؟!

شعر القائد بالتوتر وكان يحاول تجنب الإجابة على والدتي حتى لا تصدم وتحزن، ولكن بسبب إصراره الكبير أخبرها:
- مقدرش أحدد بصراحة الجثث متفحمة عشان تتعرفي على الأشخاص الميتين لأزم اسألي الطب الشرعي والبوليس.

بعد ذلك تركها الإطفاء وذهب، عندها فقدت والدتي من الصدمة وأسرعت إليها المسعفة وأخذتها في سيارة الإسعاف مع الطفل وذهبت إلى المشفى.


بعد مشاهد كل هذا الأحداث المثيرة لم استطع التحمل شعرت بالإرهاق وسقط في النوم على المقعد الذي كنت أقف عليه اشاهد الخارج من النافذة، وبرغم قلقي على والدتي حينها ولكني كنت مستنزفة الطاقة إلى درجة سقوطي في النوم بعمق، حينها لم أكن أعلم أن أيامي الذهبية مع أسرتي الحبيبة قد ولت وانتهت مع انتهاء هذا الحريق الضخم.

أخذوا والدتي برفقة الطفل أحمد في سيارة الإسعاف إلى المشفى وتم استكمال إجراءات أسعفه ومعالجة والدتي الفاقدة الوعي..

أستيقظت في الصباح الباكر على صوت والدي يخبرني:
- أصحي يا ندى يلا يا كسولة كده تتأخري على الباص.
عندما فتحت عينيا مع ابتسامة طفولية ساذجة سألت والدتي:
- بابا.. فين ماما؟!

ضحك و سألني باستغراب:
- ايه دا مفيش صباح الخير يا بابي؟!

ذمت بفمي وسألته:
- أريد مامي.

أجاب بهدوء:
- مامي دلوقتي في المستشفى مع صاحبتها.

سألته باستغراب:
- ليه! هي طنط ليلى تعبانة؟

أقترب وحملني بين ذراعيه وأخبرني:
- هي كويسة وقبل ما ترجعي من المدرسة هتكون مامي في البيت.

سألته بقلق:
- توعدني؟!

أجاب بابتسامة:
- أوعدك.. 

بعد ذلك وضعني مرة أخري على السرير وذهب أحضر ملابس المدرسة وأشار إلي وأخبرني:
- ندى روحي أغسل وشك وسنانك زي الشاطرة؟
أجابته:
- حاضر.

بعد ذلك نهضت من السرير وذهبت إلى الحمام استعداد للذهاب إلى المدرسة ودون أن أدرك فعلت كما أفعل دائما وهو بعد استيقاظِ أذهب للبحث عن والدتي العزيزة، ولكن عندما لم أجدها داخل غرفتها تذكرت سقوطها على الأرض أمس لذا أسرعت إلى والدي أبكي وأخبرته:
- أنت تكذب عليا وماما تعبانة شفتها البارح وقعت على الأرض.

استمر والدي في تهدئتي و محاولة إقناعي أن والدتي بخير:
- ندى صدقيني مامي كويس هي بس كانت خايفه من الحريق.

سألته حزن وبكاء:
- يعني مامي كويسة؟

أجاب بضحكة هادئة:
- بالطبع ولم ترجعي من المدرسة تلاقيها عملتلك الأكل اللي بتحبه.

بعد إقناع والدي ذهبت وارتدت الزي المدرسة ونزلت إلي غرفة الطعام وجدت والدي في المطبخ أراه لأول مرة يعد وجبة الفطور ويجهز صندوقي الغداء المدرسي.

بعد ذلك نادى وأخبرني:
- ندى يلا بسرعة تعالي وخلاصي أكلك عشان تلحقي الباص؟

بعد جلوسي على مقعدي الخاص وأنهيت تناولت طعامي سمعت صوت بوق الباص، فأسرع والدي وقام بحملي على صدره وأخذت حقيبتي وصندوقي الغذائي وذهب مسرعاً للخارج.

عندما خرجنا من باب الفيلا وجدت منظر بشعاً ومرعباً لم أنسه ابدا بحياتي وهو فيلا صديقة والدتي ليلى الذي أصبح بأكمله رمادي وأسود اللون يشبه بيت الاشباح في أفلام الرعب، لذا سألت والدي:
- هو مش هستني أحمد شكله مش موجود في الباص؟!
أجاب والدي:
- لا أحمد مش هروح المدرسة النهاردة.

أجابته بتذمر:
- ليه بقي خلاص أنا كمان مش هروح المدرسة:
ذمرا والدي وأجاب:
- بعدين معاكي يا ندى أنا كدة تأخر على شغلي.


بعد ذلك وضعني بين ذراع مشرفة الباص التي ساعدتني في الصعود داخل الباص وذهبت إلى المدرسة.

عندما استيقظت والدتي في المشفى أول شيء قامت به هو الاتصال على أختها الصغيرة التي بالجامعة وتطلب منها الحضور إلى المشفى حتى تهتم بالطفل أثناء غيابها.

ذهبت والدتي مع الشرطي المسئول عن القضية الذي حضر من أجل التحقيق وطلب من ومنها التعرف على الجثث بما أنها الصديقة المقربة، ولكن والدتي رفضت ذلك وطلب القيام بالتحليل وبذلك تم التأكيد الجثث لصديقتها وزوجها والخادمة.

 عندما علمت والدتي بذلك ذهبت للتحقق من إجراءات التحقيق بإنصاف ودون إهمال والبحث عن محامي جيد للعمل من أجل القضية. 


في بدأت اليوم المدرسي دخلت المعلمة المسئولية عن الفصل لمراجعة الغياب وعند أكتشف غياب أحمد نظرت إلي وسألتني:
- هو فين أحمد؟!

فأخبرتها ببراء ما حدث أمس فصعقت المعلمة وأخبرتني:
- لم ترجعي البيت قولي لمامتك تجيء تقابلني بالمدرسة أوعي تنسي؟!

أجابتها:
-حاضر.


بعد انتهاء اليوم الدراسي عد للمنزل لم أجد أحد ينتظرني أمام بوابة الفيلا كالمعتاد لذا ساعدتني المشرفة في فتح البوابة والدخول إلى المنزل وانتظرت حتى شاهدتني أدخل إلى الداخل.

عند دخولي وجدت والداي يتشاجرون بعنف وتشتكي والدتي منه بحزن وغضب عارم وهي تبكي ذلك الموقف الذي أشاهده لأول مرة أدهشني بشدة وبرغم عدم فهم ما يحدث ولكني ادركت حينها أنه يجب عليا التدخل حتى ينتهي هذا المشهد المؤلم.

ذهبت إلى والدتي الغالية التي اشتقت إليه بشدة وقامت بأحضان قدمها بذراع الصغيرة وأخبرتها:
- مامي اشتقت ليكي كتير.

استخدمت أنميها وكف يديها في مسح دموعها وحاولت تهدئة نفسها وبعد ذلك ثنت ركبتها وقامت باحتضانه بقوة لدرجة جعلتني أشعر بالاختناق وأخبرتني:
- ندى أنا كويسة متخافيش دلوقتي روحي اوضتك وغيري ملابسك وانزلي عشان نأكل سوا.

كنت أشعر بالخوف ولم أريد ترك والدتي والذهاب كنت أشتاق إليها بشدة ولكن حتى لا تشعر والدتي بالحزن أخبرتها:
- حاضر يا مامي.

تركتهم وصعدت إلى غرفتي ولكن أثناء صعودي إلى غرفتي سمعت والدتي تخبر والدي:
- بسببك انت كل دا حصل أنت القاتل.

رغم عدم فهم ما يحدث ولكني شعرت أن والدي فعل شيء أحزن والدتي بشدة.

روايةِ ليلةِ محترقةِ

رابط ثابت
https://www.7kayatuna.com/2023/04/blog-post_28.html

تعليقات