# رواية للقدرِ دائماً رأيِ آخرِ
(( الفصل السادس))
مر اليوم عليهم طويل جدا ومتعب لدرجه لا يستطيع أحدً وصفها ... الخوف .. والتوتر أهلك أجساد تحاول الصمود حتى تطمئن القلوب ... كان عيسى يحاول كبت غضبه بالابتعاد عن سليم لكن عينيه طوال الوقت تتابع ما يحدث عن كثب ويحلل كل شيء كما يصوره له شيطان عقله
اما سليم فكان طوال الوقت لا يهتم لشيء سوا توفير الراحه لهم والصلاه من اجل سامية
حتى انه اختفى لعده دقائق ثم عاد ووقف امام عثمان وقال
- عمي انا حجزت غرفه علشان تقعدوا فيها وترتاحوا ... وقبل ما حضرتك او نادين تعترضوا ماما لما تفوق هتبقى محتاجه رعايه واهتمام كبير لازم تكونوا فايقين علشان تقدروا على ده ... فلو سمحتوا اتفضلوا اقعدوا في الاوضه وهي مش بعيد عن هنا ووعد انا هفضل واقف هنا ولو حصل اي حاجه هاجي ابلغكم فورًا
أومأ عثمان بنعم ووقف بتثاقل وهو يدعم ابنته حتى تقف هي الاخرى .... وربت على كتف سليم بشكر ابوي ليربت سليم على يد عثمان وسار معهم حتى الغرفه ... حين دلفوا واغلقوا الباب نظر الي عيسى وقال
- انا هروح اجيب اكل وعصاير لو حصل اي حاجه كلمني على طول
ولم ينتظر اي رد على كلماته وتحرك من فوره ... ليسير عيسى خطوتان وجلس في المكان التي كانت تجلس فيه نادين منذ قليل وهو يفكر فيما يحدث بالكامل ... وإحساس ان هناك شيء خاص بين سليم ونادين يزداد والغضب يزيد من ذلك الإحساس ويجعله يغفل عن اهم شيء
~~~~~~~~~~~
عاد سليم يحمل اكياس بها طعام وبعض العصير وضع احد تلك الاكياس جوار عيسى وهو يقول
- كُل حاجه انت واقف على رجلك من بدري
وتحرك لغرفه عثمان ونادين وطرق باباها عده طرقات حتى فتح عثمان الباب ليرفع سليم الاكياس في مرمى بصر عثمان وقال
- لازم تاكلوا حاجه ... وفي عصير كمان علشان يديكم طاقه
اخذ عثمان الحقيبه وهو يقول بشكر وامتنان
- تعبت نفسم يا ابني ... كتر خيرك
- انا كده هزعل بجد يا عمي ... هو مش انا ابنكم يعني اللي بعمله ده واجب عليا.
قال سليم ببعض الضيق ليربت عثمان على كتفه وقال
- طبعا ابني ونور عيني كمان .. ربنا يبارك فيك يا سليم و يفرح قلبك يا ابني.
ثم دلف الي الغرفه من جديد واغلق الباب ... ليعود سليم ومعه حقيبه صغيرة تشبه حقيبه عيسى وجلس على الكراسي المواجه له وبدء في تناول الطعام بصمت ثم اخرج زجاجه العصير وبدء في تناولها لكنه قطب جبينه بضيق حين وصله صوت عيسى يقول
- أنت بتحب نادين صح؟
ظهر الغضب مختلط ببعض التوتر على ملامح سليم ليكمل عيسى كلماته
- الموضوع مش موضوع خطيبتك اللي ماتت ... أنت بتحب نادين ... الأعمى يشوف حبك ليها
صمت لثوان ثم اكمل كلماته التي جعلت الدماء تغلي في عروق سليم الهادىء بطبعه
- بس ازاي قدرت تكون بتحبها كده وتساعد راجل تاني انه يوصلها ... هو انت كده من زمان ... مكنتش اعرف انك مركب ....
قال كلماته بشكل موحي لافكاره القذرة ... لكن لكمه سليم لم تدعه يكمل كلماته وهو يقول له بين كل لكنه واخرى
- من الواضح انك لسه مريض .. وبقيت محتاج تتعالج فعلا .. وانا اللي غلطان لاني اتعاملت معاك على انك راجل بجد وحقيقي ... لكن طلعت غلطان انت مريض بالشك واللي زيك مينفعش لنادين ولا لغيرها
ثم دفعه بقوه وهو يقول
- أمشي غور من هنا ... مش عايز أشوفك ولا هنا ولا في الشركة ولو فكرت تقرب من نادين صدقني انا اللي هقفلك ومستعد اقتلك يا عيسى أنت فاهم هقتلك.
ابتسم عيسى ابتسامة جانبيه ساخره وقال بشر واضح
- انا مش هستنى كتير علشان اقتلك يا سليم ولا هستنى أشوفك معاها ... ولو خايف على عمرك بجد ابعد عنها أنت ... علشان انا دلوقتي مستعد اقتلك واقتلها ... انا مش هتخان تاني يا سليم انت فاهم ... مش هسمح بالخيانه تاني.
ورحل يتبعه شيطانه الذي يرسم له كل أشكال الخيانه وموقف حياه حين اكتشف خيانتها وهي تقف مع شخص أخر يمسك يدها وبيده الاخرى يحاوط خصرها بتملك ليركض اليه يلكمه في وجهه ويبعده عنها لكنها وقفت في وجهه وهي تصرخ به
- أنت بتعمل ايه يا عيسى ده أحمد خطيبي ... هو أنت صدقت اني ممكن ابصلك انا بس كنت محتاجه الملخصات ومحتاجه انك تغششني الامتحانات علشان انجح ... لكن أنت مين انا بحب خطيبي وأصلًا مكتوب كتابنا بقالنا سنه ... أمشي
وتركته في صدمته بعد ان دفعته من صدره بقوه وعادت لذلك الشاب الساقط على الأرض يمسح الدم بجانب فمه وساعدته حتى يقف وقال قبل ان يغادر
- لولا ان احنى في الجامعه وانا مش عايز اعمل شوشره لحياه كنت عرفتك مقامك
وامسكها من يديها وغادر من امامه ... وتركه واقف في مكانه يحاول استيعاب ما قيل وكل ما حدث والهمهمات من حوله كثيرة ... عاد من افكاره وهو ينظر الي الطريق بتشتت ... كيف سيرحل ويتركه معها فوق ... كيف يترك النار جوار البنزيل ويقول لن يحدث انفجار واشتعال ... عاد ادراجه ولكنه سيراقب من بعيد مؤكد قد ذهب سليم الي الغرفه حتى يراها لكنه وجده يجلس على الكرسي المواجه لغرفه الرعايه ... يمسك بهاتفه بين يديه بكامل تركيزه ... ثم رفعه ووضعه على اذنه ... توقع انه يتحدث اليها ... حتى تخرج له فوالدها معها بالغرفه لن يكون على راحته معها راحته معها بالداخل ... لكنه تفاجىء بصوت سليم الذي يصل له بوضوح وهو يقول
- باشمهندس عبدالعظيم عيسى استقال من الشغل عندنا في الشركة ... وبدون رجعه .. ياريت بكره تجمعله كل حاجه تخصه وتسيبها مع الأمن تحت
صمت لثوان يستمع لمحدثه ثم قال
- مش لازم يكون في سبب تنفذ اللي انا بقوله وبس ... كمان مهندسه نادين جازة لمده اسبوع والدتها مريضه وفي المستشفى
عاد يستمع لرد عبدالعظيم ليقول موضحًا
- لو حد منهم اتكلم قولهم ان معاد تسليم الشغل لسه عليه اسبوعين ... وانا مش جاي بكره بلغ الاستقبال بانها تلغي اي مواعيد عندي بكره ... وانا لما اجي هبلغهم باستقالة عيسى
هز راسه بنعم ثم قال
- لا خير .. نفز كل اللي قولته ولو في اي حاجه اتصل بيا.
اغلق الهاتف ووضعه جانبًا ثم تحرك ليقف امام النافذه الزجاجيه الصغيرة التي تكشف الغرفه من الداخل وقال برجاء
- يارب ... يارب ما تحرمنا من وجودها في وسطنا .. كلنت محتاجينها يارب
تنهد بهم وعاد ليجلس في مكانه من جديد
وظل عيسى في مكانه يراقب ما يحدث عن كثب ينتظر حدوث ما يتوقعه حتى يجد سبب قوي لانتقام وأخذ ثأر رجولته التي أهدرت للمره الثانيه من وجهه نظره.
~~~~~~~~~
كانت تجلس في منتصف السرير بعد ان خلعت حجابها وغسلت وجهها وتوضئت وصلت ... تحتضن ساقيها بذراعيها وتريح راسها فوق ركبتيها
ليشعر والدها بالشفقه عليها فاقترب منها وجلس بجانبها يضمها الي صدره بحنان وحب وقال بصوته الحاني
- اول ما اتجوزت والدتك مكنتش بحبها ... كانت صاحبه اختى الله يرحمها وهي رشحتها ليا ولما شوفتها وافقت .. انا مكنتش بحب حد تاني ف مفرقش معايا خصوصًا ان اهلى كلهم كانوا موافقين عليها
نظرت اليه نادين باندهاش .. ليبتسم ابتسامة صغيره واكمل قائلا
- مكنتش بعمل اي حاجه في فتره الخطوبه حتى مكنتش بروح ازورها .. وفي يوم لقيت اختي داخله عليا الاوضه وبتقولي بعصبيه (( - لما انت مش عايز ساميه خطبتها ليه؟ هي يعني ذنبها ايه انها بتحبك وصابره عليك ... هو انت حد غصبك عليها))
أبتسم وهو يكمل كلماته امام عيون نادين المصدومة
- مكنتش فاهم في ايه ولا ليه اختى متعصبه اوي كده .. بس لما ركزت في الكلام فهمت ان ساميه اشتكت لها عدم اهتمامي واهمالي ليها ... هديت أختي وقولتلها اني هصالح ساميه
حرك سبحته بين أصابعه وهو يقول
- نزلت اشتريت ليها هديه .. ورد وبرفان .. وجبت لها علبه شكولاته ورحت لها البيت ما انا اول مره هروح بعد خطوبه بقالها شهور ... اهلها قابلوني بالترحيب وابتسامة كبيرة عكس ما كنت متخيل ... لكن لاقيتهم كلهم بيقولولي حمدالله على السلامة رجعت امتى من السفر ... فهمت انها قالت لهم اني كنت مسافر علشان كده مش بقدر اجي ازورها
رفع عينيه ينظر الي ابنته وقال بصدق
- حسيت يا بت يا نادين اني صغير اوي .. وان البنت كتير عليا ولو ضاعت من ايدي هبقى انا الخسران اللي متحرجش خطيبها قدام اهلها ولا تفضل تشتكي ليل نهار دي عمله نادره .. لما قعت انا وهي بقى مع بعض في البلكونه لقيت نفسي بقولها انا اسفه لكن هي مخلتنيش اكمل كلامي ... وقالتلي
صمت لثوان لتقول بلهفه وشوق
- قالتلك ايه يا بابا؟!
ليخفض عينيه التي امتلئت بالدموع وقال
- قالتلي لا عمري عشت ولا كنت لو قبلت انك تعتذر لي ... الي انت كنت حاسس بيه كنت بتتصرف على اساسه احاسبك على احساسك ازاي
رفع عينيه الي ابنته من جديد ... ولكن تلك المره كانت تلك الدمعه الحبيسة تسيل فوق وجنته وهو يقول
- لتاني مره تحسسني اني صغير قدام نفسي .. ومكنتش الاخيره طول عمرنا مع بعض حتى لو انا اللي مزعلها كانت تجيلي الاوضه تبوس ايدي وتبوس راسي وتقولي حقك عليا يا عثمان ... لا عشت ولا كنت لو ازعلك.
انحدرت عده دمعات تشابه دموع ابنته خاصه وهو يقول
- عشت عمري كله راضي عنها ومش عارف اراضيها ... عاشت عمرها كله تسعدني ومعرفش اذا كنت قدرت اسعدها ولا لأ ... وقفت جمبي وساندتني
اخذ نفس عميق واخرجه بهدوء ثم ذكر الله بالاستغفار وأكمل
- امك دي نعمه كبيرة ربنا هداني بيها ... وطول عمري عارف قيمتها ... لكن اول مره احس ان النعمه دي ممكن تختفي من حياتي فجأة ... انا مش هقدر اعيش من غيرها يا نادين ... هي اللي عارفه الاكل اللي بحبه ... وعارفه الادويه بتاعتي ومواعيدها ... عارفه شرباتي فين ... وعارفه بحط نضارتي فين ... انا معرفش حاجه
مسح تلك الدمعات من فوق وجنته وقال بصدق
- طول عمري قاعد في مكاني وانادي عليها ... يا ساميه فين هدومي ... يا ساميه فين شرباتي ... يا سامية عايز انزل يا ساميه جعان
ليعد ظهره الي الخلف ورفع واسه الي الاعلى وهو يقول
- انا دلوقتي عامل زي العيل الصغير من غيرها ... انا محتاج ساميه ... هي مش بس مراتي لا ... دي دنيتي كلها يوم مراتي واختي وامي وصاحبتي ... طيب ترجع بس علشان اعوضها عن كل السنين اللي فاتت علشان اقولها اني بحبها واني محبتش حد غيرها
كانت تبكي وهي تستمع لكلماته ... لا تعلم هل تشفق عليه ام على والدتها ... لكنها اقتربت منه تضمه بحنان وقالت
- ان شاء الله هترجع ... ربنا عالم اننا محتاجينها هترجع يا بابا علشان تعوضها عن اي حزن عاشته .. علشان ندلعها ونفرحها ... هترجع
~~~~~~~~~~~~~
في الصباح خرجت نادين من غرفتها غير واعيه للحرب التي كانت تدور بالامس بين عيسى وسليم ... ولم تكن تهتم من الاساس بوجودهم كل ما كان يشغلها هو والدتها
لكنها حين وصلت لغرفه والدتها وجدت سليم يقف هناك شعرت بالاندهاش للحظه لكن لم يشغل بالها الامر كثيرًا اقتربت منه ووقفت بجانبه غافله تمامًا عن تلك العيون الحمراء التي تراقب من بعيد ... والغضب يزداد بداخلها
- في اخبار.
قالت كلماتها وهي تقف جواره لينظر لها و الشفقه على حالها والاجهاد الواضح على ملامحها وقال
- الممرضة طمنتني عليها وقالت ان حالتها مستقره ... والدكتور جاي بعد شويه علشان يشوفها
أومأت بنعم ولم تقول شيء ليسألها ببعض الاهتمام
- نمتي كويس
هزت رأسها بلا ثم قالت
- كنت خايفه انام ... خوفت أصحى الاقي نفسي خسرتها زي ما خسرت دينا
ليظهر الحزن على ملامحه ... لتكمل كلماتها وكأنها بحاجه لاخراج كل ما بداخلها
- انا اكتشفت امبارح ان دينا لما مشيت اخدت معاها كل حاجه حلوه ... حتى اخدت كل تفكيري ونسيت ان ابويا وامي محتاجين اهتمام اكبر بكتير من كل اللي انا كنت بقدمة
اخذ نفس عميق وهو يقول ب حزن
- لما دينا ماتت الدنيا كلها قفلت ابوابها في وشي لكن اللي كان مصبرني هو امي ولما ماتت مقدرتش افضل هنا سافرت حاولت ابعد عن كل حاجه يمكن انسى ... لكن لاعمري نسيت ولا حتى قدرت أبعد ... كل حاجه اخدتها معايا ... حزني وحدتي ... حتى الآلم واحساس الضياع
ابتعد عده خطوات وهو يحاول التماسك وقال بصوت مرتعش جعلها تنتبه لحاله ولأول مره
- هو عمي عثمان لسه نايم
أومأت بنعم وهي تقول موضحه
- فضل طول الليل يصلي ويقرأ قرآن .. وعينه غفلت بعد الفجر.
أومأ بنعم وجلس في مكانه الذي ظل عليه طوال الليل وكم ادهش هذا عيسى فلم يكن يتوقع ذلك ابدا
في تلك اللحظه حضر الطبيب الذي القى عليهم التحيه ودلف الي الغرفه ليعود سليم يقف جوارها ينظرون لما يقوم به الطبيب بالداخل وقلوبهم لا تتوقف عن الإبتهال
عيونها التي تغشاها الدموع تبحث في كل ملامح والدتها تبحث عن ما يطمئن قلبها وروحها كذلك سليم الذي كان يبتهل الي الله الا يحرمه منها يكفيه فقدان والدته ودينا وقبلهم والده
لينظر الطبيب اليهم وأبتسم لتضحك نادين وهي ترى والدتها تلوح لها بيديها
لتضحك وهي تقول بسعادة
- ماما فاقت يا سليم ... ماما فاقت
- الحمدلله ... الحمدلله
قالها بابتسامة تخالطها الدموع لتركض نادين الي الغرفه حتى تخبر والدها الذي كان استيقظ لتوه فقالت بإبتسامه
- ماما رجعت لنا يا عثمان
لينظر اليها بسعادة وعدم تصديق
وانحنى ليسجد شكرًا لله واعتدل واقفًا وهو يقول
- انا اللي هدخُلها الاول ... انا لازم اقولها اني بحبها يا نادين وانها حب حياتي واني بس كنت بتكسف اقول واعبر عن مشاعري
أبتسمت وهي تقول
- لازم تقول لها كل حاجه ... من النهارده مفيش كسوف .. يلا
وخرجا سويا في اتجاه غرفه الرعايه ليجدوا الطبيب يقف مع سليم عند الباب ليقتربوا منهم حين كان الطبيب يقول
- هنكتب لها ادويه ضغط ولازم تتابعه بانتظام ... وتمشي على نظام غذائي صحي وكمان لازم كل يوم تمشي على الاقل نص ساعة
ليقول عثمان سريعًا
- هو في احلى من التمشيه ... همشيها حاضر
ابتسم الطبيب وهو يقول
- عشر دقايق هينقلوها الاوضه وتقدروا تشوفها
ليضم عثمان ابنته الي صدره وعينيه على سليم قال
- الحمدلله ... ربنا يباركلي فيكم يارب
ليبتسم سليم ابتسامة صغيره وهو ينظر أرضًا والابتسامة تزين ملامحه الرجوليه الجذابه
لكن كل هذا كان له معنى واحد فقط لدى من يقف خلف الحائط يتابع ما يحدث بعيون ينطلق منها شرارات الغضب والشر.
الناشر / موقع حكايتنا للنشر الالكتروني
حمل الان / تطبيق حكايتنا للنشر الالكتروني واستمتع بقراءة جميع الروايات الجديده والحصريه