حفنة من رماد
**********
أشرقت شمس صباح يوم جديد، فداعبت بأشعتها الدافئة وجهها الناعس براحة وأمان كما لم تشعر منذ الأمد، فتحت عيناها واختلست نظرة لمكانه جوارها، فرأته كما كان منذ كل إشراقة صباح.. منذ أسبوع كامل، ولكنها لم تشعر بالخوف الذي داهمها منه في الليالي الأولى، وقض عليها مضجعها وآرقها، فلا داعي لخوفها منه فهو لم يحاول أبداً لمسها، ولا مرة واحدة ..
ولا حتى عن طريق الخطأ، كان دائم الحذر، وكأنه أخذ على نفسه عهداً بعدم الاقتراب منها، ولو ظلت ممددة في فراشه أمد الدهر... فهي لن تكون بالنسبة له أكثر إثارة من وسادة من الوسائد التي تحتضن رأسه وشعره الأسود كالليل وتنتشر عليها خصلاته الطويلة نوعاً، وكأنها هي حبيبته التي تحتضنه كل ليلة فيستسلم لإغرائها بنعومة وبدون أن يؤرقه أي شيء حتى الصباح، ولا حتى تقلباتها الكثيرة في اليالي الأولى حتى يقتلها التعب فتنام...
سمحت لنفسها أن تتأمله بصمت كان منظره
مغرياً وقد سقط رأسه بإهمال على جانبه، شعره الأسود المشعث بجاذبية غريبة وقد
تناثر بعشوائية على جبينه العريض وعيناه المغمضتان برموشه السوداء الكثيفة أضفت
لوجهه النائم جمالاً ذكورياً خشناً، تنهدت بعمق وعيناها تجوبان جسده حتى وصلت
لصدره الأسمر الذي ظهر من أسفل الأغطية... وكأنه يتحدى أصابعها لو تعبثان بشعيراته
الكثيفة بإغراء، فتح عيناه فجأة ليمسك بها متلبسة بتهمة مراقبته أثناء نومه، علت
حمرة الخجل وجنتيها فأشاحت به بعيداً، فسألها دون أن يعير لما حدث أي اهتمام.. أو
هذا ما تظاهر به:
"كيف حالك اليوم؟"
ردت بعد لحظات استهلكتهم لتتماسك من المفاجأة:
"لقد أصبحت بخير، ولم أعد بحاجة لعينك الحارسة، أستطيع العودة لغرفتي
فوراً وأعتذر لمضايقتك كل هذه الفترة، وأؤكد لك أني أصبحت متعقلة تماماً، وما حدث لن
يتكرر، أقسم لك على هذا".
رفع الغطاء عنه لينهض بعد أن حدجها بنظرة باردة أسرت الصقيع في جسدها
المرتجف.
"لن تعودي إلى أي مكان، لقد أغلقت باب النقاش في هذا الموضوع".
صاحت محاولة لإقناعه فهي لن تحتمل بقاءها لحظة أخرى تضمها مع هذا الرجل في
مكان ضيق كغرفته و على فراشه، فهو لم ولن يحمل في قلبه أي شيء تجاهها سوى الكره
والاحتقار... فكرت بأسى "أنها مسؤلة مسؤولية كاملة عن الوضع الراهن
ولكن...."
هتفت برجاء:
""ليام"، أعدك أنني لن أقدم على هذه الحماقة مرة
أخرى".
كان بطريقه للحمام عندما توقف فجأة ثم عاد
يتأملها بدهشة وهو يردد بالضغط على كل حرف وكأنه يتكلم مع معاقة صعبة الفهم:
"أوامري غير قابلة للنقاش، كما...كما أنكِ في السرير لستِ سيئة كما
كنت أتصور".
صدمتها ابتسامته اللاهية وهو يحاول أن يفقدها رباطة جأشها بابتسامته
الساخرة المدمرة والتي يعي جيداً تأثيرها على النساء، جائلاً بنظراته العابثة على
جسدها يجرده مما يستره بوقاحة.. سرت قشعريرة في جسدها أشعلت فيه نيران الإثارة في
لحظة وهو يرسم على عنقها بإصبعه خطوطاً وهمية دون أن يلمسها، وكأنه يجري تجربة ما،
ثم صاح ضاحكاً عندما شعر باستجابة جسدها الفورية للمساته الحارة:
"أها.. هذا هو السبب إذن لإصرارك على ترك غرفتي، كيف لم ألاحظ هذا
الأمر من قبل، إنكِ ترغبين بي بشكل مثير.. جسدك يستجيب لي بسهولة بالغة، أهذا ما
كان يعذبك طوال الليالي السبع الماضية يا قطتي، تذكريني بفيلم قطة على صفيح ساخن،
لقد تغلبتِ على إليزابث تايلور في دورها، كانت مثلك متحرقة للمسات زوجها الكاره
لكل نفس من أنفاسها".
صرخت مدافعة عن نفسها بضعف وشعور هائل بالمهانة يجتاحها ويحطمها كزلزال مدمر.. مع بقايا من كرامة مذبوحة تمتمت:
"أنت واهم، أنا لا أشعر بأي شيء نحوك، أنت... أنت لا تحرك بي
شعرة".
قهقه ضاحكاً بانتصار:
"استمري بالكذب على نفسك، كما تكذبين على كل من حولك بمهارة فائقة، من
يعلم قد تصدقيها يوماً ولكنك ستظلين بعيني تلك الكاذبة الحقيرة....المغوية".
صاحت بحقد تحاول استرداد ولو شيء من كرامتها المهدورة بتدوير رحى المعركة ضده:
"لا أظن أنك بحاجة لهذا الشعور باستجابتي أو عدمها.. طالما أن صديقتك
الحميمة.. "فراني" لا تبخل عليك بأي من مشاعرها أو... جسدها، على الأقل
إذا شعرت بشيء ما أو إحساس ما نحوك فهذا
لا يعيبني... أنا زوجتك يجمعنا رباط مقدس".
همس برقة وكأنه يتذكر.. متجاهلاً عيناها المتوهجتان من الغيرة:
""فراني"، آه بالطبع هي أكثر من كريمة معي... ولكن هذا لا
يعني أن أتجاهل رغبات زوجتي فتبحث عن إشباعها في غرفة مكتبي، أو في أي مكان حقير
من الأماكن التي كانت تجمعك بعشاقك في الماضي.. أبقيتك في فراشي هذه الأيام
الماضية لأتخلص بالتدريج من إحساسي بالنفور والرغبة بالتقيؤ كلما رأيتك.. ويبدو أن
التجربة نجحت".
لم تلاحظ مدى اقترابه لدرجة الخطر إلا عندما ختم جملته بالتفاف ذراعيه
حولها دون أن يمهلها فرصة للرفض وهو يطحن جسدها الواهن على صدره بعناق قوي حاولت
دفعه بمقاومة عنيدة رافضة فكرة أن يثبت صحة ظنونه الحقيرة بها عبر استسلامها، ولكن
تشنجت يداها على صدره الحار وذابت بعدها كل مقاومتها في عناق لاهب، كان قوياً جداً
عنيفاً، مقارنة بضعف مقاومتها، فرغم كل ما تشعر به من استياء لم تستطع إنكار
الموجة القوية من المشاعر التي اجتاحت جسدها فاستسلمت لعناقه الخالي من أي مشاعر
ما عدا الرغبة الساحقة، بقدر ما حاولت أن تبدو حصينة ضد المشاعر التي يثيرها فيها،
ولكنها كانت تنهار تدريجياً، وهو بيديه الخبيرتين وفمه الشهواني كان يستخرج من
جسدها كل الانفعالات المطلوبة، والتي وصلت لحد الاستسلام، إلى أن قرر أخيراً أن
يبعدها عنه بكل نعومة ما إن شعر باستجابتها الكاملة، وكأنه لم يتأثر كما يحاول
إيهامها، وقد رفع أحد حاجبيه ساخراً لأنفاسها المتلاحقة..
"لستِ سيئة بالمرة، هل تتجاوبين بهذه الطريقة مع كل رجل يثيرك، أم أن
لي امتياز الزوج".
ردت بصوت متحشرج لا يزال متأثراً بالمشاعر الغريبة التي اجتاحتها بلا هوادة
ولا تزال مسيطرة عليها لحد الخجل والرغبة بقتل نفسها بسببها:
"هل.. هل تريد مني فعلاً الإجابة على هذا السؤال؟"
تنهد بضيق متجاهلاً ردها وهو يشيح بوجهه عنها وكأنه يريد إنهاء هذا اللقاء
بانتصاره حتى لو كانت هي الضحية كل مرة:
"ستكون ليلتنا مثيرة.. شرط أن تكفي عن مقاومتك الواهية، و أنصحك أن
تستلمي لرغبات جسدك الحقيقية التي هي من حق زوجك فقط، لا تنسي أن تُذكري نفسك
دائماً بهذه الفكرة.. لابد أن أذهب الآن فلدي اجتماع هام في المشفى، أعدي نفسك
الليلة وكوني مستعدة، فمهما كانت اعتراضاتك... اكتشفت أن لجسدك وجهة نظره
الخاصة".
أطرقت برأسها خجلة من نفسها بشدة لتجاوب جسدها الخائن مع لمساته المهينة
ورغم الاعتراضات الصارخة في عقلها الرافض لمثل هذه النوعية من العلاقات التي لا
تقوم إلا على الرغبات الحسية ولا شيء سواها، ولكن على ما يبدو أن ليلة من المهانة
بانتظارها، وليس أمامها أي فرصة للاعتراض أو الرفض فقد قرر وهي ما عليها إلا
التنفيذ، دقت أجراس الإنذار في رأسها، لم تحتمل سواد الفكرة فهتفت تستوقفه قبل أن
ينهض:
""ليام".. أفهم عدم إصرارك على الانفصال.. ويمكنني أن أحاول
التعايش معه ولكن.... هل ستكون علاقتنا بهذا الشكل دوماً، على هذا النوع من
الارتباط فقط".
حدجها بنظرة مستغربة ثم سألها بدهشة:
"ماذا تعنيين.. أنا لم أفهم؟"
تنفست بصعوبة بصوت مسموع وهي تعيد عرض قضيتها بعبارات أكثر وضوحاً:
"ما قيمتي لديك... لا شيء... لا شيء أعمله أو أشعر به هام عندك، غير انتظارك
كل ليلة لتثبت وجهة نظرك أنك... تستطيع فرض رجولتك بالقوة فتثير غرائزي، وهذا ما
سيحدث حتماً فأنت رجل تعرف كيف تقوم بهذه الأمور وتضمن معها خضوعي الكامل حتى لو
كُنت من داخلي أقاوم لأسبابي الخاصة، ثم تقضي معي ليلة.. مجرد ليلة، ليست سيئة من
وجهة نظرك، فأنا لن أُقارن بأي شكل من الأشكال بعشيقتك التي تحبها، ثم تنهض في
الصباح لتذهب لعملك مع شعور عارم بالرضا عن النفس، وكأن شيئاً لم يكن".
ظهرت التسلية على ملامحه بابتسامة واسعة ملأت فمه ولم تصل لعينيه فقد كانتا
تبرقان بإنذار الخطر:
"هذا أكثر مما تستحقي من وجهة نظري، وبعد.. ماذا أيضاً؟؟؟"
صرخت متألمة بدموع سالت دون شعور على وجهها الشاحب:
""ليام" أرجوك... أنا متأكدة أنك ستعامل كلبك معاملة أفضل
من هذه المعاملة، مهما كانت عقوبتي التي ترى أنني أستحقها".
التمعت عيناه ببريق وحشي وهتف بحدة وهو يقذف بكلماته في وجهها كطلقات
الرصاص ممسكاً بكتفيها يهزها حتى اصطكت أسنانها:
"كلبي لم يؤذني كما فعلتِ أنتِ، وكلبي لم يلهو بشرفي كما فعلتِ أنتِ،
وكلبي لم يجعل من سمعتي مضغة في كل الأفواه كما فعلتِ أنتِ، كما أن كلبي لم يعامل
أمي معاملة خشنة لا تستحقها سيدة محترمة في سنها كما عاملتيها أنتِ".
تمتمت بشحوب:
"أمك... السيدة "ماجواير" الأم... لم أرها!!!!!"
عاد يهزها من كتفيها مزمجراً وكأنه فقد صوابه عندما تذكر ما فعلته بأمه:
"كانت تعيش هنا في بيتي بأمان حتى علمت بعودتك فهربت من البلد كلها،
وأقسمت بعدها أن أجبرك على الانحناء على أقدامها لتقبليها بعد أن أكسر أنفك الذي
شمختِ به يوماً تكبراً عليها وأرد لكِ بعض صنيعك معي ومعها".
انتفض من أمامها مبتعداً وكأنه فقد كل طاقاته لمواجهتها فلم يعد يستطيع
النظر لوجهها لحظة أخرى وهو يدفعها لتسقط على السرير كبضاعة مهملة لا أحد يود
استرجاعها.
دفنت رأسها في الوسادة تائهة ضائعة من جديد في بحر متلاطم الأمواج من الحيرة، دائماً يتكلم عنها كما لو كانت وحش مجردة من الأخلاق وأبسط المشاعر الإنسانية، وله أعذاره...
فلقد كانت متوحشة فعلاً.... وضعت يدها على فمها تكتم
شهقتها عندما واتتها فكرة، هذا ليس رأي "ليام" وحده فيها، حكت لها
"بريانكا" وكأنها تحدثها عن امرأة أخرى، ولكنها لم تتخيل أن تكون بهذا
السوء والوحشية التي يتهمها بها "ليام"، ربما قبل الزواج، ولكن هل
استمرت في أفعالها كذلك بعد أن تزوجته؟؟؟
نهضت من مكانها فور أن تأكدت من مغادرته، تسللت لغرفتها، وأخرجت دفتر
مذكراتها الذي احتفظت به دون أن تقرأه حتى الآن، ولم ترغب بقراءته إلى هذه اللحظة،
ولكن بما أن "ليام" قرر معاقبتها ما تبقى من حياتها على أعمالها الشائنة
التي لا تذكرها فقد قررت أن تَطلع بنفسها على هذه الأعمال التي ستلاحقها تبعاتها شاءت
أم أبت.
وظنت أنها ستشعر بالراحة بعد أن تعرف ذنبها، ولكن تلاحقت الكلمات أمام
عيناها والسطور تطوي ما بعدها إلى آخر صفحة في مذكراتها، ولم تحمل لها النهاية إلا
المزيد من الألم والأسى مع تأكيداً راسخاً من داخلها، أنها من المستحيل أن تكون هي
نفسها هذه المرأة البشعة التي قد تقوم بأي عمل أياً كان حقارته لتصل لمبتغاها،
راجعت الجزء قبل الأخير، ثم توقفت عند صفحة واحدة فقط تتحدث فيه عن والدها بشكل
مبهم وغير واضح، وبسرعة ومضت صورته في رأسها عجوز ضعيف يعيش في سكن متواضع داخل
بناء متهالك..... ولا شيء بعد ذلك حتى أنها لم تستفيض في الكتابة عنه.. ورغم
جحودها نحوه وعدم زيارتها له فقد أرسل لها خطابات كثيرة واتصالات هاتفية يرجوها
فيها المساعدة، ولكنها لم تكن ترسل له إلا مجرد قروش معدودة قد لا تكفيه شربة ماء.
أغلقت دفتر ذكرياتها الماضية وهي تراجع في عقلها ما لم تستطيع كتابته على
الورق، تذكرت والدها كان دائماً قوياً عنيفاً لم يعاملها هي ووالدتها إلا بالضرب
وأسوأ معاملة بالإضافة لبُخله وجشعه كان معاقراً للخمر والقمار لدرجة الإدمان،
أغمضت عيناها تتذكر بألم تلك الليلة التي عاد فيها من سهرة مشئومة مترنحاً تفوح
منه رائحة الشراب واقتحم عليها غرفتها وحاول الاعتداء عليها وبالكاد استطاعت
الهروب من بين يديه ويومها خرجت ولم تعد إلا مرة أو مرتان لتلقي له بعض المال
بتكبر وشماتة ولم تهزها دموعه وتوسلاته بعد أن ماتت أمها لترفق بحاله وتأخذه ليعيش
معها.
نزلت دموعها بغزارة دون أن تشعر وهي تهتف باسم أبيها بلوعة فلا شك أن خبر
وفاتها حطمه، ولا شك أنه بحاجة إليها الآن.
ظلت لوقت طويل تنتحب تلوم نفسها على جحودها، لابد أنه ندم على ما عمله معها
خاصةً بعد سماعه خبر موتها، لا شك أنه الوحيد في هذا العالم الذي سيسعده خبر
عودتها، استسلمت لنوبة أخرى من البكاء إلى أن هاجمتها نوبات الصداع المؤلم فنهضت
بصعوبة وارتدت ملابسها في قرار سريع للبحث عن علاج لآلامها التي تزداد سوءاً يوماً
بعد يوم.
لم تلتفت أو ترد على نداءات الخادمة التي كانت تركض خلفها لتسألها عن سر
خروجها المفاجئ وتجاهلتها تماماً وهي تركب سيارتها على عجل وانطلقت في طريقها.
ظلت هائمة سارحة لا تدري إلى أين تذهب، فالصداع يكاد يعميها عن الطريق ثم
تذكرت فجأة كلمات الطبيب الشاب الذي كان يراقصها في الحفلة، لقد بدا جاداً في
مساعدتها، اتخذت أول منحنى لطريق المشفى بعد أن عقدت عزمها كي تلجأ له.
ركنت السيارة في الموقف الخاص بالأطباء جوار سيارة زوجها ثم أخفت عيناها
بنظارات سوداء متمنية ألا يتعرف عليها أحد وحالفها الحظ كثيراً بالإضافة إلا أن
وجوهاً كثيرة أصبحت غير مألوفة، فتقدمت باطمئنان واتخذت المصعد إلى الطابق العاشر،
لدهشتها كانت تتذكر المكان جيداً، وبعد طرقة واحدة دخلت لتفاجئ الطبيب الشاب
بزيارة غير متوقعة، التفت لها "ماثيو" متعجباً ثم هتف بسعادة قفزت من كل
عصب في وجهه:
"سيدة "ماجواير" ما هذه المفاجأة السارة لم أتوقع قدومك، هل
أنتِ بخير؟".
ردت بابتسامة متوترة:
"أعتذر عن قدومي بدون موعد سابق".
"لا لا أرجوكِ لا داعي للاعتذار، أنا حقاً أكاد لا أعرف كيف أعبر عن
سعادتي برؤيتك بخير حمداً لله على سلامتك".
تنحنحت لتجلى حلقها قائلة متهربة بنظراتها من مواجهته:
"أخبرني "ليام" أنك كنت موجوداً لمساعدته في.... في... تلك
الليلة، شكراً لك".
"كنت أقوم بواجبي فقط لا داعي للشكر".
ضاقت حدقتاه مردفاً بعين الطبيب:
"ولكنكِ لا تبدين لي بخير".
تنهدت بنفس عميق قبل أن تجيب سؤاله:
"حسناً أنا... يصيبني صداع رهيب، كان في بداياته بعد أن عادت لي
ذاكرتي محتمل، والآن أصبح فوق احتمال أي إنسان، يكاد يصيبني بالجنون في أحيان
كثيرة".
عقد ذراعيه على صدره بعد أن قدم لها مقعد لتستريح عليه وسألها باهتمام بعد
أن نزع سماعاته الطبية التي كانت معلقة بعنقه على المكتب:
"وما رأي الدكتور "ماجواير" في أمر هذا الصداع؟"
عضت على شفتيها قائلة ورفعت كتفيها وخفضتهما قائلة:
"هو لم يهتم في البداية إلا بتزويدي بالمسكنات، وبعد الحادثة... حتى
المسكنات منعني من تناولها وحذر أي أحد أن يزودني بها، ولكني ما عدت أحتمل "ماثيو"،
أرجوك ساعدني لم أعد أستطيع الاحتمال".
كور أصابعه بقبضة ووضعها على شفتيه قائلاً بتفكير:
"كلامك يعني أن الدكتور لا يعلم بوجودك هنا".
نهضت واقفة تهم بالانصراف:
"أنا لم أرد أن أسبب لك أي مشاكل لو وجودي هنا سوف يسبــ.."
أمسكها من كتفيها بحنان ليعيدها على المقعد:
"اهدئي "أشلي"، هل تسمحين لي بمناداتك باسمك؟"
"آه بالطبع، أنا لا أشعر أني السيدة "ماجواير" التي يحكون
لي عنها على أي حال".
رد بصوت حماسي مشجع:
"لا بأس، لا تجعلي إحساسك هذا يصل لأعماقك ويدمرها ضعي نقطة وابدئي من
أول السطر، أخبريني أولاً عن العوارض التي تشعرين بها قبل وبعد وأثناء
الصداع".
استفاضت في الشرح بإسهاب وهو اهتم بسؤالها عن أدق التفاصيل واستمع لها بصبر
وتفهم وحنان شعرت معه برغبة متزايدة لأن تحكي له عن كل شيء، وفي النهاية هز رأسه
قائلاً:
"يبدو الأمر بسيطاً فلا داعي لأن توهمي نفسك، كما أني لن أستطيع
إعطاءك تشخيصاً صحيحاً قبل عمل الأشعات والتحاليل، لنسد الثغور المحتملة
كلها".
تمتمت مترددة:
"ولكن "ليام"، لن نستطيع إبقاء وجودي هنا سراً و..."
رد بابتسامة مشجعة:
"حسناً لا تقلقي، سنقوم بكل الإجراءات في عيادة خاصة لصديق لي".
ردت بفرحة مشوبة بقلق:
"ولكن سأسبب لك إزعاج، وإذا عرف "ليام" قد أتسبب بطردك
أيضاً".
رد ضاحكاً ليخفف من توترها:
"نعم.. وقد يقوم إعصاراً يهدم العيادة على رؤوسنا فيعرف "ليام"...
أو يموت صديقي بسكتة قلبية ويعرف "ليام"
أو ..."
ضحكت من مزاحه فحني رأسه قليلاً قائلاً بصوت حنون:
"لا تكفي أبداً عن الابتسام.. فهي تحولك لامرأة ملائكية جميلة".
ردت بيأس وقد تكسرت ابتسامتها على شفتيها لدموع حبيسة عينيها:
"وكأن الأمر بيدي".
خلع معطفه الأبيض قائلاً بمرح:
"هيا تعالي معي وأنا سأنسيكِ كل أحزانك، اسبقيني وسألحق بكِ، أين ركنت
سيارتك".
"في موقف الأطباء بجوار سيارة "ليام" لن تخطئها الشيلا
الحمراء".
رد مستنكراً:
"شيلا.. على ما أذكر أن المستشفى كلها كانت تتحدث عن سيارتك
الامبورجيني الفارهة هل تخليتِ عنها بهذه السهولة؟".
قالت بدون أسف حقيقي:
"لقد باعها "ليام" بعد الحادث، وعندما عدت اشترى لي الشيلا
الصغيرة، لا تبتئس أنا سعيدة بها تلك الجنية الصغيرة لقد أغرمت بها لحظة وقعت عيني
عليها، لا أدري كيف كنت أقود تلك المتوحشة التي تتحاكون عنها، سأنتظرك لا
تتأخر؟"
خرجت تتخفى مطرقة الرأس كي لا يتعرف عليها أحد في طريقها للسيارة، وقبل أن
تفتح الباب، جمدها مشهد رومانسي في مكانها، زوجها مع حبيبته اليد باليد والعينان
تسبحان في عالم خاص بهما، في حديقة المشفى يضحكان ويتهامسان وكأن الكون كله جزيرة
تخلو إلا منهما، شعرت بنغزة في صدرها.. فقد كان جذاباً جميلاً بضحكته التي حولته
لرجل آخر غير الذي تعرف.. رجل قادراً على أن يمنح الحب كما يتلقاه، رجل قد يضم الدنيا في قبضته لمجرد أن يرى السعادة في عيني
محبوبته، جلست في السيارة مطرقة على المقود وقد اكتفت بما شاهدته، ولكن لم تطاوعها
عيناها وراحت تبحث عنهما، لتملي عينيها ولو لآخر مرة منه قبل أن تراه في البيت
الرجل الذي لا يطاق، فلم تشعر بالرجل الذي فتح باب السيارة وجلس جوارها ولاحظ ما
يثير اهتمامها فمد يده ليلف وجهها إليه قائلاً:
"لا تعيري لهما اهتماماً هو أحمق لا يدرك كم هي ثمينة الجوهرة التي
يملكها".
ردت بصوت متقطع من الانفعال:
"هو لا يملك أي جوهرة يا "ماثيو" لا يملك إلا ناراً تحرق كل
من يلمسها".
أمسك "ماثيو" بيديها بين يديه وشدد عليهما قائلاً بابتسامة مشجعة:
"لقد لمستك ولم أحترق بعد.."
نظرت ليديها بين يديه واغرورقت عيناها بالدموع وهي ترفع رأسها لترى عيناه
الدافئتان وابتسامته المرحة الجميلة، لم يكن أجمل من "ليام"، ولكنه يملك
من الحنان الكثير.. أكثر مما رأته من "ليام" من يوم تزوجته....
أظلمت عيناها وشحب وجهها وذكرى يوم زواجها تهاجم عقلها بومضات قوية...
بعد أن أصر "ليام" على حفل صغير لم يشبع نرجسيتها بالظهور بين
الناس بفستانها من أشهر دور الأزياء العالمية والذي تكلف ثروة صغيرة ليصل من باريس
رأساً وفي غضون أيام قليلة فقط، انتزع ذراعه منها بعد دخولهما الفيلا فتلفتت حولها
تنظر باستياء لما حولها...
"ما هذا يا حبيبي.. ألم نتفق أن تعين مهندساً لتغيير ديكورات
الفيلا.."
رد بتشدد:
"لا يا... حبيبتي لم نتفق.. أنتِ طلبتِ وأنا رفضت.. ديكورات الفيلا
كلها من تصميم أمي ولا أنوي تغييرها... وأنتِ لكِ حدودك التي ستلتزمين عندها بدون
أي تخطي.."
ردت بدلال وهو تتلوى لتلف ذراعيها حول عنقه:
"وأين هذه الحدود يا حبيبي وأنا أعدك ألا أتخطاها أبداً.."
نزع ذراعيها من حول عنقه ودفعهما عنه بقسوة قائلاً:
"لقد تم لكِ ما أردتِ وتزوجنا، ولكني لا أريد أن أسمع منكِ كلمة حبيبي
هذه أبداً.. هل فهمتِ..يكفنا زيفاً هذا الزواج المهزلة فلا تزيديها بكلمات لا معنى
لها؟"
ردت بتدلل:
"نعم يا حبــ... آه عفواً أقصدي يا "ليام".. والآن نأتي
للمهم؟؟؟ أين ستكون غرفتنا؟؟"
أشار لها على الطرف الشرقي من الفيلا:
"من هنا.. تفضلي.."
تمتمت برنة حزن مزيفة ونظراتها تتلاعب من أسفل رموشها:
"ألن تحملني ككل عروس في ليلة زفافها؟؟"
رد زافراً بضيق:
"لقد تمت ليلة زفافنا في غرفتي في المشفى منذ سنوات.. أم تراكِ
نسيتِ؟؟ تفضلي.."
وكاد يدفعها دفعاً لولا أنه تماسك... أشار لها فصعدت الدرج أمامه تحمل ذيل
ثوبها الطويل بتأفف.. وعند وصولهما لرأس الدرج أشار لها على أقرب الغرف ثم تقدم
ليفتح لها الباب بأدب...
دارت حول نفسها في الغرفة الفسيحة شاهقة بسعادة وهي تتلمس السرير الكبير
المغطى بالحرير الذهبي..
"أوه أهذه غرفتي ما أجملها.. أجمل بكثير مما حلمت بها..."
فك رباط عنقه ثم خلع جاكيت حلته السوداء الأنيقة وتقدم نحوها، خيل إليه أنه
لمح رعشة في أهدابها، ولكنه كذب نفسه عندما كادت نظراتها الجريئة تكاد تطرحه أرضاً
بغير صبر للوصول للفراش.. استدارت بدلال وهي تزيح شعرها عن عنقها:
""ليام".. هل تسمح لو تفتح لي السحاب..."
تقدم نحوها بنظرة ساخرة تحولت لمتعجبة مرة أخرى عندما لمس رجفة جسدها
بأنامله فسألها:
"هل تشعرين بالبرد؟؟"
هزت رأسها بالنفي دون أن تتكلم.. فتح السحاب وأسقط الثوب في ثواني غير راغب
بإطالة الأمور أكثر... ثم أدارها بين يديه بنظرات شبقة راغبة في التمتع بكل هذا
الجمال لأقصى حد.. ولكنه توقف للحظة عندما لاحظ كدمة أعلى صدرها... لمسها بإبهامه
متسائلاً..
"كيف أصبتِ بهذه؟؟؟"
لدهشته رنة ضحكتها المغناج قائلة:
"أوه حبيبي لا تهتم... لقد كان "ستيفانوس" يحاول وداعي
بطريقته الهمجية عندما أخبرته أنني سأقطع علاقتي به بعد الزواج.. لا تدقق فيها
هكذا هي لا تؤلمني بقدر ما يظهر عليها..."
شهقت متفاجئة عندما انتزعها من على صدره بقوة يهزها بوحشية والغضب يلون كل خلجة من خلجاته:
"ما أنتِ.. هل أنتِ شيطانة؟؟ اللعنة مجرد رؤياكِ تسبب لي الغثيان...
اللعنة..."
وهذه المرة دفعها بكل قوته لتسقط أرضاً متأوهة....
شهقت من ألم ذكريات الماضي فسألها "ماثيو" قلقاً:
""أشلي" هل أنتِ بخير؟؟"
رددت بدموع مختنقة..:
""ماثيو" لست سوى حفنة من رماد... مجرد حفنة من رماد كانت
يوماً ناراً مشتعلة تحرق كل من يعترض طريقها...."
***
أرجوحة الغيرة والكُره
***********
"هو لا يملك أي جوهرة يا "ماثيو" لا يملك سوى حفنة من رماد،
كانت يوماً ناراً مشتعلة تحرق كل من يلمسها".
ظلت حروف تلك الكلمات تتردد كالصدى في آذانهم داخل السيارة، ضغطت بقدمها
بقوة على دواسة البنزين فانطلقت السيارة كالسهم دون أن تفسر معنى كلامها للطبيب
الشاب، واحترم صمتها فقد كان أبلغ من أي كلام ممكن أن تنطق به، يكفي أن يرى
عبراتها الحبيسة رموشها المبللة بالأحزان ليدرك أي عذاب تعيشه تلك المسكينة، وأي
صراع يحتدم في داخلها، وظل الصمت هو اللغة الوحيدة بينهما إلى أن وصلا للعيادة
التي أشار لها عليها، ولم يستغرق عمل الآشعات والتحاليل المطلوبة وقتاً طويلاً،
ولكن فترة الإنتظار التالية مرت عليها كسنوات طويلة، وكعادته "ماثيو"
اكتفى لمؤازرتها بصمته ونظراته المشجعة، ولفتات الحنان التي أصبح يشتهر بها، وبعد
أن ظهرت النتيجة ظلت كلمات الطبيب تدور في رأسها أثناء مغادرتها العيادة، فلم تشعر
برفيقها يوجهها للمطعم في الشارع المقابل، كانت شبه مغيبة عن ما يدور حولها وهي
تستعيد كلمات الطبيب مراراً وتكراراً:
"أنتِ على ما يرام سيدة "ماجواير"، صور آشعاتك سليمة تماماً،
لا شيء خطير توجد بعض التأثرات الخفيفة عند مركز الذاكرة، وهذا سبب عدم تذكرك لكل
ماضيك بعد، ولكن لا تدعي هذه الأخبار تسبب لكِ أي ضيق ففي صباح أي يوم قد تستيقظين
لتجدي نفسك وقد تذكرتِ كل ما نسيتِ دون عناء التفكير، وستعودين كما كنتِ تماماً
قبل أن تسافري تلك الرحلة المشؤومة، أما عن الصداع فهو بسبب محاولاتك الدائمة على
إجبار عقلك على التذكر، لا تنهكيه سيدتي فهو متعب كفاية بغياب الذاكرة عنه لمدة
ثلاث سنوات، لا تقلقي، حتماً ستعودين كما كنتِ تماماً... يوماً ما".
هزها "ماثيو" من مرفقها متسائلاً:
""أشلي" هل أنتِ بخير، لقد طمأنك ليس بكِ شيء يدعو
للقلق".
تمتمت بعينين دامعتين:
"ولكنه أكد لي أني قد أتذكر ذات يوم، وأعود.. أعود كما كنت في الماضي".
تساءل بدهشة:
"وهذا الخبر لا يسعدك، ولكني ظننت..."
صرخت بطريقة لفتت انتباه المارة من حولها، فأغمضت عينيها للحظة ثم فتحتهما
هامسة بصوت متكسر:
"لالالالالالالالالا، بالطبع لا، يا إلهي أنت لا تفهم، هذا أسوأ خبر
سمعته في حياتي، يا إلهي يا "ماثيو"، أنت لا تتخيل إحساسي... قد أقتل
نفسي قبل أن أعود لتلك المرأة الأنانية المستهترة البشعة التي كنت عليها قبل
الحادث والتي يكرهها كل من حولها ويتمنى لها لو لم تعد من الموت وأولهم زوجها..
زوجي يا "ماثيو" زوجي الذي يتمنى لي مع كل نفس لأتنفسه لو يطبق على صدري
وأموت لأحصل أخيراً على قصاصي العادل لما جنته يداي في حقه وحق غيره".
أمسك بيديها المثلجتان من الانفعال ليهدئها:
""أشلي"... اهدئي وتعالي معي".
سألته بشرود وانكسار في نبراتها وعبراتها المنهمرة:
"إلى أين؟"
"سأدعوكِ للغداء، فأنتِ تبدين كالشبح، وكأنكِ لا تمسين طعاماً، هل
يفرض عليكِ الطبيب المحترم سياسة التجويع ترحيباً بعودتك".
ردت بألم:
"لا أحب أن آكل وحدي، و"ليام" يكره مجرد رؤيتي، فما بالك
بتناول الطعام معي".
ربت على كتفها بحنان ولف ذراعه حولها ليدفعها برقة لتدخل معه المطعم،
ولكنها ظلت محافظة على ملامحها الساهمة الشاردة دون أي التفاتة لتدل على اهتمامها
بما حولها... حتى وضعت أطباق الطعام أمامهم فنبهها بصوته الحنون:
""أشلي" تناولي طعامك... رجاءاً، لقد سمحت لنفسي باختيار
طعامك أرجو أن يروق لك اختياري".
تمتمت بعينيها الدامعتين وكأنها لم تسمعه:
"لا يمكن أن أسمح لهذا أن يحدث يا "ماثيو"، لا يمكن أن أعود
كما كنت، ما زلت أعاني من تبعات تصرفات صدرت مني لا أكاد أذكر عنها شيئاً، ولا
أصدق أنها صدرت مني، ولا أعرف ماذا أفعل؟"
أمسك بيديها بين يديه مهدئاً:
"عزيزتي، أنا لا أفهم شيئاً مما تقولين، تتكلمين بشكل متقطع، وتسردين
ألغازاً بالنسبة لي، هل ستشعرين براحة أكبر لو حكيتِ لي عن كل ما يضايقك وأعدكِ أن
أكون بئر أسرارك الأمين".
هزت رأسها بالإيجاب، ثم استغرقت
لحظات لترتب أفكارها.. من أين ستبدأ، ثم شرعت تسترسل تحكي ما تسعفها ذاكرتها
بتذكره، وضعت بين يديه كل حياتها بقبحها ودمامتها، كما قيل لها وما اكتشفته بنفسها،
كما قصت عليه كل ما وجدته في دفتر مذكراتها، ثم صمتت أخيراً تنتظر رد فعله، كان
مذهولاً لا يصدق أي كلمة مما يسمع، وردد بتعجب:
"حكايتك غريبة حقاً، ولكني أعترف أني فوجئت بكِ في الحفلة، كنتِ شخصية
مختلفة تماماً عن الممرضة المفترسة التي تروى عنها الروايات، ولكن في روايتك توجد
نقطة غير مطابقة مع المنطق، تلك الحادثة التي حدثت لكِ مع والدك رغم أني لا أدعي
الفهم في الطب النفسي ولكني قرأت بعض الكتب والمنطق يقول أن تلك الحادثة لابد وأن
ترسب في نفسك عقدة من اقتراب أي رجل منكِ، ولكن ما حكيته عن نفسك وطريقتك لإيقاع
الدكتور "ماجواير" في فخ الزواج لا يتطابقان، وعلاقتك بالدكتور
"ستيفانوس" كذلك.. توجد هنا علامة استفهام كبيرة".
رددت بذهول:
"أتعني رغم بشاعة تلك الشخصية التي كنت عليها، إلا أنه من غير المعقول
أن.. أن.... يصدر مني هذا التصرف!!!"
صاح "ماثيو" مبتهجاً وكأنه تأكد من نتيجة استنتاجه:
" أرأيتِ، أنتِ حتى لا تستطيعين النطق بما حدث، حياءك يمنعك، وبالطبع
الطريقة الخالية من الحياء التي تعاملتِ معها شخصيتك السابقة تخفي عقدة نفسية
ولكنها لا يمكن أن تكون كما تبدو".
"أتعني أني ما زلت أحتفظ في عقلي الباطن بسر كبير، ولكن لو صدق صديقك
في تشخيصه وعدت كما كنت في الماضي، يا إلهي سأقتل نفسي قبل أن أسمح لها بإيذاء أي
مخلوق آخر".
تنهد "ماثيو" قائلاً:
"وهذا ما يسبب لكِ الصداع، الصراع بين شخصيتك القديمة وأنتِ الآن...
الإنسانة الطيبة التي ترفض بإصرار كل ما صنعته في الماضي، وشخصيتك الجديدة رغم
طيبتها ولكنها ليست ضعيفة أبداً فهي تقاتل بضراوة، العلاج بين يديكِ وحدك "أشلي"،
كوني دائماً ثابتة وواثقة من نفسك ولا تضعفي كي لا تستغل ضعفك لتعود وتحتل نفسك
وتصبحين قيد تصرفاتها الخاطئة التي على ما يبدو لا ترضين عنها".
رددت ذاهلة:
""ماثيو"، أنت تتحدث كما لو كنت مصابة بانفصام في الشخصية".
أمسك بيديها بيديه القويتين ليوقف ارتجافها:
"اهدئي من فضلك، قلت لكِ خبرتي بالطب النفسي ليست متعمقة أنتِ بحاجة
لطبيب نفسي محترف ليساعدك".
نزعت يديها منه لتخفيها في حجرها قائلة وهي تعض على شفتيها بتوتر:
"قد تكون على حق، ولكن أين سأجد هذا الطبيب الذي أثق به، أنا لا أعرف
أي أحد".
أعطى لها "ماثيو" كارتاً قائلاً:
"هذا عنوان صديق لي ماهر في عمله كطبيب نفسي لا تترددي والجئي له
فوراً قبل أن تخسري معركتك، ونصيحتي لكِ، من الأفضل أن تخبري زوجك بكل شيء".
اعتصرها الألم مجدداً وهي تتذكره يحتضن "فراني" ويعانقها بدون
خجل خاصةً، وأنهما كانا في مكان عام، على مرأى من كل العيون المتطفلة.
عادت للفيلا في وقت متأخر من النهار فاستقبلتها "بريانكا" بجزع
وخوف
"سيدتي، آه حمداً لله أنكِ عدتِ، لقد اتصل سيدي أكثر من عشرة مرات
يسأل عنكِ ولم أعرف بماذا أجيبه وأنتِ لم تبلغينا بمكانك".
تجاوزتها "أشلي" قائلة ببرود وتجاهل وكأن ما قالته لا يعنيها بشئ:
"سأصعد لغرفتي لآخذ حمام ساخن وأنام، ولا أريد أن يزعجني أحد، أي أحد،
هل تحذيري واضح "بريانكا"؟".
تتبعتها الخادمة بعينيها حتى توارت في غرفتها وصاحت محدثة "جان":
"قد عيل صبري بين هذين الاثنين، سيتسببان لي بالجنون، من تصرفاتهما
هذه وكأنها طفلان متناحران".
رغم كل أحداث النهار المؤسفة ولكنها ابتسمت تشعر بشيء من السعادة وهي
تستعيد ذكرى معاملة "ماثيو" لها كسيدة محترمة وامرأة حقيقية، كما أن
نظراته كانت بعيدة كل البُعد عن السخرية والاحتقار، المشاعر والنظرات التي يخصها بها زوجها منذ عودتها من الموت.
أنهت حمامها واضجعت على فراشها تمني نفسها ببعض الراحة بعد أن تأكدت من
إيصادها للباب بالمفتاح، حتى عادت "بريانكا" بطرقاتها المزعجة على الباب
فوضعت الوسادة فوق رأسها تضغط عليها بقوة إلى أن خَفت الصوت ولم تعد تسمع أي شيء
حتى بدأ النعاس يتسلل برقة ليحتل كيانها المتعب.
ولكن أحلامها المزعجة لم تمنحها تلك الراحة التي ناشدتها فقضت عليها مضجعها لدرجة أنها استيقظت صارخة من شدة الفزع من نومها متلاحقة الأنفاس لاهثة وذكرى كابوسها المزعج يلاحقها حتى في صحوتها، وظلت لدقائق طويلة تحاول تهدئة سرعة أنفاسها، حتى بدأت تعي ما حولها حيث الظلام الحالك والسكون المطبق عروسا الليل المتوجين لا يعزف موسيقى زفافهما إلا نقيق علجوم يحاول استدرار عطف أنثاه بصوته المزعج وكروان مغرد على غصن الشجرة القريبة من شرفتها،
فتحت باب الشرفة فجفل الطائر ورفرف بأجنحته مبتعداً، أحاطت جسدها المرتجف بذراعيها عندما تسلل البرد إليه عبر ردائها الرقيق، شعوراً بالضياع والخوف كاد يسيطر على كيانها، اتجهت بنظرها للشرفة في الناحية الأخرى حيث الأضواء تُبدد ظلام الليل الحالك، كانت على التوازي مع شرفتها الملتفة بانحناءة تمكن القاطن في تلك الغرفة هناك من كشفها، عبث الفضول القاتل برأسها لمعرفة ما خلف هذه الأبواب فهي ليست سوى غرفة زوجها التي قضت بها ليالي الأسبوع الأخير كلها ولكن...
تراجعت
بسرعة في ظل الحائط عندما فتحت أبواب الشرفة فجأة وخرج منها شبح طويل ما لبث أن
تحددت ملامحه عندما وقف في دائرة ضوء القمر ولكنها لم تحتاج
للضوء لمعرفته، فما من رجل سواه يضطرب كيانها لمجرد وجوده، زوجها سبب عذابها
الوحيد... دق قلبها بشدة عندما وقف باعتداد عاري
الصدر وكأنه يهزأ كعادته من كل شيء حتى برودة الطقس التي على ما يبدو لم تؤثر في
عضلاته السميكة فراح يعب الهواء لصدره عباً كطرزان في الغابة، ابتسمت للفكرة التي
راودتها وتخيلته بصدره العاري يضرب عليه بقبضتيه و"جين" حبيبته متعلقة
بعنقه، وتخيلت نفسها في دور "جين" وما لبثت أن تبددت خيالاتها المستحيلة
على واقع آخر قاسي عندما امتدت ذراعان أكثر نعومة من خلفه لتلتفان حول صدره وقد شق
صوتها الرقيق الناعم سكون الليل هامسة بغنج ودلال:
"حبيبي لماذا تقف هكذا في البرد؟ هيا تعالى معي لأدفئك".
لم يرد عليها إلا بحركة خفيفة من رأسه، والتفت إليها يحتواها ليضمها لصدره
في عناق حار ثم دفعها للداخل وقبل أن يغلق باب الشرفة وباستدراة مفاجئة حدق في
الظلام بنظرة طويلة وصلت للشرفة المقابلة، شعرت برعشة قوية عندما شقت شفتاه
الصخريتان ابتسامة ساخرة وكأنه رأى المتلصصة المختبئة في الظلام، ابتسامته أدركتها
من مخبئها وتغلغلت في كل خلية في جسدها وبعد دقائق طويلة تحركت من مكانها وغصة
مؤلمة تجتاح قلبها، الآن فقط عرفت لماذا لم يلحق بها عند عودته ولمَ لم يصر على
طلبه أن تكون إقامتها في غرفته، لقد كان الطبيب البارع مشغولاً بحالة خاصة جداً.
جلست في فراشها لا تكاد تعي ما حولها، تعيش حالة من الذهول المستمر إلى أن
فوجئت بضوء الشمس يتسلل من بين الستائر الثقيلة ولكنها لم تشعر بفرحة هذا اليوم
الجديد فهو لن يأتي بأي خير لها كسابقه، انتبهت لأصوات وضحكات رنانة في الحديقة
فنهضت بخفة لتتلصص من خلف ستار الشرفة فرأتهما يتبادلان رمي الكرة في الحديقة
ويلعبان كمراهقان صغيران، أحنت رأسها جانباً لتراه ضاحك الوجه والعينان ملتمعتان
بالحب والشقاوة الصبيانية، سالت دموع القهر وهي تشيح بعينيها بعيداً عن رؤيتهما
بعد أن اكتفت من مشاهد الغرام التي هي أحق بها من أي امرأة أخرى في العالم، فهي
زوجته.
وضعت يدها على صدرها تحاول مكافحة اللهاث المتصاعد لتقنع نفسها أنها تستحق
كافة أنواع العقاب لكُل جُرم ارتكبته في الماضي في حقه حتى وإن كانت لا تتذكره،
فهو لا يُلام لكُرهه لها.
دخلت الحمام لتغتسل من أفكارها ولتهدئ نفسها برشات من المياه الباردة معرضة
نفسها للمرض ولكن ربما هذه المياه تعيد لها رشدها الذي فقدته وهي تشاهد زوجها بين
ذراعين غير ذراعيها.
ارتدت تي شيرت خفيف وبنطلون جينز ثم عقصت شعرها الأشقر الحريري من دون
اللجوء للمرآة وخرجت من غرفتها مصممة أن تتجاوز كل ما يحدث وتنضم إليهما على مائدة
الإفطار.
كان يبدو أن المباراة انتهت فقد كانت صديقة زوجها جالسة في ظل شجرة وارفة
الخضرة تشرب كأس من عصير البرتقال المثلج لتروي عطشها على ما يبدو بعد إنهاكها
الواضح في اللعب، ولا أثر لـ"ليام".. أومأت لها بتحية مقتضبة وهي تجلس
شاعرة بحرج الموقف، ولكن ما أشعل نيران غضبها الخامدة أنها تجاهلت وجودها تماماً
وكأنها مجرد هواء، شيء ما تمرد داخلها بعد أن اكتفى من الخنوع والخضوع لماضي لا
تشعر أبداً بمسؤوليتها نحوه، فوضعت ساق فوق أخرى شامخة بأنفها، وبعد لحظات من
الصمت والأخرى ترتشف عصيرها بتلذذ واضح، تنهدت "أشلي" ثم قالت بابتسامة
ناعمة وبريق ساخر يتلاعب بنظراتها نحوها:
"لن أختفي..."
ظنت أن الأخرى توقفت حتى عن التنفس وعيناها
تتوقفان عندها وكأنها لم تراها حتى سمعت صوتها، فأعادت "أشلي" جملتها
باتساع الابتسامة على شفتيها، مسرورة من تجهمها:
"قلت لكِ مهما ادعيتِ عدم وجودي، أو أنني مجرد هواء، أو ربما أختفي لو
صبرتِ لبعض الوقت.. أخشى أن أزف إليكِ البشرى... أنا هنا، في بيتي ومع زوجي، وأنتِ
هي الدخيلة صدقتِ أم فضلتِ الحياة في وهم من صنع مخيلتك الواسعة".
بعد أن تمالكت نفسها ارتشفت "فراني" بعض العصير وقالت ببرود:
"أنتِ لا تشكلين لي أي أهمية".
قهقهت "أشلي" بضحكة ناعمة زادت من تجهم ملامح "فراني"
فبدت أكبر سناً مما تدعي:
"خطأ... مهما كانت الخلافات بيني وبين زوجي.. "ليام"، وجودي
هنا في هذا البيت وعلى فراش زوجي لمدة أسبوع كامل..."
شهقت "فراني" فغصت بالعصير مما تسبب لها بسعال حاد استمر حتي خرج
من أنفها ثم نظرت لـ"أشلي" بعينين محمرتين غِلاً:
"ماذا قلتِ، أنتِ..."
قاطعتها "أشلي" بابتسامتها الهادئة:
"بالمناسبة، أعجبني ذوقك لديكورات الغرفة، عجيب أنكِ اقترحتِ اللون
الذهبي ليكون السائد فيها، أم ربما تذكر "ليام" لوني المفضل.."
دارت عيني "فراني" وكأنها تتذكر من فيهم اقترح لون الغرفة ولكن
"أشلي" لم تمهلها وهي تردف بتنهيدة مع شبح ابتسامة متلاعبة بشفتيها
وكأنها تستعيد ذكرى ممتعة:
"أما السرير... أوووف حكاية أخرى، ربما يبدو لمن يراه هشاً ولكن يا
للعجب، فاجأني بقوته حتى أنه لم يصدر أي أصوات صرير رغم المجهود الهائل الذي تحمّله
طيلة أسبوع كامل".
هنا قفزت "فراني" من مكانها فانسكب دورق عصير البرتقال على ثوبها
الأبيض، انتفضت صائحة بكل ما يعتمل فيها من غضب وغيرة:
"أنتِ... أنتِ كاذبة حقيرة ملعونة".
ردت "أشلي" بنفس ابتسامتها دون أن يرف لها جفن:
"هل تملكين الدليل؟؟ حسناً لم لا تسألي صاحب الشأن بنفسك؟ أوووه هذا
التصرف قد يضايقه أليس كذلك ويشعره أنكِ بدأتِ
بتقييد حركته وبخنقه بعلاقتك..."
همّت بالرد عندما لاحظت قدوم "ليام" فجذبت إحدى فوط المائدة
وراحت تمسح ثوبها بحركات عنيفة، اقترب "ليام" ولاحظ ما يحدث فتدخل بصوت
مواسي:
"آه حبيبتي، هل أفسدتِ ثوبك، يا لكِ من فتاة حمقاء".
أعجبت "أشلي" بثباتها وهي ترسم ابتسامة لا شائبة فيها قائلة
بدلال:
"هذه أنا يا حبيبي، حمقاء، ولكني ما زلت على قمة اهتماماتك، ألست
كذلك؟؟"
كانت جملتها الأخيرة موجهة لـ"أشلي" التي تجاهلتها وهي تدعي عدم
الاهتمام بما يحدث حولها.
وظلت لدقائق عديدة بدأت فيها تقنع نفسها أنها غير مرئية أو أن رفيقيها على
المائدة يتجاهلان وجودها بأسلوب فظ، وأخيراً التفت لها زوجها ليوليها بعض الاهتمام،
متسائلا بجفاء وقسوة:
"علمت أنكِ عدتِ في ساعة متأخرة ليلة أمس، ولم تخبري عن وجهتك".
فوجئت بلهجته اللاذعة خاصةً أمام صديقته، فلم تهين نفسها بالرد ونظرات
صديقته الساخرة تغمرها ببرود حاقد، فأعاد سؤالها بحدة أكبر:
"عليكِ اللعنة يا امرأة سألتك سؤالاً وما زلت بإنتظار إجابة
مقنعة".
حاولت إنقاذ ما تبقى من أشلاء كرامتها فردت ببرود:
"لم يتأزم الوضع بيننا لدرجة أن تحاسبني أمام صديقتك يا دكتور، أم
ترانا وصلنا فعلاً لهذا الحد".
حدجها بنظرة ساخرة وكأنه يذكرها بمشهد الشرفة:
"تعرفين جيداً أن "فراني" ليست مجرد صديقة".
ردت من خلال أسنانها المطبقة محاولة أن لا تفلت أعصابها المتحكمة في نبرات
صوتها:
"سحقاً لك "ليام" لم أسألك عن علاقتك بها حتى تتكرم بالشرح
باستفاضة".
ردت "فراني" بدلال وهي تنهض من مكانها لتنحني فوقه تلثم شفتيه
بقبلة جريئة:
"يبدو أن زوجتك تخجل من التحدث معك في وجودي يا حبيبي، سأذهب أنا
لـ..."
رد مدافعاً بنظرات شرسة:
"اجلسي "فراني"، كوني متأكدة أنها لا تعرف أي معنى لهذه
المشاعر التي قد تصيب البشر العاديون".
"لا بأس يا عزيزي لابد أن أبدل ثوبي على أي حال، سأراك في وقت لاحق
هذا المساء، إلى اللقاء".
ثم رمقت غريمتها بنظرة منتصرة وهي تنسحب برأس مرفوع وكأنها تبلغها بأن لقب
زوجة يفقد معناه في هذا البيت، خاصةً في وجودها.
تحاشت نظرات زوجها المتهمة وساعدها على الهروب من هذه النظرات حضور الخادم
بإفطارها، ولكنه لم يسمح لها أن تهنأ بهروبها فعاجلها بقسوة متركزة في كمية الغضب
التي تشع بها عينيه ووجهه العابس:
"والآن وقد انصرفت، هل لي بإجابة على سؤالي؟ أين كنتِ أمس؟"
رفعت رأسها كي لا تسمح بالتخاذل من أن يوهن عزيمتها على التصدي:
"لمَ تهتم فجأة بمكان وجودي في حين أنك تمارس حريتك بدون أي قيود
تُذكر، فتسمح لنفسك بمصاحبة أي كائنات تسير على قدمين حتى إلى غرفة نومك".
سألها بغرور:
"هل ألمح مشاعر الغيرة هنا؟"
ندت عنها صرخة استنكار وهي تصيح باشمئزاز:
"غيرة!! بالله عليك يا "ليام" عن أي غيرة تتحدث قد أشعر بها
نحوك، ومن مَن... "فراني" لا أعتقد أنني قد أنحدر لهذا المستوى".
رد ببرود مركزاً على ملامح وجهها المحتقنة:
"ربما شعرتِ بشيء منها عندما استبدلتها بكِ هذه الليلة بعد أن وعدتك
أن تكون لكِ".
عادت تصيح باستنكار محاولة أن لا تظهر عليها علامات الكذب:
"واجب علي شكرها لا أستاء منها لأنها أنقذتني من جحيم غير محتمل
برفقتك".
رد مفكراً وقد برقت عيناه بالخطر:
"ترى من يملأ حياتك يا زوجتي المصون، كي يكون اقترابي منكِ
جحيم".
صرخت باستياء:
"ألا تحسن لغة أخرى للحديث تكون أكثر رُقياً".
شدها من مرفقها بقسوة حتى قرب وجهه منها لتصطدم أنفاسه الحارة ببشرتها
الباردة فعبقت أنفها برائحته المميزة لتذكرها بموقف من الماضي عندما كانت مجرد
ممرضة وكان هو الطبيب النابغة البعيد عنها بُعد النجوم عن الأرض وأقرب ما يصله
منها كانت رائحة عطره أثناء مروره بجوارها، أفاقت من شرودها على كلماته التي راح
يقذفها في وجهها كالقنابل:
"كل حديثك معي لا يعني لي إلا شيئاً واحداً أن الغيرة تكاد تعميك من
مشاركتي لامرأة أخرى فراشي ولكني أعدك أن أحاول التخلص بأسرع وقت ممكن من مشاعر
الاحتقار والقرف التي تنتابني كلما رأيت وجهك وعندها سأستطيع المقارنة بينكما
وأكثركما إثارة لي ولتلبية احتياجاتي، سأشرفها بالبقاء معي في فراشي حتى أمل من
وجودها".
همست برعب وهي تزدرد لعابها بصعوبة:
"أنت مريض مجنون".
رد بشراسة وهو مستمر بهزها بعنف حتى اصطكت أسنانها ببعضها:
"إن كُنت كذلك فالفضل الأول والأخير لكِ فأنا أفعل أي شيء لأذيتك يا
"أشلي"".
لمعت عيناها بشرارات الغضب وردت منفعلة:
"وأنا أيضاً يا "ليام"، أستطيع الكيل لك بمكيالك، ولعبتك
يمكن لاثنان اللعب بنفس قوانينها، كما ترى ففقداني الذاكرة لم ينتقص مني شيئاً...
أم أن عينيك أصابهما ما أصاب قدرتك على التمييز بين الماضي والحاضر".
**************************
