" " " " " " " " رواية السجادة – الفصل الثالث3 – بقلم بيبو هشام
📁 آحدث المقالات

رواية السجادة – الفصل الثالث3 – بقلم بيبو هشام

رواية السجادة – الفصل الثالث3 – بقلم بيبو هشام

🖊️ بقلم: بيبو هشام – الكاتب المميز لدى موقع حكايتنا

رواية السجادة – الفصل الثالث3 – بقلم بيبو هشام

 


 روايةالسجادة الفصل الثالث بقلم بيبو هشام

 

عاد أخوها في نهاية اليوم وقبل أن يخلع ملابس العمل أخذته من يده إلى آثر القدم المطبوعة في التراب.. كانت قد غسلت السجادة جيدا وأزالت ما كان بها من أوساخ ولكنها لم تكمل تظيف الصالة حتى تظل آثار الشخص أو الشيء الذي كان يسير عليها موجودة ..

وعندما أتمت شرح نظريتها حول العالمين الذين انفتحا على بعضهما من خلال بقعة في سجادة الصالة ، مؤيدة كلامها بآثار الأقدام التي لم تكن لأخيها طبعا ، بدأ هو يحلل الأمور من وجهة نظر أخرى مستعيدا كلام صديقه ومستشاره في الأمور النفسية ، والذي كان قد فاتحه في مشكلة أخته على استحياء .. فقال الصديق :

"أختك تعاني من الوحدة ، إن الحبس الأنفرادي كعقاب للمجرمين هو من أقسى العقوبات لما يحدثه من تدمير لطاقة الفرد الحيوية والنفسية ، وأنت مخطيء في تعاملك مع أختك ، وهي حاولت أن تنبهك بالكلام والنقاش وأحيانا بالشجار حول أي سبب مهم أو تافه ، فقط لتظهر لك عدم رضاها ..

وأخيرا عندما لم تفلح كل هذه الوسائل ، بدأت في محاولة لفت انتباهك بطريقة أخرى وذلك عندما تركت شباك المطبخ المكسور مفتوحا ليدخل منه فأر ، واستغلت وجود الفأر لتصنع قصة عن لص أو شبح .. ولا أستغرب إن كانت ستؤلف لك غدا قصة عن كائنات فضائية تخرج من الثلاجة !

اسمع يا "فؤاد" ، أختك بحاجة إلى أهتمام أكبر منك وبأن تفتح لها مساحة في عالم الواقع بدلا من أن تفتح لنفسها هي بابا لعالم الأوهام والأمراض النفسية المعقدة ، وعندها لن استطيع أن أفيدك وستضطر للذهاب إلى طبيب نفسي حقيقي .. أرجوك حاول أن تساعدها وإن كان هذا سيتطلب منك مجهودا أكبر ، وتذكر أن لا الهدايا ولا الأموال يمكنها أن تنفع من كان في الحبس الإنفرادي .."

لقد اختلقت أختى كل هذه الأحداث وربطتها مع بعضها بخيال تحسد عليه ، ولم تكتف بهذا ، بل صنعت هذه الآثار بمهارة .. إنها تبدو حقيقة لولا أنه يستحيل أن يكون هناك من سار في هذه المنطقة من الصالة دون علمه أو علمها.. كما أن أثر القدم الي صنعتها "فايزة" تبدو غير متقنة ولا يمكن أن تكون أدمية أبدا ..

* * *
في تلك الليلة ساد الهدوء الشقة ولم تكن هناك أي أصوات غريبة ، حتى أن "فايزة" قررت أن تنام نوما هنيئا بعد أن أغلقت بوابة الجحيم كما تصورت .. كانت تتخيل أنها لا تقل بطولة عن أقوى الرجال ، فهي بغسيلها للبقعة التي كانت على ظهر السجادة قد حمت الأرض كلها من شر لا يعرف أحد حدوده !

وفي غمرة فرحها بالإنجاز الذي لم يعترف به أخوها ، شعرت بالعطش فتوجهت للمطبخ لتحضر كوبا من الماء .. تحركت في خفة حتى لا يستيقظ أخوها منزعجا ، ولما اقتربت من الصالة أحست بحركة خاطفة .. انتابها القلق من أن يكون انجازها الكبير في تنظيف الصالة لم يؤت كل ثماره وأن الفجوة لا تزال مفتوحة ، فوقفت خلف ستارة بعيدة تنظر للصالة في الظلام متفحصة كل شبر فيها ..

كان كل شيء في مكانه ، لا يوجد ما يثير الاستغراب أو يدعو للقلق .. لكنها استمرت واقفة في مخبئها ربع ساعة لا تتحرك لتتأكد تماما من أن كل شيء على ما يرام.. وبعد فترة من الاختباء أدركت أنها لا فائدة مما تفعله فهمت بالعودة إلى المطبخ لتحضر كوب الماء ، عندما لمحت حركة خفيفة على سطح السجادة ..

لم تتبين طبيعة الحركة وهي بعيدة نسبيا عن السجادة ، وخافت أن تقترب فتتوقف الحركة .. انتظرت في مكانها حابسة أنفاسها وهي ترى خيوط السجادة تخرج منها وتدور حول نفسها في الهواء كأنها اعصار صغير ، ثم تتجمع في شكل غير واضح ..

مرت ثوان والشكل يتكون .. حتى ظهر بوضوح رغم الظلام رجل كامل ! رجل ضخم من خيوط ووبر مختلفة الألوان ، لكنها بدت متناسقة عليه كأنها لباس مزخرف وكان بها شبه كبير من زخرفة السجادة التي بدت في هذه اللحظات عارية إلا من بعض الخيوط القليلة التي بقيت متعلقة بأطرافها ..

كان وجه الرجل ينظر إلى زاوية غير التي تختفي فيها "فايزة" ، ولهذا لم يلمحها وهي تفتح فمها في انبهار وخوف دون أن يصدر عنها أي صوت.. قام رجل السجادة بتحريك جسده كأنه كان محبوسا في صندوق ضيق وتحرر منه.. أخذ يشد أطرافه في حركات أشبه بتمارين رياضية ، فبدت عضلاته المكسوة بالخيوط الملونة للسجادة في منتهى التناسق والجمال ، وأطراف الخيوط تتمايل مع حركاته في مشهد ساكن رهيب ..

وكان هذا فوق احتمال "فايزة" فشهقت في فزع شهقة قوية انتبه لها رجل السجادة ، فالتفت فجأة إليها والتقت عيناه بعينيها لمدة لا تزيد عن جزء من مائة جزء من الثانية ، تفكك بعدها فورا وعادت الخيوط إلى أماكنها في ثانية واحدة !

وعلى صوت الشهقة استيقظ "فؤاد" مفزوعا ومتضايقا في نفس الوقت ، متوقعا من أخته حكاية جديدة تلفت بها انتباهه لمشاكلها التي يعرفها وقد قرر بالفعل أن يبدأ في حلها .. في كلمات متقطعة أخذت تصف له الرجل الذي تكون جلده من خيوط السجادة وكيف أنه كان يقف في الصالة ويتحرك ثم عاد مرة أخرى إلى السجادة عندما رأها ..

كان الوقت متأخرا و"فؤاد" يريد أن ينام ليلحق بعمله في الصباح الباكر ، ولذلك وقف بعصبية على السجادة وأخذ يقفز عليها قائلا :"هذه هي السجادة .. لا شيء فيها ، لا رجال ولا نساء ولا شيء ، انظري إليها ، تعالي قفي عليها ، امسكيها.. هل فيها أي شيء غريب ؟ هل أصابك الجنون ؟ هل .." ثم قطع عبارته بغتة عندما لاحظ شيئا وأخذ يتأمل السجادة لحظة ..

قطعت تأمله "فايزة" عندما ارتمت عليه باكية ، ورجته ألا يتركها في البيت وحدها ، وأن يلقي بالسجادة خارج المنزل .. وأن يأخذها معه إلى العمل إذا لم يكن هناك مكان تذهب إليه .. ضمها إليه وأخذها إلى غرفتها مهدئا إياها دون جدوى ، إذ ظلت تبكي حتى الصباح رافضة أن تنام أو تتركه ينام إلا في نفس الغرفة جوارها قبل الفجر بقليل عندما نفذت طاقتها ونامت هي أيضا ..

أما "فؤاد" فقد استيقظ لعمله وارتدى ثيابه بينما اخته نائمة ، ومر بالصالة ناظرا إلى السجادة محاولا تذكر شيء ما خطر على باله بالأمس لكنه نسيه .. هناك شيء غير مريح في السجادة لكنه لا يعرف ما هو .. نفض عن رأسه هذه الأفكار ونزل من البيت .. تاركا أخته نائمة وحدها ، مع السجادة .. أو بعبارة أدق مع رجل السجادة ..
تعليقات