"قناعا آخر"
لم تنم روزي جيدا ليلة أمس، فهي كانت تشعر بالسوء من حديثها مع والدتها ليلة أمس، هي نامت فقط متأخراً، لم تأت والدتها لغرفتها كي توقظها كالعادة
هي كانت قد ضبطت المنبه كي يقوم بإيقاظها حتى تستطيع الذهاب إلى المدرسة صباحا.
حينما هي أفاقت قليلاً، أنعشت وجهها بماء فاتر ثم أبدلت ملابس النوم خاصتها بملابس تليق بالمدرسة، هي تناولت حقيبتها ثم هبطت بعدها على الدرج.
فوجئت بوجود بعد أطباق الطعام على مائدة الطعام، فكرت في نفسها "لابد أن ماما قد حضرت الفطور لي ثم وضعته هنا في إنتظاري ورحلت!! لابد أنها مازالت غاضبة مني بسبب كلماتي القاسية التي أخبرتها بها ليلة أمس! وهي محقة في ذلك حقا!"
أرغمت روزي نفسها على تناول بعد اللقيمات كي تسد جوعها وحتى لا يقع مغشيا عليها في المدرسة بسبب قلة الطعام! فهي تعاني من الأنيميا بعض الشيء، جسدها نحيل قليلاً، لكن حينما تتناول طعامها بإنتظام كل شئ يصبح جيداً.
لحسن حظها لروزي كانت المسافة بين منزلهم وبين المدرسة الثانوية الخاصة بها قليلة نوعا ما، فقط بضع أميال بسيطة، وذلك جعلها تستطيع السير إليها.
حينما وصلت روزي إلى المدرسة بعد رحلة من السير أخذت منها خمسة عشر دقيقة هي سارت بهدوء نحو داخل المدرسة، بحث بعينيها عن ذلك الطالب الذي يراقبها ليلة أمس أسفل منزلها، تنفست براحة حينما لم تجده في وسط الطلاب وأكملت سيرها نحو الداخل.
الراحة التي شعرت بها روزي من عدم رؤيتها لذلك الشاب لم تكتمل كثيرا، حينما وجدته يقف عند خزانة الكتب خاصتها، والتي حصلت عليها أمس، فوجئت به يحرك أنفه في أنحاء الخزانة وكأنه يحاول أن يتشمم ما بداخلها!!
نظرت روزي إلى ماثيو بنظرات متفاجئة ومذهولة مما يفعله عند خزانتها الخاصة، هي ترددت في الأمر، وتساءلت في نفسها، هل تقترب منه وتسأله عن الشئ الذي يفعله بجوار خزانة الكتب خاصتها! أم فقط هي تفر هاربة وتبتعد عن طريقه!
لأول مرة قررت روزي أن تصبح شجاعة وتواجه ذلك الجبان الذي يحاول العبث بأشياؤها الخاصة، هي خطت نحوه بخطوات سريعة، لمحها هو لكنه لم يكترث أو ينظر نحوها فقط واصل عبثه داخل خزانة الكتب
شعرت روزي بمزيد من الغضب من ذلك المتغطرس، الذي رغم أنه قد رأها وهي تقترب منه إلا أنه لم يكف عما يفعله، مما جعلها تزيد من سرعة تقدمها، حتى وصلت إليه ووقفت أمامه مواجهة له، رفعت السبابة خاصتها وهتفت بغضب كبير في وجهه قائلة:
- أنت أيها الأبله المتغطرس! ما الذي تفعله عند خزانة الكتب خاصتي؟! ما الذي تبحث عنه هناك؟!
نظر ماثيو نحو روزي الغاضبة، أخذ يتطلع إليها من أعلى إلى أسفل محدقا إليها بفظاظة كبيرة، مما جعلها تتراجع قليلا إلى الوراء من تحديقه الفج ذاك.
بينما واصل ماثيو تحديقه بإستمتاع شديد، على الرغم من كرهه لها، لأنه ساحرة والسحرة فاسدون جميعا كما أخبره والده! لكن هذا لا يعني أنها ليست جميلة! بل على العكس هي جميلة للغاية تأخذ العقل بعينها الزرقاء وشعرها بلون ذهبي!
جذب شعرها انتباهه وجعله يتسأل في نفسه قائلا في داخل نفسه "أليس من المفترض أن تكون الساحرة تمتلك شعرا أحمر اللون! ولكن لم هي ذات شعر أشقر؟!"
تسأل ماثيو بذلك في نفسه، لكن تساؤلاته تلك لم تدم طويلاً، فعليه أن يجيب على تلك الغاضبة وتشير في وجهه بسبابتها، هو أقترب منها أكثر ثم أخفض أصبع السبابة الخاصة بها ذاك، مال عليها ثم همس في أذنها:
- احترسي، فقد علمت سرك! عليك أن تخافي مني!! واعلمي أني أراقبك طوال الوقت!! روزي!
همس بخفوت في أذنها بتلك الكلمات ثم أبتعد عنها بخطوات متمهلة، رفع اصبعيه السبابة والوسطى أشار بهما على عينيه ثم أشار عليها هي، وكأنه يخبرها أنه بالفعل سوف تكون تحت رادار عينيه هو.
ما فعله ماثيو للتو جعل روزي تنتفض في مكانها بشدة، لقد جعلها تشعر برعب شديد حينما أخبرها أنه يعرف سرها، مما جعلها تتسأل في داخلها، "عن أي سر هو يتحدث ذاك الأبله؟! وما الذي يريده مني؟!"
عادت لتنظر نحوه مرة أخرى بينما هو يسير بخطواته مبتعدا عنها، غير مهتم بنار القلق والخوف التي أشعلها في قلبها وعقلها كذلك، خطت نحو الخزانة، استندت بجسدها عليها، بينما تردد بصوت هامس قائلة
"أي جحيم قد وقعته فيه الآن؟!"
بينما ماثيو وهو يسير بعيدا عنها، كان يشعر بنظراتها الحادة تخترق ظهره، كان يعلم أنها تنظر إليه بينما هو يسير مبتعدا، لديه قوى على الشعور بذلك الأمر.
يعلم أيضاً أنه قد خالف تعليمات والده، لقد أخبره أن لا يجب أن يثير انتباه الساحرة تلك، لكن هو فعل، بل هو فعل أكثر من ذلك، هو أخبرها أنه يعرف سرها! كما طلب منها أن تحترس منه؟!
لابد أنها تخطط للتخلص منه!! ذلك ما فكر به أيضا ماثيو بينما يدلف إلى داخل الفصل الدراسي الخاص به
تلفت في المكان، المعلمة لم تأت بعد، لذا هو فكر في الإقتراب من المقعد الذي كانت تجلس عليه روزي يوم أمس.
حينما وضع يده على المكتب تمنى أن يشعر بشئ! لكنه للأسف لم يشعر بأي شئ تحت يده، "لابد أنها حريصة للغاية ولا تضع تعاويذها في أي مكان!!" هكذا هو ردد في نفسه، ليرفع يده بعدها من على المقعد ثم يسير مبتعدا عنه، فهو لا يريد إثارة الشكوك حوله في الفصل.
بعد عدة دقائق دلفت روزي إلى داخل الفصل الدراسي خاصتها، كانت تسير بوجوم تام، تعبير غاضب وقلق رسم على ملامح وجهها، شاهدها ماثيو بينما هي تسير نحو الداخل بتلك الطريقة المملؤة بالدراما، مما جعله يسخر منها في داخله قائلا:
"أنها حقا ملكة الدراما بوجهها ذاك وما عليه من حزن كبير وبؤس أيضاً!! لو لم يكن يعلم جيدا من هي وما الذي تقدر على فعله لكان قد صدق حزنها ذاك!! بل وتعاطف معها أيضاً!! لربما ذهب إليها ليقدم لها المواساة عن طريق عناق دافئ!
لكن هذا ليس صحيحا على الإطلاق، تلك الفتاة تخفي في أسفل وجهها قناعا آخر أكثر شرا وبؤسا!! هي فقط تضع قناع البراءة حتى يتعاطف الجميع معها!!
لكنه لن ينخدع بها، عليه أن يراقبها جيدا قبل أن تشذ أظافرها وتحاول الفتك بأمان بلدتهم الهادئة.
"لقد كان يوما سيئا حقا" لقد كان هذا ما فكرت به بينما هي عائدة سيرا على الأقدام إلى المنزل خاصتها، والدتها كما توقعت هي لم تأت لاصطحابها من المدرسة
لكنها تستحق ما تفعله معها والدتها.
وصلت إلى المنزل، وجدت والدتها تضع أطباق الطعام على المائدة، ألقت التحية عليها، لكنها لم تجد جوابا هي سبت نفسها قائلة في داخلها:
"بئسا! لقد أغضبت والدتي بشدة! ويبدو أنها لا تريد مسامحتي! رغم ذلك سوف أحاول مصالحتها!"
خطت نحو والدتها بخطوات سريعة، هي قامت باحتضانها من الخلف، أخذت تخبرها بنبرة حزينة و متوسلة قائلة:
- ماما، أعلم أني أخطأت في حقك كثيرا! لكن أرجوك لا تعاملينني بتلك الطريقة القاسية! أنا لا أتحمل عقابك ذاك! من فضلك سامحيني!!
سافانا تمتلك قلبا من ذهب، هي تحب ابنتها بشدة، فلمن يكن لديها طوال تلك تلك السنوات الماضية سواها هي، لقد تخلت عن كل شيء من أجلها، ابتعدت عن كل ما تحبه من أجلها!
فقط تتمنى أن لا يضيع كل ما بذلته في السنوات التي مضت هباءا روزي لديها دور كبير ومهم عليها أن تؤديه، حالة النكران تلك من قبلها لن تفيد بشئ!
عليها أن تتقبل الأمر الذي هي فيه الآن وإلا سوف تتعرض للهزيمة والسحق على يد أناس يجهزون أنفسهم لتلك المعركة منذ وقت طويل.
هي سوف تسامح روزي بالطبع لكن عليها أن تعاقبها قليلا على الكلام المتهور الذي قالته لها، أشارت إلى الطعام وأخبرتها قائلة بنبرة هادئة وهي تبتعد عنها:
- تناولي الطعام روزي، أنت تحتاجين إليه بشدة، فتلك القوى التي تتملكك تستهلك قوى جسدك على الدوام.
شعرت روزي أن والدتها لم تغفر لها بعد، لكن هي ليست غاضبة أيضاً، سوف تنتظر أن تغفر لها
استمعت روزي لطلب والدتها، أمسكت بالملعقة وبدأت في تناول طعامها بهدوء شديد.
عندما عاد ماثيو من مدرسته إلى المنزل، اتجه على الفور إلى المكتب الخاص بوالده، وجد والده يستقبل مكالمة على هاتفه المحمول، أشار والده له أن يدلف إلى الداخل ثم يغلق الباب من خلفه.
ماثيو أغلق الباب خلفه ثم اتجه إلى أحد المقاعد منتظرا والده حتى ينهي المحادثة الهاتفية التي يجريها مع أحدهم.
أنهى ديفيد محادثته الهاتفية، نظر إلى ماثيو، أبتسم له بدفء ثم أخبره قائلا:
- مرحبا بك ماثيو، كيف الحال اليوم؟!
أعطى ماثيو والده ابتسامة كما فعل معه،قال بنبرة مرحة:
- كما هو الحال دائما داد، أحاول اصطياد إحداهن؟!
ضحك ديڤيد بقوة على مزاح ابنه لثوان، ثم سأل ماثيو بنبرة جادة قائلا له:
- والآن لننتقل إلى الشئ الهام، هل حدث شئ جديد اليوم؟! تلك الفتاة هل أقدمت على فعل شيء ما في المدرسة أو أي مكان آخر؟!
أنصت ماثيو إلى سؤال والده ذاك ثم هز رأسه نافيا الأمر، هو أجاب عليه قائلا بنبرة هادئة
- لا، هي لم تفعل شيئا اليوم والدي، والأمر الذي يجعلني أتعجب من ذلك، زيادة على أن هناك أمر ما حولها يجعلني أشعر بالارتباك
كان ديڤيد ينصت جيدا لحديث ماثيو هذا، وعند ذكر شأن ارتباك ماثيو من تصرفات الفتاة هو تسأل قائلا بنبرة متشككة
- ما الأمر ماثيو، ما الذي يجعلك تشعر بالارتباك حول تلك الفتاة بني؟!
تنهد ماثيو بصوت عال ثم أخبر والده قائلا:
- لا أعلم أبي، لكنه يوجد شئ حول تلك الفتاة يصيبني بالحيرة، أنني أراها على الدوام وحيدة بدون أصدقاء
مع أنها تستطع خلق اتباع لها بسحرها القوي، كذلك هي تبدو دائما حزينة وتشعر بالخوف وعدم الثقة.
أراد ديفيد أن يجعل ماثيو مطمئن لذا هو أخبره بنبرة هادئة وواثقة قائلا له:
- اسمع ماثيو، هي في الواقع ساحرة، و الساحرات يحاولن خداع من حولهن، هي تستخدم سحرها ولكن ليس بصورة مرئية للجميع بالتأكيد، والدليل على ذلك أنها جعلتك تشك حول إن كانت بريئة أم لا ؟!
ماثيو هز رأسه موافقا و مؤيدا لحديث والده ثم أخبره بنبرة هادئة
- حسنا أبي، بالتأكيد أنت لديك خبرة معهن أكثر مني
علي الآن أن أذهب، أريد أخذ حماما منعشا ثم تناول الطعام وأخيرا التدرب مع الفتيان في الغابة.
ماثيو يملك دراجة هوائية يستقلها في بعض الأحيان، واليوم هو اختار أن يستقلها عند ذهابه إلى الغابة، والذي يتم تدريب الفريق فيه، كما تقام فيه أيضاً اجتماعات القطيع و لقاءتهم الهامة.
عند وصوله وجد أن هناك بعضا من شباب القطيع قد سبقه، كارلوس و نوا كانا هناك بالفعل
عند رؤيتهما لماثيو هما ابتسما لبعضهما البعض ثم اقتربا منه، هما قاما بتحيته بتحية القطيع الخاصة حيث يتم خبط الجزء الأمامي من أكتافهم سويا.
كان ماثيو قد صف دراجته الهوائية بجوار إحدى الأشجار بعد وصوله فورا، ثم توجه للشباب بعدها، وحدثت بعدها تلك التحية، والابتسامات كذلك.
كارلوس هو بدأ بالحديث حيث وجه سؤالا إلى ماثيو قائلا له بنبرة متسألة وهو ينظر نحوه يترقب
- إذن ماثيو، ما أخبار تلك الساحرة التي معك في المدرسة؟! هل قامت بفعل شيء ما اليوم؟!
تشدق ماثيو بمرح بينما يجيب على سؤال كارلوس له
قائلا بنبرة فخورة و معتزة بنفسها
- أنت تقصد تلك الفتاة روزي؟!
سخر كارلوس من ماثيو المتفاخر و أجاب قائلا له:
- أي ما كان اسمها، أنا لا يهمني ذلك الأمر مطلقا! أنا فقط أهتم بأن لا تفعل شيئا سيئا لسكان البلدة الطيبون، أو تعكر السلام الذي نعيش فيه منذ فترة طويلة هنا في تلك البلدة.
هز ماثيو رأسه موافقا على كلمات كارلوس و مؤيدا إياها، هو أخبره قائلا بنبرة هادئة
- بلى، أنت محق يا كارلوس في حديثك هذا، فكل ما يهمنا جميعا هو آمن البلدة وسكانها، فنحن الحماة الخاصين بها، وسوف يكون علينا حمايتها إن حاول أحدهم العبث بأمانها.
بصوت عال وزاعق، ردد كلا من كارلوس و نوا من بعد حديث ماثيو لهما وهما يقولان
- بلى، بلى، نحن الحماة ونفتخر بذلك!
أومأ ماثيو برأسه إليهما ثم أخبرهما بنبرة جادة قائلا
- نحن نتبادل الحديث ونسينا التدريب الذي جئنا من أجله!! وأين باقي الشباب على أية حال؟!
قال ماثيو هذه الكلمات ثم أخذ يتطلع من حوله، هو كان يبحث بعينيه عن باقي شباب القطيع، ولم يكد ينهي كلماته حتى فوجئ بهم يسرعون نحوه حتى وصلوا أمامه، هم قاموا بتحيته وقالوا بنبرة مرحة
- نحن هنا منذ زمن طويل ألفا القادم!! فقط أنت من تأخرت عن الموعد!!
بعد تم الانتهاء من المزاح واللهو بين شباب القطيع هم بدأوا في وقت العمل بجد، الجميع تحول إلى شكله الآخر، إلى حيث هويته الحقيقية بكونه مستذئب
ضخم الجسد، ذوات شعر كثيف على أجسادهم.
يشبهون الذئب في شكلهم، لكن بحجم أكبر بكثير.
أبتسم كل واحدا للآخر بمرح، ثم بدأوا التحرك على الفور، كل واحد منهم يريد أن يصل إلى سرعته القصوى.
يختبر قدراته الخفية و يحاول أن يصقلها جيداً، كما أن هناك أمر آخر جديد عليهم كانوا يفكرون به، وهو أمر تلك الساحرة التي جاءت إلى بلدتهم، وربما قد جاءت من أجل إحداث الفوضى في المكان.
على الجميع أن يستعد من أجل المواجهة الكبرى التي من الممكن حدوثها، ذلك لن يكون ممكنا سوى عن طريق ثقل القوى والتدريب الشاق المضني، المعركة لن تكون هينة على الاطلاق، لربما يسقط بعضهم أرضا خلالها لكن المهم هو القدرة على هزيمة الشر الذي يهدد أمنهم الآن.
نهاية الفصل
# الناشر / موقع حكايتنا للنشر الالكتروني
