"قوى الوقت"
حينما وصلت إلى الخارج، تولى هو أمر توزيع القهوة الساخنة، بينما هي ذهبت إلى حيث يجلس جدها، أمرها أن تتخذ مقعدا بجواره، فعلت ذلك، بدأ حديثه لها، حينما قال بصوت هادئ:
- روزي، السيد ديفيد اقترح علينا اقتراح جيد من أجل كيف يتم نقلك إلى ذلك القصر القديم حيث تتم عملية التنصيب فيه.
نظرت نحو جدها بترقب، أنصتت لكلماته، هزت رأسها باستسلام لا تملك غيره، استمعت إليه بعدها بينما يكمل حديثه قائلا بنفس الهدوء:
- حسنا هو اقترح علينا أن تذهبي بصحبة ماثيو متخفية على دراجته النارية! مع بعض أقرانه بالطبع!! أكد لنا أن رائحة جسده القوية سوف تغطي عليك ولن يستطيع أحدهم تقفي أثرك في أثناء تلك الفترة.
الكلمات هنا كانت جيدة، حتى وصل جدها إلى ذكر اسم المدعو ماثيو في منتصف الحديث! رغما عنها أخرجت شهقة خوف و ذعر، وصلت إلى سمع الجميع، الذين تعجبوا منها، ما عدا واحدا فقط كان يعلم سبب ذلك الخوف.
تقطيبة حائرة ومتعجبة ظهرت بين حاجبيه، ردة فعل حفيدته روزي غير متوقعة، ذلك الخوف الذي بدأ على وجهها جعله يشعر بالقلق، أراد معرفة السبب، سألها بصوت قلق قائلا:
- ما الأمر روزي؟! هل هناك أمر ما يخيفك عزيزتي؟!
سؤال جدها وصل إلى سمعها، أرادت أن تبلغه الحقيقة، لكن نظرات ماثيو المحذرة جعلتها تصمت، فكرت في نفسها، ما الذي سوف يستطيع فعله، هي الآن تحت حماية والده و القطيع سوف يحرص على ذلك قطعا!
لذا لا داعي لمزيد من الخوف، سوف توافق على ذاك الاقتراح وتذهب معه، هي نظرت إلى جدها، هزت رأسها نافية، رسمت على وجهها ابتسامة هادئة، ثم أخبرته بنبرة مطمئنة قائلة:
- لا شيء جدي، أنت تعلم أن الأمر برمته جديد علي، لذا شعرت ببعض القلق والتوتر فقط!
أبتسم لها جدها، أومأ برأسه متفهما، لينظر بعدها نحو ديفيد، يخبره بنبرة جادة و حازمة قائلا:
- حسنا ديفيد، الوقت قد حان، هيا أمر الجميع بالاستعداد من أجل الانتقال الآن، سوف يذهب الشباب بصحبة الصغيرة أولا، و من بعدها سوف نذهب تباعاً، لا نريد بالطبع جذب الأعين إلينا.
إماءة موافقة صدرت من ديفيد ردا على أمر جورج له، هو نظر نحو ابنه ماثيو، أخبره بصوت حازم قائلا:
- هيا ماثيو، انزع ذاك القميص ذو القلنسوة عنك، دع روزي ترتديه، كي تستطيع التخفي به!
استجاب ماثيو لأمر أبيه، أقترب من روزي، أمرها أن تستقيم واقفة من على الأريكة، و حينما فعلت ذلك، قام بنزع قميصه الذي يرتديه، أمسك به، حاول أن يلبسها إياه، لكنها أشارت إليه أن يتوقف، فما كان منه إلا مال عليها قليلاً، همس في أذنها بصوت خافت قائلا:
- هيا روزي، هل تخافين مني أو تخجلين عزيزتي؟!
أخبرها بتلك الكلمات، تراجع بعدها مبتعدا عنها ببضع خطوات للخلف، بينما يرسم على وجهه ابتسامة كانت سمجة بالنسبة لها، أما هي فشعور السخط والغضب كان على أوجه في داخله، ودت لو محت تلك الابتسامة اللزجة من على وجهه القبيح ذاك.
بدأت في ارتداء القميص، وحينما انتهت من ذلك، أخذت تجمع شعرها الأشقر على هيئة كعكة فوق رأسها، لتضع بعدها القلنسوة من فوقها، تخفي نفسها تحتها!!
أشار ديفيد لابنه ماثيو أن يبدأ في التحرك، ليومئ ماثيو بالموافقة، يمد يده نحو روزي كي تذهب معه، هي ترددت لثوان قليلة، لكنها حسمت أمرها في النهاية، مدت يدها، أمسكت بيده، انطلقا الاثنان سريعا نحو الخارج حيث يقف بقية الفريق.
نظرات متفحصة و متفاجئة تلاقها حالما وصل إلى الخارج بصحبتها، هرول أصدقائه نحوه، أرادا أن يسألاه ما الذي يحدث معه ليكون بصحبة تلك الساحرة، لكنه قطع عليهما الحديث، بأن أشار لهما بعلامة الصمت، هو قال بنبرة حازمة:
- ليس لدينا وقت لتلك الأسئلة، علينا الانطلاق فورا، هيا اتبعاني و اطلبا من من بقية الفريق فعل المثل.
أبدى الاثنان تفهمها، كلمات ماثيو كانت جادة و حازمة، عليهما التنفيذ الآن، و بالفعل بدأ فيه، بينما هو أشار إليها أن تتبعه حيث يصف دراجته النارية، وحينما وصلا إليها، تسلق الدراجة على الفور، أمرها أن تفعل المثل، هي فعلت، أمرها أن تقترب منه أكثر، لكنها لم تفعل، مما جعله يخبرها بنبرة هازئة:
- ليس هكذا روزي! عليك أن تلتصقي بي، لا تنس، نحن نريد أن تطغى رائحة جسدي عليك يا جميلة! أم أن خائفة مني؟! لا تقلقي عزيزتي أنا لا أكل الساحرات! مذاقهم سئ للغاية ولا يعجبني!
مزح معها بتلك الكلمات، ليضحك بعدها بصوت عال، بينما هي كانت في داخل نفسها تسبه و تلعنه بقوة على وقاحته تلك معها، لكن في النهاية، هي اقتربت منه حد الالتصاق كما طلب، بدأ بعدها في الانطلاق، بينما يشير لصديقيه و البقية أن يفعلوا المثل.
لقد أوشكت السيارة الخاصة بهم على الدخول للبلدة، هانا بدأت تستيقظ من غفوتها، ابتسم لها، بينها يخبرها بنبرة مرحة ممازحا إياها قائلا:
- هيا هانا، كفاك نوما يا كسولة، لقد وصلنا إلى مدخل البلدة، عليك الاستعداد صغيرتي، فالمواجهة قد اقتربت، و قواك لابد أن تشحذ من الآن!
ما بين النعاس والوعي كانت تنتقل هي، حتى أتت كلمات أبيها إلى سمعها، لترغم نفسها على اليقظة و الانتباه، لقد أخبرها أن الوقت قد حان، ذلك الوقت الذي سوف يكون أهم وقت في حياتها، سوف تلتقي بوالدتها، شقيقتها البلهاء، تنتقم منهما، تستولي على العرش، وتصبح هي حاكمة الساحرات!
التفكير في ذلك العرش جعل ابتسامة عريضة تظهر على وجهها، مما جعل والدها يلتفت إليها، يخبرها بنبرة مرحة قائلا:
- على ما يبدو أن النوم قد جلب فائدة لك هانا، أنت الآن ترسمين على وجهك ابتسامة المنتصر! هل تفكرين بالفوز صغيرتي؟!
هزت رأسها، توافق على كلمات والده، تخبره بعدها بنبرة هادئة قائلة:
- بالتأكيد داد، لا شيء غير الفوز يجعلني أبتسم هكذا، أنتظر الوقت الذي أمسك الفتاة بين يدي و أسحقها بقوة سحري الهائلة، تلك الضعيفة تطمع في أن تجلس على العرش!! اقسم أنه لن يحدث ذلك أبداً!
ضحكات ساخرة ومتهكمة خرجت من فمها بعدما بصقت تلك الكلمات في وجه أبيها، ليفعل هو مثلها، يبدأ في الضحك العال أيضاً.
اتصال هاتفي قادم لهاتفه المحمول هو ما قطع وصل تلك الضحكات، أشار إليها بالصمت كي يتلقى المكالمة، فعلت هي ذلك، بدأت تنصت بعدها للحديث
"ماذا تقول أيها الأحمق؟! هل هي خرجت معهم؟! ماذا لم ترها!! سوف اقتلك يا أحمق إن هي فعلت!! لا اريدها أن تصل إلى ذلك القصر يا أبله!! إن حدث ذلك سوف تكون نهايتك على يدي!! أبق الجميع تحت أنظارك، مجرد دقائق وسوف أصل إليك"
أنصتت لتلك الكلمات بقلق، أبيها كان غاضبا بدرجة كبيرة من ذاك الاتصال، تمنت ألا يحدث شيئا يخرب مخطاتته، ذلك سوف يجعلهم يحتاجون إلى مزيدا من الجهد و الوقت، هما كانا يريدان أن تنتهي المهمة سريعا!
انتظرت حتى أنهى الاتصال، تحدثت قائلة بنبرة قلقة:
- ما الأمر داد؟! هل هناك أمر ما جعلك تغضب بتلك الطريقة الفظيعة؟!
زفرة ضيق وغضب خرجت من فمه، من دون أن يلتفت إليها أخبرها بنبرة حادة:
- هؤلاء الحمقى، يقولون أن هناك مجموعة من الفتية تحركوا من أمام المنزل بدراجاتهم النارية! لا اعلم ولكن لدي شك أن تكون روزي بصحبتهم، تعلمين ذلك العجوز جورج ليس بهين على الإطلاق!!
حاجبها الأيمن رفع كعلامة تعجب على ما سمعت والدها يتفوه به، سألته مرة ثانية بنبرة شك قائلة:
- و لكن داد أنت الذي أمرت الآخرين بعدم التدخل حتى نصل نحن! هم لم يخطؤا في الأمر!
"اللعنة!! كنت أظن أن الفريقين سوف تنشب بينهما معركة كبيرة تشغلهم ريثما نصل نحن ثم نواجه الفائز منهم!! لكن على ما يبدو هؤلاء الحمقى بطريقة ما استطاعوا أن يصبحا حليفين!! بئسا لذلك الأمر!! هذا يعني أنه سوف نضطر إلى مواجهة الاثنان معاً"
بصق الكلمات في وجهها بغضب شديد، لتعيد هي الحديث معه مرة أخرى، بينما تقول بنبرة هازئة و متهكمة، ساخرة من الأمر:
- و ماذا في ذلك داد؟! أنت تعلم جيدا أنك تستطيع هزيمتهم بأقل جهد ممكن!! لذا ليس هناك من داع لذلك الغضب والقلق الذي بدأ يتملك منك!!
أنصت إلى كلماتها الساخرة، شخر بصوت عال، أخبرها بنفس ذات النبرة المتهكمة قائلا:
- ليس القوة فقط صغيرتي هي ما تفيد الآن!! هناك الوقت! الوقت هو أهم شيء نحتاجه الآن!! فقط لدي القوة في التحكم في الوقت! لكنت فعلت كل شيء بهدوء شديد!!
شهقة عالية وقوية خرجت من فمها حينما أستمعت إلى كلمات أبيها، هي سألت بنبرة متعجبة قائلة:
- و هل هناك من يملك تلك القوى أبي؟! أعني أن هل هناك من يستطيع التحكم في الوقت!
هز رأسه بقلة حيلة، ابنته على ما يبدو لديها نزعة للغباء، بصوت متهكم و ساخر من حديثها الأحمق أخبرها قائلا:
- حقا هانا!! نحن سحرة!! تستطيع التحكم في كل شيء؟! كيف لا نستطيع التحكم في الوقت هو الآخر!
بفم فاغر أخذت تنظر إليه، بينما في داخلها تريد بشدة أن تمتلك تلك القوى، لكن مع الأسف الشديد هي قد جربت كل قواها، حاولت تقويتها، لكن قوى التحكم في الوقت تلك لم تكن من بينها.
نظر إلى ابنتها التي ترسم على وجهها نظرة الأحمق، هز رأسه بعدم رضا، أخذ ينظر إلى الخارج عبر نافذة السيارة بجواره، تطلع نحو البلدة، التي كانت يوما ما موطن له!
حيث قابل زوجته سافانا، ثم تزوج منها بعد ذلك وانجب ابنتيه، هانا و روزي، ذلك جعله يفكر في داخل نفسه "ترى كيف اصبحت هي بعد مرور كل تلك السنوات؟! هل مازالت غبية و حمقاء كما كانت دائما!"
خرجت من تفكيرها، على صوت تنهيدة عالية، كان مصدرها أبيها الجالس بجوارها، لكن على ما يبدو أن تفكيره الآن في عالم آخر! تمنت لو تعلم فيما يفكر هو! رغم كونه أبيها، تربت على يده! لكنها في أحيان كثيرة هي تشعر بالخوف منه!!
طريقة حديثه الغامضة، نواياه التي لم يكشف عنها بعد!! الطريقة التي يجهز بها على تابعيه الذين يفشلون في أداء مهماتهم!! كل تلك الأشياء تجعلها تخاف حقا!
نفضت عنها ذلك التفكير، نهرت نفسها، بينما تقول بنبرة حازمة "هيا هانا، لا وقت لذلك التفكير البائس! عليك التركيز جيدا إن كنت ترغبين في ذلك العرش!"
"القصر المهجور"
الطريق الذي ساروا فيه مخيف للغاية، خيل إليها أنه ملئ بالأشباح، تنفست الصعداء حينما وجدته يطفئ المحرك الخاص بدراجته النارية، لكن حينما إلى ذلك المكان الذي وصلوا إليه تصاعد الخوف من جديد إليها من جديد، المكان يبدو كقصر قديم مهجور!!
كيف سوف تدخل إلى ذلك المكان المخيف؟! هكذا تسألت هي في داخلها، بينما ترمق القصر القديم، هو يبدو الآن مهجورا و ملعونا، لكنها لا تعلم أن ذلك القصر هو شامخ منذ عصور طوال، لطالما كان شاهد على عصور نهضة السحرة، حكمهم الطاغي! قوتهم الكبيرة النهمة للجبروت!!
أخرجها عن شرودها ذاك، صوت ماثيو الخافت، بينما يهتف باسمها مناديا:
- روزي! هيا! أين ذهبت بتفكيرك؟! لقد كنت أنادي عليك منذ دقائق وأنت لا تجيبين! هل هناك شيء خاطئ؟!
أنصتت إلى سؤاله، تطلعت للمكان من حولها من جديد، نظرت إلى القصر بقلق، لكنها هزت رأسها نافية بينما تخبره بنبرة بدت متماسكة، هادئة ربما:
- لا شيء، فقط المكان هو جديد بالنسبة لي، لذا أشعر ببعض من الرهبة فقط لا غير!!
كاذبة، هي علمت نفسها أنها كذلك، لم تكن تشعر بالرهبة فقط من المكان بل بالخوف! الكثير من الخوف حقا!
أما هو فهز رأسه إليها بتفهم، أخبرها بنبرة هادئة قائلا:
- حسنا، ولكن علي أن أخبرك أنه لابد أن ندخل إلى ذلك القصر على الفور، لن أجعلك تصابين بالصدمة، ولكن هناك أعين مراقبة كثيرة من حولنا! لذا هل أسديت لنفسك ولي معروفا و دلفت إلى المكان فورا!
بخوف شديد و هلع، نظرت من حولها في المكان تتفحص كل جزء منه، رغما عنها وجدت نفسها تقترب منه، حتى كادت تلتصق به، بأعين زائغة، خائفة نظرت إليه، بينما تخبره بذعر شديد:
- أنا أشعر بخوف شديد ماثيو، أرجوك خذني إلى الداخل من فضلك!
لعنة خافتة خرجت من فمه، تلك الفتاة تفاجئه باستمرار! كيف لساحرة مثلها أن تفعل ذلك؟! تخاف و ترتعب بتلك الطريقة، بل الأدهى أنها اقتربت منه هو، تناشده الحماية، تطلب منه منح الأمان لها! أليس من المفترض أن يكونا عدوين، لكن على ما يبدو قوانين الطبيعة لا تسري بينهما!
نظر نحوها بقلق وجدها مازالت ترتجف و هو!!هو سيكون ملعونا إن لم يقترب منها، يمنحها عناقا مطمئنا، فتلك التي ترتجف أمامه ليست بساحرة!! بل فتاة لم يتجاوز عمرها العاشرة!!
منحها عناق دافئ و داعم، لتسكن هي في حضنه لثوان، تقتات على الأمان الذي يقدمه لها، الدموع تجمعت في مقلتيها، بدأ في الهطول، انتفضت بقوة في داخل حضنه، شعر بها، أبتعد قليلا عنها، نظر إليها بضيق، لم يصدق ما يحدث أمامه، لعن مرة أخرى!!
مال بجزعه قليلا، وضع يدا أسفل ركبتيها، يدا أخرى حول خصرها، حملها بعدها بسهولة بين يديه، كانت مثل ريشة، سار بها نحو داخل القصر المخيف، وأشار بعدها للبقية أن يتبعونه.
عند دخوله إلى القصر، أخذ يتطلع إلى ما حوله، لكنه لم يرى بوضوح، زفر بقوة كبيرة، لقد نسى أن يحضر شيئا يستطيع أن يضئ به المكان، لكن وسط تفكيره ذاك، فوجئ بالثريات من فوقه تضئ واحدة تلو الأخرى، في مشهد مذهل للغاية، ربما مخيف أيضاً، مما جعله يتسأل في نفسه "هل هناك أحد في هذا المكان!! ربما شعروا بهم!! ربما سوف يظهرون في أي لحظة الآن!"
برفق شديد وضعها على الأرض، لكنه لم يبتعد عنها، بل ظل قريبا منها، يتطلع فقط لما حوله، منتظرا ظهور أحدهم، نظر من خلفه، أعطى إشارة بعينيه للبقية أن يكونوا على أهبة الاستعداد لأي ظهور لأحدهم أو حدوث هجوم ما!
بينما روزي تعيش في عالمها الخاص من الخوف والذعر، نظرت إلى الفتيان من خلفها، وجدتهم يتحولون من شكلهم البشري إلى هيئة الذئاب، لكنها تلك المرة لم تشعر بالخوف مطلقا! بل على العكس من ذلك، هي شعرت بالأمان، بأن هناك أحدهم مستعدا لحمايتها مهما حدث.
بينما يتشاور الجميع فيما بينهم حول الانتقال، اقترح ديفيد أن يستقل جورج بصحبته السيارة، أما مايكل فسأل صوفيا بنبرة قلقة:
- صوفيا، دائرة الحماية خاصتك تتحمل كم واحدا منا؟!
نظرت صوفيا بقلة حيلة، هزت كتافها، أخبرته بنبرة يملؤها الضيق قائلة:
- أنت تعلم جيدا مايكل! دائرتي لا تتحمل أكثر من اثنان فقط من السحرة، و لابد أن تكون قواهم أقل من قواي حتى لا تفسد الدائرة!!
تنهد مايكل بضيق، هو كان يعلم ذلك، دائرة الحماية خاصة شقيقته لا تتحمل الكثير، هو ردد بنبرة حزينة
- أعلم صوفي، لذلك لم تقترحي علينا أن تنقلي روزي بواسطة دائرتك، أنت تعلمين جيدا أن قواها أكبر من قواك بالتأكيد!
أنصتت إليه، هزت رأسها مؤكدة، مايكل محق في كلماته، روزي قواها أكبر من قواها هي، وسوف تتضاعف بعد التنصيب، أليست هي نتاج امتزاج دماء شقيقتها سافانا و الشيطان سانتوس.
الجميع أخذ ينظر لبعضه البعض، جورج من تحدث كاسر حاجز الصمت ذاك قال بنبرة هادئة:
- حسنا صوفي، اصنعي دائرتك، احملي أخاك مايكل بداخلها، ثم انتقلا إلى هناك، نحن سوف نلحق بكما بعد ذلك، هيا أسرعا.
بأمر أبيها الذي استمعت إلى كلماته للتو، بدأت صوفيا بصنع دائرة الحماية، وحينما انتهت، طلبت من أخيها مايكل الدخول فيها، أخذت تتمتم بعض الكلمات وفي لحظة واحدة كان الاثنان قد اختفيا عن الأنظار.
دقات على باب المنزل لفتت انتباه الجميع، نظرت سافانا نحو الباب بترقب، خطت نحوه بسرعة كبيرة وحينما فتحته، وقع نظرها على آخر شخص تتوقع أن تراه الآن في ذلك الوقت العصيب! كان لوكاس هو ذلك الشخص!
نظرت إليه ببعض من الخوف والقلق، لكنها فوجئت به يرسم وجهه ابتسامة عريضة، أخبرها بعدها بنبرة هادئة وواثقة قائلا:
- لا تفزعي سافي، أنا أعلم كل شيء عنك!
كلماته لها جعلتها تتجمد في مكانها، شعرت برجفة قوية تسير في جسدها، بينما تردد كلماته لها في داخلها مرة أخرى وهو يخبرها "أنا أعلم عنك كل شيء" هل هو حقا يفعل؟! هكذا سألت نفسها.
رؤيته لسافانا وهي في تلك الحالة من التخبط و القلق كان أمرا متوقعا بالنسبة له، لذا هو بهدوء شديد دلف إلى داخل المنزل، أغلق الباب من خلفه بهدوء، نظر إليها بنظرات محبة، أخبرها بنبرة دافئة وودودة:
- لا داع للخوف حبيبتي! أنا هنا لأجلك لا تخافي!
أنصتت إليه، نظرت نحوه، كلماته تبدو جيدة و مطمئنة لكن هل هو يعني ذلك حقا؟! هي تسألت في نفسها مرة أخرى، لكنها فوجئت به يقطع تفكيرها ذاك، هو أمسك بيدها، سار بها نحو الداخل، ألقى التحية على الجميع بهدوء و ثقة، ثم عاد يبتسم لها من جديد بينما يخبرها بنبرة هادئة:
- هيا ساڤي، لا داع لذلك الوجه المتجهم و القلق، أنا أعلم من أنت حقاً، و ليس اليوم! بل منذ زمن طويل، منذ الوقت الذي كنا فيه أصدقاء وهربت من حفل تخرجنا لتغادري البلدة كلها مع عائلتك!
هزت رأسها غير مصدقة الكلمات التي ينطق بها لوكاس الآن! لقد كان يعلم من هي منذ وقت طويل، لكنه لم يخبرها بذلك، حتى عندما تقابلا مرة أخرى، احتفظ بسره داخل قلبه، لكن السؤال هنا هو لم فعل ذلك الأمر حقا ؟!
شعر بتخبطها ذاك، أراد أن يخمد ثورة القلق في داخلها، بهدوء شديد أشار إلى أحد من خلفها، تتبعت هي إشارته تلك، لتفاجئ بعدها أن ذاك الشخص الذي يشير إليه لوكاس لم يكن سوى والدها!! عادت لتهز رأسها مجددا بعدم تصديق، وجدته يخبرها بنبرة هادئة:
- أجل ساڤي!! أنا كنت اعلم من أنت! والدك كان يعلم من أنا في الحقيقة، هو أخبرني أن صداقتنا لن تنفع! كيف لصائد ساحرات أن يكون صديقا لساحرة، هو كان محقا في ذلك بالطبع، لذا حينما رحلت بصحبة عائلتك يوم حفل تخرجنا، كان أمرا متوقعا، علمت عنه سابقا!!
"لا، لا هذا ليس صحيحاً! أنت ماذا؟! صائد ساحرات!! لا لوكاس! هل كنت تريد قتلي؟!"
بصقت تلك الكلمات في وجهه، بخوف شديد، ترمقه بنظرات عاتبة تلومه بها على كل شيء، أقترب منها، وضع كلتا يديه على كتفيها، أخذ يهز جسدها بقوة، يخبرها بنبرة حادة و حازمة قائلا:
- ساڤي! هل أنصت جيدا لما كنت أقول! اللعنة كيف تفكرين في بتلك الطريقة! هل تظنين أنني قد أفعل بك سوءاً؟! لقد خاب ظني بك حقا سافي!
نهرها بتلك الكلمات المتألمة، أخفض يديه عن كتفيها، أبتعد عنها عدة خطوات للوراء، ألتف بجسده يعطيها ظهره، بينما في داخله هناك نارا تشتعل تريد حرق المكان من حوله، لولا تدريبه الجيد على ضبط النفس لكان تركها ورحل بعيدا عنها، تركها لسوء ظنها ذاك!!
لكنه لن يفعل! رغم تهورها ذاك وكلماتها الحمقاء هو يحبها، هي كانت حبيبته في ما مضى ومازالت كذلك، رغم أنها تزوجت رجلا غيره، هو مازال يفعل!
حينما علم بزواجها شعر بالجحيم في قلبه! لقد كان من المستحيل أن يصبحا سويا، لكنه لم يتحمل فكرة كونها مع أحد آخر، ذاك العهد الذي قطعه لوالدها على نفسه، قانون لحد ذاته، و هو ما منعه من الذهاب إليها.
طوال تلك السنوات الماضية حاول أن ينساها لكن مع رؤيته لها مرة أخرى أمام عينيه عاد كل شيء إلى ما كان عليه في السابق.
لكن تلك المرة هو مصمم على التمسك بها، لن يدعها تبتعد عنه مرة أخرى مهما كان الثمن الذي يدفعه من أجل ذلك، حتى لو كان كسر ذلك الوعد أو معارضة قانون الطبيعة، حيث صائد ساحرات وساحرة لن يستطيعا أن يجتمعا سويا!! لكنهما سوف يفعلان ذلك حتماً، هو سوف يحرص على ذلك!!
كلمات الرجل العجوز أخرجته من شروده، ألتفت إليه، وجده يخبره بنبرة هادئة قائلا:
- حسنا لوكاس سافانا لا تعني ذلك حقا، لكن أنت تعلم أنها تمر بوقت عصيب الآن! لذا امنحها بعض من التفهم! علينا الآن التحرك على الفور.
أنصت إليه، هز رأسه متفهما، أخبره بنبرة هادئة:
- أجل أنا أعلم ذلك، لهذا الأمر قد جئت الآن، أنا سوف أساعد سافانا وأقوم بدعمها!
تفهم جورج رغبة لوكاس تلك، لذا هو أومأ إليه برأسه متفهما ثم أشار إليه أن يفعل ذلك على الفور، ليهز لوكاس رأسه موافقا، بهدوء شديد أخذ يبحث عن السترة الخاصة بسافانا، وجدها على الأريكة، ذهب كي يلتقطها بيده، و حينما فعل، هو سار نحوها مرة أخرى.
ساعدها في ارتداء السترة، أمسك بيدها، سار بها بخطوات سريعة نحو الخارج، حيث السيارة الخاصة مصفوفة أمام المنزل.
لم تكد تبعد نظرها عن الفتية المتحولون لذئاب فوجئت بأحدهم يتقدم نحوهم بهدوء وثقة، كان رجلاً عجوز، يرتدي عباءة بيضاء اللون، فوق رأسه قبعة كبيرة بنفس ذات اللون، يرسم على وجهه ابتسامة عريضة بينما يخبرها بنبرة هادئة و دافئة قائلا:
- مرحبا بك روزيتا! لقد انتظرت مجيئك إلى هنا منذ وقت طويل صغيرتي! هيا بنا إلى الداخل! ولا داعي لذلك الوجه الخائف المرتسم فوقه الذعر عزيزتي.
كلمات الرجل العجوز رغم أنها ودودة ودافئة لكنها شعرت بالخوف حقا، حتى أنها بدون إرادة منها اقتربت من ماثيو الذي كان ينظر إلى الرجل بتعجب شديد، هو كان يفكر في داخله، أن مظهر ذاك الرجل هو قد رآه كثيرا في تلك الأفلام عن السحرة! لكن أن يكون الأمر حقيقيا هو شيء مذهلا قطعاً!
شعر بها بينما تقترب منه، أخفض بصره نحوه، حاول أن يبث الطمأنينة بها، هو هز رأسه مؤكد على دعمه لها، بينما نظرات عينيه إليها تحولت إلى دفء شديد.
بطاعة عمياء هي سارت معه، وحينما مد يده إليها قبلت بها ووضعت يدها بداخلها في هدوء، سارا معا بعدها بصحبة الساحر العجوز الذي كان يرشدهم إلى الداخل وعلى وجهه ابتسامة مشرقة.
حينما وصلوا إلى قاعة كبيرة، بها بعض المقاعد المتناثرة في المكان، أشار إليهما أن يجلسا، ففعلا ذلك، بدأ هو يجوب في المكان، يبحث عن شيء ما.
ثوان قليلة مرت على وصولهم إلى القاعة، حتى فوجئت روزي بوصول شقيقة والدتها صوفيا بصحبة شقيق والدتها مايكل إلى المكان، في هالة من الضوء، مما جعلها تنتفض واقفة، تهرع نحوهما، تسألهما بنبرة قلقة وحائرة قائلة:
- خالتي صوفي! خالي مايكل! أين ماما؟! ألم تأت معكما؟!
نظر كلا من صوفيا و مايكل إلى بعضهما البعض ثم إلى تلك الواقفة أمامها تنظر إليهما بخوف شديد، هزت صوفيا رأسها بعدها نافية الأمر بينما تخبرها بنبرة هادئة قائلة:
- لا، هي لم تأت معا، دائرتي لن تتحمل أكثر من اثنين، هي سوف تأت مع أبي بعد قليل، عليك أن تهدأي قليلا روزي، لا داعي للقلق صدقيني.
تنهدت بضيق وتعب، كانت تريد والدتها بصحبتها الآن تقدم لها الدعم و الحنان، فكل ما يحدث حولها يجعلها تشعر فقط بالخوف الشديد.
نظرت صوفيا إلى حيث الرجل العجوز، ألقت التحية بود ودفء قائلة:
- مرحبا ثاندر! كيف هو حالك! لم نرك منذ زمن طويل!
أخبرته بتلك الكلمات بينما تضع على وجهها ابتسامة ودودة، وجدته يبتسم لها هو أيضاً، يخبرها بنبرة ودودة ودافئة قائلا:
- مرحبا صغيرتي صوفي، أنت أيضا لم نرك منذ وقت طويل، منذ الوقت الذي تم تنصيب شقيقتك سافانا فيه كملكة على الساحرات!!
ألقى تلك الكلمات على مسامعها، ضحك بعدها بصوت عال، تبادلت الضحك معه هي الأخرى بينما تردد في نفسها "أجل منذ ذلك الوقت حقا"
في الجهة الأخرى، كان جورج يخرج من منزل سافانا بصحبة جورج، يشير بيده إلى ابنه جوزيف، يهمس له أن يبدأوا في التحرك، ليستقل هو السيارة بعدها ومن خلف عدة سيارات أخرى.
في المقابل من المنزل، أعين متربصة كثر، يتابعن ما يحدث أمامهم، أحدهم يرفع الهاتف المحمول خاصته، يطلب رقم ما، ينتظر الإجابة، وحينما وصل إليه صوت سيده، أخذ يسرد إليه كل ما حدث للتو.
جاءته الأوامر بعدها أن يتبع تلك السيارات إلى القصر المهجور، حيث هو سوف يصل إليه بعد قليل، فقد حان الوقت لعودة الشيطان من جديد.
نهاية الفصل
# الناشر / موقع حكايتنا للنشر الالكتروني
