" " " " " " " " رواية حفنة من رماد (الفصل الخامس)
📁 آحدث المقالات

رواية حفنة من رماد (الفصل الخامس)

 



 

هدنة

*************

 

بملامح حادة وأوداج منتفخة من التوتر اقترب بوجهه منها وهو يعيد جملته بكل حرف يقطر كراهية:

"أنا أفعل أي شيء إن كان فيه أذيتك "أشلي"".

ظلت كلماته المسمومة تدوي في أذنيها حتى بعد انصرافه، فعاد الصداع يطن في رأسها يكاد يشطره نصفين.

بعد هذه المواجهة تحاشت الإقتراب منه أو التواجد معه في أي مكان، وظلت طوال الوقت تراقبه من بعيد مع صديقته يلهوان بحرية ويتمتعان بأوقاتهما كما يشاءان، يتمشيان في حدائق الفيلا متلاصقان وكل التصرفات التي شعرت أنه يتعمدها ليتمعن في أذيتها، بدون أن يؤرق ضميره رؤيتها منكسرة ذليلة، ودهشت من نفسها لماذا تشعر بكل هذا الألم، ولماذا يؤذيها وجود امرأة أخرى معه، لماذا تهتم لو صاحب كل نساء الأرض فهي لا تكنّ له إلا مشاعر الكُره ولا شيء سواها، أليست هذه هي الحياة التي كانت تعيشها معه بسعادة مطلقة قبل الحادث، هي تكرهه وهو يكرهها ورغم ذلك كانت سعيدة.

تحاشت التواجد في أي مكان بالقرب منهما فظلت تجوب أنحاء الفيلا يقتلها الملل والغيرة الغير متوقعة تتآكلها، إلى أن ساقتها قدماها للمطبخ، توقفت الطباخة والخادمة المساعدة لها عن ما يعملان مذهولتان من وجودها، في ذات اللحظة التي دخلت بها "بريانكا" تهتف بدهشة:

"سيدتي، هل أردتِ شيئاً، لمَا لم تدقي الجرس وأنا.."

قاطعتها "أشلي" من تدفق سيل كلماتها الثرثارة:

"اهدئي "بريانكا"، لقد جئت لتقديم المساعدة".

لاحظت من أشكالهم المضحكة وقد فُغرت أفواههن بذهول، أن تبريرها لم يكن أكثر دهشة من وجودها، فأردفت:

"هل تسمحن لي بالبقاء معكن، يكاد الملل والوحدة يقضيان عليّ".

رددت "بريانكا" وهي تسترق النظرات مع رفيقاتها:

"ولكن سيدتي هذا لا يصح... نحن مجرد خادمات وأنتِ..."

جلست "أشلي" على أقرب مقعد مقررة بحزم:

"حسناً وأنا سيدة الفيلا وقد قررت البقاء هنا مَن تستطيع منكن طردي فلتفعل".

**********

شعر بيدها الرقيقة الناعمة تمسد على وجهه بحنان، ثم بدأت أناملها النحيلة المطلية بلونها الأحمر البراق تتخلل شعره الأسود الكثيف وراحت تهمس بشفتيها المغويتان في أذنه بغنج ودلال:

"حبيبي، هل نمت؟"

حركت نظاراته السوداء عن عينيه والتي كانت تحميه من أشعة الشمس المتوهجة حيث كانا يستلقيان على المقاعد الخشبية طلباً للراحة بعد أن قضيا الساعتان الماضيتان في حمام السباحة يلعبان.. رد متذمراً بضيق:

""فراني"... كُفي عن العبث واتركيني أنام".

طبعت قبلة على شفتيه هامسة مرة أخرى ولكن بلهجة حذرة:

"ألم تشبع نوماً طوال الأسبوع الماضي".

رفع نظارته يرمقها باستغراب بطرف عينه متسائلاً:

"ماذا تقصدين؟؟"

لم تستطع إخفاء غيرتها الواضحة وهي ترد بغلّ:

"هل نمت مع زوجتك طيلة الأسبوع الماضي؟"

رد بلهجة محتدة:

"وإن كان..."

تراجعت بارتباك واضح صاحبه امتقاع للونها:

"حبيبي... كنت أمزح معك، كما أنني يحق لي أن أغار عليك، لقد ارتضيت بهذا الموقف الشاذ ولكن هذا لا يعني أن...."

قاطعها بحدة:

"بإمكانك التراجع في أي وقت، لم أجبرك على شيء".

"نعم.. نعم أعلم، ولكني أحبك لدرجة أنني لا أبالي، كما أنني متأكدة من كرهك لزوجتك، أليس كذلك؟؟"

غمغم وهو يعيد نظاراته مكانها على عينيه ورأسه للخلف:

"نعم.. نعم".

"حبيبي أنا عطشى، لقد نفذ العصير، وخدمك الأغبياء لا يردون على الجرس، هل ستترك "فراني" حبيبتك تموت من العطش".

زفر بضيق ثم شقت شفتيه ابتسامة نادراً ما تتواجد ونهض من مكانه:

"حسناً أيتها المزعجة لقد قررت وانتهى أمري معكِ، تريدين العصير وبعدها تتركيني أنام بسلام".

ردت ضاحكة:

"بشرط، ليس هنا.. وليس وحدك".

قهقه ضاحكاً وهو يعيد نظاراته لعينيه ويسير مبتعداً، تأملت جزعه القوي وعضلات كتفيه القوية ثم أغمضت عيناها متمتمة وهي تضجع في دفء مكانه:

"لن يكون لكِ أبداً أيتها العائدة من الموت، لن يكون إلا لي... وحدي".

تحرك بخفة الفهود حافي القدمين فلم تسمع النسوة المثرثرات الضاحكات اقترابه من المطبخ، تعجب من الأصوات العالية وتمتم بزفرة ضيق:

"لا عجب أن لا أحد سمع الجرس".

وازداد تعجبه عندما ميز صوتها من بين الأصوات، فاقترب متلصصاً ورأى ما يعجز حتى خياله عن التصديق، زوجته شبه مغطاة بالطحين من قمة شعرها الأشقر حتى ملابسها، ويداها منهمكتان في العجين وهي تتبادل الضحك مع الخدم، تسمر في مكانه يحاول استيعاب ما يرى، لا يمكن، لا يمكن أن تكون هذه "أشلي" التي أعرفها، مَن تخدع الآن، وعاد أدراجه يهمس لنفسه ويتمتم حتى أفاق على صوت "فراني" وقد وصل إليها دون أن يعي:

"حبيبي ناولني كأس من العصير رجاءاً يكاد حلقي يحترق من العطش، "ليام".."

"هه نعم حبيبتي".

صاحت بنفاذ صبر:

"العصير يا حبيبي".

سألها متعجباً:

"أي عصير؟؟"

*******

استيقظت في صباح اليوم التالي بعد مرور أسبوع كان من أجمل الأيام التي قضتهم في حياتها... التي تتذكرها على الأقل، بعد أن عرفت طريق المطبخ أصبحت لا تغادره إلا وقت النوم، واستمعت كالعادة في كل صباح لأصوات الضحك الصاخبة الآتية من ناحية حمام السباحة، ولكن... لا شيء، الهدوء هو السمة المميزة لهذا الصباح، نهضت بخفة لتراقب حمام السباحة من خلف الستار ولكن لا شيء أيضاً، دهشت من شعورها بالراحة وإحساس غريب بداخلها لم تعرف كنهه ولكن له مذاق لذيذ بالمقارنة بالمشاعر المقيتة التي مزقتها طوال الأسبوع الماضي، ولأول مرة تقف أمام المرآة لتصفف شعرها بعناية، ولكن ذكرى احتقاره لها داهمتها فرمت الفرشاة من يدها وشعور هائل بالمرارة يرتفع لحلقها لدرجة شعرت معه بالغثيان، عادت لتحدق بصورتها المنعكسة في المرآة وسألتها وكأنها تحدث شخصاً غريباً عنها:

"هل سأستطيع يوماً أن أمحو من ذاكرته ما فعلته به؟ كيف أجعله ينساك ويتذكرني أنا؟ كيف؟؟ هل سأتمكن من هذا يوماً وبكل ما أحمل داخلي من مشاعر جديدة، كيف سأستطيع أن أمحو من عقله وقلبه الأذى الذي ألحقته به؟"

هو محق بلا شك في كرهه لكِ، ولكن أنا لا ذنب لي كيف أقنعه أنني وأنتِ شخصان مختلفان وأنه لابد أن يتوقف عن عقابي لذنب ارتكبته أنتِ ولا أذكره أنا.

فتح الباب فجأة ودخل من يشغل تفكيرها، التفتت له مصدومة مدهوشة من دخوله المفاجئ وخوفاً أن يكون قد استمع لحديثها مع نفسها.

"ألن تدعيني للدخول؟"

ودت لو تنشق الأرض وتبتلعها وابتسامة دافئة مغرية ترتسم على شفتيها وتدعوه برقة للدخول بدلاً من أن تصفق الباب في وجهه وتطرده شر طردة رداً لبعض صنيعه معها طوال الأسبوع الماضي.

وبدلاً من ذلك تكلمت برقة شديدة:

"طبعاً تفضل، البيت بيتك يا دكتور".

فوجئ بتبدلها وتغييرها عما كان يتوقع، فأكمل حديثه معها بحذر بعد أن جلس على أحد المقعدين الوثيرين جوار السرير، فلم تجد بداً من أن تجلس على المقعد الآخر وهي ترمقه بنظرات إعجاب... كم بدا بقميصه الأبيض المفتوح الصدر وأكمامه القصيرة الكاشفة عن سواعده القوية.. كان أكثر رجولة وإغراءاً مما تذكر في أي وقت مضى.

"هل ستكتفين بالحملقة بي بهذه الطريقة دون أن تعبري عما يجول بخاطرك".

"أظنك تعرف... فأنت لا تأتي هنا كل يوم وتجلس لتتحدث معي بحميمية دون مشاحنات أو مشاجرات أو كُره".

هز رأسه موافقاً:

"أظنكِ بحاجة لهدنة... وأنا أيضاً هل يسعدكِ هذا؟"

هزت رأسها بسعادة غامرة متمسكة بغصن الزيتون بكل ما تملك من قوة:

"طبعاً طبعاً فلا شك أنك لاحظت أنني... أنني".

همهم بتفكير:

"تقصدين تغيرتِ، لم أتيقن من هذا الأمر بعد، الإنسان لا يتغير من النقيض للنقيض بهذه السهولة".

ردت بلهفة:

"أنا أعرف أنك لا تصدقني ولكني فعلاً امرأة مختلفة عن تلك التي تزوجتها، كل من تعامل معي بعد عودتي أدرك هذا التغيير، ما عداك".

رد بمرارة:

"ربما لأني أكثرهم ضرراً منكِ ومن تصرفاتك".

نكست رأسها بانكسار:

"أنا آسفة حقاً لإحساسك هذا وكم أتمنى لو أعثر على طريقة لأعوضك بها وأمحو الماضي من ذاكرتك تماماً".

أضجع في المقعد ليحدجها بنظرات مرتابة ثم سألها بحذر:

"ما رأيك أن نتعشى سوياً الليلة بالخارج، كنوع من التغيير والبدء بالخطوة الأولى".

صاحت بدهشة وعدم تصديق:

"أتدعونني للعشاء معك، أحقاً أنا.. أنا لا أصدق".

زوي ما بين حاجبيه قائلاً بعبوس مفاجئ:

"لا تتفائلي كثيراً، فالواقع أننا مدعوان على العشاء من قِبل مديري الذي أصر على حضورك لتتعرفي على زوجته".

أحست فجأة بألم صادم مفاجئ، فدعوته لم تكن خالصة فسألته بحدة:

"كان يمكن لـ"فراني" أن تحل محلي في هذا أيضاً".

رد ببرود مقيت:

"بالطبع... كانت ستصبح في منتهى السعادة لتلبية مثل هذه الدعوة، ولكن مع الأسف هي لا تحمل اللقب "زوجتي" فأنتِ من كان ولا يزال لكِ الشرف في حمله".

ردت بسخرية:

"أخيراً وجدت للزوجة المطوية على الرف عملاً".

هددها محذراً:

"حبر الهدنة لم يجف بعد، وأعتقد أنها ستكون بداية ناجحة فلا تفسديها برعونتك المعتادة لتؤكدي أفكارك السخيفة ولتثيري الشفقة على نفسك".

نكست رأسها هامسة:

"أعتذر يا "ليام".. سأعمل كل ما تطلبه مني فلا حق لي عليك إلا ما تلقيه لي من فتات مائدتك".

رد بتعالي وهو ينهض باعتداد:

"من الجيد أن تتذكري دائماً من أنتِ ومن أنا كي لا تتجاوزي حدودك، وأن لا تحلمي بالمستحيل يوماً، والآن بعد توضيح الخطوط العريضة آمل ألا نتطرق لهذه النقاط مرة أخرى، أعدي نفسك سنخرج الآن".

ردت بدهشة:

"ولكنك قلت أن الدعوة على العشاء".

أشار لما ترتديه بازدراء:

"وهل ستأتي للعشاء بمظهرك هذا شعرك الذي يشبه أعشاش العصافير وملابسك التي عفى عليها الزمن، لا أظنكِ ستشرفينني بمظهرك البائس هذا إلا إنّ كان هذا هو مازال هدفك التالي للحط من شـأني كما اعتدتِ في الماضي، خمس دقائق أقصى ما سأمنحكِ من وقت لترتدي ثيابك لنخرج وأشتري لكِ شيئاً ملائماً للمناسبة".

تجاهلت تجريحه وأوقفته قبل أن يصفق الباب خلفه:

""ليام" انتظر أرجوك".

رمقها بنظرة نافذة الصبر:

"ماذا أيضاً؟؟ ألم ننتهي من كل الأمور العالقة؟؟"

"بقي أمر واحد أو سؤال، ألم يكن لي حساب خاصاً بي في البنك، ولا أعني من أموالك بل أسأل عن مالي الخاص؟؟".

وضع يديه في جيبي بنطاله يحدق فيها بتعالي ساخر:

"أي مال خاص؟؟؟؟"

تجاوزت الغصة التي تمسك بخناق حلقها وسألته:

"لقد كنت أعمل أليس كذلك، لابد أنني ادخرت بعض الأموال!!!"

حدجها بنظرة ريبة وشك:

"هل تتظاهرين بالغباء أو تحاولين إقناعي بهالة البراءة الزائفة التي تحاولين إقناع الناس بها، حتى اليوم الذي تزوجتك فيه كنتِ مدينة بأموال طائلة لكل مرابي معروف في المدينة وقد قمت بتسديد ديونك بنفسي حتى لا يقال إن زوجتي مسجونة بسبب قروض لم ولن تسددها، مع إني تمنيت لو زججتك في السجن بنفسي لأتأكد فقط من عدم أذيتك لأي مخلوقات بريئة أخرى، وما كنتِ تحتفظين به في البنك تحت حساب سري هي أموالي أنا التي اختلستها من وراء ظهري، وطبعاً بعد إعلان وفاتك كنت وريثك الوحيد، ولكن لمَا تسألين عنها الآن".

ردت مهزومة مجروحة:

"ألا تعرف لماذا، لأنني لا أريد أن ألمس أي قرش من أموالك اللعينة التي تذلني بها في كل دقيقة".

رد بغير تصديق:

"أحقاً تشعرين بالإهانة؟، أحقاً تشعرين بأي مشاعر إنسانية غير الأنانية؟، أنفقي من مالي يا "أشلي" دون أن تؤرقي ضميرك في رقدته الأبدية، ولا تقلقي أعدكِ أن نصل لتسوية مناسبة في القريب العاجل، ولكني لا أعدكِ أن هذه التسويات ستروق لكِ".

كان يسخر منها فقد انصرف ضاحكاً مقهقهاً مستمتعاً بوجبة الإذلال التي أرغمها على ابتلاعها بكل قسوة وخشونة.

عرفت سر إصراره على اصطحابها إلى محل تصفيف الشعر، فقد بدا للناس الزوج المحب الغيور الذي لا يطيق الإبتعاد عن زوجته الحبيبة ولو بضع دقائق ابتداء بذراعه الملتف حول خصرها بتملك وحتى قبلاته الحاتمية التي لم يبخل عليها بالكثير منها حتى وخزتها النظرات الحاسدة من كل امرأة في المحل.

"حبيبتي، لن أتأخر لقد أمهلت "تيتو" ساعة واحدة فقط هي أكثر من أن أحتمل لبعادك عني.. "تيتو" كما أخبرتك اهتم بساحرتي كما يجب، إلى اللقاء حبيبتي".

كانت ما تزال تقف ذاهلة بعد قبلته المتملكة والتي احتوى فيها شفتيها بين شفتيه وقتاً أطول من المعتاد على مجرد قبلة للإعلان، ثم انصرف مودعاً ببراءة وكأنه لم يقلب عالمها لتوه رأساً على عقب، لتعود الحرب الدائرة بعد أن ساد السلام مع اتفاقية مع نفسها أنها لا تكنّ له إلا مشاعر الكُره.

"مدام.. مدام، تفضلي من هنا".

انتبهت لصوت محدثها وتركته يقودها للكرسي المخصص لها أمام المرآة الكبيرة التي تحيطها عشرات اللمبات المضيئة، وراحت يداه تغوصان في شعرها وملامح الاستياء على وجهه.

"مدام من غير المعقول، أنتِ لم تهملي شعرك بهذا الشكل من قبل".

سألته بتعجب:

"هل كنت آتي إلى هنا دائماً؟"

رد "تيتو" بتأكيد:

"بالطبع مدام.. أنتِ لم تسمحي لغيري أن يمس خصلات شعرك أبداً لثقتك في براعتي".

"حسناً "تيتو".. هذا اسمك أليس كذلك؟"

رد بهزة خفيفة من رأسه فأردفت بحزم:

"أكمل عملك.. غير من شكلي أريد أن أبدو مختلفة تماماً".

انحنى بطريقة مسرحية:

"تحت أمرك مدام".

ولم تصدق النتيجة المذهلة وفي خلال هذا الوقت القصير كان وجهاً غريباً يطالعها في المرآة فبدت أكثر جاذبية بشعرها المقصوص والمصفف حول وجهها بإغراء ولكنه لم يقصره كثيراً كما أوصاه "ليام" فكانت الخصلات الناعمة متناغمة مع دقة ملامحها فهمست بسعادة وهي تتأمل أظافرها المطلية البراقة:

"شكراً لك "تيتو" فأنا أبدو مختلفة تماماً.. حقاً أنت ماهر".

هتف "تيتو" باستنكار:

"مختلفة، مستحيل، لقد عدتِ مدام كما عاهدناكِ في الماضي تماماً وكأنكِ لم تغيبي عنا يوماً واحداً".

التفتت بحدة وقد أدركت معنى كلامه ثم أعادت النظر للمرآة وخيل إليها أن وجهها الجديد يسخر منها، نظرت أمامها على أدوات المكياج وهمت بمسح كل شيء عن وجهها، ولكن فات وقت التغيير عندما دخل "ليام" يتأملها باستحسان فلاحظت أنه رغم إعجابه بشكلها الجديد ولكنه نفر منه بشكل آخر، وتأكد حدسها عندما همس في أذنها أثناء خروجهما:

"عوداً حميداً، أراكِ عدتِ بكامل أسلحتك".

لم تجادله فقد كان على حق لقد شعر بما شعرت به من نفور تجاه شكلها الجديد، أو القديم، ركبت جواره في سيارته الفخمة بدون أن تنبس ببنت شفة متحاشية أي اتصال بين عينيه الساخرتين وعيناها التائهتان، لم تسأله عن وجهتهما فقد كانت مستسلمة تماماً رغم الصراع المحتدم داخلها بينها وبين المرأة الأخرى والتي تحارب لتعود لتتحكم بها مرة أخرى، ألقت عليه نظرة جانبية وتمنت لو تستطيع الاستسلام ورفع الراية البيضاء لتعود له المرأة التي تستحق عقابه وازدراءه، ولكن غريزة حب البقاء كانت تدفعها لاستخدام كل أسلحتها في هذه الحرب الشعواء، وألا تستسلم أبداً.

أفاقت على صوته:

"هاي أيتها السارحة أين أنتِ؟"

تلفتت حولها بدهشة متسائلة عن سبب وقوف السيارة في هذا المكان:

"هل وصلنا؟ أين نحن؟؟ ولكن لماذا جئت بي إلى هنا؟"

أشار لثيابها البسيطة قائلاً باحتقار:

"لا أظنكِ ستحضرين العشاء بهذه الثياب أين ذهب ذوقك الراقي الذي كنتِ تتشدقين به دائماً".

ردت بسخرية مماثلة:

"أنت تغدق عليّ من كرمك".

دفعها أمامه بخشونة مدمدماً من بين أسنانه وهو يستعد لرسم ابتسامة واسعة:

"تمتعي بكرمي إلى أن يحين وقت السداد، هيا بذري أموالي وانتقي أغلى الثياب لتمارسي هوايتك المفضلة بإغواء الرجال".

حياهما صاحب المحل بترحاب مبالغ فيه وكأنه يتخيل المبالغ الضخمة التي سيكسبها من وجود رجل مشهور كالطبيب "ماجواير" وزوجته في محله:

"سيدة "ماجواير" حمداً لله على سلامتك طال انتظاري لتشريفك متجري أم وجدتِ مصمم غيري يرتقي لذوقك النادر".

رد "ليام" بجفاء:

"أنا واثق أنك ما اشتقت إلا لأموالي.. هيا كُف عن الثرثرة واعرض على زوجتي أفضل ما لديك لحضور مناسبة خاصة".

"آه بالطبع.. بالطبع دكتور "ماجواير".. تفضلي سيدتي..."

جحظت عيناها من كثرة ما عرض عليها من موديلات لم تشعر أنها تناسبها ولم تتصور للحظة أنها من الممكن أن ترتدي هذه الأثواب الملفتة للنظر لو تجاهلت أسعارها المرتفعة بعلو ناطحات السحاب، حتى أن صاحب المحل أصابه الإحباط وهي ترفض فستان تلو الآخر.

"أوه سيدتي، غير معقول أنتِ لم ترفضي أي من أزيائي من قبل".

هزت كتفيها بابتسامة خجلة:

"آسفة، ولكني لا أجد نفسي في هذه الأثواب، أريد ثوباً بسيطاً وأنيقاً في نفس الوقت..."

وأكملت داخل نفسها "وبسعر رمزي قدر المستطاع".

ولكنها أمسكت لسانها فيكفيها نظرات "ليام" المحدقة بصمت يشوبه التفكير والحذر والترقب وقد وقف بعيداً يراقب تصرفاتها.

رفع صاحب المتجر يديه يائساً:

"حيرتني معكِ".

تلفتت حولها تستعرض الأثواب التي لم يعرضها عليها حتى وقع بين يديها ثوباً أبيض حريري خالي من أي زخارف ذا أكمام واسعة محلاة بشرائط ساتان على الأكتاف وحول فتحة الصدر، ومشكلته الوحيدة كان قصره المبالغ فيه.

كاد الرجل أن يصرخ ولكنه تماسك وتساءل بأدب زائد مشيراً لما اختارته:

"هذا فقط ولكن!!!"

ردت بحزم:

"إنه يروقني".

تدخل "ليام" بصوته الساخر كالعادة:

"ولكن ثمنه ضئيل جداً عزيزتي بالمقارنة لما عرضه عليكِ".

ردت بإصرار:

"لا يهمني، فلم يعجبني سواه".

هز "ليام" كتفيه مستسلماً:

"لقد سمعت السيدة، آسف رغم لهاثك خلف أموالي فهذا هو كل ما ستحصل عليه الليلة".

تركتهما "أشلي" يتجادلان محاولاً إقناع زوجها بشراء المزيد ودخلت غرفة تبديل الملابس وفكرت بأسى "قد ينجح في النهاية في إقناعه بشراء بعضاً من هذه الأثواب الملفتة لصديقته..".

صرخ صاحب المتجر بدهشة وإعجاب عندما خرجت:

"يا إلهي وكأن هذا الثوب صُنع خصيصاً لهذا القوام ليتكِ توافقين على العمل كموديل ستكسبين ذهباً".

صرّ "ليام" على أسنانه بحدة وهو يدفعها أمامه دفعاً فلم يترك لها الفرصة لترى ردة فعله لرؤيته للثوب عليها.

"ابتعد عنها فزوجة "ليام ماجواير" لا تعمل موديل، عليك الاصطدام بي أولاً".

ما إن استقرا داخل السيارة حتى تعالت ضحكاته وقهقهاته دون أن يجيب على تساؤلاتها، وأخيراً بعد دقائق من الضحك المستمر التفت إليها:

"ألا تعرفين ما يضحكني".

كان ردها هزات من رأسها بعينين فارغتين من أي مشاعر فأردف:

"أنتِ... نعم أنتِ كنت قد بدأت أشك فعلاً وأؤمن بتغييركِ عندما عرض عليكِ كل هذه الأثواب التي ما اعتدتِ إلا ارتداء ما يشبهها في الماضي، ولكن، اللعنة على كل النساء يعرفن تماماً أهدافهن عندما خرجتِ ترتدين هذا الثوب البسيط كاد لسان المسكين أن يتدلى وسال لعابه رغم ما يحيط به في مجاله من حسناوات، ولكنكِ لم تختاري أي ثوب والذي رغم بساطته يزيد من سحرك وجاذبيتك وإثارتك في أعين الرجال".

شعرت أنها لا تتكلم بلسانها وهي ترد عليه بإغراء:

"هل سحرتك "ليام"... هل أثرت فيك شيئاً.... قلبك... ربما رغباتك.. هل تشعر بنفسك رجلاً كافياً لي؟".

تنهد بصوت مرتفع قائلاً بنظرات محتقرة:

"عفواً إن كنت أبخستك قدرك، الآن فقط أصبحتِ بكامل لياقتك".

ندمت فوراً على تلك الكلمات الغبية التي تفوهت بها في لحظة غضب.. ولكن بعد فوات الأوان، فقد انطلق بسيارته من فوره بأقصى سرعة يسمح بها قانون الطريق، كانت لا تزال تلوم نفسها، كيف سمحت لتلك المرأة اللعوب داخلها بالظهور وإفساد الهدنة الهشة بينها وبين "ليام"، أغمضت عيناها بقوة وتصميم وأقسمت بينها وبين نفسها أن تعمل جاهدة على إيصاد ذلك القمقم الذي تخرج منه قبل أن تفسد عليها كل حياتها مع زوجها، انتبهت من شرودها على صوته البارد الذي أشاع في جسدها رجفة الصقيع:

"لقد وصلنا، هل أنتِ بخير؟"

ردت دون أن تفتح عيناها وتمتمت من بين أسنانها:

"هل معك أي دواء للصداع؟"

تنهد بضيق مردداً:

"عليكِ الاحتمال لن أخاطر بإعطائك أي دواء بعد كمية المخدر التي تناولتها وكادت أن تقتلك".

تمتمت بضعف متمتمة بأنين:

"أرجوك لن أستطيع مواصلة السهرة والتفاعل مع أصدقائك والظهور بشكل مشرف وأنا أعاني من كل هذه الآلام في رأسي".

سألها مندهشاً:

"لم أعرف أن نوبات الصداع ما زالت تراودك بهذا الشكل المؤلم".

ضغطت بعصبية على نواجذها تكاد تئن من الصداع المؤلم:

"عدم شكواي لا تعني أنني لا أعاني".

تنهد بضيق قائلاً:

"الآن تتهميني بالإهمال في صحتك".

تمتمت بضعف:

"أرجوك لا أستطيع مجاراتك، أعطني أي شيء يُسكن هذا الألم المبرح، لا أستطيع حتى أن أفتح عيناي من شدة الألم".

تنهد بعمق مرة أخرى وانحنى نحوها فأبعدت ساقيها عن مرمى يديه عندما ظنته ينوي لمسها، ثم شعرت بمدى حمقها عندما امتدت يده لفتح درج القفازات أخرج منه قنينة أعطى لها منها قرصاً فطلبت المزيد، بدا غير مقتنعاً بتصرفه ولكنه نفذ طلبها وأعطاها قرصاً آخر فابتلعتهما بسرعة آملة ألا تعود تلك الآلام التي تضعفها لدرجة التوسل لـ"ليام" الدواء.

سألها بحذر أن يظهر منه أي بادرة قد تفهمها خطأ أنه اهتمام بها من جانبه:

"هل تشعرين بتحسن؟".

ردت بصوت مُنهك:

"شكراً لك سأصبح بحال أفضل بعد لحظات".

"من الأفضل ألا تعتادي على هذه المسكنات، ستأتين معي غداً لإجراء بعض الفحوصات لنعرف سبب هذا الصداع لنستطيع التعامل معه بعيداً عن استخدام المسكنات".

ردت بسخرية وشبح ابتسامة لم تصل لعينيها المتألمتان رغم صوتها الضعيف المنهك:

"أرجوك يا دكتور لا تُمثل دور الزوج القلق فهو غير خليق بك".

"هل هذه رؤيتك لي، ماذا عن دور الطبيب الواجب عليه الإعتناء بأي مريض مهماً كانت درجة حقارته".

ردت بألم اعتصر أمعائها:

"أنا في غنى عن شفقتك، سأكون بخير لو ابتعدت عني".

وجه لها نظرة تأملية قائلاً:

"بما أننا أنا وأنتِ نعلم جيداً أن هذا الأمر مستحيل حدوثه فلنحاول على الأقل التعايش معاً بطريقة سِلمية، وأعتقد أننا علينا الخروج من السيارة قبل أن يظن بنا بواب ذلك الفندق أننا تراجعنا عن قرارنا بالدخول".

كان قد خرج فعلاً قبل أن ينهي جملته ففوجئت ببواب الفندق يسرع ليفتح بابها وكأنه فعلاً بانتظار هذه اللحظة بفارغ الصبر، ابتسمت له بإحراج وحاولت أن ترسم ابتسامة عندما وقف "ليام" ليسمح لها أن تتقدمه بتهذيب بارد، حبست أنفاسها لدى دخولهما فقد كانت أجواء المطعم ناعمة هادئة رومانسية بأضوائها الخافتة من أضواء الشموع المختلفة الأشكال والألوان متناثرة على الموائد وحولها زهور الجوري الفواحة، أوصلهما مدير القاعة لطاولتهما المحجوزة سلفاً فتطلعت إليها بدهشة متسائلة بعد انصرافه:

"هل بكرنا أم أن ضيوفنا لم يصلا بعد".

رد بجفاء بملامح عابسة:

"موعد ضيوفنا بعد ساعة من الآن. لقد بكرنا عن موعدنا".

هزت رأسها بتفهم رغم أنها لم تفهم فعلاً سر وجودهما قبل الموعد بساعة كاملة، تقدم النادل وأشعل الشمعة الجميلة الشكل على المائدة فألقت بظلالها الوحشية على وجه "ليام" فأطالت النظر إليه تتمنى لو كان كل ما تمر به مؤخراً مجرد حلماً أو كابوساً ستفيق منه على حياتها الحقيقية مع زوجها المحب، لاحظت نظرات عيناه الحارقتان على ساقيها المكشوفتان من خلال ثوبها القصير حتى فخذيها، فمدت يدها تحاول سترهما عن عينيه، فسخر من محاولاتها العقيمة:

"أعتقد أنكِ تدركين ما تفعلين تماماً عندما ترتدي ثوباً كهذا، ومحاولاتك للحشمة الكاذبة بعد ذلك ليست أكثر من إضرام المزيد من الحطب في النار".

سألته بهدوء بفعل المُسكن الذي كبح جماع أعصابها الثائرة:

"أتعني أنني قصدت إثارتك يا "ليام"".

رد بصوت حريري تغلفه قسوة ملامحه المتجهمة:

"أو إثارة أي رجل آخر".

هتفت معلنة بصوت حاد وقد فاض بها الكيل:

"لقد قررت أمراً يا "ليام"، أني لن أسمح لك أبداً بعد الآن بإهانتي".

رد باستهانة متلذذاً بانهيارها الوشيك:

"وما بيدك أن تفعلي؟"

رفعت حاجبيها بتحدي قائلة بغموض:

"راقبني......"

فاجئها بطلبه الغريب:

"هل تسمحين لي بمراقصتك لأراقبكِ عن كثب".

رددت بدهشة:

"مستحيل أن أرقص معك، ماذا لو علمت "فراني" العزيزة بخيانتك".

"لن تعلم، فهي في رحلة عمل".

تساءلت بدهشة:

"عمل..؟ هل تعمل صديقتك؟"

"بالطبع هي تملك شركة سياحة خاصة بها، فلابد للإنسان أن يكسب حقه في الحياة بعرق جبينه، لا أن يأكل وينام ويُبذر الأموال كأي حشرة طفيلية تعيش على دماء الغير".

شهقت بصوت خفيض من حقده الذي بلغ مداه لدرجة وصولها لحد الانفجار:

"أنت تعنيني بهذا الكلام أليس كذلك؟"

"ربما الآن ولكن ليس بعد الليلة، فبعدها سأحلل لكِ طعامك وأموالي التي تشتري بها ثياباً لتغوي بها غيري من الرجال، ولا تدعي أنكِ لم تلاحظي نظراتهم عليكِ منذ دخولنا المكان".

فجأة احمر وجهها على نحو لا يُصدق عندما أدركت أنها فعلاً محط أنظار كُل رجل في المكان بمنظرها المثير الجذاب وثوبها المكشوف، فأطرقت برأسها وقد احتبست الكلمات في حلقها، مد "ليام" ليلمس وجنتها الملتهبة وصرح بدهشة:

"أكاد لا أصدق.. أهذه حمرة الحياء!!!"

لم تُسعفها فصاحتها للرد، فشد يدها لتقف أمامه صائحاً بصوت مضغوط من الغضب:

"هيا راقصيني قبل أن يتهور أحد معجبيكِ لدرجة أن يطلبك للرقص مني".

تمالكت نفسها وسألته وهي تدور معه متتبعة خطواته بسلاسة:

"وإن حدث هذا.. هل ستدعي دور الزوج الغيور وتلكمه في وجهه".

أجابها بلامبالاة وهو يطحن أصابعها بين أصابعه:

"أستطيع تمثيل أي دور يروق لي، ولا حق لكِ بالتذمر والشكوى، قد أمثل دور الزوج الغيور، أو اللامبالي، ولكني أبداً لن أتقمص دور المخدوع".

أقرت بخنوع:

"أعرف هذا فأنت بارع في كل الأدوار".

دفع رأسها ليلتصق بصدره قائلاً:

"ضعي رأسك على صدري ومثلي دور الزوجة السعيدة فأنتِ أيضاً بارعة في كل أدوارك".

***************


مفاجأة في نهاية السهرة

********

بخشونة غير متوقعة لف ذراعه حول خصرها النحيل لتتناغم خطواتهمامع نغمات الموسيقىودفع رأسها ليلتصق بصدره قائلاً:

"ضعي رأسك على صدري ومثلي دور الزوجة السعيدة فأنتِ أيضاً بارعة في كل أدوارك".

تساءل بدهشة عندما سمع ضحكتها المختنقة:

"ماذا يضحكك؟"

رفعت رأسها لتقلب شفتيها قائلة بسخط:

"يضحكني أنك رأيت الرجال يرمقونني بنظراتهم ولم ترى النساء يلتهمنك بعيونهن، وكل واحدة تتمنى لو أزاحتني واحتلت مكاني، ولا يعلمن أنني قد أدفع كل ما أملك لتحتل مكاني أي امرأة غيري، وصدقني إذا قلت لك أن هذا لا يضحكني أبداً".

أغمضت عينيها وهي تقترب منه أكثر، تحاول الاستمتاع بكل لحظة لها جوار قلبه تستمع لدقاته القوية وتتمني لو يطول عُمر هذه اللحظة للأبد، وفجأة رفعت رأسها بدهشة بالغة عندما طرح سؤاله:

""أشلي" ألن تسألي عن والدك؟ ألن تبحثي عنه للاطمئنان عليه، أو لطمأنته بعودتك".

سألته بحدة وخوف:

"وكيف عرفت عن أبي... آه تذكرت قرأت مذكراتي، ولماذا تهتم؟"

"أدهشني أنكِ لم تحاولي الاتصال به، بالنظر للصلة القوية التي تربطني بأمي توقعت أن يكون كل الناس لهم صلات قوية بذويهم ولكن، ليس أنتِ فأنتِ مخلوقة من الأنانية الخالصة لا تهتمي إلا بنفسك ومن بعدك الطوفان".

ترددت وارتبكت ولكنها كانت تشعر بالراحةلأنها لم تكتب كل التفاصيل عن حياتها في بيت والدها وسبب هروبها منه، وأخيراً أجابت على سؤاله:

"علاقتي بوالدي، لم تكن على ما يرام من قبل الحادث، ولعله من الأفضل له أن يظل ظنه كما هو أني ميتة، فهو عجوز قد تؤذيه صدمته برؤيتي أكثر مما تفيده".

رد بسخرية وكأنه لا يصدق كلمة من تبريرها:

"وأنتِ ألم تشتاقي لرؤيته، فهو رغم كل الخلافات التي تدعينها.. هو والدك".

هزت رأسها بإصرار غريب:

"لا..لا..أعني ربما ولكنه لا يشغل تفكيري".

فكرت بصمت..."فليفهم ما يشاء لن أبدو أكثر سوءاً في نظره مما أنا بالفعل"

يبدو أنه اكتفي بإجابتها فلم تستمر أسئلته وأعاد رأسها ليرتاح على صدره وهما يتحركان بتناغم علي نغمات الموسيقى الحالمة.

علت شفتيها ابتسامة ساخرة لوضعهما الغريب فمن يراهما الآن يظنهما عاشقان...كم هي المظاهر خادعة.

وهو بدوره فكر متعجباً من إحساسه نحوها وهي ساكنة وديعة بين ذراعيه، كم ود لو يبدل طريقة معاملته لها، فيعاملها برقة كما تستحق تلك المخلوقة الرقيقة التي يراها هادئة وديعة مستكينة بين ذراعيه...ولكن شيئاً داخله متمرداً دائماً على رغباته لم يستمع لدقات قلبه التي تدق بنغمة مختلفة في وجودها، لا يستمع إلا لأوامر العقل الصارمة والتي لا تقبل أي ضعف للمشاعر..لا تقبل إلا بالوقائع الملموسة وأكثرها اقتراباً من الحقيقة وكلها بلا استثناء تدين هذه المرأة وتحكم عليها بالسجن الأبدي في غياهب كرهه، لتستحق عقابه لجرائمها البشعة التي ارتكبتها في الماضي في حقه وحق كل من يحب.

ارتعش جسدها بانتفاضة نشوى عندما شعرت بملمس شفتيه علي شعرها، لأول مرة لم ترد التفكير في "فراني" أو في تلك المرأة المتوحشة التي تسكن جسدها وتحاول احتلال عقلها وطعن قلبها، لم ترد التفكير إلا في وجود "ليام" على هذا القرب منها وكم تحبه بل تعشقه بجنون رغم تأكدها أنه لن يبادلها هذا الحب حتى وإن تجمد الجحيم.

رفعت رأسها إليه وندمت على الفور، فلم تواجهها نظراته النارية الغاضبة ولكن انبعثت من عينيه إشارات رقيقة ناعمة أربكتها وحولت ركبتيها لهلام تتخبطان في بعضهما، فاستولى عليها الشعور وكأنها مراهقة في موعدها الأول مع حب حياتها.

وكم صعق هو من نظراتها الجائعة لحنانه وللمساته والأدهى لحبه، فتخيل للحظات وكأنها أي امرأة من عالم آخر إلا زوجته التي يعرفها، ولأول مرة يطيع رغبتهالملحة في تقبيل شفتيها النديتين التواقتين.. فلم يتردد كثيراً رغم احتمالات رفضها الواهنة.. ضغط بكلى يديه على ظهرها ليدفعها نحو صدره بقوة ثم أحنى رأسه نحوها وماكاد يلمس شفتيها بشفتيه حتى لم يعد يدري أهي التي اندفعت إليه أم هو الذي اعتصرها في أحضانه لتضمهما مشاعر جديدة لم يكن ليصدق أبداً أنه قد يكنّها لهذه المرأة... ولا في أكثر أحلامه جموحاً، حاولت الرفض والابتعاد ولكن ظلت هذه الأفكار مجرد هواجس سجينة عقلها لم تخرج لتري النور أبداً، أما جسدها وقلبها فقد دفعا بها دفعاً للمزيد من الاستجابة وقد نسيت في عاصفة المشاعر التي اشتعلت في أجسادهما قسوته وكرهها لـ "فراني".

اُضطر للابتعاد عنها ليمنح لنفسه ولها فسحة للتنفس وراح يحدق بها باستغراب ودهشة فزوجته التي يعرفها لم تكن لتذوب بهذه الطريقة أبداً بين ذراعيه، أحرجتها نظراته فخفضت رأسها خجلاً حتى سمعته يقول بصوت غريب أجش:

"يبدو أن ضيفينا قد وصلا، هيا بنا، هل أنتِ بخير؟"

اهتمامه زاد من شعورها الساحق بالإحراج فتمالكت نفسها وهي ترسم ابتسامة مترددة علي شفتيها:

"أنا بخير لا تقلق لن أحرجك مع ضيوفك".

وتقدمته لتعفي نفسها من المزيد من مشاعر الإحراج التي على ما يبدو أنها لنّ تشعر بسواها في المرحلة القادمة خاصةً بعد الطريقة التي ألقت بنفسها عليه ولم ترفض عناقه كما من المفترض أن تفعل، لا شك أنها ستعاني من سخريته لضعفها الذي استغله بدون أي وازع من ضمير، وربما يفكر أنها على استعداد لتكون البديلة في غياب عشيقته.

ابتلعت غصتها بصعوبة وهي تمد يدها لتصافح الزوجان العجوزان الذي قدمهما زوجها باحترام:

"عزيزتي، البروفسور "جاك هولمان" والسيدة "آن"، غنية عن التعريف طبعاً فهي شعلة نشاط في كل معامل الأبحاث لاختراع أدوية جديدة".

صافحها العجوزان ببشاشة أكدت لها أنهما من المؤكد لم يعرفاها في الماضي وإلا كانت طريقة استقبالهما لها مختلفة كما اعتادت، وقبل أن يتخذوا أماكنهم قدم البروفسور رجلاً لم تره من البداية:

"وهذا زوج ابنتي "فرانك ماكميلان" وهو يعمل كمقاول، وهو ما أخرنا عن موعدنا معك يا "ماجواير" فقد فاجأنا بزيارة غير متوقعة أرجو ألا يكون عندك مانع في وجوده".

صافحه "ليام" بترحاب مؤكداً على ضيفيه أنه لن يكون هناك أي مشكلة:

"على العكس يا بروفيسور، مرحباً بك سيد "ماكميلان" فكلما كثرت الصحبة حلا السهر أليس كذلك يا عزيزتي".

نبهها بجملته التحذيرية أنها لم تصافح الضيف الجديد ولكنها لم تنسى في الواقع ولكنها كانت تتحاشى وقاحة عينا الرجل اللتان جردتاها من ثيابها من نظرة واحدة فرغم أنه ممتلئ الجسمأصلع الرأس إلا أنه على ما يبدو يظن نفسه معبود النساء، ولكن أمام إلحاح زوجها، اضطرت أن تبتسم بتكلف وهي بالكاد تمد أطراف أصابعها لمصافحته ولكنه جذبها ناحيته بقوة يضغط عليها بشدة وكأنه يحاول التأثير عليها بجاذبيته الفذة:

"تشرفنا بك سيد.. "ماكميلان"".

رد بصوت أبح:

"الشرف لي سيدتي".

شعرت وكأن الهواء قد نفذ من المكان وأن صدرها يطبق عليها لمجرد أن ذلك الرجل راح يخصها بابتسامته اللزجة خاصة وقد شاء سوء حظها أن تجلس في المنتصف بينه وبين زوجها، حاولت بشتى الطرق الحفاظ على هدوئها أثناء المناقشة التي شغلت "ليام" عنها مع البروفسور وزوجته بحكم عملها كباحثة في أشهر معامل الأدوية، فاضطرت مرغمة للاستماع لحديث "ماكميلان" السمج والذي انحصرت موضوعاته في ابتكاراته الفذة ومخترعاته التي يتفننها للهروب من معجباته الكثيرات، لدرجة أنه اضطر لتغيير رقم هاتفه لمرات عديدة لإرضاء زوجته التي جنت من غيرتها الطبيعية على شخصيته الجذابة، ولكن الوضع ازداد سوءاً عندما بدأت يده تتسلل من أسفل المائدة لتتحسس ساقيها بتعمد، داهمتها رغبة مفاجئة بالتقيؤ وودت لو تلفت انتباه زوجها ولو بحجة المرض ولكنه كان منهمك في مناقشة هامة مع صديقه وقد يتضايق إن طلبت منه الرحيل، حاولت التصرف بنفسها وإبعاد ساقيها عن مرمى يده ولكنها كان عليها الاحتكاك بساقي زوجها.

التفت لها بنظرة غاضبة وكأنه متعجب من تصرفها، وقد فهمت سبب غضب نظراته وكأنها تحاول الاحتكاك به متعمدة، استغل "ماكميلان" الفرصة وسأله بصوت واثق من عدم الرفض:

"هل تسمح لي بمراقصة زوجتك الحسناء يا دكتور حتى تنهي مناقشتك الشيقة مع حماي العزيز".

نظرت لزوجها باستجداء كأنها تتوسل له بصمت أن يستغل حقه بالرفض ولكن ما حدث هو العكس تماماً وربما كان سعيداً بالتخلص منها فوافق بحماس بل شكره لأنه سيلهي زوجته عنه كي يتمكن من إنهاء المناقشة.

نظرت ليده المتعرقة الممدودة إليها فأشاحت بوجهها وهي تنهض بزفرة مخنوقة وآخر لمحة لزوجها قبل أن يجذبها رفيقها المتصابي، خيل إليها أنه يرمقها باحتقار وقرفبنظراته النارية الغاضبة ولكن يبدو أنها كانت مجرد تخيلات فقد عادت ابتسامته لتملأ صفحة وجهه الصخري، وهو يشيح بوجهه ناحية محدثه.

حذرت رفيقها في الرقص بنظرات حذرة تمنت لو كانت ناراً لتحرقه، ولكن على ما يبدو أن رأسه الغليظ تمنع عنه وصول إشارات الرفض التي تحاول باستمرار إرسالها له بشتى الطرق كي لا تلفت انتباه ما حولهم، وظل الرجل يراقصها ملتصقاً بها على نحو زاد من اشمئزازها وقرفها، فقد كان مستمراً بمحاولاته لتحسسها بيديه اللزجتين كلما سنحت له الفرصة وكأنه نعمة النساء على الأرض، حاولت الابتعاد والحفاظ على مسافة منه ولكنه جذبها من خصرها بخشونة لتلتصق به بابتسامة المغرور بنفسه لحد التبجح، فهمست باحتجاج وتأفف:

"سيد "ماكميلان"، أرجوك أنا سيدة متزوجة لو لم تكن قد لاحظت، زوجي وحمويك على مقربة منا، وقد تجد نفسك في موقف محرج، لولاحظوا وبالذات زوجي تصرفاتك الصبيانية هذه وتحرشك بي بهذه الــ.....طريقة".

رد بوقاحة غير عابئ باحتجاجاتها وهو يعيد سحب جسدها إليه وكأنه لم يسمع منها أي رفض:

" زوجك الأحمق يفضل مناقشاته العلمية العقيمة مع الزوجين العجوزين على أن يهتم بكِ.. أنتِ زوجته الحسناء، من تملك حُسنك ومقوماتك الأنثوية لابد أن يركع زوجها عند قدميها لا أن يهملها بهذا الشكل المجحف، وأنا أرى داخل عيناكِ الجميلتان ألم وحرمان كبير، وأنا على استعداد تام لإرضائك لو سمحت لي، ولن تندمي".

صاحت بحدة ولكن بصوت مكتوم:

"سيد "ماكميلان" أرجوك... أنت تتجاوز حدودك".

اقترب بأنفاسه الكريهة من وجهها أكثر ليهمس بطريقة زادت من إحساسها بالقرف وشعورها بالغثيان:

"ما رأيك لو تسللنا للحديقة الخلفية لنكون على راحتنا لا تقلقي لن يلاحظ زوجك الغبي غيابك، ليس قبل أن ننتهي مما ننتويه على أي حال".

استجمعت شجاعتها لتنقذ نفسها منه قبل أن تطيع شيطانها وتركله الركلة التي يستحقها وعادت للمائدة بعد أن تركته خلفها واقفاً مذهولاً من تصرفها ، دون أن تعبأ بالفضيحة التي ستتسبب فيها لزوجها، وقبل أن تجلس مكانها كان قد لحق بها بابتسامته الوقحة ليجذب لها المقعد بتهذيب غير خليق بجلف مثله لا يشعر، وعاد ليجلس جوارها، سألها "ليام" بجفاء وقد لاحظ اضطرابها:

"هل أنتِ بخير يا عزيزتي، لماذا لم تكملي الرقص مع السيد "ماكميلان"".

ردت باقتضاب وهي تتحاشى نظرات الرجل الإيحائية وكأنها كانت بين أحضانه لتوها:

"لقد تعبت".

التفت للبروفسور ليسأله بعد أن رمقها باحتقار أثار دهشتها:

"هل نطلب الطعام الآن لا شك أنكم تتضورون جوعاً".

نهضت واقفة غير قادرة على التحمل لحظة واحدة أخرى واعتذرت لهم بابتسامة متوترة:

"عفواً سأذهب لتصليح تبرجي".

وقف "ليام" جوارها يكاد يلمس مرفقها قائلاً بلهجة ادعاء التعاطف والقلق:

"هل أنتِ بخير حبيبتي؟"

غمغمت تتحاشى النظر لوجهه:

"نعم..نعم..أنا بخير، لن أتأخر".

تنفست الصعداء وهي تبتعد بخطوات سريعة تكاد تكون راكضة وكأنها عصفور حبيس فتح له باب القفص.

احتجزت نفسها في الحمام لأطول وقت ممكن حتى خشيت أن يلحق بها أو ربما يظنها هربت منه، فعادت أدراجها وكأنها ستُساق للموت الغير رحيم مرة أخرى.

لدى اقترابها اخترقتها نظرات زوجها كالسهام المسمومة، تعجبت لم يبدو غاضب وهي لم تفعل أي شيء، وقف باحترام يمسك لها المقعد واستغل اقترابه منها ليهمس بغضب:

"أين كنتِ طول هذا الوقت؟"

حدجته بدهشة إذ لم يترك لها الفرصة للإجابة وهو يعود لمقعده ثم لاحظت عدم وجود "فرانك" فتنفست الصعداء وابتسامتها تعود وهي تبادل السيدة العجوز أطراف الحديث، متجاهلة عن عمد الغضب المستعر في وجه زوجها والذي يزداد في كل لحظة عن سابقتها، ولم تطل سعادتها عندما عاد "فرانك" بابتسامته اللزجة المقرفة وهو يصيح بقهقهة مبالغة:

"هل تأخرت عليكم، عفواً لقد خرجت أتمشى وفوجئت بامرأة تلحق بي ومصرة على أنها تعرفني، واستغرق مني بعض الوقت حتى أقنعتها أنني لست مَن تظن".

هل لاحظ أنه الوحيد الذي ضحك على حكايته الغير معقولة، وصل النادل بطاولة الطعام المتحركة.

وكانت وجبة العشاء كارثة أخري تضاف للائحة كوارث الليلة فلم يكف المتصابي عن تحرشاته مرة أخرى باحتكاك ساقيه بساقيها ومرة بلمسات يديه اللزجة على ركبتيها وإما بهمساته المقززة جوار أذنها، حتى عندما أعلن "ليام" باعتذار اضطراره للانصراف لم تصدق أن الكابوس قد أوشك علي الانتهاء أخيراً وأنها ستبتعد عن أكثرَ المخلوقات كُرهاً في حياتها، وتمنت من كل قلبها لو أن "ليام" لم يلاحظ كل ما حدث كما يدعي.

كان يقود السيارة بسلاسة في الشوارع الخالية ولكن شيء في ملامحه الخالية من الانفعال جعلتها تشعر أن البداية التي بدآ بها أمسيتها أصبحت أسطورة من الماضي السحيق، مدت يدها لتمسك بيده الممسكة بالمقود في محاولة يائسة لتلطيف الجو ولاستعادة ولو لحظة واحدة من بداية الليلة:

""ليام"...ماذا بك؟"

ألقى نظرة مستخفة محتقرة على يدها الممسكة بيده، فرفعتها بسرعة وكأن ثعباناً لدغها، ثم تابع الاهتمام بطريقه وكأنّ شيئاً لم يحدث ودون أن يكلف نفسه عناء الإجابة، نظرت أمامها محدقة بالطريق الذي تنهبه السيارة وقد غاص قلبها بين جوانحها متسائلة في نفسها عن سرّ هذه النظرة الشريرة.

أخيراً استقرت السيارة في مكانها المعتاد أمام الفيلا وأوقف الموتور ولكنه لم يتحرك من مكانه وكأنه تحول فجأة لتمثال حجري، احترمت لحظات صمته التي طالت كثيراً وودت لو تعرف ما يشغل تفكيره لهذا الحد، ولم تطق صبراً أكثر من هذا فانطلق السؤال من بين شفتيها من دون تفكير:

""ليام" هل حصل شيء؟ ماذا بك؟"

الصمت القاتل كان هو الرد الوحيد على سؤالهافكاد أن يحرق الأخضر واليابس داخلها لتموت شمعة الأمل التي لم تفرح كثيراً بتوهجها، التفت إليها ورغم الظلام الذي يلف المكان أرعبتها نظراته وأنفاسه المتلاحقة بلهاث غاضب، فجأة امتدت يده لشعرها بقسوة وراح يحل خصلاته المقيدة، وما إن انساب حول وجهها مشعثاً حتى دفع برأسها لتتلقي شفتيها بقسوة قبلات شفتيه المدمرة ويجبرها على عناق غاضب همجي مؤلم قاومته بضراوة ولكنه لم يبتعد إلا بعد أن دميت شفتاها، فصاحت بأنين باكي وهي تتحسسهما بألم:

"لمَا فعلت ذلك..لماذا؟"

حول وجهه عنها ليحدق في الفراغ أمامه ولم تسمع سوى صدى لهاثه الغاضب حتى صرخ آمراً:

"أخرجي من هنا هيا، اذهبي لغرفتك".

حدقت به للحظة غير مصدقة أنه هو نفس الشخص الذي بادلها عناقاً رقيقاً محباً في بداية الأمسية، وبأنامل مرتعشة متجمدة من الخوف، فتحت باب السيارة وركضت مسرعة ولم تتوقف إلا داخل جدران غرفتها الآمنة لتحتمي بينها.

أوصدت الباب بإحكام وأسرعت لحمام غرفتها الداخلي تأملت وجهها في المرآة وراحت تتحسس شفتاها الداميتان المتورمتان بأنامل مرتعشة وتمتمت متسائلة لصورتها في المرآة من خلال دموعها:

" لماذا..لماذا "ليام"؟ لقد كانت البداية رائعة، ولكن، أنت لا ذنب لك، إنها أنتِ..أنتِ أيتها المتوحشة..أنتِ التي خربتِ كل شيء بوجهك هذا وجسدك هذا وثوبك هذا".

وبعصبية راحت تخلع الثوب دون أن تهتم بسلامة قماشه الرقيق الذي تمزق بسهولة بين يديها، تخلصت منه على الأرض وركلته بعنف وأخذت تغسل وجهها وتحكه بشدة بالصابون حتى التهب جلدها ولكن ولبؤسها الشديد ظلت تشعر بلمسات "ليام" عليه، ثم نظرت لوجهها المحمر في المرآة مرة أخرى وبدأ الهدوء يعود إليها، وعزت نفسها وهي تحيط جسدها المرتجف بذراعيها متمتمة لنفسها "تصرفات "ليام" هذه مع المرأة الأخرى المتوحشة الشريرة التي تسحق قسوته وليس أنا".

شهقت بفزعوالتفتت عندما فتح باب الحمام ووجدته أمامها بهيبته وطوله الفارع يسد مدخل الباب بصدره العريض الأسمر وأكثر ما صدمها أنه لم يكن يرتدي إلا بنطلون بيجامته الأزرق القاتم فقط، وصدمها منظره المغري رغم ملامحه المحتدة والعُقد المتشنجة في عنقه، تراجعت بخطوات حذرة وسحبت المنشفة لتخفي عُريها عن عينيه فقد تذكرت أنها ما تزال بملابسها الداخلية فقط وسألته بصوت متقطع:

"كيف..كيف دخلت إلى هنا؟"

رد ساخراً بارتفاع متهكم من أحد حاجبيه لحشمتها المفاجأة التي تدعيها كما يرى:

"لا يوجد مكان داخل بيتي أعجز عن دخوله، أو تستطيعين منعي منه".

مد يده ليلمس وجهها الملتهب فأشاحت به عنه وفوتت على نفسها لمسة كانت تتوق لها أكثر من الهواء الذي تتنفسه، ولكن ليس وهو يحمل كل هذا الغضب العاصف وكأنه يتوق لقتلها أكثر من أي شيء.

فأكمل بسخرية أكبر وقد اعوجت شفتيه باستهزاء:

"هل كنتِ تحاولين مسح قبلاتي؟ يا لكِ من ناكرة للجميل، هيا تعالي معي سأمنحكِ منها المزيد الليلة ما لن تستطيعي التخلص منه أبداً..سأتأكد شخصياً أن يكون كالوشم على جسدك".

صرخت باحتجاج عندما قبض على معصمها ليجرها خلفه عائداً للغرفة:

"ماذا تريد مني؟ اتركني أرجوك أنا لم أفعل شيئاً يغضبك".

دفعها للفراشقائلاً ومستمتعاً برعبها ومحاولاتها لتستر جسدها عن نظرات عينيه الجريئتين:

"لقد اتفقنا في الصباح على طريقة لتسددي بها ديونك لي".

هزت رأسها بالرفض مرتعبة تبحث بيدها عن شيء لتغطي به جسمها وعندما أمسكت بأطرف الغطاء انتزعه من يدها بخشونة زادت من رعبها وطوحه بعيداً، ولم يمهلها لتنفذ فكرة الهروب التي لمحها تفكر بهذا من نظراتها المترددة على الباب وكأنها تقيس المسافة بعينيها لتقدر نسبة فرص محاولتها للهروب منه، وانقض بوحشية عليها مسقطاً دفاعاتها واحداً تلو الآخر ثم تحسس فخذيها بقرف حاولت الهروب والتملص من عناقه الهمجي فأمسكها مجدداً صارخاً بعينين متقدتين غضباً وكأنه على وشك الإصابة بلوثة من الجنون:

"لماذا تهربين الآن، لم يكن عندكِ مانع في أن يتحسسك ذلك الوغد المتصابي طوال السهرة، وأنا زوجك لا يحق لي لمسك".

شهقت مصدومة وهي تضع يدها على فمها لتكتم شهقتها:

"هل...هل رأيته؟"

بصق الكلمات بقرف:

"بالطبع رأيته ماذا تحسبيني أعمى، كما رأيت بالغ استمتاعك بتحرشاته المقززة، كم بدوتما مثيري للغثيان كان علي أن أحول ناظري البروفسور وزوجته طوال السهرة كي لا يريا طريقتك المتبجحة لإغواء زوج ابنتهما كعاهرة رخيصة أمام زوجك، ولم يكفيكما ما فعلتماه على مسمع ومرأى منا فاختليتما ببعضكما في ذلك الوقت الذي ادعيتِ فيه تعديل تبرجك، وللصُدف السعيدة اخترع هو حجة أخرى ليلحق بكِ".

صرخت بعذاب:

"بالتأكيد لم أختلي به في أي مكان، ماذا تحسبني... هل أنت مجنون؟ولمأحاول غوايته أقسم لك، بل لم أحتمل تقرباته المثيرة للاشمئزاز".

صرخ باتهام بصوت حريري:

"مما رأيته أنه كان مثيراً لحواسك".

لم تشعر بنفسها إلا بعد أن آلمتها يدها من الصفعة التي دوت على وجهه من يدها التي انطلقت للردعلى إهانته لها وندمت على تهورها عندما هجم عليها كالوحش الجريح فأمسكها من ساقيها كي لا تهرب، صرخت صرخة مدوية من الألم المبرح عندما نشب أظافره في فخذها فترك علامات مدممة من احتكاك أظافره المقصود بها، وراحت تضرب على صدره بقبضتيها ولكنها كانت بين ذراعيه كورقة شجر جافة أسقطتها العاصفة وراحت تتلاعب بها بكل عنف مع كل ذرة مقاومة يشعر بها، وعندما أنهكتها المقاومة استسلمت تماماً لقوته الجسدية، أرادت أن تبكي وتصرخ ولكنها توقفت تماماً عن إبداء أي رفض له قد يزيد من إرضائه بتحطيم مقاومتها بسهولة كما يفعل،رفع رأسه مبتعداً عنها بابتسامة ملتوية، ثم مد يده وأخذ شيئاً من فوق الكومود جوار السرير وأمسك بكوب الماء ناوله لها آمراً بصرامة:

"تناولي هذا".

مدت يدها المرتعشة بدهشة فوضع لها الحبة الصغيرة فيها تأملتها متسائلة بصوت متحشرج من البكاء:

"ولكن هذه ليست حبة الصداع".

دفع كوب الماء إليها آمراً:

"ابتلعيها".

لم تقوى على مخالفته بعد أن استهلكت كل طاقتها في مقاومته ثم عاد لهجومه الضاري عليها مصمماً على إخضاعها للنهاية حتى لو كان رغماً عنها فلم تشكل إرادتها له أي أهمية ليس الليلة على أي حال، ولكنها لم تستطع منع السؤال من القفز من رأسها لفمها:

""ليام"...ماذا أعطيتني؟"

رد متهكماً بمرارة:

"ظننتكِ تعرفتِ على الحبة التي كانت لا تفارق قعر حقيبتك، كي لا أفاجأ يوماً بخبر سعيد بقدوم ولي العهد".

تمتمت بألم وحلم حالم يتفتت على صخور قسوته الحادة:

"لمنع الحمل..أنت لا تريد مني طفلاً!!!!؟"

صرخ بحدة:

"اللعنة... بالطبع لا أريد منكِ أنتِ أي شيء، إلا أن أجعلكِ تكفرين عن كل أخطاءك في الماضي، والحاضر".

همست بتوسل ودموع حارة لم تؤثر به ولو بمقدار ذرة وهي تحاول دفع صدره عنها:

""ليام" أرجوك، ظننت أنك اليوم أدركت أنني فعلاً امرأة مختلفة عن... عن...تلك المرأة التي تستحق عقابك وقسوتك".

رد باستخفاف:
"نعم بالطبع، كما رأيت مقداراستجابتك لذلك الحشرة".

صرخت بهستيريا:

"عليكما اللعنة معاً ماذا كنت تريد مني أن أفعل؟ كنت أحاول إبعاده عني دون أن أضطر لإحراجك أمام صديقيك".

عادت عيناه تتوهجان بعاصفة موشكة كلما تذكر ما حدث:

"أنا لم أرى أمامي إلا امرأة راغبة ولو أنني أهملت إرضائها لفترة أطول قد تضطر لتلبية الدعوة للفراش في المرة القادمة".

لم يبالي بدموعها التي راحت تتدفق كالسيول على وجهها بدون شعور.

اضطرت للاستسلام أخيراً بعد أن سلمت آخر معاقل مقاومتها لهجومه الزاحف والمصمم على استعباد جسدها واحتلاله بأية وسيلة برضاها أو بدونه فحرمته من متعته الأكيدة بسماعه توسلاتها وأخرست لسانهاباحتمال الآلام الرهيبة بانتظار أن ينتهي من عقابه قبل أن تخسر نفسها كما خسرت جسدها بين ذراعيه.

كان الوقت بعد منتصف الليل عندما انتفض من فوقها وخرج صافقاً الباب خلفه، رفعت الغطاء حتى عنقها ترتعش من التجربة المؤلمة التي عانت منها تمنت لو تعترف حتى لنفسها بحبها له ولكنها الآن وبعد تصرفه الهمجي معها لا تشعر نحوه إلا بالكُره الدفين.

فتحت النور الجانبي للفراش ورفعت الغطاء وراحت تتحسس برفق ساقها الخدرة من الورم بالعلامات المدممة المؤلمة التي خلفتها آثار أظافره تأوهت بألم وهي تحاول لمسها...فوجئت بعودته يحمل كأساً في يده، أعادت الغطاء بارتباك لتخفي ساقها ولكن متأخراً، جلس جوارها يتأملها بملامح جامدة لا تشف عن شيء ثم كشف الغطاء مرة أخرى عن فخذها تأوهت بصوت مسموع عندما تحسس الخطوط الدامية بخشونة أصابعه وكأنه تعمدها ليسمع نشيجها الباكي، أشاحت بوجهها عنه عندما لاحظت مدى استمتاعه بألمها وخنقت نوبة جديدة من البكاء...تجرع ما تبقى في كأسه دفعة واحدة ثم ألقاه بعيداً ليصطدم بالحائط محطماً بدوي مسموع في هدوء الليل الساكن ثم عاد يتأملها بكل حواسه متسائلاً:

"والآن لنعود من البداية أريد أن أسمع كل شيء... كل حكايتك، من البداية للنهاية".

لم تفهم كلمة من ما يقول فحدقت به ببلاهة فأعاد سؤاله بحدة ونبرة أعلى:

"تحدثي يا امرأة أريد أن أعرف كيف خدعتني كل هذه السنوات".

ردت بذهول:

"عن أي خداع تتحدث أنا لا أعرف عما تتكلم؟ ألم تأخذ مني غصباً ما صممت على أخذه، ولو بدون رضاي ماذا تريد مني بعد؟؟؟".

رد باتهام ساخراً بمرارة:

"نعم ما أوهمتني بكل حقارة أنني أخذته منذ سنوات".

شهقت برعب:

"ماذا تعني؟"

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟



حمل الان  / تطبيق حكايتنا للنشر الالكتروني واستمتع بقراءة جميع الروايات الجديده والحصريه 


الكاتبة ميرفت البلتاجي
الكاتبة ميرفت البلتاجي
ميرفت البلتاجي عضو اتحاد كتاب مصر و كاتبة في مجالات أدبية متنوعة المجال الروائي روايات اجتماعية وفانتازيا ورومانسي وصدر لها على سبيل المثال لا الحصر أماليا \ ناريسا \ ألا تلاقيا \ لقاء مع توت شاركت مع الهيئة العامة للكتاب في سلسلة ثلاث حواديت نشر لها قصص مصورة في مجلة فارس، ومجلة علاء الدين..ومجلة شليل وكتبت في مجال أدب الطفل عشرات القصص إلكترونيا وورقيا. ولها العديد من الإصدارات الإلكترونية لعدة مواقع عربية موقع مدرسة Madrasa تطبيق عصافير شركة وتطبيق Alef Education
تعليقات