أرخى الليل أستاره السوداء معلنًا سيادته على الكون بكل استعلاء، استعرض القمر بهاءه الفضي، متحديًا سلطانه وجبروته، ولكن نسمات الرياح العاصية تجمعت حوله ومنعت ألسنة أشعته الفضية من التسلل للأرض.
يبدد السكون حيوان يعوي بصوت يسقط النساء الحبلى، ويشيب الولدان في
لفائفهم.
وقع أقدام راكضة في الطرقات المتهالكة، صرير مفصلات الأبواب الصدئة تغلق الواحد تلو الآخر، تليها صليل مزاريب
النوافذ ، صوت بكاء طفل مكتوم هنا، سعلة كهل عجوز يحاول كتم أنفاسه هناك، صفير
رياح الخريف يتلاعب بأوراق الشجر في الطرقات المقفرة.
شبح فتاة نحيلة يركض في الطرقات، يُسمع صوت لهاثها المتعب، وثغاء أنينها
كلما اتكأت على أحد الجدران لتلتقط أنفاسها، ثم تعاود الفرار وكأن الشيطان في
أعقابها.
برعب مسعور لاهث، تسترق النظر خلفها في كل لحظة، تكاد تتعثر في ظلها الذي
يتبعها على الأضواء الشحيحة المنبعثة من خلف شيش النوافذ الموصدة.
لم تنتبه لذلك الحجر الناتئ، تعثرت وانكفأت على
وجهها، يتسارع وجيب قلبها وهي تزحف على الأرض، حتى استطاعت رفع جسدها الذي ينتفض
بحمى الخوف.
صرخة رعب انطلقت من حلقها عندما
اصطدمت بجدار نبت فجأة في نهر الطريق!!!
اتسعت عيناها برعب، استعدت لمتابعة الهروب، عندما طمأنها ذلك الوجه الوسيم
بابتسامته الهادئة، مد يده الكبيرة
فابتعدت تلف ذراعيها حول جسدها بحركة دفاعية.
خطوة للخلف واستعداد للفرار حتى سمعت صوته الذي أعاد لها بعضًا من هدوءها:
"ماذا تفعلين في هذا الوقت خارج بيتك يا صغيرة"
ازدردت لعابها بصعوبة بالغة، فانزلق في حلقها بصوت مرتفع، وأجابته بحلق جاف
كألواح الذرة المحمصة:
"لقد...لقد تأخرت، هبط الليل قبل أن أصل لبيتي"
مع اتساع ابتسامته الموفورة، شع بريق عينيه بومضة سريعة، قبل أن يدق قلبها
بخوف اختفت الومضة، وحل محلها تلك النظرة الحانية، وصوته الرخيم:
"اسمحي لي أن أوصلك لبيتك بأمان، عمعموت يترصد الشياه الشاردة في
الليل كما تعلمين"
استرقت نظرة لاهثة على يده الكبيرة الممدودة، لعقت شفتيها بلسانه لترطب
جفافهما، مدت يدها لتحكم الوشاح القرمزي حول رأسها ثم رفعت جسدها الواهن بكل خفة
لتقف أمامه، ولدهشتها لم يصل رأسها لكتفيه المرتفعان، فتحت فهمها وهي ترمقه لدهشة:
"أنت طويل جدًا"
عبثت الهواجس الشيطانية بعقلها، فتراجعت خطوة، ترمقه بارتياب:
"وما أدراني أنك لست عمعموت متخفي في ثياب فارس"
جلجلت ضحكته في أرجاء الطرقات الموحشة، إلا من هبات الرياح التي تتلاعب
بأوراق الأشجار الجافة، ثم رمقها بتلك النظرة المتسلية قائلًا:
"لو كنت عمعموت، لكنت تنعمين بدفء معدتي الخاوية الآن"
تراجعت خطوة أخرى:
"ولكن عمعموت لا يأكل إلا القلوب، ربما ما زلت تحاول وزن قلبي، لترى
إن كان يستحق أن تنهشه بأنيابك الضارية"
عقد ذراعيه على صدره وقد ازدادت نظرت تسلية:
"فكرة لا بأس بها، ولكن توجد مشكلة واحدة، لابد أن تكوني ميتة لأزن
قلبك في كفة وريشة ماعت في الكفة الأخرى"
هتفت بنبرة خوف ورعشة رفت لها أجفانها:
"صحيح ما تقول، لو كنت عمعموت الحقيقي، الذي لا يأكل إلا القلوب
الآثمة، ولكن عمعموت السفاح الذي يحصد الأرواح الشاردة كل ليلة ويأكل قلوبها، لا
يعرف معنى العدالة، وميزان القلوب لديه لا دخل له بعمل الخير"
دار حولها مفكرًا، بترقب لأي حركة غادرة، حافظت على عدد الخطوات المحسوبة
بينهما، كلما اقترب، ابتعدت:
"إذن تظنين أنني عمعموت السفاح، ما رأيك أن تذهبي للجحيم، لن أراهن بحياتي،
لأقنع غبية مثلك، ربما تستحقين الموت بين فكي السفاح"
ابتعد عدة خطوات سريعة، بينما عمل عقلها بسرعة، تلفتت حولها، ثم هتفت:
"انتظر أرجوك"
توقف عن السير بدون أن يلتفت إليها، اقتربت عدة خطوات محسوبة، ثم توقفت،
وهتفت بصوت مرتجف:
"أنا بعيدة جدًا عن... عن بيتي، ولا أعرف كيف أصل بدون ضوء
النهار"
لوح لها بذراعه بدون أن ينظر إليها قائلًا:
"اتبعيني"
بلهفة خوف سألته تداري رعشة يديها في وشاحها القرمزي:
"إلى أين؟"
وقف لحظة ورفع رأسه للسماء، ثم استرق نظرة خلفية وقال بابتسامة مطمئنة:
"لقد تأخرت على عائلتي، لابد أنهم في شدة القلق الآن، اتبعيني، أو
اختاري السلامة وابقي هنا حتى يجدك ملتهم القلوب"
أكمل سيره دون أن يكترث إن كانت تتبعه أم لا، بينما أفكارها تتلاعب بها،
بين اللحاق به، أو انتظار مصير أسوأ من الموت، بين فكي عمعموت.
شيعته بنظرات بحسرة والظلام يكاد يبتلعه في الطرقات الضيقة، عندما قررت أن
تركض للحاق به، وهي تصيح بعقلها أن يخرس الآن، فقد قررت أن تتبع إحساسها.
لم تر ابتسامته عندما شعر بخطواتها خلفه، توقف فجأة أمام أحد البيوت التي
توحي أن ساكنيها من الطبقة المتوسطة، تلفتت حولها بانتظار أي بادرة ترجح تحذيرات
عقلها، لتركب عجل الفرار.
وقفت على بعد عدة خطوات منه تراقبه يطرق الباب بمقبضه النحاسي اللامع.
لحظات وسمعت خطوات راكضة نحو الباب، الذي فتح على مصراعيه، وعلى أضواء القناديل
الشحيحة، رأت أربعة من الصغار يتعلقون بساقيه كأنهم جراد متشبث بساق شجرة عملاقة.
حمل الفتاة أصغرهم وقبلها لاعقًا دموعها على وجهها المتسخ:
"أمنيستي حبيبتي، ما بال أميرتي باكية"
دعكت الفتاة عيناها بقبضتها قائلة بنبرة باكية:
"بابا...تأخر، أين الحلوى؟"
مد يده في جيبه وأخرج لها حلوى، ثم وزع الباقي على الأولاد.
كانت مشغولة بالمنظر ولم تلاحظها حتى سمعت صوتها:
"أخيرًا وصلت، وما هذه الجارية، بدلًا من أن تدخل على أولادك قفة سمك،
أو أكواز من الذرة، تدخل بجارية، ومن أين نطعمها، ومن أين نكسوها، هل تظن أن ميراث
أبي ما زال فيه من الخير ما يحملنا كلفة جارية"
بنصف التفاتة، ألقى عليها نظرة خاطفة، قبل أن ينظر لزوجته ويقول بلهجة
الملول:
"هذه ليست جارية"
وبصوت جهوري تصرخ الزوجة وهي تمسك بتلابيبه:
"تزوجت يا ناقص العقل، تزوجت علي يا ناكر الجميل بعدما لممناك وعملت
لك عائلة، أهذا رد الجميل، تتزوج هذه الحقيرة، وتأتي بها هنا في بيتي"
أمسك يديها ودفعهما عنه بلطف قائلًا:
"هذه ضيفة يا عامي، هبط الظلام قبل أن تصل بيتها، جاءت تحتمي بنا حتى
الشروق"
حدجتها عامي بنظرات فوقية متعالية، ولم يبدو عليها الندم لظنها الخاطئ،
ولوحت بذراعها باشمئزاز:
"يا لقلبك الطيب، لما لم تتركها وقدرها الأسود الذي دفع بها لطرقاتنا
المظلمة في هذا الوقت"
جلس الرجل وجلس أولاده الأربعة على ساقيه، ثم أشار للفتاة:
"لا بأس، ليلة واحدة نتحملها، حتى لا تغضب الآلهة ماعت لأننا لم نكرم
الضيف"
نظرت لها بنظرة فوقية ولوحت لها:
"لا تقفي مسمرة في مكانك، ادخلي واجلسي في ركن ما، ولا تقتربي من أي
شيء في البيت، بحق رع يا أنوبي، ما أدراك أنها ليست موبوءة بالبراغيث، ما هذه
المصيبة التي وقعت على رأسي"
تحركت الفتاة بخطوات مترددة، حتى أحد أركان البيت، الأرض مغطاة بفرش يدوية
الصنع، تأملت المكان بصمت، ثلاث أرائك الخشبية المحفورة بدقة عالية، تتوسطها طبلية
دائرية.
جلس الرجل على أحدها، تبعه أولاده الأربعة جالسون على الطبلية وكأنهم
اعتادوا هذا التصرف كل يوم، حتى تأتي أمهم بالطعام.
أجفلت عندما فوجئت بتفحصه لها، أهدته نظرة براقة مذعورة، فخفف من ذعرها
بابتسامته الطيبة:
"هوني عليك، عامي قلبها أبيض، رغم أنها تبدو على إحدى وجوه سِت"
هزت رأسها ببطء، حتى سمعته يهتف بدهشة حماسية:
"لم أر فتاة تحمل لون عينان مختلفتان من قبل، تبدين....مختلفة، ما
اسمك"
لعد لحظة صمت أجابت:
"كايــ...كاي"
مط شفته السفلى بتقدير وقال:
"ولكنتك أيضًا مختلفة، من أي البلاد أنت؟"
بعد تردد لحظات أجابت:
"أصولي من اليونان، جدتي لأمي يونانية، أنا أعيش مع أبي هنا"
أشار لأولاده بفخر يقدمهم:
"هؤلاء أولادي، حابي، أمنستي، داوموتف، سنواف .
هزت رأسها وهي تحدجهم بنظرة غريبة، فقد بدت أعين الصغار
تلمع بشكل غريب.
دخلت الزوجة تحمل أطباقًا، دفعت الأولاد عن الطبلية بخشونة اعتادوا عليها،
ثم رصت الأطباق المكونة من اللحم والثريد المغمس بالمرق، وطبقًا من الفاكهة.
جلس أنوبي بعد أن شمر أكمامه، وزع حصص من اللحم على أولاده، وخص زوجته التي
جلست تنظر بطرف عينها لكاي بقطعة أكبر، ثم نادى على كاي بعفوية:
"هل ستكتفين بالمشاهدة، تعالي وخذي قطعة لحم"
هبت زوجته تصيح بنبرة تقطر غل:
"قلت لك لن تقترب تلك الجارية من أولادنا، أو من طعامنا، يكفي أنني
سمحت لها بالدخول"
زفر بقلة حيلة، ثم حمل رغيفًا من الخبز ووضع فيه قطعة لحم، وأعطاه للضيفة،
التي ترددت قبل أن تأخذه، وفجأة دوت صرخات مدوية خارج البيت.
التفت الجميع نحو النافذة يحاولون النظر من خلال سلخات الخشب المتقارب، صوت
عويل وزئير، وخرخرة لحيوان يطارد فريسة.
وعلى ما يبدو أنه تمكن منها، ندت عن كاي صرخة معذبة:
"ترى من المسكين الذي نال منه عمعموت"
هتفت عامي بنبرة شامتة وهي ترمقها باحتقار:
"من يكون غير غبي مثلك، ساقته أقداره السوداء ليلقى حتفه ممضوغًا بين
فكي عمعموت"
بعد الطعام اختفى الأولاد واحدًا تلو الآخر، خلف أحد الأبواب، أجاب أنوبي
على نظرتها الفضولية:
"لقد اعتاد الأولاد الخلود للنوم بعد تناول الطعام مباشرة"
رفعت عامي الأطباق، ووقفت تنظر لأنوبي بنظرات تحذير، هز رأسه باعتذار لكاي:
"يمكنك النوم هنا، سأحضر لك غطاء، ولكن لا تقلقي البيت دافيء"
دارت كاي بعينيها حول المكان توافقه بنبرة استغراب:
"وهذا عجيب فعلًا، البرد قارص بالخارج"
لم يرو فضولها هذه المرة، واكتفى بإيماءة خفيفة، ولحق بزوجته التي كانت
بدأت تنفث نارًا من منخاريها.
ساد المكان هدوء يسمع فيه دبيب النمل، الذي وصل بسرعة ليجمع الفتات المهدور
من طعام العشاء.
لم تتحرك بينما عيناها متسعتان عن آخرهما تراقب حركات النمل يحمل الفتات
على ظهوره ويسرع لجحوره....
تحركت أذنيها تلتقط أصوات أخرى، أصوات أقدام صغيرة تغادر مكانها وتحاصرها
في مضجعها.
رفعت رأسها تراقب وجوه الأطفال، التي تحولت ثلاثة منها إلى أشكال حيوانات،
فكرت؛ لابد أنها تحلم.
أغمضت عيناها وأعادت فتحهما، الولد
الصغير حابي كانت تراه على شكل قرد بابون، داوموتف كان يبدو كابن آوى، وسنواف كان
يشبه الصقر بمنقاره الحاد، بينما ظلت الصغيرة أمنستي، على شكلها.
فكرت مرة أخرى لابد أن الطعام كان به شيء يسبب كل هذه التخيلات.
أغمضت عيناها تستدعي جنيات النوم، عندما بدأ الأطفال يتحدثون، قال حابي:
"أنا سأحصل على الرئة"
وقالت أمنستي:
"وأنا سأحتفظ بكبدها"
زمجر داوموتف وقال:
"المعدة والأمعاء من نصيبي"
غقغق سنواف وقال:
"والأمعاء الغليظة لي"
قال حابي:
"لا نريد أن يحدث فوضى مثلما حدث في المرة الأخيرة، عندما كادت
الملعونة أن تهرب، وتسبب لنا المشاكل"
قالت أمنستي:
"المهم القلب تتركوه مكانه، عمعموت تحلم بنهشه منذ وقعت عيناها عليها.
كادت تضحك من هذا الحلم العجيب، تتخيل فيه أبناء أنوبي يوزعون أعضاءها، حتى
شعرت بوغزة مؤلمة في صدرها
فتحت عيناها بذهول وصدمة لتقع عيناها على الأطفال الأربعة ، كل واحد يمسك
بمشارط يستخدمها الكهنة في تحنيط الجثث، كان حابي صاحب ذلك الجرح الذي ينزف من
صدرها.
وقفت منتبهة أن ما يحدث ليس حلمًا كما تخيلت، رأت الأولاد على صورتهم
الغريبة، قرد بابون وابن آوى وصقر، ولا يبدو أنهم ينوون بها خيرًا...
...................
غادر أنوبي مع عامي غرفتهم ضاحكين، وصوت عامي يقرقع بغنج:
"أنوبيس عزيزي، لقد تأخرنا على الأولاد"
قبلها من جبينها ضاحكًا:
"لا تقلقي يا عزيزتي، لقد أكدت عليهم أن يحتفظوا بالقلب"
فتحت فمهما لتبرز أنيابها الزرقاء الطويلة وهي تضحك بوحشية، ولكن شيء ما
اصطدم بوجهها، أمسكتها لتصرخ صرخة حيوان يحتضر عندما تعرفت على ذراع أحد أولادها
منهوشًا.
كادت عينا أنوبيس وعامي تخرج من محجريها، لا يصدقان ما تراه، الفتاة
النحيلة الهادئة، تقبع في ركن البيت المنزو وأمامها ما تبقى من أولادهما الأربعة،
وقد غرزت رأسها في جسد أحدهما ثم رفعتها تمضغ لحمه بمتعة بالغة.
تحرك الاثنان بغضب جحيم مستعر، فحدجتهما كاي ببريق عيناها المتوهج، ثم ظهر
من خلفها رأس ثعبان كان يأكل معها.
تراجع أنوبيس وعامي بخوف، ولكنها لم تتركهما، فأمسكت بيدها الشبيهة بمخالب
التنين، بأحد الأرجل الممزقة، وقالت متشدقة والدماء تغطي وجهها وملابسها:
"لا أظنكما غبيان بما يكفي لتواجهاني، خاصة بعدما عرفتما من أنا"
عقد أنوبيس ذراعيه على صدره بتحدي:
"لن تخيفيني كايميرا"
أشارت لزوجته التي ما زالت تتراجع:
"لم أقصد إخافتك يا أنوبيس، ولكن هدفي هذه البقرة، أم
أقول...عمعموت"
هتفت عامي بصوت متحشرج:
"كيف عرفتِ"
أطلقت كايميرا ضحكة مدوية قائلة:
"هل تظن يا أنوبيس حقًا، أنا لقاءنا كان صدفة، لقد راهنت على ذكائك،
رغم أنك انسقت خلف أهواء تلك المتوحشة وأطفالها"
هتف بصوت متقطع:
"هل كنت تعرفين من البداية"
"صاحت بصوت ضاحك:
"لقد صنعت من نفسي فخًا أيها الغبي، استدعاني المصريون لأنقذهم من
عمعموت السفاح الدموي، القاتل الذي أنهكهم خوفًا ورعبًا"
صرخت كايميرا صرخة مدوية عندما لمحت عامي تحاول الهروب، وبرأس الثعبان في
ظهرها انقضت على رأسها وأوقفتها.
بدأت عامي تتحول لحقيقتها، رأس تمساح وجسد أسد ومؤخرة فرس النهر.
دافعت عن نفسها بمخالبها الحادة لتضرب الثعبان في عنقه، فابتعدت عنها
وتأهبت كلتاهما لمعركة الالتحام.
عقد أنوبيس ذراعيه على صدره، متخذًا جانب الحياد، وبدأت المعركة
الدموية، عندما أكملت كايميرا تحولها، أطلقت زئيرًا اهتزت لقوته جدران البيت،
بينما تتحول لأسد ضخم يخرج من ظهره رأس تنين أسود، وذيله على هيئة ثعبان ضخم أحمر
اللون.
لن ينسى المصريون تلك الليلة، فقد ظنوا أن العالم الذي
يعرفونه على وشك الفناء، لم يكن الرعب والخوف جديدًا عليهم، ولكن تلك الليلة حملت
لهم الرياح أصوات زئير وعواء وصراخ جريح. ثم صرخة أخيرة طويلة لوحش يحتضر.
ظل الأمل يداعب أحلامهم، أن كايميرا ستخلصهم من كابوس
عمعموت.
في الصباح أشرقت الشمس كما تشرق كل يوم، امتلأت الطرقات
بأصوات الحياة تدب مع خطواتهم، انفتح أحد أبواب البيوت المتلاصقة بصرير مزعج؛
توقفت كل الأصوات والتفت الرؤوس وجحظت العيون مترقبين من سيخطو من هذه العتبة....
وبعد لحظات مرت كأنها سنوات داخل قبل مسكون، ارتدت
الأنفاس للصدور وانشقت الوجوه المكفهرة عن ابتسامات مطمئنة وتلك الفتاة تغادر
البيت تلف وشاحها حول رأسها وتتطاير أطرافه خلفها، وهي تشق الطرقات وكل خطوة تنشر
خلفها علامات الارتياح.
خلسة خرج لسانها المشقوق يلعق نقطة دماء علقت بطرف شفتها
السفلى.
رابط المقال / https://www.7kayatuna.com/2023/03/MervatelbeltagyChimera.html

