دار بعينيه في الغرفة، وقعت عيناه على مقعد ما في زاويتها، سار نحوه، مد يده و التقطه، سار به نحو الفراش حيث تلك الراقدة من فوقه، وضع المقعد أرضاً ثم طفق يجلس عليه، نظر نحوها، وجد علامات عودة الوعي إليها قد بدأت.
جلس متأهبا على المقعد، ينظر إليها بحذر شديد، هو يعلم جيدا أنها حينما تستعيد وعيها و تجد نفسها في مكان لا تعلم عنه شيئا ثم تصاب بصدمة كبيرة و من ثم تحاول حماية نفسها وعمل دفاع لها.
وجدها تفتح عينيها ببطء شديد، تتلفت بهما حولها، حتى وقعت نظراتها عليه، رسم على وجهه ابتسامة ساخرة، بتهكم شديد هو أخبرها قائلا:
- حمد للرب على عودتك إلينا سالمة عزيزتي!
ألقى في وجهها تلك الكلمات بسخرية، استقام واقفا، مال عليها بينما يسخر منها بمزيد من الكلمات، حينما هو أخبرها!
- هانا! أليس هو هذا اسمك أم أنا مخطئ؟!
قالها بتهكم، بازدراء ربما، لتنتفض هي من رقدتها، تحاول التحرك، تبتعد عنه، لكنها تفاجأ به، يمسك بها بقوة من ذراعيها، يمنعها عن الحركة، نظرت إليه بغضب شديد، نفخت في وجهه بنيران كلماتها، هي قالت:
- أبتعد عن أيها المعتوه! ماذا تظن نفسك فاعلاً! هل تحاول تقييدي ومنعي من التحرك؟!
أنصت إلى حروف كلماتها الساخطة، أومأ إليها برأسه مؤكدا و مغيظا أيضاً، أخبرها بنبرة متهكمة:
- أجل هذا ما أفعله تماما! من الآن أنت في عهدتي! لن أسمح لك بالتحرك أو الذهاب إلى أي مكان سوى وأنا معك! غير ذلك لا يمكن أن يحدث!
ضحكات ساخرة ومتهكمة خرجت من فمها بعدما أستمعت إلى كلماته التي كانت خبالا بالنسبة لها، هي بصقت كلماتها في وجهه قائلة بسخرية:
- أتعلم أنك قد جعلتني أضحك وأنا لا أريد الضحك! وبأي صفة أو منصب تتحدث معي يا هذا يا ترى؟!
بنفس ذات النبرة المتهكمة هو أجاب على حديثها ساخرا منها:
- بصفتي حارسك و المسؤول عنك حبيبة قلبي هانا!!
قال كلماته لها، ضحك بسخرية، نظر لها بإزدار، أنتظر جوابه الساخر عليه كعادتها، وجدها تسأله قائلة:
- و من الذي قام بتوظيفك حارس خاص لي؟!
أجاب على تهكمها ذاك قائلا:
- والدتك من فعلت! ثم من أخبرك أني حارس خاص لك ايتها المغرورة التافهة! أنا قلت فقط حارس عليك! كيف تسمعين الأمر! هل لديك مشكلة في السمع ربما!
"ذلك الساخر المتعجرف، عن أي أم هو يتحدث، تلك التي قد تركتني وأنا طفلة صغيرة بصحبة أبي وهربت هي وطفلتها الحبيبة!!"
فكرت في نفسها في تلك الكلمات، نظرت إليه نظرات شرسة أخبرته بنبرة غاضبة قائلة:
- أنا ليس لدي أم! عن أي امرأة تتحدث؟!
كان غاضبا بشدة منها، تلك الفتاة ناكرة الجميل حقا! والدتها تحاول حمايتها بشتى الطرق و هي تظن فيها ظن السوء، بل وتنكر أنها والدتها من الأساس! بنبرة غاضبة، هاجمها قائلا:
- أيتها الفتاة ناكرة الجميل! كيف تنكرين انتمائك لتلك المرأة الطيبة، لقد توسلت لي حقا كي أظل معك و أحميك! والآن أنت تقولين ذلك عنها!!
تقطيبة حائرة ومتعجبة ظهرت ما بين حاجبيها، تسأل نفسها بحيرة
"ماذا يقول ذلك الفتي الأهوج! من توسل لمن؟! هل من قد رحلت تاركة إياها من خلفها، هي من تتوسل لحمايتها الآن؟! ذلك أمر كاذب بكل تأكيد!!"
قالتها له، بصقتها في وجهه بلامبالاة، أو أي خوف:
- كاذب! أنت تكذب الآن! تلك المرأة تكرهني، تريد التخلص مني من أجل ابنتها الحبيبة!
غضب شديد تمكن منه، جعله يشدد من إمساكه بها، يهدر فيها بصوت عال:
- ماذا تقولين أيتها الفتاة الحمقاء!! هل تقولين أنني كاذب! كيف تنعتينني بالكاذب! هل تظنينني مثل أبيك الجبان الذي تركك خلفه كفريسة لنا! طريدة شهية! أنت فتاة حمقاء حقا!
صرخ فيها بقوة، رافضا أي اتهام له، أو نعت يمس بكرامته وصدقه، فهو ليس مثل أبيها ذلك الرجل الجبان الذي ترك ابنته التي أضحت فريسة له! كيف لها أن تفعل، لو كان رجلا سيئا لم كانت بخير الآن!
هجومه الهادر هزها بقوة من الداخل، ذكره لوالدها وكيف تركها بتلك الطريقة المهينة بين أيديهم جعلها تشعر باختناق شديد، حتى أن دمعات عينيها بدأت تنساب على وجنتيها، بكت بصوت خافت، خيبة أمل كبيرة كانت جل ما تشعر به.
أما هو فلعنة بذيئة خرجت من فمه عند رؤيته لدموعها تلك، لم يكن يتخيل أن تلك الفتاة الوقحة الجريئة قد تبكي يوما ما! ولكنها قد فعلت ذلك أمامه الآن! أبتعد عنها، عن الفراش كله، خطى نحو النافذة الصغيرة التي تحتوي عليها الغرفة، أخذ يزفر بصوت عال لعل غضبه يهدأ ولو قليلا.
يقف ما بين أتباعه، يهز رأسه يمنة ويسرة بعدم رضا، ما قد حدث في تلك المعركة عند القصر لهو مخيب للأمال، لقد خسر الكثير من الأتباع! خسر أهم سلاحا كان يملكه في حياته، ابنته هانا!
لابد أنها تظن به السوء الآن! هكذا كان يفكر في داخل عقله، يخبر نفسه أنها فتاة حمقاء، رغم قوتها الجسدية وقوى السحر التي تمتلكها إلا أنها تفكر بعاطفة مثل أمها، تمنت لو كانت تشبهه في ذلك الأمر، لكن للأسف هذا لم يحدث! وربما الآن هي تفكر أنه قد تخلى عنها!
حمقاء إن فعلت بالتأكيد! هو تركها بين يدي والدتها، و التي سوف تحرس بكل تأكيد على عدم إصابتها بأي أذى، ذلك ما اعتمد عليه، كما أنه هناك أمر آخر يجول في عقله! وجودها هناك قد يكون في صالحه، حيث تكون هي عين له هناك في ذلك الحلف!
خرج من تفكيره على صوت أحد أتباعه بينما يخبره بنبرة قلقة، قائلا له ببعض الخوف:
- ماذا سوف نفعل سيدي سانتوس؟ هؤلاء المستذئبين أقوياء للغاية! يحتاجون إلى شخص قوي مثلهم وقادر على مواجهتهم حتى يستطيع التغلب عليهم!!
أنصت لسؤال تابعه، عينيه أشتعل الشرر بداخلها، نظر إليه بغضب، هدر فيه بقوة:
- هم ليسوا أقوياء فقط يا أحمق! بل أذكياء أيضاً، يتعاونون بجد مع بعضهم البعض وذاك ما يضمن لهم الفوز في كل معركة يخضونها! على العكس تماما منكم، مجرد حفنة من الاغبياء! لا تنسيق أو تعاون بينكم! عليكم التعلم منهم إذا أردتم الفوز يا أغبياء!
همهمات خافتة علا صداها في المكان، سماعهم له يخبرهم بتلك الكلمات جعلهم يشعرون ببعض التعجب، فكيف لهم أن يتعلموا من الأعداء كيفية التغلب عليهم!
أحدهم تجرأ على السؤال، حينما قال بدهشة شديدة:
- نتعلم منهم! وكيف ذلك سيدي!
بسخرية وتهكم أجاب سانتوس على تساؤلات اتباعه، أخمد ثورة تعجبهم حينما قال:
- ليس منهم بالطبع يا أحمق! ربما هناك خائن بينهم نستطيع أن نجذبه إلينا، نغريه قليلاً، وبعدها سوف نعرف بالتأكيد كيفية التغلب عليهم!
الجميع هز رأسه بإعجاب على أفكار سيده، لقد كان يستحق لقب الشيطان حقا! هو لم يكتسبه من فراغ! بينما هو في داخله، يفكر في خطة محكمة وجيدة لمعركة سوف تأت بكل تأكيد!
بكاؤها قد خفت حدته قليلاً، هكذا شعر هو، لذا ألتف بجسده إليها، ارتكن بظهره على النافذة، سألها بنبرة هادئة قائلا:
- ما الذي جعلك تبكين الآن؟! هل ذكر والدك أصبح يزعجك الآن؟! أليس هذا من كنت تفتخرين به؟!
هو محق في سؤاله الساخر ذاك، هي كانت تفتخر بوالدها كثيرا، كان الرجل المثالي بالنسبة لها، حتى تخلى عنها و تركها مع أناس يريدون التخلص منها! أخذت تتسأل في نفسها
"هل أنا لا شيء بالنسبة له؟! كيف له أنا يفعل ذلك! يعاملني بتلك الطريقة؟! تلك السنوات التي كان يدلنني فيها! هل كلها كانت كذبا"
لاحظ صمتها ذاك، نظر إليها بشفقة، تلك الفتاة تواجه صدمة كبيرة نتيجة ما فعله والدها بها، لأول مرة يشفق على عدو له حقا، وذلك الأمر جعله يضحك في نفسه بسخرية، لقد وقع في موقف أخيه ذاته، الذي بات الآن حاميا لتلك الفتاة شقيقة الباكية أمام عينيه الآن!
أراد أن يجعلها تكف عن البكاء، هو لا يطيق البكاء حقا! أخبرها بنبرة جافية، أمرا إياها قائلا:
- هل كففت عن البكاء أنه بلا طائل! كل ما سوف تحصلين عليه هو وجع قوي جدا في رأسك بعدها!
بنبرة غاضبة، هدرت فيه بعدما أستمعت إلى كلماته الساخرة قائلة له:
- كف عن غرورك ذاك! ثم ما أدراك أنت عن المشاعر و ماهيتها! أنت رجلا بدون شعور أو أي إحساس!
بضحكات ساخرة هو تهكم منها، مما جعلها تشعر بمزيد من الغضب، لكنه عاد ليخبرها بنبرة يشوبها الحزن قائلا:
- هل تصدقين إن أخبرتك أنني أملك مشاعر! والآن في تلك اللحظة بالذات أنا أشعر بالشفقة نحوك! ذلك الإحساس، الموقف الذي تمرين به! قد مررت به قبلك!
بتعجب وحيرة رفعت حاجبها الأيمن، سألته تريد حل اللغز ذاك، حينما قالت:
- هل سبق لك وأن تعرضت للخذلان؟!
بهدوء شديد أومأ إليها، كموافقة منه على سؤالها المتعجب ذاك! لتسأله بنبرة حائرة ومتعجبة قائلة:
- و لكن كيف تخطيت ذلك الأمر؟! كيف استطاع قلبك الصمود! عدم إعلان الاستسلام! أن لا يموت من الحزن والألم! كيف فعلت ذلك؟!
تنهد بتعب، أو براحة ربما، هو فقط أخبرها بنبرة هادئة:
- صدقيني لم أفعل كل ذلك! أنا لست قويا لتلك الدرجة! لا يغرك جسدي الضخم ذاك! لكن في الداخل هناك قلب أكله الحزن يوماً! جل ما استطعت فعله، هو إني لم أترك نفسي للمرارة تأكلني من الداخل، نسيت أو حاولت أن اتناسى، تركت الباقي للأيام! فهي تستطيع مداواة جميع الجروح حقا!
كلماته لها جعلها تشعر بالربكة، بالحيرة، كيف لرجل قوي مثله أن يتعرض للخذلان، لخيانة المشاعر؟! كيف حزن قلبه يوما وشعر بالألم مثلما هي تفعل! بل من الذي يستطيع فعل ذلك به؟! ذلك هو السؤال الأهم؟!
كان يدور بينهما الحديث، حديث غرباء التقيا صدفة، لكنه كان حديثا بكل تأكيد، هي أخبرته عن ألمها، الخيانة التي تعرضت لها، وهو أخبرها عن الخذلان الذي كسر قلبه يوما ما!! لا يهم إن كانا عدوين أو صديقين، فقط كل ما كان يهم هو صدق المشاعر!
هناك في الخارج، كان ينصت لذاك الحوار، يعلم جيدا ما عن ماذا كان يتحدث الرجل المتهكم الساخر أمام الجميع! لكنه في الحقيقة ليس سوى رجل مخذول!
أجل هو كان يعلم! لأنه ربما من كان السبب وراء ذاك الخذلان!!
عرض زواج
أجل هي كانت تشعر بالقلق على روزي، لن تنكر ذلك الأمر، فروزي رغم أنها قد أصبحت ملكة الساحرات لكنها مازالت بريئة، هناك أشياء لا تدركها حتى الآن!
وجودها مع ماثيو كحارس لها هو أمر جيد، لكن ما يقلقها هو شعورها ببعض المشاعر بدأت تتكون بينهما، خاصة مع دفاع ماثيو المستميت عنها في وقت حدوث التنصيب وهجوم سانتوس وهانا عليهم، وتلك المشاعر ربما تشتت روزي عن هدفها!!
حاولت أن تنفض عنها تلك الأفكار السيئة، عادت لتنظر نحو ثاندر مجددا، ترسم على وجهها ابتسامة ودودة ثم تخبره بنبرة هادئة قائلة:
- حسنا ثاندر! دعنا لا نتعجل الأمور قليلا! والآن هناك حديث هام علي أن أقوم به مع أحدهم! لذا سوف أتركك لبعض الوقت.
أومأ ثاندر رأسه متفهما لكلمات سافانا تلك، شاهدها بينما تخطو مبتعدة عنه بخطوات سريعة، تبحث بعينها عن أحد ما حتى وجدته، رسمت على وجهها ابتسامة عريضة بينما يمد يديه نحوها ثم يعانقها بقوة، ليبتسم هو على ذلك المشهد الذي تأخر حدوثه لوقت طويل جدا، لسنوات طوال.
ببسمة مشرقة هو رحب بها، مد يديه نحوها وتلقى جسدها بين حضنه بمحبة ودفء، لقد اشتاق إليها كثيرا حقا، لم يصدق أن الأقنعة بينهما قد سقطت أخيراً، كل واحدا منهما بات يعلم كل شيء عن الآخر، هو لم يعد يحتاج إلى التظاهر بعد الآن بكونه شخصا آخر!
وبالتأكيد هو لن يدع حبيبته ساڤي تبتعد عن عينيه مرة أخرى، يكفي أنها قد ابتعدت عنه لسنوات طوال، تلك المرة هو سوف يجعلها ترتبط به برباط أبدي خالص، سوف يطلب منها الزواج، يصبحا زوجا وزوجة، هو حلم رواده منذ زمن طويل وقد آن الأوان ليتحقق.
همس لها بصوت خافت قائلاً
- مرحبا حبيبتي! لقد أشتقت إليك حقا ساڤي!
ابتعدت عن حضنه الدافئ، ضحكت على كلماته بتسلية بينما تخبره بنبرة مرحة قائلة له:
- حقا لوكاس! أنا أيضا أشتقت إليك حبيبي!
أنصت لوكاس إلى كلمات سافانا المرحة، أخبرها بذات النبرة المتسلية، قائلا لها:
- إذا ما الذي يجب علينا فعله حيال ذلك الأمر؟!
رفعت ساڤانا حاجبه بتعجب زائف، سألته بنبرة متسلية، ويبدو على وجهها الاستمتاع بذلك الحديث قائلة له:
- ما الذي يجب علينا فعله؟! اممم هل فكرت أنت في حل ما ينقذنا من ذلك الشوق؟!
ضحك مجددا بتسلية على حديثها المرح، لكن تلك المرة هو أقترب منها للغاية، مال عليها قليلا بينما أخذ يهمس في أذنها بصوت خافت قائلا
- ربما علينا أن نتزوج حبيبتي!!
لم تصدق سافانا ما سمعته للتو، لوكاس يطلب منها الزواج، هل سوف تتحقق تلك الأمنية التي تمنتها في صغرها يوما، نظرت إليه بينما يرمقها بنظرات محبة ودافئة، عشق لها يطل من بين عينيه بينما ينتظر جوابها، لتفاجئ به بعدها، يركع بإحدى ركبتيه على الأرض أمامها بينما يقول بصوت عال:
"هل تزوجتي بي ساڤي؟!"
كلمات لوكاس وطلبه الزواج من سافانا وصل إلى مسامع الجميع من حولهما، مما جعلهم يقتربون منهم، روزي، ماثيو، صوفيا، جورج، مايكل الجميع كان ينظر إليهما بحب كبير، أخذوا يصفقون بأيديهم بصوت عال بينما يرددون هتافات عالية قائلين لها:
- قولي نعم! قولي نعم!
"أجل؛ أجل سوف أتزوجك حبيبي لوكاس"
نطقت سافانا بتلك الكلمات التي جعلت لوكاس يستقيم واقفا، يخطو نحوها، يعطيها عناقا دافئا وقويا، يضع يديه حول خصرها، يرفعها عن الأرض قليلا، يلف بها عدة دورات ثم يتوقف ويضعها على الأرض مرة أخرى، وسط ضحكات الجميع المحبة لهما، وضحكات سافانا أيضا من السعادة والفرح.
الأصوات الفرحة السعيدة بالخارج، كذلك أصوات التصفيق جذبت انتباههما، رفع جوزيف حاجبه بتعجب شديد، رمقها بنظرات قلقة، ثم خطى مرة أخرى نحو النافذة، مد يده كي يفتح على آخرها، حتى وقع نظره على ذلك المشهد الذي يحدث بالخارج.
لوكاس صائد الساحرات، يتقدم بعرض زواج إلى سافانا والدة التوأمان روزي وهانا، وهي تقبله، وسط تشجيع الجميع على قبولها ذلك و فرحتهم الكبيرة حينما هي فعلت ذلك!
أراد أن يذهب إلى الخارج، حيث ذلك التجمع الكبير، هناك حديث ما يود أن يجريه مع أخيه ماثيو، هو يدين إليه بإعتذار عن ما قد حدث أمام منزل عائلة روزي، وعليه أن يقدمه له الآن، هو لن يدع الغيرة تأكل قلبه، وتجعله يشعر بالحقد نحو أخيه الأصغر!
لقد أصبح يؤمن الآن أن لكل شخص منا قدرا خاص به، يتناسب مع قوته وقدراته الخاصة، ليس على الجميع أن يصبحوا قادة، هناك مهام أخرى يمكن له أن يؤديها بقوة ومهارة أكبر من قيادة القطيع.
تحرك بجسده قليلا عن النافذة، حتى فوجئ بجسد ما خلفه، رغما عنه ارتطم بذلك الجسد الصغير، والذي كاد أن يقع أرضا لولا أن لحق هو به!
"لابد أنها كانت تشاهد ما حدث للتو في الخارج؟!"
هكذا أخبر نفسه بينما يتطلع نحوها، لقد كانت تبكي مرة أخرى، لا يعلم لما شعر نحوها بالشفقة، بينما دموع عيناها تهبط على وجنتيها كمطر غزير! أو ربما شعورا آخر هو ما شعر به نحوها، شعورا جعله يمد يده نحو عنقها يجذبه نحوه قليلا ثم يميل برأسه عليها، يضع شفتيه على شفتيها، يعطيها قبلة ناعمة ودافئة أيضاً!!
لم تكن هانا تتوقع تلك القبلة على الإطلاق، هي كانت تشعر بمرارة كبيرة بعدما شاهدت والدتها توافق على الزواج من رجلا آخر غير أبيها، ثم سخرت من نفسها بعدها في داخل نفسها، متسألة بحسرة كبيرة، أين هو أبيها الآن بعدما تركها أسيرة في أيدي أعدائهما.
ثم فوجئت بجوزيف يقبلها تلك القبلة الدافئة، كادت تمد يديها كي تبعده عنها، لكنها وجدت نفسها تريد تلك القبلة، تحتاج لذلك الدفء، الشعور بأحدهم يحاول أن يواسيها، يجعلها تشعر بالراحة.
طرقات على باب الغرفة جعلت الاثنان يبتعدان بسرعة كبيرة عن بعضهما البعض، وكأنهما أدركا ما كانا يفعلانه للتو، نظر كل واحد منهما للآخر بعدم تصديق، كانت ردة فعل جوزيف هي الأولى، حيث تحرك بسرعة كبيرة نحو باب الغرفة، قام بفتحه ليفاجأ بوالده يقف أمامه، يخبره بنبرة هادئة قائلا:
- أريد محادثتك في أمر ما بني.
تطلع جوزيف نحو أبيه بملامح قلقة، عاد لينظر من خلفه بعدها إلى تلك الواقفة في منتصف الغرفة تنظر إليه بوجه تبدو عليه علامات التوتر، ليومئ إليها برأسه ثم يخرج من الغرفة، يغلق الباب من خلفه، موصدا إياه بالمفتاح، ليسير بعدها بخطوات متمهلة خلف أبيه الذي كان سبقه بخطواته.
توقف والده في مكان بعيدا نسبياً عن الآخرين، فعل هو مثله، وقف أمامه منتظرا إياه أن يفصح عما يريد قوله له، وجده يتنهد بضيق ثم يخبره بنبرة يبدو على الندم والأسى قائلا له:
- أنا أعتذر منك بني! هناك بعض الأشياء التي فعلتها ربما جعلتك تشعر بالضيق لكن أريدك أن تكون موقنا أني لم أرد سوى الخير لك و لأخيك الصغير أيضاً.
فوجئ ماثيو بإعتذار والده له، مخبرا إياه بتلك الكلمات، مما يتسأل في نفسه، هل قد أنصت والدي لحديثي مع هانا أم ماذا ياترى؟! عاد لينظر لأبيه من جديد، رسم على وجهه ابتسامة هادئة، هو قال بعدها:
- لا تهتم أبي، لقد تفهمت الأمر جيدا، لا داعي للإعتذار! أبي لقد تعلمت أن ليس كل إنسان يمكن أن يصبح قائدا هناك،،،
كلمات ابنه جعلته يشعر بمدى خطأه نحوه، كان عليه أن يقوم بذلك الحوار منذ فترة طويلة، منذ أن بدأ يتردد في محيط الجماعة أن ماثيو هو من سوف يكون القائد الجديد للقطيع، لكنه ترك الأمر حتى وصل إلى شعور ابنه بالحقد نحو أخيه، و بالخذلان من قبله، عليه أن ينهي ذلك، مستقبل وحدة عائلته تعتمد على كلماته الآن.
بصوت هادئ ومحب هو قاطع حديث ابنه بينما يخبره قائلا:
- لا جوزيف، عليك أن تدعني أن أنهي حديثي أولا وبعد ذلك يمكنك أن تتحدث! هناك أشياء كان يجب ان تعرفها مني أنا في البداية، حيث الكلمات التي كانت تتناقل بين الأفواه حول كون ماثيو هو الألفا الجديد للقطيع!!
كان علي أن أخبرك أن هذا ليس بسبب عيب فيك أو هو تشكيك في قدرتك بني، لكن ربما هو العكس، جوزيف أنت أفضل كثيرا من أن تصبح قائدا للقطيع، قلبك المحب الدافئ، هو أكبر من أن يقسو على أحدهم!!
عاطفتك القوية تتحكم بك أحيانا بني، وهناك أشخاص في عالمنا هذا غير صالحين ربما يستغلون عاطفتك تلك لصالحهم، يعرضونك للأذى، أنت لن تتحمل دفع تلك الكلفة صغيري، سوف يصاب قلبك بالحزن والانكسار، و أنا لم أرد أن يتعرض قلبك لمثل ذلك الاختبار السئ، لذا قمت بإبعادك عن ذلك المنصب الذي يطمع فيه الصديق قبل العدو!
أخبر ديفيد ابنه تلك الكلمات بينما يتطلع إليه بمحبة كبيرة، هو سكت قليلاً، تنهد فيها براحة ثم عاد يقول:
- وقبل أن تتسأل بني هل ماثيو يستطيع أن يكون هو القائد! عليك أن تسأل نفسك أولا بذاك السؤال، أن تتذكر المواقف التي مررت أنت و أخيك بها في السابق، سوف تجد أن الجواب هو أجل بكل تأكيد!!
ماثيو هو ابني أجل، لكن كقائد هو سيكون أفضل مني حتى، ماثيو لديه قوة كبيرة في السيطرة على الأخرين، فرض رأيه الحاسم عليهم، حتى أن قواه تتعدى قواي، لقد حصل على قوتي أنا ووالدتك متحدة سويا مما جعله يحمل في داخله أكبر قوة عرفها القطيع معا!!
لا أريد أن يجعلك هذا تشعر بالحزن!! على العكس تماما، عليك تكون بجوار أخيك، تدعمه وقت حاجته إليك، بعض اللين والمشاعر لن تضر على الإطلاق، أنا و والدتك نتمنى تكونا قوة واحدة، قوة لا يستطيع أحد هزمها! هل تفهمني بني!
وللمرة الأولى هو يتفهم أبيه جيدا، يعلم ما يريد قوله، يتفهمه، يتقبله بصدر رحب، لا مزيد من الحقد أو الشعور بالغيرة بعد الآن، بل على العكس هو سوف يسرع نحوه ويعطيه ما يستحقه.
هو هز رأسه محييا والده بينما يسرع بخطواته مبتعدا عنه، حتى أن والده فوجئ بفعلته تلك، سأله بصوت عال بينما يشاهده يركض أمامه متسألا:
- إلى أين أنت ذاهب بني؟!
ليلتف جوزيف بجسده نحو والده بينما هو يركض، يخبره بنبرة مرحة قائلا:
- إلى الألفا الجديد والدي!
نهاية الفصل.
الناشر / موقع حكايتنا للنشر الالكتروني
حمل الان / تطبيق حكايتنا للنشر الالكتروني واستمتع بقراءة جميع الروايات الجديده والحصريه