" " " " " " " " رواية ساحرة القطيع الفصل السادس
📁 آحدث المقالات

رواية ساحرة القطيع الفصل السادس


 "هدنة مؤقتة"



لقد اقتربوا من الوصول إلى البلدة، نظر نحو النائمة على المقعد بجواره، ابنته لديها أحلام بلى، لكن أحلامه تختلف عن أحلامها بكل تأكيد، هي مازالت فتاة مراهقة رغم كل شيء.


 تحلم بالتنصيب ملكة على عرش الساحرات بدلا من شقيقتها التوأم، لكن ماذا عن ما بعد ذاك التنصيب!! هي لا تعلم عنه شيئا ولا يعلم إن كانت ستقف بجواره فيما ينوي أن يفعله!


 من أجل ذلك هو لم يخبرها أي شيء عن ما يخطط لها، تركها تلهو بأحلامها الضحلة تلك، أما هو فهناك أمرا ضخم يدور في رأسه. 



"حقا مايكل!! أنت لم تتغير قط!! عاشق للتملق وتسلق الآخرين مثل جرو صغير!!" 


كلمات ديفيد جعلته يضحك بصوت عال، حتى كاد يختنق من دموع الضحك، في الأمس هم كانوا أصدقاء واليوم هل يكونوا أعداء؟! 


فكر مايكل في نفسه، بينما يستمع لمزاح ديفيد الساخر ذاك، لقد كان ديفيد محقا في سخريته، الأمر كله يبعث على ذلك!! لكن ليس لديه وقت لمناقشة صداقة قديمة، فابنة شقيقته تحتاج لدعمه الآن، عليهم أن يحرصوا جميعا على التنصيب ذاك! لأنه إن لم يحدث هذا سوف تشتعل حربا لن يستطيع أحدا إخماد نيرانها!! 


أوقف ضحكاته تلك، رسم على وجهه قناع بارد لطالما اعتاد على وضعه، من الوقت الذي شب فيه وأدرك ماهية حقيقته، ساحرة منحدر من عائلة سحرة، يصادق مستذئب على وشك أن يضحى قائد للقطيع خلف والده! أمر محال! فكان الرحيل أسلم خيار للعائلة أجمع. 


بصوت هادئ تحدث، أعرب عن رغبته قائلا: 


- حسنا ديفيد، كنت أريد أن نلتقي في ظروف أفضل من تلك! لكن الأمر الذي نحن بصدده لا يستحق التأجيل! وأنت تعلم عن ماذا اتحدث ديفيد! لذا أرى أنه من الأفضل للجميع أن نجلس ونتحدث سويا!! 


رمقه بنظرات متفحصة و مدققة، لقد تغير صديقه الصغير كثيرا، أصبح يتحدث مثل ممارسي السياسة، لكن هذا لا ينفي أنهم بحاجة للحديث، لربما كان التحدث أفضل من خوض معركة لا نفع منها. 


هز رأسه موافقا على اقتراحه، أخبره بنبرة جامدة و هادئة قائلا: 


- حسنا مايكل! لنرى ماذا تريد أن تقول! ارجو فقط أن لا يكون مجرد هراء نضيع وقتنا فيه! 


رغم أن كلمات ديفيد هزته من الداخل، لكنه أومأ إليه برأسه موافقا بينما يشير إليه أن يذهبا إلى ركن بعيد عن الآخرين دون تطفل. 



أخذت ترمقه بنظرات غاضبة، غير مصدقة كيف استطاع ذلك الفتى الأحمق أن يفعل بها هذا! لقد أخافها حد الموت، هو بكل برود يمتلكه في دمه اللعين يفعل ذلك بها!! هي سوف تنتقم منه بكل تأكيد ولن تدعه يفلت بفعلته تلك!! 


فكرت في نفسها بذلك، بينما تنظر نحوه، تريد أن تذهب إليه تعطيه لطمة قوية على وجهه القبيح ذاك، لا تنكر أن ذاك الصراع الذي لاحظته يدور في الخفاء بينه وبين أقرانه راق لها، ودت لو أن أحدهم يطرحه أرضا ثم يكيل له اللكمات، سوف يكون ذاك أكثر من كاف بالنسبة لها، تستطيع أن تشمت به حينها. 



تأمل في نفسها أن الحديث بين أخيها مايكل وذاك الرجل الذي يدعى ديفيد أن يؤت بخير لهم، يكفي ذلك الخوف الذي تحمله في داخلها من اقتراب التنصيب واقتراب عودة الجحيم من جديد!! تعلم أن زوجها سوف يعود بكل تأكيد مرة أخرى! وكأنه شيطان يبعث من الجحيم! 


تعلم أنه لن يعود بمفرده، بل بجيش من تابعيه الذين لا يقلون شرا و خبثا عنه! و هي أيضا سوف تكون معه! تلك التي تركت في قلبها جرحا لا يشفى، ابنتها هانا! لطالما تخيلت شكلها!


 كلما نظرت إلى روزي وجدتها هناك بجوارها تجلس، ترمقها بلوم وعتاب، على تركها و الرحيل بعيداً عنها، لن تعلم أن كل ذاك كان رغما عنها، لابد أن والدها قد وضع لها سم الحديث في طعامها، حكى لها بالسوء عنها! والآن يريد جني الثمار! بأن يجعلها تجلس على العرش وليس روزي! 



"حقا مايكل! هل تعلم عني الغباء و الحمق كي تخبرني بتلك الكلمات الفارغة!! سحر أبيض!! سحر أسود!! هذا لا يهمني كثيرا!! في النهاية جميعكم سحرة تستحقون الحرق كما كان يحدث قديما معكم" 


كلمات ديفيد جعلته يشعر بالغضب الشديد، حاول أن يتمالك نفسه كي لا يفقد أعصابه معه و يحدث بينهما شجار لا فائدة منه! جز على أسنانه بقوة، ينفس غضبه بهم! زفر بقوة كبيرة ثم قال بنبرة حازمة و حادة: 


- اسمع ديفيد! لا وقت لدينا لمثل تلك الكلمات الساخرة و الحمقاء! نحن جميعاً لابد أن نتحد سويا لمواجهة ذلك الشر القادم في هيئة زوج شقيقتي السابق سانتوس!! مجيئه سوف يكون نوعا من الجحيم حقا!! 


كما أخبرتك، نحن من اتباع السحر الأبيض، نملك قوى سحرية نعم! لكن ليس بقوة سحره الأسود هو وأتباعه، اتحادنا معا سوف يوقف تقدمه لفترة، لأن لا شيء سوف يستطيع التغلب عليه سوى ملكة الساحرات والتي اتمنى من كل قلبي أن تكون روزي وليس بالفتاة الأخرى هانا والتي رباها على يده الفاسدة. 


لا يعلم ديفيد لم يشعر بالقلق من كلمات مايكل! لأنه إن كان يقول الحقيقة فعلاً فهم على وشك مواجهة الجحيم حقا! ولا أحد يريد فعل ذلك حتى لو كان لديه جيش من المستذئبين من خلفه!


 فكل معركة لابد أن تخلف من ورائها ضحايا، و هو لا يريد قطعاً رؤية أحد من أبناء القطيع ملقى على الأرض كجثة هامدة على يد ساحر اسود لعين! 


رؤية وجه ديفيد و هو تتغير تعبيراته تباعاً جعلته يشعر أنه يواجه تفكيرا حادا في مخيلته، ما بين أن يصدق كلماته أو أن ينكرها فيحدث الشئ الذي يخاف منه بشدة، أن تحدث معركة حامية بين الطرفين و يكون الخاسر فيها هم بكل تأكيد! لأن سانتوس ملعون بقوى الجحيم! قوى تجعله يفوق الجميع في القتال و في الشر كذلك. 


أراد أن يحسم الأمر مع ديفيد، يقطع عليه التفكير المعقد ذاك، لذا أخبره بنبرة حاول أن تبدو هادئة و مقنعة قائلا: 


- اسمع ديفيد، أنا لا أقول كلاما تافه أو غير صحيح! أنا أخبرك بالحقيقة فقط! إن كنت كنت لا تريد أن تصدقني حسنا لك ذلك! لكني غير مسؤول عن ما سوف يحدث لاحقاً، أنت وأنا لن نستطيع التصدي له!


ما رأيك بهدنة أو شراكة فيما بيننا، وإن كنت مخطئاً سوف أذهب أنا وعائلتي ونترك لك البلدة جميعاً، و إن كنت محقا نستطيع باتحادنا سويا أن نتصدى لسانتوس و الدفاع عن البلدة و عائلاتنا جميعاً، حسنا ما رأيك في ذاك الاقتراح ديفيد. 


مايكل قد وضعه في خانة مسدودة حقا بتلك الكلمات، رمى بملك البستون في وجهه، الأمر يبدو سيئا أكثر مما ظن، فالحرب لن تكون مع تلك الساحرة المراهقة بل مع رجلا تجرع الشر مع حليب والدته!! 


لقد حسم الأمر، سوف يعقد تلك الهدنة معه، ينتظر ما سوف يحدث ثم بعدها يحكم على الأشياء، لا يريد رؤية أحدهم يسقط صريعا أمام أنظاره وهو يقف يشاهده فقط! بصفته قائد أو حتى والد ذاك أمر لا يتمناه لأحدهم قطعاً. 


بإماءة من رأسه، راسما على وجهه قناعا جامد، وافق على هدنة، وقت مستقطع بين مواجهة سوف تكون الاسوء في حياته كلها. 


بموافقة ديفيد على اقتراحه تنفس مايكل الصعداء، أن تكون هناك هدنة و تحالف بينهم وبين فريق المستذئبين سوف يجعلهم يستطيعون التصدي لسانتوس وأتباعه لبعض الوقت، أو فقط للوقت الذي تكون فيه روزي على وشك التنصيب. 


رؤية الجميع لديفيد وهو يسير بصحبة مايكل أيقظت ملكة الفضول لديهم، لأن وجه كل واحد منهما لا يوحي بشئ، فقط كان هناك قناع من الجليد وليس بوجه، حينما وصل ديفيد أولا، كان نصيبه الكثير من الأسئلة.


بدأ الحكماء بإمطاره بالعديد من الأسئلة، ما الأمر؟! ماذا أراد منك؟! هل اتفقتما على شئ؟! بينما هو يهز رأسه إليهم، يشير بكلتا يداه أن يلتزموا الهدوء قليلا، فهو على وشك البوح بكل ما قد حدث للتو! 


لم تكن الحال لدى مايكل أفضل حالا من ديفيد، نفس ذات الأسئلة قد طرحت عليه، التزم هو الهدوء حتى توقفت الأسئلة، ثم بدأ يقص على سمعهم اخبار تلك الهدنة و الحديث الذي دار بينه وبين قائدة عشيرة القطيع. 



زفرة راحة خرجت من فمها، ما سرده أخيها للتو كان أكثر من مطمئن لها، تستطيع تنفس الصعداء الآن، خوفها من زوجها السابق سانتوس كان يهلك قواها ويأخذ طاقتها بعيدا، لكن الآن هناك أشخاص تستطيع الاعتماد عليهم، عائلتها وعشيرة الذئاب تلك. 


لم تستطع روزي تصديق ما أخبرهم بها شقيق والدتها للتو، هل تم حقا وضع هدنة بينهم وبين هؤلاء المتوحشين من الذئاب؟! وهي التي كانت تتوعد ذلك الفتى الأحمق في نفسها بالانتقام منه على فعلتها معها؟


لكن لا يهم الأمر الآن، هي لا تريد تخريب تلك الهدنة بين الطرفين على أية حال! خاصة بعض الكلمات التي تسربت من فم أعضاء عائلة والدتها حول والدها و شقيقتها! تشعر ببعض من الخوف و القلق الشديد! 


الكلمات التي سمعتها لم تكن مطمئنة على الإطلاق، بل مخيفة للغاية، هي الفتاة الهادئة حد الملل، التي ليس لديها أصدقاء في أي مكان! سوف تصبح اليوم ملكة على الساحرات! سوف تكون حاكمة! تحصل على قوى سحرية كبيرة! ذلك دربا من المحال بالنسبة لها حقا!! 



صوت تأفف عال خرج من فمه! حديث والده لم يرق له! وكيف ذلك و هو يخبرهم أنه تم عقد هدنة بينهم وبين هؤلاء السحرة، أليس الأمر يدعو للسخرية! من المفترض أن يكون الفريقين أعداء! كيف اليوم سوف يصبحوا حلفاء! 


كذلك الكلمات الضخمة والمبالغة حول ذلك الرجل سانتوس وحول السحر الأسود الذي يقوم به هو أيضاً مبالغ فيه! ليس هناك رجل بتلك القوة كما يدعي ذلك الرجل مايكل! ربما هو يحاول أن يجعلهم يشعرون بالخوف والارتباك من أجل مصالح شخصية له و لابنة شقيقته تلك الساحرة روزي، حتى موعد التنصيب!! 


أراد أن يخبر والده بتلك الكلمات التي تفوه بها للتو، نظر نحوه، لكنه فوجئ به وقد أبتعد عنه، يتبادل الحديث مع بعض أفراد القطيع، أخرج من فمه زفرة ضيق.


 حتى فوجئ بها هي، تلك الفتاة روزي، تنظر نحوه بنظرات غاضبة، يملؤها الغيظ! يشعر و كأنها تريد أخذ الثأر منه، عن ذلك الأمر الذي فعله معها في الغابة! 


لا ينكر أن الأمر قد جعله يتسلى كثيرا، رؤيتها هو تبكي من الخوف، تركض بأقصى قوة تملك مبتعدة عنه! أمر يبعث على الضحك! أراد أن يغيظها، لكنه فوجئ بها تفعل ذلك الأمر معه! 


حينما وجدها ترفع اصبعيها السبابة والوسطى، تشير بهما إلى عينيها ثم تعاود و تشير بهما نحوه هو! في أمر جعل الغضب يشتعل في داخله و يرغب في الفتك بها!


 حتى أن جسده استجاب لذلك الغضب، أوشك على التحول لهيئة المستذئب، لكن على آخر لحظة تمكن من إخماد غضبه، حيث نظرة من أبيه، تحذره من فعلها!


 رغما عنه استجاب لذلك التحذير، خمدت ثورة غضبه، تنفس بغضب و غل، نظر نحوها متوعدا، لتتركه هي و تلتف بجسدها راحلة خلف والدتها إلى حيث داخل المنزل، بينما هو، فوجئ بأبيه يقف أمامه، يهمس له بكلمات هادئة قائلا


- ماثيو، أنت تعلم أني لا أحب أن أكرر الكلام أكثر من مرة! وأنت حقا استنفذت طاقتي اليوم في تلك التحذيرات! بني، نحن قمنا بعقد هدنة مع هؤلاء السحرة، ولا أريد أن انقضها بعد دقيقة واحدة من أجل فتى طائش مثلك حتى لو كان ابني أنا!! هل فهمت ماثيو أم لا؟!


تقريع والده له جعله يشعر بالضيق، هو أومأ إليه برأسه متفهما، موافقا على رغبته تلك، ألتف بجسده راحلا نحو صديقيه، وقف بجوارهما، ينكس رأسه بحزن شديد. 


هو لم يكن يرد أن يوبخ ابنه ماثيو بتلك الطريقة، لكن رغما عنه تصرفات ماثيو تدفعه لذلك، فهو مازال شابا مراهقا يغلب الطيش على أفعاله.


 و ذاك التهور غير مفيد على الإطلاق، خاصة في ظل ما يحدث معهم اليوم، نظر إليه بضيق بينما يراه ينكس رأسه بتلك الطريقة، زفر بقلة حيلة ثم عاد مرة أخرى إلى حيث يقف من كان يتبادل معهم الحديث منذ قليل. 



بينما هي، علمت أن تلك الحركة سوف تجعله يشعر بالغضب الشديد منها، لكنها فعلتها كيدا له ليس أكثر! رغم أن رؤيته و هو على وشك التحول إلى هيئة ذئب مرة أخرى مخيف للغاية! هي احتمت بجسد والدها، رحلت معها للداخل، بينما الشعيرات الصغيرة في رقبتها كانت تقف من الخوف والفزع! 




"خطة محكمة"



في الداخل، اجتماع مصغر للعائلة، حيث يصرح الأب بنبرة حازمة وجادة: 


- يجب علينا الاجتماع سويا هنا في الداخل مع قائد القطيع والحكماء، لابد من وضع خطة محكمة لمواجهة سانتوس وأتباعه، العشوائية لن تنفع بشئ!! 


الجميع وافق على كلمات الرجل الأكبر، هزوا رؤوسهم، أجاب عليه مايكل بكلمات مؤكدة قائلا: 


- أنت محق أبي، لابد من وضع خطة محكمة وجيدة من أجل مواجهة سانتوس، جميعا نعلم مدى القوة التي يمتلكها، كما أنها لابد أن تطورت عبر تلك السنوات التي مرت. 


مايكل كان محقا أيضاً، الجميع همس بذلك، لكن همسة 

أخرى كانت مختلفة، حينما رددت بصوت خافت


"هانا" 


التفوا إليها، نظروا نحوها بحزن، يعلمون أن هناك حربا مشتعلة بداخل قلب سافانا النقي، هي تخاف على الجميع من شر زوجها السابق! وفي نفس الوقت، هناك ابنتها الغائبة التي لم ترها منذ سنوات طويلة!! 


واليوم وقد حان وقت اللقاء مرة أخرى، لابد أن تخوض في نفسها معركة ولاء كبرى، الجميع يتعاطف معها ويشعرون بالشفقة نحوها، فقط لو لم يكن الأمر على ذلك النحو، لكان هناك الكثير من الأشياء تغيرت في عالمهم! وكانت البداية تلك الفتاة التي أبعدها سانتوس عن والدتها بقوته و تجبره!! 


رجل الأسرة هو من تجرؤ على كسر الصمت السائد حينما تنهد بحزن وضيق، قال بنبرة هادئة


- سافانا، أعلم جيدا مقدار الجهد الذي تبذلينه كي تثبتي أنك بخير رغم ما يحدث في داخل قلبك من وجع وألم؟! لكن دعيني أحذرك!! تلك الفتي التي نحن على صدد مواجهتها ليست تلك الطفلة الصغيرة التي قد تركتها فيما مضى!! 


بل هي ابنة الشيطان سانتوس والتي لابد أنها لا تقل شرا و خبثا عنه!! عزيزتي لابد أن تدركي ذلك جيداً وألا تضعي آمالا زائفة على شئ غير موجود في الواقع! 



تنهيدة متعبة خرجت من فمها، حتى أوشكت الدموع تفر من مقلتيها، والدها شعر بحربها، الجميع علم بذلك!!



رؤيتها لوالدتها على تلك الحال من اليأس و الحزن يجعلها تشعر بالضيق هي أيضاً، تريد أن تخفف عنها ذلك الحزن، لكنها لا تستطيع أن تفعل، فهي لا تعلم شيئا عن ما قد حدث في الماضي، فقط مجرد حكايات رويت لها وعليها أن تصدقها وتؤمن بها. 



تولت صوفيا المهمة، اقتربت من شقيقتها، ربتت بدفء وود على كتفها، منحتها بعض الدعم الذي تحتاجه، ربما بعض من الحنان كذلك!! بينما استمر القائد، يتحدث مع باقي أفراد الأسرة، موجها إليهم التعليمات. 



في الخارج بينما يتبادل الحديث مع أفراد القطيع فوجئ بعودة مايكل مرة أخرى، يتجه إلى حيث يقف، انتظر قدومه، حتى وجده يقول بنبرة هادئة: 


- أبي يريد الحديث معك في الداخل، أنت وحكماء القطيع بالطبع، يقول أنه يريدنا وضع خطة متناسقة من أجل مواجهة سانتوس وأتباعه. 


كلمات مايكل نالت رضا عقله، والده محق في ما أمر به، لابد أن يكون هناك تنسيق بينهما، خطة جيدة يسيرون عليها، ليس مجرد تصرف عشوائي قد يصلح أو قد يبوء بالفشل! 


هز رأسه موافقا ثم تركه واتجه نحو الآخرين، همس لهم ببعض الكلمات، أومأ الجميع بالموافقة، حسم الأمر وقرر الذهاب بصحبة مايكل إلى المنزل ذاك، بصحبة حكماء القطيع، وأحد آخر يشعر بحزنه وضيقه، بصوت عال هتف مناديا: 


- ماثيو، تعال إلى هنا الآن.


بخطوات هرول نحو أبيه الذي يهتف باسمه مناديا، وصل إلى حيث يقف، نظر إليه متسألا بعينيه، أجاب تسأله قائلا بنبرة هادئة: 


- سوف نناقش بعض الأمور في الداخل، أنت سوف تأت معنا أيضاً، لكني أحذرك، لا أريد أن أسمع صوت تهورك مرة أخرى، فقط التزم الصمت و كل شيء سوف يصبح بخير، هل فهمت. 


أومأ برأسه موافقا على كلمات والده، تابعه نحو الداخل بينما في نفسه، هناك حرب دائرة بين كبرياء شاب فخور، وطاعة ابن بار لأبيه. 


قبل دخوله بصحبة مايكل، لم ينسى قطعا منح إشارة إلى ابنه الآخر، يخبره بها أن يكون يقظا، يتوخى الحظر، والابن أجاب إشارة والده، بعدما فهمها، أيقظ قواه الخاصة، بعينين قويتين ترى عن بعد، دار بهما في كل اتجاه، ترقب ظهور خطر ما، وتمنى أن لا يظهر أبدا. 


في الداخل، طاولة مستديرة وضعت في المنتصف، خريطة كبيرة الحجم وضعت عليها، بينما يد أحدهم يشير إلى الآخرين، يخبرهم عن مخارج ومداخل المكان، حيث لابد من نقل الملكة القادمة من هذا المنزل الذي يمكثون فيه الآن إلى القصر المهجور الذي سوف يتم فيه التتويج. 


عملية النقل لابد أن تتم في هدوء و حذر، فليس هناك رغبة في لفت انتباه الأعين الحارسة التي تترقب ظهور أي حركة غريبة تتم في الجوار. 


أنهى جورج حديثه، وضع تصوراته لم سوف يحدث، بينما ديفيد وقف يستمع إلى حديثه بصحبة تابعيه أيضاً، وقف يفكر في خطة ما، يستطيعون بها تنفيذ عملية النقل تلك، حتى أتت في عقله فكرة علم أنها سوف تنجح بكل تأكيد، فقط لو نفذت جيداً. 


انسحبت هي نحو داخل غرفة الطهي، تركت الجميع يدبرون الأمر، رغم كل ما يجرى حولها، لكنها مازالت تتمنى أنها تكون في داخل حلم لا أكثر!! 


ارتكزت بكلتا يديها على عارضة الرخام المغلفة لخزانة غرفة الطهي، أغمضت عينيها بقوة، استسلمت للحظة من الضعف، تركت الدموع تتسرب من داخل مقلتيها.


 ثوان قليلة مرت على وجودها في تلك الحالة حتى شعرت بأحدهم يدلف إلى الغرفة، صوت خطواته كانت ثقيلة، ففكرت أنه ربما يكون شقيق والدتها مايكل، حاولت مسح دموعها بظهر يدها، أخذت نفسا عميقا، ثم التفتت بجسدها مواجهة له، حتى فوجئت بآخر شخص تريد رؤيته في هذه الحياة!!


تأفف بصوت عال رغما عنه، ذلك الأمر من أبيه لم يروق له على الإطلاق، فهذه الفتاة هو لا يرغب في رؤيتها، يعلم نفسه، أنه إذا فعل؛ سوف يحاول الفتك بها بكل تأكيد على تلك الفعلة التي أدتها أمام الجميع، سخرت منه أمام أقرانه!! 


كفتى فخور بنفسه جداً هي قد تمت إهانته بتلك الفعلة، هي تستحق عقاب بكل تأكيد وليس أن يذهب من أجل أن يؤتي بها من داخل غرفة الطهي كي تلبي نداء جدها لوالدتها ذلك العجوز جورج. 


لكنه فوجئ بها بينما يدلف إلى داخل غرفة الطهي، تعطيه ظهرها، ترخي كتفيها بيأس و حزن، كأن هناك جبلا ثقيلا على كتفيها!! هذا ما شعر به حينما رآها على تلك الحال! بعض من الشفقة نحوها تسربت إلى داخله! 


حاول نفض ذلك الشعور، قطع ذلك الاتصال نحوها، و حينما هم بالحديث وجدها تلتف نحوه فجأة، ثم تنظر نحوه بضيق شديد ربما ذعر أيضاً!! 


بصوت بدأ له هادئا هو أخبرها: 


- جدك في الخارج يريد أن تذهبي إليه، هو يريد التحدث معك في أمر عاجل. 


حينما فوجئت به يقف أمامها، ينظر نحوها بنظرات مدققة و متفحصة شعرت ببعض من الضيق، ثم تسرب نحوها شعور الخوف كذلك، هي فكرت أنه ربما تسلل خلفها إلى غرفة الطهي من أجل أن ينتقم منها على تلك الفعلة التي قامت بها منذ قليل في الخارج!! 


تنفست الصعداء حينما وصل إليها صوته و هو يخبرها أن جدها جورج يريدها في الخارج من أجل حديث ما، هي هزت رأسها موافقة و متفهمة، أجلت حلقها ثم قالت بنبرة هادئة: 


- حسنا سوف أفعل، فقط أنتظر أن تفصل آلة صنع القهوة المحلاة ثم أذهب إليه! 


أنصت إليها، نظر إلى حيث الطاولة الصغيرة في منتصف غرفة الطهي، صنية تقديم متوسطة الحجم تحتوي على أكثر من عشر أكواب من الفخار، ينتظروا أن تصب بهم القهوة، أومأ إليها بتفهم ثم قال بهدوء: 


- أنت تعدين القهوة للجميع في الخارج؟! 


أومأت بموافقة، عاود الحديث قائلا: 


- إذا سوف أنتظر انتهاء الأمر ثم أحمل تلك الأكواب إلى الخارج، فهي سوف تكون تكون ثقيلة عليك حتماً. 


كانت سوف تهم بالموافقة، لكنها عادت تخبر نفسها أنه لا يهم، فلتتركه ليقوم بذلك الفعل البطولي ثم تذهب إلى حيث جدها يريدها، اكتفت بهز رأسها إليه دليلا على الموافقة، لتعير انتباهها بعدها إلى آلة صنع القهوة.


تلك الفتاة غريبة الأطوار حقا! مابالها لا تتحدث كثيرا مثل بقية الفتيات الأخريات! فقط تقوم بهز رأسها، مثل فاقدي القدرة على التحدث! يوما بعد يوم تثير هذه الفتاة في نفسه الفضول، هي تضع صورة الفتاة الوديعة الهشة أمام جميع من يراها! لكن هل تلك حقيقة شخصيتها فعلا أم ذلك مجرد قناع بائس! 


"ذلك الأبله! لم يرمقها بتلك النظرات المتفحصة! وكأنها في داخل عملية استجواب من الشرطة! رغما عنها نظراته إليها تربكها حتى أنها كادت تخطئ في ملء بعض الأكواب أمامها" 


- اللعنة على ذلك! 


بصقت تلك الكلمات في وجهه بصوت عال مما جعله يرفع حاجبه متعجباً، يسألها بنبرة يشوبها الغضب قائلا: 


- عفوا، لكن تقصدينني أنا بتلك السبة الملعونة؟! 


زفرت بقوة كبيرة، الأمر فوق قدرتها على التحمل، حاولت أن تبدو هادئة حتى لا تشعل فتيل معركة هي في غنى عنها حقا، أخبرته بنبرة جامدة قائلة: 


- بالطبع لا سيد ماثيو، تلك اللعنة من أجل حظي البائس قطعاً، فلقد أوقعت على يدي بعض من القهوة الساخنة و أشعر بألم شديد حقا!  


تلك الكلمات كان جزءا منها صحيح وجزء آخر غير صحيح، فاللعنة كانت من أجله هو ووجوده الذي يربكها ، أما عن كونها تشعر بألم فهي قد أوقعت بعض من القطرات على يدها والآن هي تحرقها بشدة. 


لم تتوقع أبدا أن تكون تلك هي ردة فعله على كلماتها، أن يقترب منها بشدة، يأخذ القدر من يدها، يضعه على الطاولة، يمسك بيدها بين يديه، يتفحصها بانتباه شديد، يخبرها بنبرة هادئة محاولا طمأنتها قائلا: 


- لا تقلقي، ذلك حرق بسيط، سوف يزول بكل تأكيد، فقط اذهبي وضعي بعض من قطع الثلج فوقه، وأنا سوف أتولى أمر ملء تلك الأكواب، حالما تنتهين من ذلك سوف نذهب سويا إلى الخارج. 


تعاطفه معها رغما عنها أثر في نفسها، رغم أنها تتعجب من الأمر، لكنها استمعت في النهاية إلى نصيحته، ذهبت نحو المبرد، أخرجت بضع من قطع الثلج.


 أخذت تضعهم على يدها وذاك الحرق بها، حتى مرت عدة ثوان كان هو انتهى من ملء أكواب القهوة، وجدته ينظر إليها، يسألها بنبرة هادئة قائلا: 


- هل انتهيت من الأمر؟! 


أنصتت إلى سؤاله، أجابته بالموافقة، وجدته يشير إليها أن تتبعه نحو الخارج برأسه، وهي فقط تبعته. 


نهاية الفصل.


الناشر / موقع حكايتنا للنشر الالكتروني

حمل الان  / تطبيق حكايتنا للنشر الالكتروني واستمتع بقراءة جميع الروايات الجديده والحصريه
تعليقات